نص فهد العتيق في عمله القصصي “أظافر صغيرة.. وناعمة". ملتبس. والالتباس هنا يطاول المضمون كما الأسلوب حاملاً قصص المجموعة إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب الرفيع، بل أخالها تطأ هذه العتبة.
العتيق يحب محيطه ويكرهه. يحبه حتى أنه حفظ رائحة جدرانه وحاراته وأزقته، يحبه بتصويره البديع لأشخاصه ومخلفات كلابه وقططه. يعلم العتيق أنه وشخوصه بل استطراداً "أبطاله" في مركب واحد، يتحركون في محيط ضيق لا يتغير ولا يتبدل، لكنهم يحفرون فيه طقوساً وعادات وأعرافاً يتوازنون بواسطتها مع مشاغل ومشاكل العيش. ينتبه "الراوي" إلى حياة تغرق في دوامة لها خلفية منسوجة من مشايخ وباعة ونساء، نساء بالعباءات السود وبالتعاويذ والرقيات حتى ليدخلن جو الأسطورة.
الشخوص كلها قانعة بقدرها ، بدورة حياتها التي لا يقدر شيء على زحزحة إيقاعها الضارب في جذور يخال القارئ أنها لجمال تصويرها تنتمي على أصالة أكيدة. أما التباس الأسلوب فمسألة أخرى.
تنتسب المجموعة في تقنية السرد المستعملة في النصف الأول من الكتاب إلى القرن العشرين بل الحادي والعشرين. نحن إزاء العبارة السريعة ، العبارة البرقية، المتواترة والمتوالية الحضور كما سرعة الحياة الحديثة ، ملامسة في ذلك جمال تدفق عبارة محمد زفزاف. بيد أن إيجاز وشدة عصب هذه الجملة يميل إلى التراخي قريباً من نهاية "المجموعة" ويفلت من الكلام أحياناً جمال الأدب. والأدب أخذ الكلام والأحداث من مقالع الواقع وصياغتها ضمن جو أو نسق جذاب، مع الارتفاع أحياناً بالحقيقة إلى حدود الوهم الجميل. في بعض القسم الأخير تلتبس العبارة عند عتيق بين انتماء إلى رشاقة لاهثة بديعة وبين تقريرية يعوزها الحذف والإيجاز. على أن هذا يجب ألا ينسينا أن العتيق يجود أحياناً في رفع الواقعي إلى حدود الوهم والخيال اللافت ، حتى نكاد نستحضر في قطعة "هواجس" سمو أدب جون شتاينبك في روايته القصيرة "اللؤلؤة" التي تصور في إحدى فقراتها تنامي غيمة الشر والانتقام وانتشارها فوق القرية.
يقول العتيق في الصفحة خمسين:
( حتى ارتفعت رائحة الحزن والغضب في الحارة وأخذت تفوح وتكسي الجدران بأثرها الرمادي الغامض. فقال الناس أشياء كثيرة عن الحياة وغضب الله...).
ويبقى السؤال، ماذا نسمي هذا العمل الذي أدرجه فهد العتيق في باب القصص القصيرة.
تأخذنا القراءة الأولى التي تتناول الأمور بظواهرها إلى اعتبار العمل مجموعة اسكتشات أشبه بتلك التي كتبها الأميركي هوثورن. لكن طبيعة العبارة المستخدمة وأسلوب التداعي الحر تنبهنا هنا إلى مقاربة أعمق لما قد يتبادر للقارئ لأول وهلة أنه مجرد لوحات أو حكايات سردية. في بعض مقطوعاته استخدم العتيق ضمير الغائب في سرده مشفوعاً بتداع ٍ دافق للأفكار جعل العمل يذكرنا بأسلوب جيمس جويس ، وجعلنا نتذكر عمل الأخير المعنون "سكان دبلن". والعتيق قد يبغي أساساً إلى أن يرتفع بالمعيوش إلى جو شبه ملحمي، سواء بوصفه البانورامي أو باستخدامه المتكرر لكلمة الأسطوري، والأسطورة والقدر. ومن هنا فإن جواً واحداً من الانكسار القدري يلف كامل العمل ويجمعه إلى بعضه حتى يكاد يقربه ككل من "الرواية القصيرة" ، وهو لو ملك الجرأة لأسماه رواية. وماذا يمنع ذلك ؟ فالرواية الحديثة باتت كائناً حراً ينمو سواء بالحدث أو بالشخصية أو الجو أو التداعي ، وهي ابنة الأزمنة الحديثة ، تتغير وتتحرر بتبدلها. ومع انفتاح النصوص والأنواع الأدبية وتجاور عناصرها المختلفة فيما بعد الحداثة، قد يمكن لهذا العمل الانتماء إلى الرواية، سيما وأنه في الرواية الحديثة لم يبق خيط السرد المتصاعد معياراً أساسياً للحكم على انتساب العمل إلى عالم الرواية، ثمة جو أصيل وخاص يلف العمل من أوله إلى نهايته.
وعلى رغم ذلك يبقى العمل ملتبس الأسلوب وكذلك المضمون . عمل ينتمي إلى أدب الاسكتشات ضمن المنظور الكلاسيكي، لكنه نص مفتوح الرحاب ضمن مقاربة ما بعد حداثوية. والعمل بكينونته ومضمونه ابن بيئته أو واقعه ، ومتذمر منه في آن.
العتيق يحب محيطه ويكرهه. يحبه حتى أنه حفظ رائحة جدرانه وحاراته وأزقته، يحبه بتصويره البديع لأشخاصه ومخلفات كلابه وقططه. يعلم العتيق أنه وشخوصه بل استطراداً "أبطاله" في مركب واحد، يتحركون في محيط ضيق لا يتغير ولا يتبدل، لكنهم يحفرون فيه طقوساً وعادات وأعرافاً يتوازنون بواسطتها مع مشاغل ومشاكل العيش. ينتبه "الراوي" إلى حياة تغرق في دوامة لها خلفية منسوجة من مشايخ وباعة ونساء، نساء بالعباءات السود وبالتعاويذ والرقيات حتى ليدخلن جو الأسطورة.
الشخوص كلها قانعة بقدرها ، بدورة حياتها التي لا يقدر شيء على زحزحة إيقاعها الضارب في جذور يخال القارئ أنها لجمال تصويرها تنتمي على أصالة أكيدة. أما التباس الأسلوب فمسألة أخرى.
تنتسب المجموعة في تقنية السرد المستعملة في النصف الأول من الكتاب إلى القرن العشرين بل الحادي والعشرين. نحن إزاء العبارة السريعة ، العبارة البرقية، المتواترة والمتوالية الحضور كما سرعة الحياة الحديثة ، ملامسة في ذلك جمال تدفق عبارة محمد زفزاف. بيد أن إيجاز وشدة عصب هذه الجملة يميل إلى التراخي قريباً من نهاية "المجموعة" ويفلت من الكلام أحياناً جمال الأدب. والأدب أخذ الكلام والأحداث من مقالع الواقع وصياغتها ضمن جو أو نسق جذاب، مع الارتفاع أحياناً بالحقيقة إلى حدود الوهم الجميل. في بعض القسم الأخير تلتبس العبارة عند عتيق بين انتماء إلى رشاقة لاهثة بديعة وبين تقريرية يعوزها الحذف والإيجاز. على أن هذا يجب ألا ينسينا أن العتيق يجود أحياناً في رفع الواقعي إلى حدود الوهم والخيال اللافت ، حتى نكاد نستحضر في قطعة "هواجس" سمو أدب جون شتاينبك في روايته القصيرة "اللؤلؤة" التي تصور في إحدى فقراتها تنامي غيمة الشر والانتقام وانتشارها فوق القرية.
يقول العتيق في الصفحة خمسين:
( حتى ارتفعت رائحة الحزن والغضب في الحارة وأخذت تفوح وتكسي الجدران بأثرها الرمادي الغامض. فقال الناس أشياء كثيرة عن الحياة وغضب الله...).
ويبقى السؤال، ماذا نسمي هذا العمل الذي أدرجه فهد العتيق في باب القصص القصيرة.
تأخذنا القراءة الأولى التي تتناول الأمور بظواهرها إلى اعتبار العمل مجموعة اسكتشات أشبه بتلك التي كتبها الأميركي هوثورن. لكن طبيعة العبارة المستخدمة وأسلوب التداعي الحر تنبهنا هنا إلى مقاربة أعمق لما قد يتبادر للقارئ لأول وهلة أنه مجرد لوحات أو حكايات سردية. في بعض مقطوعاته استخدم العتيق ضمير الغائب في سرده مشفوعاً بتداع ٍ دافق للأفكار جعل العمل يذكرنا بأسلوب جيمس جويس ، وجعلنا نتذكر عمل الأخير المعنون "سكان دبلن". والعتيق قد يبغي أساساً إلى أن يرتفع بالمعيوش إلى جو شبه ملحمي، سواء بوصفه البانورامي أو باستخدامه المتكرر لكلمة الأسطوري، والأسطورة والقدر. ومن هنا فإن جواً واحداً من الانكسار القدري يلف كامل العمل ويجمعه إلى بعضه حتى يكاد يقربه ككل من "الرواية القصيرة" ، وهو لو ملك الجرأة لأسماه رواية. وماذا يمنع ذلك ؟ فالرواية الحديثة باتت كائناً حراً ينمو سواء بالحدث أو بالشخصية أو الجو أو التداعي ، وهي ابنة الأزمنة الحديثة ، تتغير وتتحرر بتبدلها. ومع انفتاح النصوص والأنواع الأدبية وتجاور عناصرها المختلفة فيما بعد الحداثة، قد يمكن لهذا العمل الانتماء إلى الرواية، سيما وأنه في الرواية الحديثة لم يبق خيط السرد المتصاعد معياراً أساسياً للحكم على انتساب العمل إلى عالم الرواية، ثمة جو أصيل وخاص يلف العمل من أوله إلى نهايته.
وعلى رغم ذلك يبقى العمل ملتبس الأسلوب وكذلك المضمون . عمل ينتمي إلى أدب الاسكتشات ضمن المنظور الكلاسيكي، لكنه نص مفتوح الرحاب ضمن مقاربة ما بعد حداثوية. والعمل بكينونته ومضمونه ابن بيئته أو واقعه ، ومتذمر منه في آن.