كاهنة عباس - هل ينفصل الادب عن الفكر ؟

غالبا ما تفتح الاسئلة التي نطرحها أفقا للتفكير في الاشكليات المتصلة بمشاغلنا ، لذلك اكتست أسئلة مثقفي القرن التاسع عشر في البلدان العربية أهمية كبرى، لانها شكلت كبريات القضايا الثقافية منذ ذلك العهد، واستمرت الى عصرنا الراهن .

يمكن القول أن معادلة " الذات/الاخر مثلت منطلق جل تلك الاسئلة سواء في المجال العقائدي الديني أو السياسي والاقتصادي أو الثقافي والادبي ، نظرا للشرخ العميق الذي أحدثه الاستعمار الاجنبي في وعي الشعوب المنتمية للثقافة العربية، فبات مركز اهتمامها المحافظة على خصوصياتها الثقافية أو ما سماه بعض المثقفين " الاصالة " ،حتى لا تنصهر في الاخر المهيمن المستعمر الذي ابتكر " الحداثة".
وإذا علمنا، أن الحفاظ على الخصوصيات الثقافية، أو ما اعتبر" الهوية" كان من أوكد المشاغل، أدركنا أن هاجس الادباء كان أيضا متجها نحواستمرارية التراث مع تجديده ،بحيث لم يكن السياق التاريخي آنذاك ليسمح باتساع رقعة الاهتمام وطرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية من وجهة نظرنا ، على سبيل الذكر لا الحصر ،ألا وهي : علاقة الادب بالفكر.
فما سبب طرح هذا السؤال اليوم ؟
لا شك أن الاسباب عديدة :من بينها أن الادب العربي لم يتجاوز المحلية للارتقاء الى المستوى الانساني ( ما عدا بعض الاستثناءات القليلة ) ولم يؤسس لنفسه تيارات تعبر عن تميزه لتثري التيارات الادبية الشائعة دوليا وتاريخيا ، وهو ما يطرح علينا إشكاليات أخرى ، تتمثل في معرفة العناصر المكونة لما يسمى " أصالة "وما أفضت إليه " صراعاتها مع الحداثة بعد مرور ما يفوق القرن ، هل يمكن للاديب الاكتفاء باللغة كأداة للتعبير في غياب أي تصور للعالم وللواقع وللانسان ؟ هل تجاوزت الرواية العربية " الرؤية الايديولوجية" للعالم ؟ ما هو تصورها للانسان ؟ما هي أوليات الكاتب : المحافظة على اللغة الموروثة باعتبارها إحدى مكونات الهوية الثقافية ، أم التعبير عن عالم الانسان واكتشاف إمكانيات أخرى للغة والسعي الى نحت الشخصية الروائية دون الانشغال بصيغ السرد والانشاء ؟ وفي ما يخص العالم الروائي ،هل يتمثل في وصف الزمان والمكان أوفي عالم مجرد يتجاوز كليهما؟
أوليس الادب ذلك المجال الممنوح للكاتب ، ليعبر عن الجانب الانساني فينا : ألا وهو الوجدان بما يكتنفه من عاطفة بتناقضاتها من حب وكراهية وغضب ويأس وبأس وأمل وانتظار وتنافس وغيرة وعنف، أي كل ما لا يسمح لنا بالتعبير عنه تلقائيا في كل المناسبات والاحداث والمواقف اجتماعيا وثقافيا ؟ أو لم يتطورهذا الفن في شتى المجتمعات والثقافات الانسانية على اختلافها، لوصف ما تعتمل به النفس البشرية من انفعالات ومشاعر ؟ ألا يكون الواقع، ما نلمحه في الزمان والمكان ، بقطع النظر عن ماهيته؟
لان الاسئلة هي التي تحدد الاجوبة كما ذكرنا في مقدمة هذا المقال، فلا بد لنا من طرح سؤال آخر لا يقل أهمية عن الاسئلة السابقة ، لبيان أسباب تخلف الادب العربي عن مواكبة الادب الانساني : ألا وهو: إذا كان الفكرمتجذرا في الثقافة العربية ،ما هي امتدادته ومظاهره وأصوله وعلاقته بالادب ؟
بالرجوع الى البحوث والدراسات التي تناولت الفكر الاسلامي، نتبين رغم اختلافها وتنوعها ارتباط ذلك الفكر ارتباطا عضويا بالدين وبالفقه والبقاء داخل دائرتهما حتى لدى المفكرين والفقهاء الاكثر عقلانية، لوجود علاقة وثيقة بين الفقه والدين واللغة.
سينجر عن ذلك نتائج جمة من بينها : أن الادب سيصطدم بطابوات الثالوث المعروف : وهو الدين والجنس والسلطة سياسية كانت أم اجتماعية ،لارتباط الدين بالسلطة ،وما يحيط الجنس من محرمات ، وسيقتصر الادب العربي خاصة في عصور الانحطاط بالانشغال بالشكل دون الفكرة، لتقديس اللغة واعتبارها الحاملة للحقيقة، إذ لابد من فك رموزها،لايجاد حلول ممكنة لمشاغل الانسان وحيرته المستمرة .
لم تكن اللغة العربية إذا أداة يلتجأ إليها الكاتب أوالفنان للكشف عن أغوار الانسان وعن العالم من حوله لانها اعتبرت من وجهة نظر ثقافية قيمة في حد ذاتها، بقطع النظر عما تعبر عنه من أحاسيس أو أفكار، فالعبرة بالقول وأساليبه لا بالمعنى ،لتغييب العقل .
وتبدو لنا الرواية أحسن مثال لطرح مثل هذه الاشكاليات، لانها الجنس الادبي الذي يجمع بين الذاتي والموضوعي والفردي والجماعي: أي بين الاجناس الادبية باختلافها شعرا كان أم نثرا ، المؤسسة لرؤية فكرية، مهما كانت طبيعتها واحدة أم متعددة .
فكيف يمكن قراءة الرواية العربية في هذا الاطار الثقافي والتاريخي ؟
لكل رواية مفهومها للزمان بأن يحتكم الروائي على سبيل المثال : إما الى نفسية الشخصيات أي الى زمنها الداخلي الذاتي أو الى الزمن الموضوعي الخارجي المرتبط بالواقع والمنفصل عنها وكذلك الشأن للمكان باختيارتعدديته أو وحدته ،بأن يوصف على أنه مرآة للذكريات وللتخييل، أو كفضاء معلوم ومعروف ، وكذلك الشأن بالنسبة للاحداث وببنية الشخصيات، فهي خاضعة الى منطق ورؤية ، تقتضيان قدرا معينا من التفكير لكي يستطيع الكاتب تشييد البناء الروائي مهما كان اتجاهه الادبي سواء كان ذهنيا ، فلسفيا ، رومانسيا أوحتى سرياليا باختياره الكتابة الالية، فجميعها تستلزم رؤية فكرية للعالم وللانسان .
فما هي التيارات الفكرية للرواية العربية ،وما هي رؤاها الفكرية للانسان وللعالم ، وماذا أضافت للانسانية ، وهل مازالت تعتبر الاخر عدوا يناهض هويتها وخصوصياتها الثقافية والعقائدية ؟هل استفاد النقد الادبي من البحوث التي أنجزها رواد الفكر العربي مثل محمد العابد الجاري ومحمد أركون وعبد الله العروي لتفكيك وفهم التراث العربي الاسلامي ،أم أنهم اكتفوا بتطبيق مناهج النقد الادبي الغربي دون الاستفادة من بحوث الفكر العربي وما أفرزه من إشكاليات ثقافية، فكيف يمكن قراءة نص أدبي من منظور نفدي منهجي لرواد النقد الغربي مثل رولان بارت دون الاخذ بعين الاعتبار اشكاليات الثقافة العربية الاسلامية ورفضها للحداثة وما كتب وأنجز من هذا المنظار بدعوى الاختصاص ؟



كاهنة عباس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى