زكرياء شيخ أحمد - التكرار وبعض غاياته في النصوص الأدبية..

أعتقد أن ذهاب البعض إلى أن تكرار الكاتب أو الشاعر كلمة أو ضميرا أو جملة كاملة في بعض من نصوصه الأدبية يوقع النص في متاهة الرتابة لمجرد أن بعض النقاد ذهبوا إلى ذلك
أو لأسباب مزاجية فيه إجحاف و إلقاء للكلام على عواهنه .
فهناك في الطرف المقابل الكثير من النقاد يرون أن اللجوء لتكرار كلمة أو ضمير أو جملة كاملة في الكثير من النصوص يضفي عليها جمالية أكثر .
فالتكرار ليس دائما دليل على أن الكاتب أو الشاعر يعاني من نقص في ثروته الكلامية أو أنه لا يعرف احتمالية أن يتم انتقاده من أجل ذلك التكرار.
إن تكرار كلمة أو ضمير أو جملة كاملة ليس موضوعا حديثا فهو موجود منذ القديم ابتداء من المتنبي و مرورا بالكثير من الشعراء و في الآونة الأخيرة لجأ إليه الكثير من الكتاب و الشعراء في كل العالم و على رأسهم نزار قباني في العديد من نصوصه و غيره من شعراء الحداثة في الغرب و الشرق لست في وارد ضرب أمثلة في هذا الصدد للبرهان على وجود هذا التكرار فهو ثابت الوجود .
أعتقد راسخا أن الكاتب أو الشاعر بالرغم من إدراكه ( للنقد الاحتمالي لنصه ) إلا أنه في العديد من نصوصه يكرر كلمة أو ضميرا أو جملة كاملة أحيانا و هو لا يفعل ذلك إلا ليحقق عدة غايات
لعل أولها رغبته في خلق نوع من الإجبار و إثارة فضول لدى القارئ و دفعه للتفكير بقراءة الجمل التي تعقب الجملة أو الكلمة المكررة أثناء قراءته الكلام المكرر .
يتقصد الكاتب أو الشاعر التكرار لأنه يعرف ان القارئ سيقرأ الكلام المكرر بتركيز اقل لأنه سيوفر تركيزه ليبذله في قراءة ما بعد المكرر و هنا تتحقق الغاية الأولى و هي دفع القارئ لقراءة ما يريد الكاتب أو الشاعر أن تتم قراءته
إن قراءة النص الشعري تتطلب حواسا يقظة و شغوفة دائما في عالم بات يسمى عالم السرعة لا شيء يبخس النص الأدبي غير السرعة في قراءته .قراءة الأدب بسرعة إهانة للأدب فالقصيدة ليست صندويشة يلتهما المرء بسرعة أو فنجان قهوة يشربها واقفا و هو يتهيأ للخروج ليلحق بموعد .
و كأن الكاتب أو الشاعر ينصب فخا قصدا أو من غير قصد
لهيئة القارئ و دفعه بقوة و شغف نحو قراءة ما بعد المكرر و هذا حسب اعتقادي ليس محرما .
التكرار علاوة على ذلك غالبا ما يأتي بمثابة موسيقا أو لازمة كما في الأغاني و الألحان
بعض التكرارات ضرورية للتأكيد و الإصرار على أفكار مختلفة و غالبا ما يمكن هنا فصل النص عن بعضه و اعتباره عدة نصوص في نص واحد بحيث يكون كل مقطع نصا قائما بذاته .و حتما لا يقصد الكاتب أو الشاعر ببعض التكرارات الحشو أو إطالة النص .
بعض التكرارات الأخرى غايتها الوصول إلى الجملة الأخيرة من النص و كأن الكاتب أو الشاعر يريد أن يرسخ في ذهن القارئ آخر جملة أو جملتين في النص .
اورد لكم من بين آلاف الأمثلة مثالا واحد نص لريموند كارفر
الذي كرر فيه كلمة نام سبع عشرة مرة و كأنه يقول اصبر و اقرأ حتى آخر كلمة
اعتقد أن ذلك التكرار لم يؤثر على جمال النص مطلقا
كارفر الذي لقب بتشيخوف الأمريكي
النوم
لقد نام على يديه.
على صخرة.
على قدميه.
نام على أقدام شخص آخر.
نام في الحافلات والقطارات والطائرات.
نام أثناء الخدمة.
نام على جانب الطريق.
نام على كيس من التفاح.
نام في مبولة عامة.
تحت القبة الكبيرة.
نام في سيارة جاكوار وعلى منصة شاحنة صغيرة.
نام في المسرح.
في السجن.
على القوارب.
نام في الثكنات، ومرة نام في القلعة.
نام تحت المطر.
تحت أشعة الشمس الحارقة نام.
على ظهور الخيل نام.
كان ينام على الكراسي وفي الكنائس والفنادق الفخمة.
لقد نام طوال حياته تحت أسقفٍ غريبة.
وها هو الآن ينام تحت التراب.
إنّه لا يتوقف عن النوم.
مثل ملك عجوز.
من مجموعته “سرعة الماضي الخاطفة” 1986
ترجمة شريف مبروكي
في النهاية
لا يروقني النص الخالي من فكرة أو طرح أو الذي تطغى فيه اللغة و الشكل على المضمون
و ما يهمني بالدرجة الأولى هو ما يقوله النص و ليس ديكور الخارجي
ليس كل نص خال من التكرار نص جميل .
كما انه ليس كل نص كررت فيه كلمة واحدة أو ضمبر أو جملة كاملة نص جميل .
و اخيرا ليس كل قارئ قارئ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى