المكان هو البطل والمهم والملهم من أبطال هذه الرواية الملفتة , رواية ساق الغراب للكاتب السعودي يحي آم قاسم , حيث لا تقترن رغبة العيش الكبيرة لقرية عصيره جنوب السعودية بأحلام واقع مغاير, واقع آخر ينقلهم إلى حيث حياة أكثر سهولة مثلا, إنهم يريدون أن يظل الحال كما هو, يريدون اللحظة الزمنية أن تتوقف عند الحقل المثمر وعند سماء تمطر وعند ليل عذب الهدوء و غناء ورقص , عند سيادة على القوت وعلى الأرض بزمنها الراكد في الغالب , وعند خلافات لا تنتهي لتكون البهارات الحقيقية لعيش تلقائي مجدول من أساطير على وشك أن تكون حياة حقيقية ومن حياة على وشك الأسطورة .
وتبدو رغبة القرية في إيقاف الزمن والابتعاد ما أمكن عن ضرورات الواقع الجديد , خروجا مؤقتا للراوي على مشروعه الأدبي العام والمفترض , الهادف دائما لواقع أفضل, بسبب أن من يحاول القيام بذلك التغيير هم زائرون ثقيلون ليسوا بالمستوى , كما أن الرفض الصاعق في وضوحه ومباشرته لكل أفكار الإمارة والمقرئ المبعوث منها , يتم في وقت يائس يتم فيه استئذان كبار القرية من الشيخ في لحظات موحية للذهاب إلى الموت وكذلك في استئذان مخبر القرية وابن أخت زعيمة القوم في الرحيل عن القرية بعد أن قتل مبعوث الحياة الجديدة القادمة من الشمال وذلك الاستئذان الجميل في الذهاب للموت هي أفعال تنتسب إلى ذوات مفتوحة ومغلقة في نفس الوقت , هي مفتوحة على حياة تلقائية سهلة لا تفرق عنصريا بين الرجل والمرأة, حال أغلب القرى لدينا قبل أكثر من نصف قرن تقريبا, بلا قوانين اجتماعية أو دينية صارمة , و مغلقة على بعض العادات السلبية التي هي على وشك جاهلية متوارثة , لكنها ذوات عشقت المكان وعشقت الحال بكل أحزانه وأفراحه, ولا تريد أن تتصور حالا جديدة مهما بدت مبشرة بحلول لمشاكلهم , التي يجدون متعة في حلها على طريقتهم الخاصة , وهي الطريقة الخاصة التي تؤكد أنهم أسياد الأرض وأسياد الحل والربط وأسياد الألم والموت أيضا , وبدون ذلك لا متعة للعيش , في مناخ لاحول لك فيه ولا رأي ولا قوة ولا مجد, ولا فعل تزهو به بين القبائل .
السارد هنا يطارد فلول أمكنة حميمة، يطارد زمن مضى وانقضى بمقدرة سردية واضحة لا تبالغ ولا تفتعل كثيرا، وبلغة سردية تقع في منطقة فنية وسطى هي ما بين السلسة والثقيلة، لكن رائحة هذا الزمن المستقيم جدا في النص، والتي تشبه رائحة ورقة خضراء لشجرة ريانة، لازالت تعبق في حاضر ملتبس شكلا وموضوعا، فتملؤه شجنا وحنينا . يرصد السارد تاريخ أناس في مكان غائم وزمان أفل, يرصد بوصف طويل جدا لأسلوب عيش , وصف إنشائي على وشك الثرثرة أحيانا , كاد يطغى على حكايات النص , وكاد أن يخنق السرد في بعض اللحظات, لولا انتباه الراوي أحيانا فيحضر ليعيد الأمور لطبيعتها السردية , لكنه يرصد بغنائية عالية و دراما وتوتر أفراح والآم , كأنه يبحث عن ذاته التي عصفت بها رياح حياة جديدة , اقتلعتها من جذورها , تريد رميها في تيه المدينة ومبرر التطوير , وكل هذا يتم بلغة سرد سلسة وممتعة تتميز بأنها لا تتكلف لغة البلاغة القديمة , لكنها قد تبدو بطيئة وثقيلة أحيانا بالذات في الثلث الأول من الرواية الذي قد ينقصه التكثيف والإيجاز, ثم تصبح اللغة أسرع إيقاعا في النصف الثاني من النص حين بدأ مندوبون من الإمارة في التوافد على القرية فتحركت المياه الراكدة للمكان في اللحظة التي تحركت فيها المياه الراكدة للنص وبدأت اللغة تصبح أكثر حيوية وسلاسة وجمالا, لكنها ظلت فخمة العبارات في الكثير من لحظات نص قرية المخلاف بوادي الحسينية جنوب غرب السعودية , حيث رمزها الأم وابنها الشيخ وابن أختها مخبر القرية ثم شريفة فيما بعد, يقفون مثل أربع نخلات تظلل حياة قروية ريفية قبلية زراعية مليئة بأساطير الليل والجن والمطر والحروب والشعر والغناء والرقص , وكذلك الختان في أيام شهرة ختين القبيلة فارسها القادم , الذي لم تسمح الظروف بان يكون فارسا جديدا, فالفارس الجديد صار رجل الدين حين تبعثرت ريح القبيلة بفعل رياح جديدة أطلقتها الإمارة ورجالها الذين بدأوا التوافد على القرية لتغيير نمط حياتها, ذلك النمط العفوي الذي تعاضدت فيه النساء والرجال على بناء الحياة كتفا لكتف في العمل وفي الرقص أيضا بلا تعقيد وبلا عيون بوليسية تطاردهم, لكن وصف الراوي لطقوس الفرح والرقص والغناء يطول أحيانا بلا داع من ص 149 إلى ص 165 , وصفحات أخرى كانت أقل تكثيفا ما أطال ليس زمن الرواية ولكن صفحاتها 380 صفحة , بينما عزف الراوي موسيقى سردية عالية وجميلة خلال الكثير من فصول الرواية على طريقة الأداء السردي المميز في الصفحات من 180 إلى 185 , لكن جمال وعفوية تلك الحياة كانت تشوبه جاهليات صغيرة مبثوثة في بعض مفاهيم وعادات وتقاليد ,منها على سبيل المثال, حين تفاخرت هذه القبيلة بولدها حين يغزو بنات قبيلة أخرى في عدة ليال دافئة فتعرض للقتل الشرس من أولاد تلك القبيلة , لكن ناس القبيلة الذين يفاخرون بالمرأة ويضعونها على رأس القوم نجدهم في مكان أخر يسخرون من ذلك الراعي عشيق الزعيمة في وقت خلا الذي يقتفي أثار أمه ويستشيرها حين يواجه أي سؤال , بل إنهم يشككون في ذكورته لمجرد أنه يعتمد على امرأة هي أمه .
كما تنبأنا أن ينقل روايتنا من التكلف والافتعال بعض كتاب وكاتبات الجيل الجديد في عالم السرد وهذا ما حصل فعلا , إذ أصبحنا على شفا رواية قليلة المشاكل لغة وموضوعا , وهذا ما تثبته رواية ساق الغراب التي بين أيدينا ألان , صحيح أنها بدأت بلغة ذات إيقاع سردي بطيء قد لا يحتمله إيقاع العصر ولا إيقاع الرواية الحديثة , كما كانت اللغة اقل سلاسة مما كنا نتوقعه لكنها مضت نحو منطقة فنية طبيعية قليلة التكلف , فهي ليست اللغة البرقية التي توجز في كلام قليل أفكارا ذات دلالات و إيحاءات مهمة , لكنها كانت متحررة من مشاكل روايتنا التقليدية مثل اللغة غير السلسة أو لغة سرد تتكلف المفردة الشعرية من القاموس والموضوعات المفتعلة والتي يتضح التصنع في معالجاتها السردية , وهذا ما أدى إلى افتقاد الكثير من النماذج الروائية المعروفة للصدق الفني بسبب الافتعال لغة وموضوعا فقد أبدعت ساق الغراب في صياغة عالمها الموضوعي الحميم والرحب والإنساني والعذب لكنها لم تسلم من عبارات تتكلف الشعرية لم تفسد جمال النص ربما لأن لغة الرواية كانت في منطقة وسطى بين السلاسة واللغة الثقيلة التي تبالغ في البلاغة ولغة الشعر, وإذا كان الناقد فيصل دراج يبرر مشكلة اللغة المشعرنة أو التي تتصنع لغة الشعر في رواية ساق الغراب في تعقدها وتأنقها وكتامتها باعتبار الراوي يدور حول موضوع مبجل يقضي بلغة مبجلة فقد لا أتفق كثيرا مع هذه الفكرة باعتبار أننا يمكن أن نكتب عن موضوعات مبجلة بلغة غير ثقيلة وغير مبجلة بالضرورة , فاللغة المتدفقة والسلسة أفضل كثيرا من لغة تتوسل الشعرية دائما , لكننا استمتعنا برواية لها حكايتها القروية العذبة التي لا تبالغ ولا تفتعل , رواية لها صوت خاص لا يشبه أحدا , فتشابه بعض القصص أو الروايات مع نصوص أخرى قد يعتبر تهمة ودليل فقر إبداعي يعني ارتكاز أصحابها على أفكار نصوص أخرى وليس على قدراتهم الإبداعية, لهذا فإن نصوص الصوت الخاص قليلة فعلا .
وتبدو رغبة القرية في إيقاف الزمن والابتعاد ما أمكن عن ضرورات الواقع الجديد , خروجا مؤقتا للراوي على مشروعه الأدبي العام والمفترض , الهادف دائما لواقع أفضل, بسبب أن من يحاول القيام بذلك التغيير هم زائرون ثقيلون ليسوا بالمستوى , كما أن الرفض الصاعق في وضوحه ومباشرته لكل أفكار الإمارة والمقرئ المبعوث منها , يتم في وقت يائس يتم فيه استئذان كبار القرية من الشيخ في لحظات موحية للذهاب إلى الموت وكذلك في استئذان مخبر القرية وابن أخت زعيمة القوم في الرحيل عن القرية بعد أن قتل مبعوث الحياة الجديدة القادمة من الشمال وذلك الاستئذان الجميل في الذهاب للموت هي أفعال تنتسب إلى ذوات مفتوحة ومغلقة في نفس الوقت , هي مفتوحة على حياة تلقائية سهلة لا تفرق عنصريا بين الرجل والمرأة, حال أغلب القرى لدينا قبل أكثر من نصف قرن تقريبا, بلا قوانين اجتماعية أو دينية صارمة , و مغلقة على بعض العادات السلبية التي هي على وشك جاهلية متوارثة , لكنها ذوات عشقت المكان وعشقت الحال بكل أحزانه وأفراحه, ولا تريد أن تتصور حالا جديدة مهما بدت مبشرة بحلول لمشاكلهم , التي يجدون متعة في حلها على طريقتهم الخاصة , وهي الطريقة الخاصة التي تؤكد أنهم أسياد الأرض وأسياد الحل والربط وأسياد الألم والموت أيضا , وبدون ذلك لا متعة للعيش , في مناخ لاحول لك فيه ولا رأي ولا قوة ولا مجد, ولا فعل تزهو به بين القبائل .
السارد هنا يطارد فلول أمكنة حميمة، يطارد زمن مضى وانقضى بمقدرة سردية واضحة لا تبالغ ولا تفتعل كثيرا، وبلغة سردية تقع في منطقة فنية وسطى هي ما بين السلسة والثقيلة، لكن رائحة هذا الزمن المستقيم جدا في النص، والتي تشبه رائحة ورقة خضراء لشجرة ريانة، لازالت تعبق في حاضر ملتبس شكلا وموضوعا، فتملؤه شجنا وحنينا . يرصد السارد تاريخ أناس في مكان غائم وزمان أفل, يرصد بوصف طويل جدا لأسلوب عيش , وصف إنشائي على وشك الثرثرة أحيانا , كاد يطغى على حكايات النص , وكاد أن يخنق السرد في بعض اللحظات, لولا انتباه الراوي أحيانا فيحضر ليعيد الأمور لطبيعتها السردية , لكنه يرصد بغنائية عالية و دراما وتوتر أفراح والآم , كأنه يبحث عن ذاته التي عصفت بها رياح حياة جديدة , اقتلعتها من جذورها , تريد رميها في تيه المدينة ومبرر التطوير , وكل هذا يتم بلغة سرد سلسة وممتعة تتميز بأنها لا تتكلف لغة البلاغة القديمة , لكنها قد تبدو بطيئة وثقيلة أحيانا بالذات في الثلث الأول من الرواية الذي قد ينقصه التكثيف والإيجاز, ثم تصبح اللغة أسرع إيقاعا في النصف الثاني من النص حين بدأ مندوبون من الإمارة في التوافد على القرية فتحركت المياه الراكدة للمكان في اللحظة التي تحركت فيها المياه الراكدة للنص وبدأت اللغة تصبح أكثر حيوية وسلاسة وجمالا, لكنها ظلت فخمة العبارات في الكثير من لحظات نص قرية المخلاف بوادي الحسينية جنوب غرب السعودية , حيث رمزها الأم وابنها الشيخ وابن أختها مخبر القرية ثم شريفة فيما بعد, يقفون مثل أربع نخلات تظلل حياة قروية ريفية قبلية زراعية مليئة بأساطير الليل والجن والمطر والحروب والشعر والغناء والرقص , وكذلك الختان في أيام شهرة ختين القبيلة فارسها القادم , الذي لم تسمح الظروف بان يكون فارسا جديدا, فالفارس الجديد صار رجل الدين حين تبعثرت ريح القبيلة بفعل رياح جديدة أطلقتها الإمارة ورجالها الذين بدأوا التوافد على القرية لتغيير نمط حياتها, ذلك النمط العفوي الذي تعاضدت فيه النساء والرجال على بناء الحياة كتفا لكتف في العمل وفي الرقص أيضا بلا تعقيد وبلا عيون بوليسية تطاردهم, لكن وصف الراوي لطقوس الفرح والرقص والغناء يطول أحيانا بلا داع من ص 149 إلى ص 165 , وصفحات أخرى كانت أقل تكثيفا ما أطال ليس زمن الرواية ولكن صفحاتها 380 صفحة , بينما عزف الراوي موسيقى سردية عالية وجميلة خلال الكثير من فصول الرواية على طريقة الأداء السردي المميز في الصفحات من 180 إلى 185 , لكن جمال وعفوية تلك الحياة كانت تشوبه جاهليات صغيرة مبثوثة في بعض مفاهيم وعادات وتقاليد ,منها على سبيل المثال, حين تفاخرت هذه القبيلة بولدها حين يغزو بنات قبيلة أخرى في عدة ليال دافئة فتعرض للقتل الشرس من أولاد تلك القبيلة , لكن ناس القبيلة الذين يفاخرون بالمرأة ويضعونها على رأس القوم نجدهم في مكان أخر يسخرون من ذلك الراعي عشيق الزعيمة في وقت خلا الذي يقتفي أثار أمه ويستشيرها حين يواجه أي سؤال , بل إنهم يشككون في ذكورته لمجرد أنه يعتمد على امرأة هي أمه .
كما تنبأنا أن ينقل روايتنا من التكلف والافتعال بعض كتاب وكاتبات الجيل الجديد في عالم السرد وهذا ما حصل فعلا , إذ أصبحنا على شفا رواية قليلة المشاكل لغة وموضوعا , وهذا ما تثبته رواية ساق الغراب التي بين أيدينا ألان , صحيح أنها بدأت بلغة ذات إيقاع سردي بطيء قد لا يحتمله إيقاع العصر ولا إيقاع الرواية الحديثة , كما كانت اللغة اقل سلاسة مما كنا نتوقعه لكنها مضت نحو منطقة فنية طبيعية قليلة التكلف , فهي ليست اللغة البرقية التي توجز في كلام قليل أفكارا ذات دلالات و إيحاءات مهمة , لكنها كانت متحررة من مشاكل روايتنا التقليدية مثل اللغة غير السلسة أو لغة سرد تتكلف المفردة الشعرية من القاموس والموضوعات المفتعلة والتي يتضح التصنع في معالجاتها السردية , وهذا ما أدى إلى افتقاد الكثير من النماذج الروائية المعروفة للصدق الفني بسبب الافتعال لغة وموضوعا فقد أبدعت ساق الغراب في صياغة عالمها الموضوعي الحميم والرحب والإنساني والعذب لكنها لم تسلم من عبارات تتكلف الشعرية لم تفسد جمال النص ربما لأن لغة الرواية كانت في منطقة وسطى بين السلاسة واللغة الثقيلة التي تبالغ في البلاغة ولغة الشعر, وإذا كان الناقد فيصل دراج يبرر مشكلة اللغة المشعرنة أو التي تتصنع لغة الشعر في رواية ساق الغراب في تعقدها وتأنقها وكتامتها باعتبار الراوي يدور حول موضوع مبجل يقضي بلغة مبجلة فقد لا أتفق كثيرا مع هذه الفكرة باعتبار أننا يمكن أن نكتب عن موضوعات مبجلة بلغة غير ثقيلة وغير مبجلة بالضرورة , فاللغة المتدفقة والسلسة أفضل كثيرا من لغة تتوسل الشعرية دائما , لكننا استمتعنا برواية لها حكايتها القروية العذبة التي لا تبالغ ولا تفتعل , رواية لها صوت خاص لا يشبه أحدا , فتشابه بعض القصص أو الروايات مع نصوص أخرى قد يعتبر تهمة ودليل فقر إبداعي يعني ارتكاز أصحابها على أفكار نصوص أخرى وليس على قدراتهم الإبداعية, لهذا فإن نصوص الصوت الخاص قليلة فعلا .