لقد عودتنا الأنطولوجيا الغربية، أن تثور على نفسها بين حين وحين،وهذا تقليد راسخ،ولكنه بعد الحربين العالميتين،اتخذ إيقاعاً أكثر ثورية وصخباً،أما بُعده الأكثر تطرفاً فكان في نسف الإيمان بالقيم الليبرالية الديمقراطية الثابتة ونظرتها الأخلاقية،والتي لم ير فيها ميشيل فوكو إلا تكريساً للسلطة والهيمنة من خلال ميتافيزيقا الثنائية،الخير والشر،الصح والخطأ،والحقيقة دائماً في جانب القوي بل هي منتج من منتجاته،ومن هذا المنطلق وعلى هذه الأرضية تشن هيلين بلوكروز المفكرة البريطانية حملتها على ما بعد الحداثيين وعلى فوكو بالذات وتفكيكيته التي لم تبق معنى لأي شيء لا الأخلاق ولا القيم الديمقراطية ولا العلاقات الإجتماعية! لا بل تذهب إلى أبعد من ذلك فتهاجم جاك دريدا وبنيويته التي تفرغ النص من أي معنى خارجه،وبالتالي فهو لا يحمل أية رسالة ولا بشارة وإنما احتمالات تأويل لا نهائية من خلال المتلقي وبمعزل عن قصدية الكاتب وبالتالي فهي إفقاد للغائية التي ترى روز فيه شيئاً مدمراً.
ويرى فريدريك جيمسون أن ما بعد االحداثة تعني القيم الثقافية السائدة في الراسمالية الإستهلاكية المتأخرة. في حين يسحب آخرون هذه النظرة لتشمل نمط الحياة السائد بعد الحرب العالمية الثانية بما في ذلك الترفيه والمسلسلات التلفزيونية وموسيقى الروك،وكل حركة انفكاك من القيم التي سادت ما قبل الحرب،والتي فُقدت الثقة فيها،بفعل الآثار الفكرية والاجتماعية والنفسية المدمرة الناجمة عنها،فقد عصفت بكل الدعوات الاخلاقية التي بشرت بها فلسفات عصر النهضة أو أرستها على دعائم جديدة بعد الثورة على لاهوت الكنيسة والخروج من تحت عباءتها الدينية وسلطتها السياسية.
لا جرم أن تبدو هذه القيم في ظل مآسي الحرب ككذبة كبرى لا بد من البحث فيما بعدها،برغم الأصوات المحافظة المعبرة عن الهلع كما هي حال السيدة هيلين.
ولكن إذا كانت الثقافة هي منتج بيئتها كما يقول المابعد حداثيون أنفسهم،فإن ثقافة ما بعد الحداثة هي منتج شديد الإخلاص للثقافة والعقل الأوروبيين،ويحمل كل ملامحها وخصوصياتها حتى على أرضية رفضه لها.
فقد سبقتها الماركسية كثورة طبقية على قيم وعلاقات الإقطاع والرأسمالية الصاعدة.
كما سبقتها الفوضوية بالتمرد على كل علاقات السلطة وشكل الدولة واعتبارها ثمرة من ثمرات الشر الإنساني.
ثم تلت ذلك الهيبية في أمريكا في ستينات القرن الماضي والتي كانت بدورها تمردا على الرأسمالية الجشعة،التي ساقت شبابهم وأبناء جيلهم إلى مقصلة الحرب الفيتنامية تحت شعارات الوطنية الكاذبة التي تتقنع بها الراسمالية الجشعة التي لا تسعى إلا إلى الهيمنة على الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها ولا تخرج عن إطار الإستعمار المتوحش العنصري الذي يحتقر الآخرين ولا يمانع في إبادتهم..وهي بهذا المعنى انقلاب على الذات أدى إلى انكفاء داخلي معني بقطف المتع دون عناء ودون الإنغماس في منظومة وعلاقات العمل الرأسمالية،ورفض أن تجنده ليكون ترساً من تروسها،ولهذا تمظهرت في موسيقى الروك آند رول وتدخين الماريجوانا والعلاقات المنفتحة بعيدا. عن المنظومة الأسرية المندمجة في بنية ونسيج المجتمع الراسمالي.
وعلى ضوء ما سبق فقد اتسعت دائرة المصطلح لتشمل ما بعد الحداثة في الثقافة والموسيقى والرسم والمعمار وكل الأنشطة الإنسانية،وهذا يؤكد مفهومها في تكريس الفردية واعتبار الإنسان الفرد هو منطلق الفكر والإبداع والثقافة وليس القيم الإجتماعية السائدة.
وبالتالي فإن ما بعد الحداثة منسجمة مع تسميتها تماما في الوقوع خارج النُسُق والأنماط،ولهذا اكتفت في مصطلح ال ما بعد" على إطلاقه تاركة أبوابه مفتوحة مغبّة الوقوع في" شرك الثابت والنمطي الذي رفضته ابتداء!
نزار حسين راشد
ويرى فريدريك جيمسون أن ما بعد االحداثة تعني القيم الثقافية السائدة في الراسمالية الإستهلاكية المتأخرة. في حين يسحب آخرون هذه النظرة لتشمل نمط الحياة السائد بعد الحرب العالمية الثانية بما في ذلك الترفيه والمسلسلات التلفزيونية وموسيقى الروك،وكل حركة انفكاك من القيم التي سادت ما قبل الحرب،والتي فُقدت الثقة فيها،بفعل الآثار الفكرية والاجتماعية والنفسية المدمرة الناجمة عنها،فقد عصفت بكل الدعوات الاخلاقية التي بشرت بها فلسفات عصر النهضة أو أرستها على دعائم جديدة بعد الثورة على لاهوت الكنيسة والخروج من تحت عباءتها الدينية وسلطتها السياسية.
لا جرم أن تبدو هذه القيم في ظل مآسي الحرب ككذبة كبرى لا بد من البحث فيما بعدها،برغم الأصوات المحافظة المعبرة عن الهلع كما هي حال السيدة هيلين.
ولكن إذا كانت الثقافة هي منتج بيئتها كما يقول المابعد حداثيون أنفسهم،فإن ثقافة ما بعد الحداثة هي منتج شديد الإخلاص للثقافة والعقل الأوروبيين،ويحمل كل ملامحها وخصوصياتها حتى على أرضية رفضه لها.
فقد سبقتها الماركسية كثورة طبقية على قيم وعلاقات الإقطاع والرأسمالية الصاعدة.
كما سبقتها الفوضوية بالتمرد على كل علاقات السلطة وشكل الدولة واعتبارها ثمرة من ثمرات الشر الإنساني.
ثم تلت ذلك الهيبية في أمريكا في ستينات القرن الماضي والتي كانت بدورها تمردا على الرأسمالية الجشعة،التي ساقت شبابهم وأبناء جيلهم إلى مقصلة الحرب الفيتنامية تحت شعارات الوطنية الكاذبة التي تتقنع بها الراسمالية الجشعة التي لا تسعى إلا إلى الهيمنة على الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها ولا تخرج عن إطار الإستعمار المتوحش العنصري الذي يحتقر الآخرين ولا يمانع في إبادتهم..وهي بهذا المعنى انقلاب على الذات أدى إلى انكفاء داخلي معني بقطف المتع دون عناء ودون الإنغماس في منظومة وعلاقات العمل الرأسمالية،ورفض أن تجنده ليكون ترساً من تروسها،ولهذا تمظهرت في موسيقى الروك آند رول وتدخين الماريجوانا والعلاقات المنفتحة بعيدا. عن المنظومة الأسرية المندمجة في بنية ونسيج المجتمع الراسمالي.
وعلى ضوء ما سبق فقد اتسعت دائرة المصطلح لتشمل ما بعد الحداثة في الثقافة والموسيقى والرسم والمعمار وكل الأنشطة الإنسانية،وهذا يؤكد مفهومها في تكريس الفردية واعتبار الإنسان الفرد هو منطلق الفكر والإبداع والثقافة وليس القيم الإجتماعية السائدة.
وبالتالي فإن ما بعد الحداثة منسجمة مع تسميتها تماما في الوقوع خارج النُسُق والأنماط،ولهذا اكتفت في مصطلح ال ما بعد" على إطلاقه تاركة أبوابه مفتوحة مغبّة الوقوع في" شرك الثابت والنمطي الذي رفضته ابتداء!
نزار حسين راشد