بين رواية المكان للفرنسية آني إرنو وقلب الوردة للسعودية وفاء العمير عوامل أدب وفن مشتركة ليس أولها بطولة المكان. لكن السؤال الأول سيكون حول التخييل الذاتي. فهل يعتبر هذا المصطلح النقدي إشارة إلى ممارسات وسطى بين الرواية والسيرة الذاتية وما هو الفرق بينهما، ثم هل تستطيع رواية التخييل الذاتي تلافي مشاكل قد تضربها مثل العدمية أو الشكلانية أو الأنانية كما تساءل الناقد الفرنسي تودوروف صاحب كتاب: الرواية الفرنسية في خطر، وعن إمكانية أن تلعب هذه الروايات الجميلة والمشوقة دورا في توصيف العالم وتأويله وتقترب من الشرط الإنساني ومن مساعدتنا على العيش والحلم والفهم . قد تكون روايات التخييل الذاتي هي الأقل افتعالا ربما بسبب كونها بعيدة عن اختراع موضوعات أو تلفيق أحداث وربما لأن الحالة ذاتها هي التي تتحكم في عملية الإبداع، لكنها تحتاج إلى مقدرة والى كاتب فنان وليس صاحب قدرات تعبيرية فقط.
بعد قراءة بعض الروايات القريبة من فكرة التخييل الذاتي وجدت أنه في مثل تلك الكتب يرتفع مستوى الفن إلى مرحلة الإبداع أحيانا، وليس مجرد نص روائي جيد ومحكم البناء وفيه قدرات تعبيرية أو انفعالية عالية. روايات مثل الاحتلال وعشق بسيط والمكان للكاتبة الفرنسية آني إرنو , ورواية قلب الوردة و حدة الأشواك للكاتبة السعودية وفاء العمير وكتب روائية أخرى كانت فنيا قريبة من السيرة الذاتية مثل كتب الراحل العربي الكبير إبراهيم أصلان الروائية والقصصية العالية الفن وردية ليل وعصافير النيل وصديق قديم جدا وخلوة الغلبان , أو الكاتب المغربي محمد شكري في الخبز الحافي أو محمد زفزاف في أغلب رواياته أو رواية عراقي في باريس لصموئيل شمعون التي كانت رواية تخييل ذاتي مبدعة في نصفها الثاني, بينما كان النصف الأول رواية مذكرات أسفار, وأيضا رواية ليلى الجهني الأولى و بعض فصول رواية بنات الرياض لرجاء الصانع حيث كل شخصية تتحدث عن حياتها الخاصة أحيانا بطريقة التخييل الذاتي والسير ذاتي بطريقة مكاشفة ومبدعة ومشوقة تفتقدها أغلب رواياتنا .
لهذا أتساءل وفكرة التخييل الذاتي في ذهني حول هذا المزاج الروائي المشوق , وهل يمكن أن يتسع عالمه قليلا ويفتح على الخارج وظروفه التي بالتأكيد لها تأثير على شخوص رواية التخييل الذاتي , ليس المقصود الظروف السياسية أو الاجتماعية المباشرة , لكن ظروف الواقع بشكل عام المؤثرة على هذا الفرد أو هذه الذات التي قد تكون ذاتنا الجماعية لان مثل هذا النوع من الكتابة في الغالب هو الأقرب إلى الصدق الفني بسبب عدم افتعال الحالة الإبداعية ما يؤدي إلى الصدق مع زمن الإبداع, فيما توجد نصوص روائية كثيرة محبوكة أو جيدة في البناء والشخصيات وفيها إثارة فتكسب قراء وربما جوائز لكنها واضحة الافتعال وضعيفة اللغة في بعض أو كثير من صفحاتها أمام الناقد أو القارئ المهتم أو اليقظ , وهي انطباعات فنية تخص قراءتي وهي نسبية وليست أحكاما على سبيل المثال روايات كثيرة أحكمت البناء وقدمت أدبا جيدا لكن مع انخفاض سقف الإبداع , حين كشفت بعض الافتعال وطغت النمطية أو التقليدية على كثير من لحظاتها .
وحين نتحدث عن التخييل الذاتي في روايات ممتعة ومتقدمة ومكتوبة بضمير المتكلم يتبادر للذهن أيضا أسئلة حول التجريد والفردية أو الشخصي و العدمي والأناني , وأسئلة أخرى حول الشكل والمعنى و الالتزام في الأدب والفن للفن على سبيل المثال , فحين تكاثرت روايات التخييل الذاتي في فرنسا وبعضها غادر الشرط الإنساني وعن إمكانية أن يساعدنا هذا الأدب في العيش أو الفهم , صدر كتاب الناقد البلغاري الأصل الفرنسي الجنسية ( تزفتان تودوروف): (الرواية الفرنسية في خطر), واتفق معه نقاد آخرون , لكنهم مع هذا الخوف يؤمنون أن الرواية الفرنسية تعتبر عالما واسعا و لا يمكن حصر أغلبها في نوعية أو فئة واحدة .
في رواية عشق بسيط للروائية الفرنسية المعروفة آني إرنو , نلاحظ لغة بسيطة وعذبة تقدم رؤية في الأدب الايروتيكي الفرنسي, لكن بلمسات إنسانية واجتماعية وذاتية ممتعة وغاية في العمق , أحبت البطلة الفرنسية رجلا متزوجا من أوروبا الشرقية جاء لباريس في مهمة عمل فنشأت بينه وبين الكاتبة علاقة حب مجنونة وهنا تتحدث الرواية عن أدق وأعمق مشاعر الحب التي تلبست جسدها وروحها حيال هذا الرجل , وتذهب الرواية نحو تفاصيل دقيقة لهذه العلاقة التي جعلت الكاتبة تتابع بشغف كل ماله علاقة بهذا الرجل , تقول الروائية : (في اغلب الأحيان اشعر أمام هذا العشق بنفس شعوري أمام كتاب اؤلفه .. شعورا بضرورة إنجاح كل مشهد..) وتقول أيضا: (كنت أروح في نعاس قصير أحس فيه أنني أنام في جسمه هو.. في اليوم التالي كنت أعيش في خدر تتشكل فيه ملاطفات منه بلا نهاية وتكرارات لكلمة قالها .). هنا الكاتبة تتحدث بثقة مؤكدة أنها الراوية وهي بطلة النص أيضا، ربما هذا تخييل ذاتي ليس على وشك سيرة ذاتية، لكن على وشك واقع شخصي لعب فيه الفن دورا كبيرا، بمعنى تجاوزت الكاتبة لعبة الاستيهام الفنية وإحاطة شخصية البطلة بالغموض، إذ أعلنت أنها الكاتبة وهي العاشقة أيضا . ومع هذا يظل السؤال هو : في أي لحظة من لحظات النص كانت البطلة هي الكاتبة، أني إرنو، وفي أي لحظة كانت واحدة أخرى، ثم هل الأنا هنا.. هي الآخر. وأخيرا.. هل يهمنا هذا كثيرا.. ولماذا .
وفي رواية المكان أيضا لنفس الكاتبة، قالت الكاتبة في مقدمة الكتاب: (هذا الكتاب ولد من وجع أتاني فترة المراهقة عندما قادتني المتابعة المستمرة للدراسة ومعاشرة زملاء من البرجوازية الصغيرة إلى الابتعاد عن أبي العامل السابق والملك لمقهى بقالة) . في المكان كانت الرواية أكثر غنى وتنوع واقتراب من الشرط الإنساني للأدب ولم تكن مغلقة على حالة شديدة الفردية أو الشخصية أو الذاتية كما في رواية عشق بسيط , رغم الشعور الكبير أن (آني إرنو) الكاتبة هي بطلة رواية المكان وبقية الشخوص هي والدها الذي توفي , ووالدتها التي تابعت محل البقالة بعد وفاته , علما أن السيرة الذاتية الحقيقية المكتوبة في صفحة (آني إرنو) , فيها شيء كثير من رواية المكان , لكن قد لا يهمنا اذا كانت البطلة هي (إرنو) ذاتها أم أحدا سواها , طالما كان الفن والابداع عاليا ولم يكن هناك لحظات افتعال , والنص كان مفتوحا على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الريف الفرنسي , وقد سارت بهدوء وفن وبساطة آسرة , نحو كشف تفاصيل صغيرة أو أحداث مهملة كانت متشظية داخل حياتها .
رواية قلب الوردة للروائية السعودية وفاء العمير تسير في خط روايات تخييل ذاتي أيضا , فهي غارقة في لحظات الهواجس والأسئلة والحب العميقة , رواية هادئة ورواية تفاصيل ورواية حلم إنساني عالي , وقد تولد لدي شعور أن قلب الوردة تحتفظ بروح رواية حدة الأشواك التلقائية في المعالجة والأداء واللغة , والمتحررة من الافتعال والقصدية الأدبية , وهذا ما يميز أدب وفاء عن غيره , إذ ترفعه تقنية الصدق الفني الواضح والصريح الى مستوى الأدب الرفيع , وهذا دلالة ارتفاع مستوى الفن بحيث لم يعد النص مجرد كتابة محكمة وجيدة , وتجاوز ذلك إلى أن صار فنا . في روايتها الأولى حدة الأشواك روح حميمية تبحث عن وصل ما انقطع , والتأسي على حال أسري واجتماعي منهك ومحبط وغير متواصل , وفي رواية قلب الوردة تتواصل التلقائية الجميلة واللغة السلسة مع ارتفاع في لحظات التخييل الذاتي , لا اقصد السيرة الذاتية للكاتبة لكنه الهم الذاتي للراوية و الساردة أو البطلة , وهو هم شخصي عاطفي جميل أعطى مساحة للبوح , وربما كان يحتاج لدفعة من جرأة ومسافة لربط الخاص بالعام , أو الانتقال من التخييل الذاتي إلى الهم الاجتماعي , وقد تم هذا لكن في حدود ضيقة وإخبارية وليست حكايات سردية قوية , فهذا الخروج لم يكن مثلا من خلال نص سردي مواز له ثقله ومساحته الواسعة , ولم يتوالد من فصول النص مشاهد وفصول صغيرة توسع أفق المعنى الإنساني والاجتماعي والعاطفي الذي رعاه النص , لكن بشكل عام يظل لسرد وفاء عذوبة وحميمية وصدق وجمال خاص , و على سبيل المثال لأيهم إن كانت العمير في المرحلة المتوسطة وقت تحرير الكويت أم لا , كما أشار النص عن الراوية أو البطلة , لكن ما يهم هو أن الافتعال كان غائبا عن النص . في النص تواصلت لحظات حميمة مثل حكاية بدريه وابنها وحكاية نايف الذي لم يتكيف مع واقع فوضوي في المدرسة وفي الشارع وبالمجتمع بشكل عام , وحكاية البطلة مع طيف فتى السابعة عشر الذي وقف إلى جانب سيارته الكرسيدا ورمى نحوها ابتسامة نهبت المسافات كي تستقر في روحها وتتعب قلبها , وكذلك المشهد الصامت والعميق بينها وبين والدها , حين أخذته بعد وفاة والدتها, إلى مقهى في السوق التجاري لتغيير الجو, حاولت قلب الوردة ربط الداخل بالخارج أو الخاص بالعام لتفادي انغلاقها التام على حالة الحب الصامتة والقوية , وقدمت نصا عفويا ليس مفتعلا وهذا هو المهم .
روايات التخييل الذاتي تلك التي أخافت النقاد من انغلاقها على ذاتها أو ابتعادها عن الشرط الإنساني، تميزت بالإبداع وبسمات الصدق والتجديد والتجريب والاختلاف، وهذا ما يكفل لها البقاء طويلا. لكن الرواية الفرنسية الجديدة تبدع الآن على مستوى العالم نصا فريدا استوعب روح العصر، وتجاوز تقليدية النص الأدبي الأسلوبي اللغوي البلاغي أو الحكائي التقليدي، أيضا يمكن ملاحظة أراء تؤكد أن القصة والرواية الحديثة لم تعد بحاجة للحكاية وهذا غير صحيح، لأن الحكاية هي جوهرة السرد وجوهر القصة والرواية . لكن السرد الحديث أصبح يتناول الحكاية بطرائق فنية جديدة و مختلفة توسع أفق النص , فبينما كان النص السردي التقليدي يعتمد كلية من بداية النص إلى نهايته على حكاية واحدة كبيرة طوال لحظات النص , أصبحت هذه الحكاية الكبيرة في النص السردي الحديث, وبالذات في نص التخييل الذاتي , تتوالد مشاهد سردية صغيرة , فتحولت الحكاية الضخمة الى حكايات صغيرة تتوالد من الحكاية الأم أو الموضوع الأساسي للنص , مثلما تجاوز بساطة مسطحة تتساهل في موضوع اللغة التي هو جوهر النص الأدبي الحديث لكن بكيفية جديدة في بساطتها وفي رؤيتها الجديدة والمختلفة للحياة وللواقع .
من جهة أخرى نلاحظ في رواية وفاء العمير : في حدة الأشواك , أيضا ملامح التخييل الذاتي وكذلك التلقائية في المعالجة والأداء واللغة، والأسئلة الإنسانية الموحية، والهم الأسري الاجتماعي الصريح، ثلاثة عناصر كانت من ملامح الأداء السردي المميزة، ، ونضيف أيضاً تلك الروح الفطرية البريئة في النص، وربما ما جعلنا نشعر بهذه التلقائية في الأداء الفني السردي تلك البساطة التي تقود النص في مسيرته الحالمة بحياة مستقرة وسط عالم يتغير بسرعة، تلك التلقائية الجميلة المتحررة من الافتعال والقصدية الأدبية، منحت اللغة سلاسة جميلة فنهضت بالنص تقنياً، إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب المبدع غير المتكلف.الراوية أو ضمير المتكلم ليست الشخصية الرئيسية في الرواية، التي تتمحور حولها الأحداث، لكنها هي الضوء الذي يتنقل بين شخصيات الرواية من الأم إلى الأخت، إلى الشقيق إلى الخالة وبناتها، إلى زميلاتها في المدرسة، إلى أماكن البيت إلى أسئلتها القلقة، بمهارة فنية واضحة ولغة رشيقة وفنانة وبأسئلة مهمومة فعلاً لا تتكلف ولا تفتعل وهذا جوهر الأدب، الصدق الفني المفقود في معظم أدائنا السردي، لكن غياب الأب الذي هو عبارة عن الشرخ النفسي في الرواية، حيث صنع الحدث ومضى في سبيله، قد يكون أحدث شرخاً فنياً صغيراً في النص، ربما لو كان صوته موجوداً لاتسعت دائرة الشخوص والأحداث والأمكنة، التي اقتصرت على دائرة محدودة نسبياً، أيضاً الذات الراوية التي عانت هزائم أسرية مؤرقة ومؤلمة، ليس لها حياة ومواقف واسعة داخل النص، لكي يكون هناك دراما في النص وتعدد صوتي، فقد ظلت نقطة ضوء جميلة فقط، لكن الانسجام كان واضحاً بين اللغة والصور السردية والحوارات في تكامل وتفاعل جميل، وكان النص واثقاً من نفسه ومن قدراته، لهذا لم تحضر لغة البلاغة الثقيلة التي نجدها تملأ فصول روايتنا السعودية عندما يتحدث رجال ونساء أميون مثلاً بلغة مثقفين، لكن عند وفاء نجد أن اللغة في غاية السلاسة: ( قلت لها وأنا أرتب الأكواب على الطاولة وأنصت إلى أنفاس هدوئها الغريب، هل نمت البارحة، تقول وهي تضع إناء الحليب وإبريق الشاي على النار لم يغمض لي جفن ).
وتتواصل حميمية الأمكنة والأجواء الإنسانية العالية في مقطع تبدو فيه الراوية وهي تشبه عين كاميرا سينمائية جميلة: (صعدت أمي إلى غرفتها بخطى ثقيلة، شعرت أن عدد درجات السلم قد تضاعف وبان المسافة بينها وبين غرفتها بعيدة، لم تبعتها؟، رايتها تسقط مثل حجر ضخم على السرير ضعيفة ومنهكة، لكنها لم تبك، هل كانت تعرف؟ وكيف لم نشعر بشيء؟ ألهذا الحد كل واحد منا متقوقع حول نفسه منغلق على أحلامه وأفكاره حتى لا نكاد ندري بما يحيط بنا ).
هذا الأداء السردي الممتع الذي قبضت على زمامه الراوية وهي البنت الصغرى في العائلة، لم يعتمد على طريقة السرد التقليدي المتعارف عليها بشكل حرفي، كما أنه لم يزعجنا بلغة مفتعلة وثقيلة ولم يتكلف محاولة الإيحاء لنا بأهمية قضية الرواية وهذا يحسب فنيا للنص، لكن ذلك الأداء السردي الموضوعي لم يقترح جماليات جديدة ورؤية جديدة في المعالجة إذ اكتفى بنقل هواجس شخوص النص، وربما ما أعطى روحاً جديدة للنص هو تلك الأسئلة التي لا تتوقف، التي تطرحها الراوية على حياة الأسرة وعلى الوجود عموماً، هذه الأسئلة القلقة التي عانت كثيراً من غياب الأب، ومن شماتة أقرب المقربين، وهي الخالة التي دخلت في منطقة الغيرة والحسد تجاه شقيقتها، والدة الراوية، التي كانت في قمة الروح الإنسانية وهي تطرح أسئلتها الجميلة تجاه حياة فككتها أشياء كثيرة لا تعرف ما هي على وجه التحديد.
أسئلة الكاتبة وفاء العمير الصغيرة والجميلة، في روايتها الطموحة والجادة والواعدة في حدة الأشواك، هي أسئلة الأسرة في تفاصيل حياتها اليومية الصغيرة، تلك الأسرة التي تمثلنا جميعاً، فحين أنهيت هذا العمل السردي الهادئ والقصير، شعرت أن ما يميزه عن روايات التسعينات وما بعدها التي أخذت صيتاً لا يناب مستوياتها هو تلقائيتها، تلك التلقائية المفقودة في كثير من نصوصنا الأدبية المتكلفة في الغالب لغة وموضوعاً، أنها رواية أسئلة حياتنا الاجتماعية المتعثرة بسبب سيطرة الروح الأنانية، وغياب الهم الأسري وطغيان حياة الاستهلاك اللاهثة، وهذه كارثة اجتماعية من نتائج الوعي الثقافي والأسري المتردي، ذلك الوعي الصغير الذي لا يجعل الفرد يلتفت إلا لمتطلباته المادية والجنسية التي يقف أمامها ضعيفاً خائر القوى فلا يجد بداً من الاستسلام لها.
في حدة الأشواك . رواية قصيرة بموضوع محدد لكنه لا يفتعل ولا يتكلف ولا يحاول إقناعنا بالقوة بأهمية موضوعه، بإيجاز أستطيع القول على رغم بعض ملاحظاتي على هذا النص، إلا أنه نص أدبي بالغ العذوبة وبالغ الألم والعمق في روحه الإنسانية، وختاماً نقول إنه ليس غريباً إهمال مثل هذه النصوص العفوية الرائعة وذات الهموم الإنسانية الجادة لحساب نصوص ينقصها الكثير فنياً وموضوعياً، ليس غريباً أن تمر مثل هذه النصوص الحقيقية دون اهتمام من أحد، ذلك أننا تعودنا الركض وراء نصوص يمشي خلفها جوقة ومزامير فنمضي خلفهم، قبل أن نعرف ماذا نمشي خلفه.
بعد قراءة بعض الروايات القريبة من فكرة التخييل الذاتي وجدت أنه في مثل تلك الكتب يرتفع مستوى الفن إلى مرحلة الإبداع أحيانا، وليس مجرد نص روائي جيد ومحكم البناء وفيه قدرات تعبيرية أو انفعالية عالية. روايات مثل الاحتلال وعشق بسيط والمكان للكاتبة الفرنسية آني إرنو , ورواية قلب الوردة و حدة الأشواك للكاتبة السعودية وفاء العمير وكتب روائية أخرى كانت فنيا قريبة من السيرة الذاتية مثل كتب الراحل العربي الكبير إبراهيم أصلان الروائية والقصصية العالية الفن وردية ليل وعصافير النيل وصديق قديم جدا وخلوة الغلبان , أو الكاتب المغربي محمد شكري في الخبز الحافي أو محمد زفزاف في أغلب رواياته أو رواية عراقي في باريس لصموئيل شمعون التي كانت رواية تخييل ذاتي مبدعة في نصفها الثاني, بينما كان النصف الأول رواية مذكرات أسفار, وأيضا رواية ليلى الجهني الأولى و بعض فصول رواية بنات الرياض لرجاء الصانع حيث كل شخصية تتحدث عن حياتها الخاصة أحيانا بطريقة التخييل الذاتي والسير ذاتي بطريقة مكاشفة ومبدعة ومشوقة تفتقدها أغلب رواياتنا .
لهذا أتساءل وفكرة التخييل الذاتي في ذهني حول هذا المزاج الروائي المشوق , وهل يمكن أن يتسع عالمه قليلا ويفتح على الخارج وظروفه التي بالتأكيد لها تأثير على شخوص رواية التخييل الذاتي , ليس المقصود الظروف السياسية أو الاجتماعية المباشرة , لكن ظروف الواقع بشكل عام المؤثرة على هذا الفرد أو هذه الذات التي قد تكون ذاتنا الجماعية لان مثل هذا النوع من الكتابة في الغالب هو الأقرب إلى الصدق الفني بسبب عدم افتعال الحالة الإبداعية ما يؤدي إلى الصدق مع زمن الإبداع, فيما توجد نصوص روائية كثيرة محبوكة أو جيدة في البناء والشخصيات وفيها إثارة فتكسب قراء وربما جوائز لكنها واضحة الافتعال وضعيفة اللغة في بعض أو كثير من صفحاتها أمام الناقد أو القارئ المهتم أو اليقظ , وهي انطباعات فنية تخص قراءتي وهي نسبية وليست أحكاما على سبيل المثال روايات كثيرة أحكمت البناء وقدمت أدبا جيدا لكن مع انخفاض سقف الإبداع , حين كشفت بعض الافتعال وطغت النمطية أو التقليدية على كثير من لحظاتها .
وحين نتحدث عن التخييل الذاتي في روايات ممتعة ومتقدمة ومكتوبة بضمير المتكلم يتبادر للذهن أيضا أسئلة حول التجريد والفردية أو الشخصي و العدمي والأناني , وأسئلة أخرى حول الشكل والمعنى و الالتزام في الأدب والفن للفن على سبيل المثال , فحين تكاثرت روايات التخييل الذاتي في فرنسا وبعضها غادر الشرط الإنساني وعن إمكانية أن يساعدنا هذا الأدب في العيش أو الفهم , صدر كتاب الناقد البلغاري الأصل الفرنسي الجنسية ( تزفتان تودوروف): (الرواية الفرنسية في خطر), واتفق معه نقاد آخرون , لكنهم مع هذا الخوف يؤمنون أن الرواية الفرنسية تعتبر عالما واسعا و لا يمكن حصر أغلبها في نوعية أو فئة واحدة .
في رواية عشق بسيط للروائية الفرنسية المعروفة آني إرنو , نلاحظ لغة بسيطة وعذبة تقدم رؤية في الأدب الايروتيكي الفرنسي, لكن بلمسات إنسانية واجتماعية وذاتية ممتعة وغاية في العمق , أحبت البطلة الفرنسية رجلا متزوجا من أوروبا الشرقية جاء لباريس في مهمة عمل فنشأت بينه وبين الكاتبة علاقة حب مجنونة وهنا تتحدث الرواية عن أدق وأعمق مشاعر الحب التي تلبست جسدها وروحها حيال هذا الرجل , وتذهب الرواية نحو تفاصيل دقيقة لهذه العلاقة التي جعلت الكاتبة تتابع بشغف كل ماله علاقة بهذا الرجل , تقول الروائية : (في اغلب الأحيان اشعر أمام هذا العشق بنفس شعوري أمام كتاب اؤلفه .. شعورا بضرورة إنجاح كل مشهد..) وتقول أيضا: (كنت أروح في نعاس قصير أحس فيه أنني أنام في جسمه هو.. في اليوم التالي كنت أعيش في خدر تتشكل فيه ملاطفات منه بلا نهاية وتكرارات لكلمة قالها .). هنا الكاتبة تتحدث بثقة مؤكدة أنها الراوية وهي بطلة النص أيضا، ربما هذا تخييل ذاتي ليس على وشك سيرة ذاتية، لكن على وشك واقع شخصي لعب فيه الفن دورا كبيرا، بمعنى تجاوزت الكاتبة لعبة الاستيهام الفنية وإحاطة شخصية البطلة بالغموض، إذ أعلنت أنها الكاتبة وهي العاشقة أيضا . ومع هذا يظل السؤال هو : في أي لحظة من لحظات النص كانت البطلة هي الكاتبة، أني إرنو، وفي أي لحظة كانت واحدة أخرى، ثم هل الأنا هنا.. هي الآخر. وأخيرا.. هل يهمنا هذا كثيرا.. ولماذا .
وفي رواية المكان أيضا لنفس الكاتبة، قالت الكاتبة في مقدمة الكتاب: (هذا الكتاب ولد من وجع أتاني فترة المراهقة عندما قادتني المتابعة المستمرة للدراسة ومعاشرة زملاء من البرجوازية الصغيرة إلى الابتعاد عن أبي العامل السابق والملك لمقهى بقالة) . في المكان كانت الرواية أكثر غنى وتنوع واقتراب من الشرط الإنساني للأدب ولم تكن مغلقة على حالة شديدة الفردية أو الشخصية أو الذاتية كما في رواية عشق بسيط , رغم الشعور الكبير أن (آني إرنو) الكاتبة هي بطلة رواية المكان وبقية الشخوص هي والدها الذي توفي , ووالدتها التي تابعت محل البقالة بعد وفاته , علما أن السيرة الذاتية الحقيقية المكتوبة في صفحة (آني إرنو) , فيها شيء كثير من رواية المكان , لكن قد لا يهمنا اذا كانت البطلة هي (إرنو) ذاتها أم أحدا سواها , طالما كان الفن والابداع عاليا ولم يكن هناك لحظات افتعال , والنص كان مفتوحا على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الريف الفرنسي , وقد سارت بهدوء وفن وبساطة آسرة , نحو كشف تفاصيل صغيرة أو أحداث مهملة كانت متشظية داخل حياتها .
رواية قلب الوردة للروائية السعودية وفاء العمير تسير في خط روايات تخييل ذاتي أيضا , فهي غارقة في لحظات الهواجس والأسئلة والحب العميقة , رواية هادئة ورواية تفاصيل ورواية حلم إنساني عالي , وقد تولد لدي شعور أن قلب الوردة تحتفظ بروح رواية حدة الأشواك التلقائية في المعالجة والأداء واللغة , والمتحررة من الافتعال والقصدية الأدبية , وهذا ما يميز أدب وفاء عن غيره , إذ ترفعه تقنية الصدق الفني الواضح والصريح الى مستوى الأدب الرفيع , وهذا دلالة ارتفاع مستوى الفن بحيث لم يعد النص مجرد كتابة محكمة وجيدة , وتجاوز ذلك إلى أن صار فنا . في روايتها الأولى حدة الأشواك روح حميمية تبحث عن وصل ما انقطع , والتأسي على حال أسري واجتماعي منهك ومحبط وغير متواصل , وفي رواية قلب الوردة تتواصل التلقائية الجميلة واللغة السلسة مع ارتفاع في لحظات التخييل الذاتي , لا اقصد السيرة الذاتية للكاتبة لكنه الهم الذاتي للراوية و الساردة أو البطلة , وهو هم شخصي عاطفي جميل أعطى مساحة للبوح , وربما كان يحتاج لدفعة من جرأة ومسافة لربط الخاص بالعام , أو الانتقال من التخييل الذاتي إلى الهم الاجتماعي , وقد تم هذا لكن في حدود ضيقة وإخبارية وليست حكايات سردية قوية , فهذا الخروج لم يكن مثلا من خلال نص سردي مواز له ثقله ومساحته الواسعة , ولم يتوالد من فصول النص مشاهد وفصول صغيرة توسع أفق المعنى الإنساني والاجتماعي والعاطفي الذي رعاه النص , لكن بشكل عام يظل لسرد وفاء عذوبة وحميمية وصدق وجمال خاص , و على سبيل المثال لأيهم إن كانت العمير في المرحلة المتوسطة وقت تحرير الكويت أم لا , كما أشار النص عن الراوية أو البطلة , لكن ما يهم هو أن الافتعال كان غائبا عن النص . في النص تواصلت لحظات حميمة مثل حكاية بدريه وابنها وحكاية نايف الذي لم يتكيف مع واقع فوضوي في المدرسة وفي الشارع وبالمجتمع بشكل عام , وحكاية البطلة مع طيف فتى السابعة عشر الذي وقف إلى جانب سيارته الكرسيدا ورمى نحوها ابتسامة نهبت المسافات كي تستقر في روحها وتتعب قلبها , وكذلك المشهد الصامت والعميق بينها وبين والدها , حين أخذته بعد وفاة والدتها, إلى مقهى في السوق التجاري لتغيير الجو, حاولت قلب الوردة ربط الداخل بالخارج أو الخاص بالعام لتفادي انغلاقها التام على حالة الحب الصامتة والقوية , وقدمت نصا عفويا ليس مفتعلا وهذا هو المهم .
روايات التخييل الذاتي تلك التي أخافت النقاد من انغلاقها على ذاتها أو ابتعادها عن الشرط الإنساني، تميزت بالإبداع وبسمات الصدق والتجديد والتجريب والاختلاف، وهذا ما يكفل لها البقاء طويلا. لكن الرواية الفرنسية الجديدة تبدع الآن على مستوى العالم نصا فريدا استوعب روح العصر، وتجاوز تقليدية النص الأدبي الأسلوبي اللغوي البلاغي أو الحكائي التقليدي، أيضا يمكن ملاحظة أراء تؤكد أن القصة والرواية الحديثة لم تعد بحاجة للحكاية وهذا غير صحيح، لأن الحكاية هي جوهرة السرد وجوهر القصة والرواية . لكن السرد الحديث أصبح يتناول الحكاية بطرائق فنية جديدة و مختلفة توسع أفق النص , فبينما كان النص السردي التقليدي يعتمد كلية من بداية النص إلى نهايته على حكاية واحدة كبيرة طوال لحظات النص , أصبحت هذه الحكاية الكبيرة في النص السردي الحديث, وبالذات في نص التخييل الذاتي , تتوالد مشاهد سردية صغيرة , فتحولت الحكاية الضخمة الى حكايات صغيرة تتوالد من الحكاية الأم أو الموضوع الأساسي للنص , مثلما تجاوز بساطة مسطحة تتساهل في موضوع اللغة التي هو جوهر النص الأدبي الحديث لكن بكيفية جديدة في بساطتها وفي رؤيتها الجديدة والمختلفة للحياة وللواقع .
من جهة أخرى نلاحظ في رواية وفاء العمير : في حدة الأشواك , أيضا ملامح التخييل الذاتي وكذلك التلقائية في المعالجة والأداء واللغة، والأسئلة الإنسانية الموحية، والهم الأسري الاجتماعي الصريح، ثلاثة عناصر كانت من ملامح الأداء السردي المميزة، ، ونضيف أيضاً تلك الروح الفطرية البريئة في النص، وربما ما جعلنا نشعر بهذه التلقائية في الأداء الفني السردي تلك البساطة التي تقود النص في مسيرته الحالمة بحياة مستقرة وسط عالم يتغير بسرعة، تلك التلقائية الجميلة المتحررة من الافتعال والقصدية الأدبية، منحت اللغة سلاسة جميلة فنهضت بالنص تقنياً، إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب المبدع غير المتكلف.الراوية أو ضمير المتكلم ليست الشخصية الرئيسية في الرواية، التي تتمحور حولها الأحداث، لكنها هي الضوء الذي يتنقل بين شخصيات الرواية من الأم إلى الأخت، إلى الشقيق إلى الخالة وبناتها، إلى زميلاتها في المدرسة، إلى أماكن البيت إلى أسئلتها القلقة، بمهارة فنية واضحة ولغة رشيقة وفنانة وبأسئلة مهمومة فعلاً لا تتكلف ولا تفتعل وهذا جوهر الأدب، الصدق الفني المفقود في معظم أدائنا السردي، لكن غياب الأب الذي هو عبارة عن الشرخ النفسي في الرواية، حيث صنع الحدث ومضى في سبيله، قد يكون أحدث شرخاً فنياً صغيراً في النص، ربما لو كان صوته موجوداً لاتسعت دائرة الشخوص والأحداث والأمكنة، التي اقتصرت على دائرة محدودة نسبياً، أيضاً الذات الراوية التي عانت هزائم أسرية مؤرقة ومؤلمة، ليس لها حياة ومواقف واسعة داخل النص، لكي يكون هناك دراما في النص وتعدد صوتي، فقد ظلت نقطة ضوء جميلة فقط، لكن الانسجام كان واضحاً بين اللغة والصور السردية والحوارات في تكامل وتفاعل جميل، وكان النص واثقاً من نفسه ومن قدراته، لهذا لم تحضر لغة البلاغة الثقيلة التي نجدها تملأ فصول روايتنا السعودية عندما يتحدث رجال ونساء أميون مثلاً بلغة مثقفين، لكن عند وفاء نجد أن اللغة في غاية السلاسة: ( قلت لها وأنا أرتب الأكواب على الطاولة وأنصت إلى أنفاس هدوئها الغريب، هل نمت البارحة، تقول وهي تضع إناء الحليب وإبريق الشاي على النار لم يغمض لي جفن ).
وتتواصل حميمية الأمكنة والأجواء الإنسانية العالية في مقطع تبدو فيه الراوية وهي تشبه عين كاميرا سينمائية جميلة: (صعدت أمي إلى غرفتها بخطى ثقيلة، شعرت أن عدد درجات السلم قد تضاعف وبان المسافة بينها وبين غرفتها بعيدة، لم تبعتها؟، رايتها تسقط مثل حجر ضخم على السرير ضعيفة ومنهكة، لكنها لم تبك، هل كانت تعرف؟ وكيف لم نشعر بشيء؟ ألهذا الحد كل واحد منا متقوقع حول نفسه منغلق على أحلامه وأفكاره حتى لا نكاد ندري بما يحيط بنا ).
هذا الأداء السردي الممتع الذي قبضت على زمامه الراوية وهي البنت الصغرى في العائلة، لم يعتمد على طريقة السرد التقليدي المتعارف عليها بشكل حرفي، كما أنه لم يزعجنا بلغة مفتعلة وثقيلة ولم يتكلف محاولة الإيحاء لنا بأهمية قضية الرواية وهذا يحسب فنيا للنص، لكن ذلك الأداء السردي الموضوعي لم يقترح جماليات جديدة ورؤية جديدة في المعالجة إذ اكتفى بنقل هواجس شخوص النص، وربما ما أعطى روحاً جديدة للنص هو تلك الأسئلة التي لا تتوقف، التي تطرحها الراوية على حياة الأسرة وعلى الوجود عموماً، هذه الأسئلة القلقة التي عانت كثيراً من غياب الأب، ومن شماتة أقرب المقربين، وهي الخالة التي دخلت في منطقة الغيرة والحسد تجاه شقيقتها، والدة الراوية، التي كانت في قمة الروح الإنسانية وهي تطرح أسئلتها الجميلة تجاه حياة فككتها أشياء كثيرة لا تعرف ما هي على وجه التحديد.
أسئلة الكاتبة وفاء العمير الصغيرة والجميلة، في روايتها الطموحة والجادة والواعدة في حدة الأشواك، هي أسئلة الأسرة في تفاصيل حياتها اليومية الصغيرة، تلك الأسرة التي تمثلنا جميعاً، فحين أنهيت هذا العمل السردي الهادئ والقصير، شعرت أن ما يميزه عن روايات التسعينات وما بعدها التي أخذت صيتاً لا يناب مستوياتها هو تلقائيتها، تلك التلقائية المفقودة في كثير من نصوصنا الأدبية المتكلفة في الغالب لغة وموضوعاً، أنها رواية أسئلة حياتنا الاجتماعية المتعثرة بسبب سيطرة الروح الأنانية، وغياب الهم الأسري وطغيان حياة الاستهلاك اللاهثة، وهذه كارثة اجتماعية من نتائج الوعي الثقافي والأسري المتردي، ذلك الوعي الصغير الذي لا يجعل الفرد يلتفت إلا لمتطلباته المادية والجنسية التي يقف أمامها ضعيفاً خائر القوى فلا يجد بداً من الاستسلام لها.
في حدة الأشواك . رواية قصيرة بموضوع محدد لكنه لا يفتعل ولا يتكلف ولا يحاول إقناعنا بالقوة بأهمية موضوعه، بإيجاز أستطيع القول على رغم بعض ملاحظاتي على هذا النص، إلا أنه نص أدبي بالغ العذوبة وبالغ الألم والعمق في روحه الإنسانية، وختاماً نقول إنه ليس غريباً إهمال مثل هذه النصوص العفوية الرائعة وذات الهموم الإنسانية الجادة لحساب نصوص ينقصها الكثير فنياً وموضوعياً، ليس غريباً أن تمر مثل هذه النصوص الحقيقية دون اهتمام من أحد، ذلك أننا تعودنا الركض وراء نصوص يمشي خلفها جوقة ومزامير فنمضي خلفهم، قبل أن نعرف ماذا نمشي خلفه.