عثمان تلاف - لماذا تقرأ الروايات؟!

هذا السؤال التزهيدي يتكرر مع كل مناسبة أحمل فيها رواية ما. كان بورخيس ينزعج كثيرًا كلما سُئل “ماهي فائدة الأدب؟”. كان يبدو له هذا السؤال غبيًا لدرجة أنه يود أن يجاوب بأنه “لاأحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري، أو منظر غروب شمس جميل"
والسؤال يشي بصيغة مواربة وهي: لماذا تضيع وقتك في الروايات؟ وقد صرح بها بعضهم.
من المشروع أيضا أن نتساءل لماذا نسمع الموسيقى، ونعشق الشعر، ونحب الرسم، ونتابع بشغف المسرحيات والدراما ، ونسافر لنشاهد الإهرامات والنقوش والمعمار؟
بإختصار أكثر دقة: لماذا يميل الإنسان للفن؟
من السهل لمح هذا التعالق الوثيق بين الفن والإنسان؛ فمنذ بدء تاريخ الوعي البشري باتت تلك الصلة ضربا من المسلمات، ولا يملك المرء أمام صورة ذلك الرجل البدائي في كهوف أفريقيا - وهو لا يجد ما يستر به عورته- وفي غمرة إنشغاله بما يأكل؛ فجأة يجلس لكي يرسم ظله على الأرض، لينحت على جدران الكهوف، ليرقص، ليغني، ليحكي. إلا أن نعترف بأن الفن لا يقل أهمية عن الأكل والشراب للإنسان. وهذا يجعلنا نستشف كثرة القصص في القرآن الكريم والكتب السماوية.و قد كان السرد والرواية بصيغه المختلفة الحامل الثقافي للمعرفة عبر الزمن.
فلا غرابة إذن. ونحن في العصر الحديث ومنذ نعومة أظفارنا نعشق القصص سماعا وقراءة ومشاهدة.

إننا نقرأ الروايات ونبدع الفنون؛ بحثا عن شيء ضائع بداخلنا، عن ذاتنا، عن الخلود ومقاومة النسيان، عن فهم معنى الحياة، بحثا عن حيوات أخرى؛ لأن حتمية الحياة الواحدة في الدنيا وصيرورتها الى الموت مقلقلة للإنسان. فالرواية تلبي تلك الأمنية لتكثف لنا الحياة ونعيش حيوات أخرى ونزور أماكن ربما لم نحلم يوما بزيارتها. يقول ميلان كونديرا: ( إن الرواية التي لا تكتشف جزءا من الوجود مايزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة)

إن العلوم والفلسفة قد نسيا كينونة الإنسان. فكان السرد الروائي هو المنقذ لكينونته والمشتغل بسبر دواخله والتعبير عنها.

ومن الجلي، فإن قراءة الروايات تؤثر في طريقة فهمنا للحياة، وتغيير من نمط تفكيرنا وتفاعلنا مع الحياة. يقول ميشال بوتور: ( وظيفة الرواية هي تغيير الطريقة التي ننظر بها للعالم، والأسلوب الذي نتكلم به عنه، وبالتالي تغيير العالم نفسه) وهذه حكمة السرد وهي تغيير زاوية نظرنا للحياة والعالم وبالتالي تغيير العالم نفسه. ومن نافلة القول فإن الروايات والقراءات التي هدفها التسلية هي رويات ساذجة وقراءة لا تقل عنها سذاجة.
وقراءة الروايات يبعث فينا ذلك الحس النقدي نحو الواقع والمجتع وتدفعنا لرفض السلطة والأوضاع السيئة التي نعيشها. فالرواية رفض ومقاومة بل وثورة!

إذن. فالسرد تكثيف للحياة، لذا كانت حافلة بالتنوع والإختلاف، ونابضة بالحركة والحياة، ومفعمة بالمشاعر ومكتظة بالأفكار والمواقف، ومتعددة للشخوص والمتع. فقط لأنها الحياة!
وهنا يحضرني جواب الطيب بوعزة عن سؤال: لماذا الرواية؟ حيث أجاب بلفظ وجيز: لأنها الحياة!
لقد أكتشفت الرواية، واحدة بعد أخرى، بطريقتها الخاصة، وبمنطقها الخاص، مختلف جوانب الوجود والحياة، فإدراك تلافيف المشاعر البشرية وتعقد تركيبها في روايات دوستويفسكي وغالب هلسا وستندال. وأكتشفت كذلك البنية الإجتماعية وكيف تتراتب وتتفاعل مكوناتها في روايات بلزاك وماركيز ونجيب محفوظ وغيرهم.

والفن يعكس ثراء البشرية على أختلاف زمانها وأعراقها يقول ماريو يوسا: (لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه).

وعامة القراء ليس لهم القدرة على تعلم درس الحياة من كتب الفلسفة والعلوم الإجتماعية والتجريبية ، ولكنهم أو الكثير منهم بإمكانهم أن يتعلموا هذا الدرس ويتفهموا مدلولاته ويعياشوها إذا ما هم قرأوها في نص روائي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى