سفيان صلاح هلال - حمام المكافآت

بالصدفة قابلت كاتبا من إحدى دول العالم البائس، وحين علم أنني كاتب مثله، أخذ يحكي لي عن هموم الكتاب في بلده وأنا أبكي على حالهم، وأحمد الله على حالنا. يقول المسكين: إن كل الأسعار في بلادهم تزيد إلا مكافآت النشر، فهي الشيء الذي ينقص دائما! ولما سألني هل يحدث هذا عندكم ؟ قلت له: كيف؟ عندنا تصل بعض المكافأت لمبلغ يكفي لشراء علبة سجائر محلية كاملة وعلبة ثقاب لإشعالها. سألني فماذا لو لم تصرف مكافأة نشر؟ انزعجت من سؤاله، وقلت له كيف يحدث هذا ؟ إن اتحاد الكتاب قد يجتمع لحل مثل هذه المشكلة فورا، رغم أنه قد لا يجتمع لتمكين السيد رئيس الاتحاد من الكرسي، والذي يجلس للسهر على راحة الأدباء وحل مشاكلهم ومداواة مرضاهم. ازداد بكاء الكاتب المسكين، وراح يندب حظهم؛ ففي بلادهم فضلا عن حالة التسول الشائعة لمداواة مرضى الأدباء، فإن الإصدارات التي تعطي مكافأت تلزمهم بالحضور لمقرها ومقابلة رئيس تحريرها أحيانا لاستلام مكافأة قد تصل قيمتها لقيمة عشْر المواصلات من بلده إلى مقرها، استعجبت كيف يحدث هذا في زمن الدفع الإكتروني والفضائي والرقمي؟ رد هذه حالنا للأسف. قلت ربما تخلفوا عندهم عن الحداثة؟ أو ربما لضمان وصول المكافآت للمبدع في يده، ولهم حق، ماذا لو وصلت المكافآت لبيته واستلمتها زوجته؟ والتي قد تكون استولت على "باس ورداته" للتفتيش عليه يقظانا ونائما؟
فكرت كثيرا في مشكلة إخوتي الكتاب في ذلك البلد، وهداني تفكيري لحل؛ أسرعت باقتراحه عليه، ألا وهو أن يكون لكل كاتب حمامة زاجلة، في كل مؤسسة صحفية، معلق في رقبتها اسمه. وكل ما على المسؤول المالي أن يعلق المكافأة في رجلها ويطلقها وهي ستصل لصاحبها، رأي رفيقنا أنه حل طبيعي وبسيط لا يحتاج إلى خبرة في الحواسب، يتكاسل الماليون عن اكتسابها، ولا إلى مشاوير للبريد أو البنوك يتكاسل المسؤلون عنها لإرهاق مشاويرها وروتينياتها لهم. كما أن ظهور الاسم معلقا أمام المحاسب سيذكره دائما بما لصاحب الاسم من مكافآت.
سافر صاحبنا، بعدما صرنا أصدقاء على صفحات الفيس وتويتر وانسترجام وكل المواقع. بعد أكثر من عامين وفي أحد الأيام وأنا اتصفح الفضاء رأيت منشورات صديقنا الأديب كلها عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل". انزعجت جدا على صديقي ظنا أن ظلما قد وقع عليه وكتبت له رسالة أستفسر فيها عن حاله.. وكانت المفاجأة رده: " أنت السبب"+ أـموشن بكا+ تعقيبه "ربنا يسامحك أنا مش هادْعي عليك"
لم أفهم ما دخلي في عذاباته ! فطلبت منه التوضيح وأنا أرجوه.
أجابني: "هل تذكر فكرة حمام المكافآت ؟"
- نعم
- لقد اقترحتها في بلادي على مؤسسات النشر، وتم الاحتفال بها، لكنهم واجهتهم مشكلة من يعتني بالحمام ومن يدفع تكلفة إطعامه؟ وتركنا الأمر لاتحادنا ينظم الموضوع مع المؤسسات.
- جميل
- كان الموضوع يبدو جميلا.
- ما الذي حدث إذن؟
- لقد رأت المؤسسة تعيين فني حمام مقابل خصم ربع المكافأة وأن يتولى الاتحاد إحضار القمح للحمام ؟
- جميل، هكذا سيخصم الربع الثاني مقابل القمح وتحصلون على نصف المكافأة وهذا خير من اللا شيء.
- كنا نظن هذا... وانتظرنا عامين ولم تصلنا حمامة واحدة، بل وجدنا خطابات تصلنا لدفع متأخرات علينا للمؤسسات.
- ما السبب؟
- لقد خرج الحمام ولم يعد ولكن ظل الموظف وبند الطعام وعلينا الآن سداد قيمتيهما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى