هربرت و. شنايدر - قيم النظرية البراجماتية ردا على البروفيسور اربان.. ترجمة: د. رمضان الصباغ

كرم البروفيسور " اربان " مقالتى عن " نظرية القيمة ""1" بالرد والنقد . وانا بموجب التزام حقيقى له ليس فحسب لانتقاداته وتعليقاته القيمة ، بل من اجل اتاحة الفرصة لى لازالة بعض النقاط الخادعة فى تللك المقالة ايضا . وأنا أرحب بهذه الفرصة لأن المناقشات التى جرت لهذه المشكلة مؤخرا ، خاصة تلك التى قدمها البروفيسور " اربان " والدعوة الى اعادة النظر فى العديد من النقاط التى برزت فى مقالتى .
ومما يؤسف له أن المقالة كتبت قبل ظهور مقالات البروفيسور "اربان " والبروفيسور " ديوى " والبروفيسور "بيرى " وبالتالى لم استطع الاستفادة منها . كان العديد من النقاط ظهر فى مقالتى باقتدار أكثر وبدقة فى مناقشاتهم ، لكى نزيل الالغام المزعجة . ولكن بما أن رد البروفيسور "اربان" أثار عددا من المسائل الهامة ، سأحاول مناقشة البعض منها ليس استنادا الى مقالتى فحسب بل والى المناقشة الأخيرة بشكل عام .
احتجاج البروفيسور " اربان " ضد ماجرى تحديده مع " علم النفس البنيوى " منهجا لمشكلة القيمة المبررة تماما فى ضوء مقالاته الأخيرة ، التى تختلف تماما عن كتابه " التقويم ، طبيعته وقوانينه" . بالتأكيد حقا فيها – أى المفالات – " دراسة موضوعية للقيمة متصاعدة بشكل كلى " . وتصريحى كان – بالطبع – ينهض على كتاباته الأولى وخاصة كتابه " التقويم .." .
لكن – مع ذلك – أود أن انتهز فرصة احتجاجات البروفيسور " اربان " ، ليس فقط لأنه يعترف بخضوع النظرية باعتبارها مكملة للنظرية السيكولوجية ، ولكن ايضا لأنه ناقش المشكلة " الاكسيولوجية "والمنهج باعتبارهما مستقلين عن النظرية السيكولوجية .
لنأخذ النقطة الأخيرة أولا ، الفصل الصارم بين المشكلتين والمنهجين يبدو لى دليلا جيدا بالنسبة للنقطة التى حاولت أن أقدمها ، وهى أن المنهج السيكولوجى للبروفيسور " اربان " منهج بنيوى ، لأنه عندما يكون محتوى عقلى معين ، الشعور بالمعنى الارادى الوجدانى ، وما الى ذلك ، يؤخذ فى حد ذاته باعتباره وصفا ل " خبرة القيمة " وأن المشكلة الاكسيولوجية تنشأ لكى تمنح هذا التحليل الذاتى صلاحية موضوعية .

لنبدأ مع بعض الحقائق العقلية باعتبارها وصفية للقيمة ، مع الشعور بأنها قيمة أساسية ،أو مع وعى القيمة ، يسعى البروفيسور "اربان" لبناء نظرية سيكولوجية للقيمة من خلال تحليل هذه " الحقائق السيكولوجية " وصياغة قوانينها . هذا النوع من الاجراء ، يبدو لى بوضوح أنه " علم النفس البنيوى " على الرغم من زعم البروفيسور " اربان " بأنه " علم النفس الوظيفى ""2" لأن "علم النفس الوظيفى""3" لا يعرف شيئا عن " الحقائق العقلية " و " الحقائق النفسية " و " محتوى الوعى " ومالى ذلك ، وأنه لن يركز نظره على وعى القيمة لحل مشكلة القيمة أيا كان .
بعبارة أخرى اعتقد أن وصف ما يحدث أن يشعر به المرء عند تناول قطعة من فطيرة له أهمية بالنسبة لنظرية " قيمة الفطيرة " او بصفة عامة هذا التحليل البنيوى يلقى الضوء ايا كان على طبيعة القيمة ، يماثل محاولة بناء علم الطب على أساس المشاعر البائسة من الناس المرضى . لكن عندما بنيت نظرية القيمة على أساس افتراض الحقائق العقلية ، فان صلاحية مثل هذه القيم تصبح مشكلة مباشرة .
من هنا جاءت ضرورة المنهج الاكسيولوجى لبناء علاقة بين هذه القيم والحقيقة ، والموقف مشابه تماما لما أشار اليه البروفيسور " اربان " بالنسبة لمشكلة المعرفة"4" . وجود معرفة محددة بمصطلحات العناصر العقلية البنيوية ، واحتياج علم النفس الى الابستولوجيا ( مشابه للاكسيولوجيا ) لتوفير أساس لصحة المعرفة بشكل عام على الاطلاق (ueberhaupt ) .
و ما أشير اليه هنا هو ببساطة أن المنهج الاكسيولوجى لمشكلة القيمة ، أبعد ما يكون عن كونه المكمل الكفؤ للمنهج السيكولوجى لدى البروفيسور "اربان" ، فما هو الا احدى ثمراته الشريرة ، والدليل على الطابع البنيوى .

نفس الشىء صحيح عن المقالة النظرية بالمعنى الذى فيه كانت امنية ، التحليل الموضوعى والتحليل الذاتى ، تم كل منهما فى استقلال عن الآخر ، ومن ثم فان وضعهما جنبا الى جنب أو اضافتهما معا ، لن يقدم النظرية الوظيفية للقيم أبدا ، أى اكثر نظرية مناسبة للمعرفة يمكن الحصول عليها باضافة الواقعية الى المثالية معا .
الموقف مشابه الى حدما لتحليل وظيفة الهضم التى يجب أن تتشكل فى تحليل بنية الجهاز الهضمى وتحليل الخضروات واللحوم وغيرها . العامل الحيوى الحقيقى ،وهو، عملية الهضم يتم استبعادها تماما . من جهة، ستكون هناك المحاولة التراجيدية ( الماساوية ) لاكتشاف الطعام باعتباره صفة جوهرية للخضروات واللحوم ، ومن جهة أخرى ، تحديد وضع الطعام باعتباره افتراضا مسبقا للجهاز الهضمى ، الا أنه يفتقر الى الصلاحية الموضوعية . القيمة مثل الغذاء ، تعد مصطلحا وظيفيا ويجب أن تكون النظرية المناسبة للقيمة بمثابة التحليل العضوى ( الاساسى ) لوظيفة القيمة .
فى حين أنه قد تكون هناك اشارة الى كل عوامل موقف القيمة عند البروفيسور " اربان " أو نظرية القيمة لدى " مونستربيرج " فان العوامل لم تدرس كعوامل للموقف ، بل باعتبارها مستخلصة منه ( من الموقف ) . بعبارة اخرى ، يركز أحد المناهج النظر على " وعى القيمة " والمنهج الآخر يركز النظر – فى المقام الاول – على " موضوعات القيمة " ولكن لا يتم التركيز على موقف القيمة . والنتيجة كانت بالتنفيذ عبر الرؤية أن تأثرت العين بدلا من الرؤية الواضحة .
لقد دعوت القيمة بالوظيفة هنا . هل ادركت عندما كتبت مقالتى أن مصطلح " الصفة " مازال ملتبسا للغاية ؛ وقد استخدمت " وظيفة " بدلا منه ؛ على الرغم من اننى أشك فى ما اذا كان هذا المصطلح أقل خداعا ، لانه مألوف للغاية . مع ذلك ما أود التاكيد عليه هو ان القيمة هى اسم لاداء الموضوعات فى مواقف معينة وبطريقة محددة . وأداء الموضوع فى الموقف غير المكتمل وغير المحدد باعتباره اكمال وتحديد العامل هو القيمة "5". والموضوعات تعمل دائما وعلى وجه التحديد وليس بشكل عام . ويجب أن تكون الوظيفة الفعالة للموضوعات محددة / من جوهر طبيعة الوظيفة . وبالتالى يجب أن تتناول نظرية القيم على وجه التحديد فيما يتعلق بحالاتها .
يتعارض هذا – بطبيعة الحال – مع تصريح البروفيسور " اربان " بأن " التعريف النهائى للقيمة يتعلق فحسب بالقيمة الجوهرية ، وجميع القيم الخارجية والوسيلية ترجع الى مفاهيم القيمة الجوهرية فى نهاية المطاف ""6" . بالنسبة للقول بأن تعزيز الميل تجاه الخير يعنى ان تعزيز الانجاز فى حد ذاته خير"7" . اذا ما كان الأمر كذلك ، فاننى افترض أنه قد يتبع ذلك أنه قد تم تصور القيمة باعتبارها متصلة بشكل نهائى أو " شكل ااموضوعية " .
لكن هل هذا هو ما يحدث ؟ . هل الحكم بأن ( س ) خير بالنسبة ل ( ص ) يعنى أن ( س ) خير فى حد ذاته ؟ . بالتأكيد لا فيما يبدو لى . وأن مفهوم القيمة الجوهرية لا يرجع الى أن القيمة الوسيلية يمكن أن تظهر . فيما اعتقد ، من خلال الاشارة الى العمل الخاص بالبروفيسور " اربان " . وانا اقتبس"8" نفس الموضوعات – واسمحوا لنا بان الماس – قد يكون له قيمة ضئيلة أو أمرا مكروها – فى الواقع – لى شخصيا ، وان كنت فى موقف آخر قد أعزو اليه قيمة جوهرية . ويجوز لى قبول قيام صديقى بالتقدير الفورى له ، على الرغم من الموضوعية ، فاننى أدين وجهة النظر الأخلاقية .
هذه التناقضات يمكن حلها فحسب من خلال التمييز بين القيم الذاتية والقيم الموضوعية . وترتبط ارتباطا وثيقا مع مع هذه المراوغة التى تناشأ عندما يتم تجاهل التمييز بين القيم الجوهرية والقيم الوسيلية . الموضع الذى لاقيمة له ، او – فى الواقع – موضوع أحكام القيمة السلبية الضار أو السىء ، قد يكتسب صفة القيمة عندما يصبح وسيليا لموضوع القيمة المباشرة أو الجوهرية .
بالمثل فى نطاق القيم الوسيلية أو المفيدة للاقتصاد ، نجد المراوغة التى يمكن ازالتها فقط عن طريق التمييز بين الذاتى والموضوعى . من جهة ، اذا كان أى شىء ذا قيمة لانه مفيد ، فان هذا يكون هكذا بالنسبة للذات وبالاشارة الى حالات ملموسة .ولكن من جهة أخرى ، نحن نقاد الى أن نعزو القيمة الى الموضوع – على سبيل المثال – عندما نقول بان الحديد له قيمة ، بغض النظر عن علاقته بذات الفرد والظروف او الحالات الملموسة ، من خلال عملية تجريد نمنح الموضوع قيمة فى ذاته .

يبدو لى هنا ، أن ظهور الطابع الوسيلى النسبى للقيم باعتباره أوليا ، وقيمة جوهرية تخدم فقط فى الدخول فى التمييز بين الذاتى والموضوعى الذى هو بالطبع تمييز حيوى بالنسبة لكل مخطط البروفيسور " اربان " . بحجة الطابع المراوغ للقيمة النسبية ومن خلال عملية التجريد فانه دون مبرر يعطى الموضوع " قيمة فى ذاته" . من خلال هذا الاجراء تصبح القيم " وظائف للعلاقة بين الذات والموضوع " "9" . ويواصل " عندما نتحدث عن الموضوع باعتباره حاصلا على قيمة مطلقة أوموضوعية ، فان هذا يكون من خلال عملية تجريد مؤقتة من الذات فى موقف معين فحسب ، وليس من الذات فى حد ذاتها .
هذا ما أود أن أسميه الآن " الرؤية التجريدية المفرغة " . القيمة الفعلية – يواصل البروفيسور " اربان " ، " هى دائما معنى الموضوع بالنسبة للذات فى موقف ما وليست سمة من سمات الموضوع نفسه . القيمة المضافة المنسوبة للقيمة الفعلية تنشأ من مواقف الذات ، جديرة بالاهمال او غير ذات صلة من وجهة النظر التى من خلالها تتحدد القيمة الفعلية .

هذه القيمة المنسوبة ، هى – فى الواقع – اتهام ، بالمعنى الازدرائى للمصطلح . فالقيمة الفعلية هى معنى الموضوع دوما بالنسبة للذات فى موقف ما ( متجاهلا للحظة التداعيات الذاتية للتصريح وما يعطيها تفسيرا موضوعيا ) هو امر سهل للحقيقة ، وكل ما يجب القيام به هو اكتشاف أى معنى فى أى موقف . أو بعبارة أخرى ، لتحليل وضع القيمة من قبيل هذه الطريقة – كما حاولت فى مقالتى - او كما فعل البروفيسور " ديوى " بطريقة أكثر نجاحا ودقة فى مقالاته .
لا يوجد شىء غامض حول القيم الوسيلية على هذا النحو . تنشأ المراوغة من التقويم الخاطىء أو غير المكتمل ، ولا يدعو الى التمييز بين القيم الموضوهية أوالقيم الجوهرية والقيم اذاتية ، ولكن من اجل الفهم الواضح فحسب لمعرفة المعنى الفعلى أو وظيفة الموضوع فى ذلك الموقف .
من هنا أقول ان تجريد القيمة من حالة معينة هو الحلقة المفرغة ، والاعتراف بأنها " واعية تماما " يجعل الأمر أكثر دائرية ( وقوعا فى الحلقة المفرغة ) .اذا كانت التقويمات لا تتم بشكل عام فكيف يمكن دراستها بشكل مثمر كما لو كانت كذلك . على حد تعبير رد البروفيسور " اربان " التقويمات قد لاتتم بشكل عام ، ولكن اذا كان هناك اى علم لها – اى للتقويمات – فيجب أن تدرس بشكل عام .
تبدو لى هذه هى الحلقة المفرغة العلمية ، او بشكل أفضل ، العقيدة غير العلمية . قد يقول المرء اته يستطيع دراسة الايدروجين والاكسجين أيضا بشكل تجريدى ، من اجل اجراء دراسة تجريدية عن الماء ، تماما مثلما يتوقف الماء عن أن يكون ماء عندما يتم تحليله ، أيضا يتوقف الموضوع عن ان يكون قيمة عندما يجرد من الوضع الذى يؤدى فيه وظائفه .
لكن البروفيسور " اربان هو – بطبيعة الحال – على حق تماما عندما يقول بأن العلم يجرد الافكار ، ومثل هذا التجريد العلمى الحقيقى هو " وضع القيمة " . فالحالات لاتوجد بمعزل عن الخبرة ، بل تنصهر واحدة ضمن أخرى أو واحدة متداخلة بالأخرى . والموضوعات هى عادة أعضاء حالات عديدة . ولكن التقويم الذكى ممكن ، والعلم من أى نوع ممكن فحسب عندما تكون هذه الحالات المتشابكة قد جردت ، وبشكل أفضل ، " انتزعت " .
بعبارة أخرى ، المراوغة " هى نتيجة لعدم النظر للقيمة فى علاقاتها المحددة ، ونقل ارتباك الخبرة المباشرة الى التحليل العلمى . هذا النوع من التجريد العلمى ليس هو الحلقة المفرغة لانه لاوجود لتحريف الحقائق ، بل مجرد اختيار ذات الصلة ورفض ما ليس له صلة .
النقطة الرئيسية التى أثارها البروفيسور " اربان " هى تهمة " تجريد الحلقة المفرغة " . لكن مما تقدم فانه – فيما اعتقد – اقترح العديد من النقاط الأخرى ايضا التى بنبغى ذكرها ، مع أن المساحة المحدودة تجعل المناقشة النقدية لها مستحيلة . النقطة الأولى ؛ هى التمييز بين القيم الموضوعية والقيم الذاتية . ويترتب على ماقيل أن القيمة لا يمكن اعتبارها على أنها " وظيفة لعلاقة الذات بالموضوع " كما رأى البروفيسور " اربان " .
لقد حاولت أن أوضح ان التمييز كان دخيلا على مشكلة القيمة من أجل جعلها مناسبة للمخطط الابستمولوجى . لا وجود لأشياء باعتبارها قيما موضوعية أو قيما جوهرية والتى تعمل باعتبارها معايير أو قواعد صلاحية للقيم الذاتية البحتة . الطابع النسبى والنوعى للقيم لا يجعلها ذاتية او موضوعية ، بل مثلما قال البروفيسور " ديوى " ببساطة " عملية ""10" . ويجوز لنا مع ذلك ، الحديث عن القيم الذاتية والموضوعية فيما يعد اجتماعيا وأخلاقيا ، وليس بالمعنى المنطقى .
تختلف مجالات الحالات ، ونفس الموضوع غالبا يكون له تقويم بالاشارة الى العديد من الحالاات ، بعضها أكثر شمولا من الحالات الاخرى . وقد تم الحديث عن الموقف الأضيق على أنه ذاتى أو تابع للموقف الأوسع . لكن ما يعد جديرا بالملاحظة أن هذا التمييز لم يقدم ضمن التقويم ، بل بين حالات القيمة . يتم تحديد الصلاحية المنطقية للتقويم ضمن هذا الوضع ، ولكن يتم تحديد الأهمية الاجتماعية من خلال العلاقات بين الحالات .
قديكون مجرد الخلط عند استخدام التمييز الموضوعى الذاتى فى هذه الطريقة ، وأنا لن أعرضه هنا فهو لم بكن فى الحقيقة قد ألقى بعض الضوء على مشكلة الفرد مقابل القيم الفردية المفرطة التى أثيرت فى رده ( أى رد اربان ) . فى اتهام المنهج السيكولوجى للبروفيسور " اربان " التعامل فقط مع " القناعات الشخصية " فحسب ، لقد نقلت أنا عن " مونستربيرج " بدلا من ابداء رأيى الخاص . صحيح أن علماء النفس البنيويين تعاملوا مع القيم الفردية المفرطة ، لكن – مع ذلك فان أسس هذه – القيم الفردية المفرطة – قد نظر اليها على أنها ، " مواقف غير شخصية " او ماهى معروفة عموما باعتبارها مشاعر أخلاقية للافراد .

وبما ان التقويم تم تصوره على أنه مستمر ومتدرج وتقرير منتظم لتيار الرغبة والشعور فى عقل الفرد . أى قيم فردية مفرطة يتم اكتشافها هى نتيجة لاشارة اجتماعية وموضوعية لهذا " التيار فى عقل الفرد ""11" عوضا عن الموقف الموضوعى والاجتماعى . وهكذا يوجد قدر كبير من الحقيقة فى اتها م "مونستربيرج " بأن علم النفس ذاتى ويتعلق بالاشباعات والقناعات الفردية فقط .
دافع تحليل وضع القيمة هنا عن عدم الحاجة الى القيم الفردية المفرطة لأسسها المفترضة فى شعور الفرد ، ومن جهة أخرى لاتحتاج الى أن تحيل القيم الفردية الى قيم فردية مفرطة لاعطائها الصلاحية . لقد تم اكتشاف القيم الاجتماعية ببساطة فى المواقف الاجتماعية الموضوعية ، التى تتحمل وجودعلاقة اخلاقية لحالات أكثر تقييدا " ذاتية " ، ولكنها ليست ذات أهمية فى تحديد صلاحية أى قيمة على الاطلاق .
تورط آخر للموقف الوسيلى هو تأثيره على علاقة القيمة بالوجود ، الذى ذكره البروفيسور " اربان " فى رده بأنه " النقطة التى وصل فيها التنافر الأساسى الى ذروته فى النظرية البرجماتية " . ويجب أن يكون واضحا تماما أنه بالنسبة للنظرية الوظيفية فان مشكلة القيمة فى مواجهة الحقيقة بشكل عام ببساطة لا وجود لها ، لانها ثمرة " للرؤية التجريدية للحلقة المفرغة " .
نحن نسال عن أى قيمة خاصة ، اذا كانت حقيقية أم لا وهذا يعنى على وخه التحديد اعمال التقويم ، ولكن علاقة القيمة بصفة عامة بالوجود بشكل عام لامعنى لها . فالقيم حقائق طبيعية او موجودات ، ولكن هذا لا يثير مشكلة واضحة . التصريح بأن الوجود قيمة وان القيمة وجود والذى ينسبه البروفيسور " اربان " للبراجماتيين، هو – كما يبدو لى – براجماتيا لامعنى له الى حد بعيد ، وأنا غير قادر على تحديد مكانها الادب البرجماتى .
علاوة على ذلك ، ماذا لدى مثل هذا التصريح مع " الحلقة السحرية للحالة الخاصة " ؟ . او مرة اخرى ، ماهى العلاقة بين عبودية الحالة الخاصة و"مفارقة" الحكم العملى والمعرفى على حد سواء و " عدم استقرار البراجماتية " وما الى ذلك ؟.
فى مقالتى لم أكن اهدف الى مايتعلق بنظرية القيمة التى تنسجم مع الفلسفة البرجماتية العامة ، بل بالأحرى الى مناقشة مشكلة القيمة فى حيثياتها ومصطلحاتها الخاصة . وحين تعرفت على اسهامات المنطق الوسيلى وعلم النفس الوظيفى بهذه المشكلة ، لم أكن اهتم بالتعرف على التحليل بشكل واضح مع البرجماتية أو مع أى رؤية فلسفية أخرى لأنه يبدو لى أننا يجب أن نحرز تقدما أفضل اذا فاربنا المشكلة بروح البحث التعاونى .بدلا من الدخول فى المنافسات أو مواكبة التيارات الفلسفية .

مع ذلك ، بما أن البروفيسور " اربان " حدد مقالتى على أنها مع الموقف البراجماتى ، وربما بصورة منصفة للغاية ، قد قدم رده بمناسبة انتقاد البراجماتية بشكل عام ، فيبدو من واجبى تقديم بضع كلمات فى الدفاع عن البراجماتية . ومع ذلك – كما قلت – فاننى أفضل أن يكون تحليل المقالة ينصب على مزاياها الخاصة ، بدلا من التركيز على مزايا البراجماتية كفلسفة .
يقول البروفيسور " اربان " بالتأكيد مستر " شنايدر " نادرا ما يشير الى ما يسميه علم النفس الوظيفى باعتباره قد ساهم بأى شىء محدد فى الدراسة العلمية للقيم . بالرغم من أن هذا بالتحديد هو ما أرغب فى الاشارة اليه ، وكدليل على أن هذا ليس مجرد افتراض مسبق من جهتى ، أنا اقترح العديد من المساهمات ( 1 ) اعدة نظر حقيقية لمشكلة القيمة وفضح عقم التحليل القديم ( 2 ) مفهوم ان القيم خاصة وليس بالوسع دراستها مجردة عن حالاتها ، أى أكثر من الحياة التى يمكن دراستها فى الجثة ( 3 ) التحليل المبدئى لوضع القيمة والاسهام البارز فى هذا الصدد الذى قدمته مقالات البروفيسور " ديوى "عن الأحكام العملية ( 4 ) ارتباط العقل بالتقويم ، ونقد الفصل الميتافيزيقى واللاهوتى لعالم الحقيقة عن عالم القيمة ، وفصل أحكام الحقيقة وأحكام القيمة .
هذه المساهمات – يجب على أن أقول – تمثل بعض المنتجات الرئيسية للمنهج الوظيفى . سواء ثبتت على نحو كاف أم لا ، فالمسألة هى بالطبع مسألة الشك والاختلاف فى الرأى ، ولكن اذا كانت قد قبلت ، فانها سوف تثير ثورة فى جانب من جوانب مشكلة القيمة . من وجهة النظر الايجابية قد بدت غامضة الى حد كبير جدا ، ولكن من وجهة النظر الحالية فانها تبدو لى ذات مغزى للغاية .
أود ان اشير الى انها سيكون لها عواقب بعيدة المدى بالنسبة لنظرية البروفيسور " اربان " الخاصة . وليس متوقعا من النظرية البراجماتية فى الوقت الراهن الكثير ، لانها لاتزال مجبرة على مجادلة عنيفة فى طابعها الى حد كبير . ولكن على الرغم من هذه الحالة المؤسفة ، وعلى الرغم من قصورها ، فقد خلقت غليانا فكريا ، حتى فيما يتعلق بنظرية القيمة والتى لا مثيل لها فى الآونة الأخيرة .
من المؤكد ضمنا أنه لا توجد قوانين عامة قد أسفرت عنها دراسة الحالة الخاصة ، " لأن من طبيعة الحال أنه لا يمكن استخلاص شىء منها " ، فهى ليست كاذبة فقط بل ولامعقولة تماما . وبالنسبة للقانون على سبيل المثال ، القيمة عمل وسيلى للموضوعات فى حالات خاصة ، وهى تعتبر عامة ومجردة عن أى رضا تماما .
من ثم فان الاتهام الثانى ضد البراجماتية يدعى أن الحل سيكون من قبل مجرد "خفة اليد " لأكثر المشاكل المحيرة ليس فقط مشاكل نظرية القيمة ، بل ومشاكل الحياة بشكل عام . "فى هذه المسائل الأساسية مسألة هى كل مانطالب به " . فقد لمست مقالتى فحسب سطح مشكلة القيم وانا أعى ذلك تماما . ولكننى أو حتى البراجماتية بشكل عام ، نرى هذا على أنه اشبه بحل سحرى وعلى استعداد تام لأدعه يمضى الى ذلك ، خوفا من أن البداية من الصفر عميقة جدا ، وبشكل جذرى تسىء الى فهم الموقف البراجماتى .
تعنى البراجماتية اعادة توجيه البحث الفلسفى الى المشكلات الحقيقية ، والسبب فى أنها ترفض الدخول فى مشكلات مثل اعتبار الذاتية مقابل الموضوعية ، والقيمة مقابل الحقيقة ، ومشكلة تصنيف القيم ، وما الى ذلك . لأنها وجدت هذه المشكلات خادعة وغير أصلية . وبعيدا عن الاستراحة فى هدوء الرضا عن النفس تسعى الى اعادة التأكيد على مشكلات القيمة فى مصطلحات علمية وتظهر فى أى الاتجاهات يجب أن يمضى البحث العلمى قدما ، ولم تشر البراجماتية الى نهاية نظرية القيمة بل الى بداية جديدة .
التورط الآخر الذى يأتى فى رد البروفيسور " اربان " وفى كثير من الانتقادات الحالية للنظرية الوسيلية هو أن الحالة الخاصة تعد عائقا فكريا وحلقة سحرية مفرغة وعبودية للحظة العابرة مما يدل على العجز والانتهازية وعدم الاستقرار وعدم التبصر وما الى ذلك . لماذا ساد هذا الموقف فحسب ، هذا ما لا يسهل فهمه .
انا اتصور أن كلمة خاص لديها ما تقوم به حيال تلك الحالة الخاصة ، فقد فسرت لتعنى " محددة " ، فى الموقف الضيق . هل الفكر الحالى لا يظهر حتى " فى العام " وعلى الاطلاق ، والمطلق ، وربما كان الأفضل ببساطة القول " الحالة " . وبالنسبة لتعبيره عن " الحالة الخاصة " اتضح أنه تعبير زائد عن الحاجة . ويمكن أن تكون الحالة لاشىء ولكنها خاصة .
وكما قلت فيما سبق فان الحالات تختلف فى المجال ،وقد تكون المسائل للحظة أو لقرون ، وتتعلق باهتمام الفرد فقط أو باهتمام العالم كله . ولكن حالة واحدة فحسب تعتبر محددة للأخرى . وتعدالمشكلة الاخلاقية مشكلة تقويم بالتحديد بالنسبة لهذه الحالات الأكبر والاوسع نطاقا . ولكن هذا الاهتمام الأخلاقى يجب ألا يسمح بالتشويش على تحليل القيمة أو التقويم على هذا النحو .
لذا أود ان أشير الى أن عدم استقرار البراجماتية والكثير من أخطائها والمفارقات لا علاقة له بهجوم " الحالة الخاصة " ، بل يرجع الى حقيقة أن مختلف الانواع المتنافسة فى الفلسفة تفسر البراجماتية بشكل طبيعى وفقا لنزعاتها الفلسفية الخاصة . هذا على الأقل باعتبار أنها "الآن طبيعية وواقعية ومرة أخرى ذاتية ومثالية " . وبطبيعة الحال فان الاهتمامات المتنوعة والخلفيات الفلسفية للبراجماتيين أنفسهم ادت الى شىء من ذلك .
الاتهام بأن البراجماتية غير مثمرة من الناحية العملية وأيضا من الناحية النظرية يعد من الناحية البراجماتية اتهاما قاسيا ، ولكنه يبدو لى لا أساس له تماما . الخوف من أن تصبح البراجماتية " انتهازية سياسية "، و " فى عبودية للحظة العابرة " ، هذا أمر يفتقد للبصيرة ، فمنذ عرفت القيم النسبية أو القيم ذات الصلة لم تعرف القيم الحقيقية على الاطلاق ، وقد ولدت – فيما اعتقد – بهذا التفسير الخاطىء " للحالة الخاصة " .
بالتأكيد تبدو حقيقة القضية لا تدعم الاتهام . لذلك بالتحديد كان حرص البراجماتية على الاهتمام بتأسيس الفكر الابداعى والتبصر فى حياتنا الاجتماعية ، وزعمها بأن تكون قوة اعادة توجيه ، وفلسفة عملية ، تلك هى السمة المميزة لها . والاختبار الذى وضعت فيه الفلسفة خلال الازمة الحالية يبدو معززا لهذا الزعم من خلال اظهار قيم الموقف البرجماتى ، وتلك الانشطة الفكرية التى تعد قوى بناءة حقا ، مثل مجموعة الليبراليين المعروفة باسم " الواقعيين فى السياسة " والممثلة من خلال اعضاء " الجمهورية الجديدة " ، قد استلهموا البراجماتية – ليس حصريا بطبيعة الحال – من خلال مجموعة من الفلاسفة المعروفين كبراجماتيين ، بل ومن خلال نزوع العقل باتجاه وجهة نظر فلسفية .
واذا عملت الفلسفة من أجل اعادة البناء الاجتماعى الذكى ، فانها لا تستطيع القيام بذلك من خلال بقاء " غير ذى الصلة "بحزم . فى الواقع ، يكشف الوضع الحالى بوضوح تام – ما يبدو لى – عن ان اولئك الذين مازالوا فى السياسة والاخلاق يرون بحزم "غير ذى الصلة " مزعجين اجتماعيين ومهيجين أكثر منهم قوة فاعلة واعادة توجيه .

الهوامش

This JOURNAL, Vol. XIV., p. 141 (1)
Valuation, p. 13.(2)
3 Ibid., pp. 13-15.(3)
4 Ibid., p. 16(4).
(5)Cf. Dewey, " The Logic of Judgments of Practise," ," in Essays in Experimental
Logic.
6 This JOURNAL(6)
Ibid., p. 454.(7)
8 Valuation, p. 22.(8)
Ibid., p. 25.(9)
Essays in Experimentat Logic, p. 364.(10)
Valuation, p. 15.(11)
***
ترجمة د. رمضان الصباغ


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى