كتابات د. سيد شعبان عندما تقرأها تجد نفسك قد دخلت في متاهات، فالنص عادة متشعب الأحداث، دروبه قصيرة، يقفز بك من حدث ليقربك الي حدث آخر ثم يبعدك تماما من الحدث الأصلي ، قبل أن تلتقط أنفاسك تجده قد أعادك الى حدث سابق فلاحق فسابق، حتي تجده قد أوصلك الى فكرته الأساسية التي بني عليه نصه، صورة قريبة وأخري أقرب، يصور لك المشهد بوصف دقيق كأنك تراه، يجعلك تنازع الروح بسرد عجيب فتحتار أيكتب قصة؟ ، نعم هي كذلك و ان ابتعد بها عن القواعد المعروفة، ثم تبعد القصة كلية من تفكيرك و أنت تقرأ لتقول لنفسك لا هذا سرد نثري لأحداث نمت وتطورت من حدث واحد أو قل لا شيء، سرعان ما تتجمع لديك مقاطع تكون موضوعا.
اذا تتميز كتابات د. سيد بالتجزئيي و التقطيع غير المترابط (ظنا) ، لكنه مترابط من حيث الانتقالات بين الأحداث التي تعبر عن روح المكان بكل حركاته و انفعالات مجتمعه بشخوصه وحيواناته وجماده، و كأنه يفلت الحبل من هنا ليقبض ذاك الحبل ، فالمجتمع الريفي حركي ، فحدث هنا يربط حدث هناك، صورة هنا و أخري بعيدة "وحدة موضوع" لكنها تختلف في فهم د. سيد فوحدة موضوعه "الريف" ، "القرية" ، شخص واحد، لكنه كأنه يمثل القرية كلها، الهم، الفكر، الأكل، كل نمط الحياة واحد، لهذا يتموضع القارئ زمنا في انتظار ما سيحكيه السارد، وهذا ما يبدوا واضحا في كل كتابات د. سيد السردية، فقارئه يكون في حالة شبه مطمئنة، حين يرافق السارد، غير أن هذا الاطمئنان سرعان ما يتلاشي لصعود و هبوط السرد و تغير الزمان و المكان مرة نحو الماضي(استرجاع زمني)، ثم الحاضر و عين ترقب نحو المستقبل.
حيث تجد الانسان الريفي بكل مدلولاته العميقة المتجذرة في البعد الريفي، فحكاياته التي يسردها بوحدة و تعدد مواضيعها موغلة في التراث الشعبي والفلوكور المحلى ، نعم هو يفصح عن هذا بصورة مباشرة ، لأنك تجد انسانه وموضوعه بسيط، معفر بالتراب ، موشح بالطين، متسربل بما يلبسه جديدا كان أو قديما، و اغلبه قديم، منغمس في عالم السحر و الدجل و الشعوذة، و أولياء الله الصالحين، يرتدي الطين ثوبا ، يلفحك عرقه النقي الذي لا تشم رائحة العفن فيه ، فهو عرق فلاح ، عامل بناء ... الخ ، لاستمرار حركته لا يركد عرقه ، فتبخره الشمس سريعا ، ثم تتجدد جداوله ليخر في الجسم عرقا جديدا..
سرديات د. سيد شعبان تصلح لبناء دراما فكاتباته قريبة جدا الى كتابات السيناريو ، وانتقالات الكاميرا و مقاطع الصوت بكل مؤثراته ، يظهر ذلك جليا اذا قرأت بحواسك كلها و انت تستحضر المشاهد و كيفية معالجتها، فلديه مسألة تجزئة النص وتقسيمه إلى أجزاء إحدى المسائل الأساس في بناء عمله السردي، الذي يسمح فيه عالم الفيلم المجزأ إلى وحدات من الصور، بعزل أي جزئية يمكن لها أن تتمتع بنفس القدر الذي تتمتع به الكلمة، وبالتالي يمكن فصل أي صورة منفردة عن سياقها وتركيبهـا مع صـور أخـرى وفق قـوانين الربـط والتجاور الدلالي، بالتالى تكون سردياته تأخذ الاتجاهين الصوري و الكلامي ، فقد برع أن يحيل صورة المشهد الجامدة الى كلام، تفهم منه ثم تنتقل الى الصورة فيرسخ المشهد في ذهنك.
فمن سردياته "حدث مرة" نجد هذا الترابط في شخصياته " وإمعانا في الغرابة؛ ارتديت تلك الثياب، صرت رجلا آخر، احتفى بي المارون، بالغوا في احترامي؛ جاءوا إلي بحصان أبيض أركبوني فوقه، تجمع العشرات حولي، صاروا يتنادون: لقد عاد عرابي من جديد، أتحسس وجهي فإذا شارب كبير قد نبت، رأسي يعلوها طربوش سلطاني أحمر، أحقا عاد عرابي؟ "
لنقرأ من "رجل يسكن القمر" ونادرا ما يحدث هذا؛ يقال إنها شجرة تحفها عناية الله؛ تربض تحتها جنية منذ مئات الأعوام، جلس تحتها قطز وبيبرس يوم أن هزموا جحافل التتار، آوى إليها عبد الله النديم حين اختفى عن عيون الوشاة؛ في بلاد يتجمع فيها الفرح والقهر في مشهد واحد؛
و نقتطف من "التائه" (طافت بي أمي عيادات الأطباء، أزارتني مقامات الأولياء، ثم بعد غادرت الدنيا ولما ترى لي لسانا مثل كل الأطفال) لا ينتهي توهان السارد هنا بل في رجل يسكن القمر تستمر حالته كتائه " سرت أشبه بريشة تذروها الريح، هل أنا التائه من عالمه أو الهارب من أيامه؟ "و كذلك " جئت إلى هنا وحيدا، لم يكن يسمع بي أحد، في عالم مصاب بالجنون تبدو الأشياء بلا نفع"
اذا هكذا د. سيد شعبان ، سرده لا يخاطب العامة ، و كذلك لا يخاطب الخاصة ، اذا من يخاطب ، في تقديري يخاطب نفسه على الورق، فالانسان عندما يخاطب نفسه يصدقها، فعادة ما يركن الانسان الى نفسه لحظات الضيق و حتي الفرح، بالتالى يكتب بصوت مسموع ليفرغ تراكمات مجتمعات ريفية عاشها ، أشخاص علي هامش الحياة مر بهم أو مروا به ، لهذا قلت سابقا يدخلك في متاهات ، و متاهاته ليست اعتباطا لأن حياة هولاء الذين شغلوا فكره فكتب عنهم ، نفسها متاهات ، فالعامة لا يستهدفها بكتاباته هذه ، فالمتاهات التي يكتب بها تجعلهم يجفلون من القراءة و قد يحدث لديهم حالة من "الغبش الفكري" ، و لا الخاصة ، لأن للخاصة قواعد يصعب الخروج عنها فتكثر تساؤلاتهم ،عن و عن فيحدث هرج ذهني ، و علي هذا يتحاشي د. سيد هذا و ذاك فيكتب أو كأنه يكتب لنفسه ، محتفظا بمسافاته الجمالية لكل حالة سرد.
بين تفاصيل هذا السرد تتشكل المسافة الجمالية التي يقدمها ، بوصفه جنساً سردياً، تتحدّد هويته الفنية في تشكيلات العلاقة وماهيتها بين السرد والتلقي ، و ما هو متروك للقارئ المتلقي وفق مزاجه و ثقافته و اهتمامه ، فتتمدّد الدلالات باستخدام اسلوب الاستدعاء الحر ، أى التذكر أو الاسترجاع الحر وهو نموذج أساسي في الدراسة النفسية للذاكرة. وهنا هو ذروة الصراع المتشتت في هذا السرد ، من هنا قاد د.سيد شعبان نصوصه بتمدد دلالاتها و لم يضيع البوصلة بل فتح للقارئ استدعاء حر من خلال صور ومواقف واشتباكات ، قد تكون متشتتة ، ولكنها تلتصق بخيط خفي داخل السرد
اذا تتميز كتابات د. سيد بالتجزئيي و التقطيع غير المترابط (ظنا) ، لكنه مترابط من حيث الانتقالات بين الأحداث التي تعبر عن روح المكان بكل حركاته و انفعالات مجتمعه بشخوصه وحيواناته وجماده، و كأنه يفلت الحبل من هنا ليقبض ذاك الحبل ، فالمجتمع الريفي حركي ، فحدث هنا يربط حدث هناك، صورة هنا و أخري بعيدة "وحدة موضوع" لكنها تختلف في فهم د. سيد فوحدة موضوعه "الريف" ، "القرية" ، شخص واحد، لكنه كأنه يمثل القرية كلها، الهم، الفكر، الأكل، كل نمط الحياة واحد، لهذا يتموضع القارئ زمنا في انتظار ما سيحكيه السارد، وهذا ما يبدوا واضحا في كل كتابات د. سيد السردية، فقارئه يكون في حالة شبه مطمئنة، حين يرافق السارد، غير أن هذا الاطمئنان سرعان ما يتلاشي لصعود و هبوط السرد و تغير الزمان و المكان مرة نحو الماضي(استرجاع زمني)، ثم الحاضر و عين ترقب نحو المستقبل.
حيث تجد الانسان الريفي بكل مدلولاته العميقة المتجذرة في البعد الريفي، فحكاياته التي يسردها بوحدة و تعدد مواضيعها موغلة في التراث الشعبي والفلوكور المحلى ، نعم هو يفصح عن هذا بصورة مباشرة ، لأنك تجد انسانه وموضوعه بسيط، معفر بالتراب ، موشح بالطين، متسربل بما يلبسه جديدا كان أو قديما، و اغلبه قديم، منغمس في عالم السحر و الدجل و الشعوذة، و أولياء الله الصالحين، يرتدي الطين ثوبا ، يلفحك عرقه النقي الذي لا تشم رائحة العفن فيه ، فهو عرق فلاح ، عامل بناء ... الخ ، لاستمرار حركته لا يركد عرقه ، فتبخره الشمس سريعا ، ثم تتجدد جداوله ليخر في الجسم عرقا جديدا..
سرديات د. سيد شعبان تصلح لبناء دراما فكاتباته قريبة جدا الى كتابات السيناريو ، وانتقالات الكاميرا و مقاطع الصوت بكل مؤثراته ، يظهر ذلك جليا اذا قرأت بحواسك كلها و انت تستحضر المشاهد و كيفية معالجتها، فلديه مسألة تجزئة النص وتقسيمه إلى أجزاء إحدى المسائل الأساس في بناء عمله السردي، الذي يسمح فيه عالم الفيلم المجزأ إلى وحدات من الصور، بعزل أي جزئية يمكن لها أن تتمتع بنفس القدر الذي تتمتع به الكلمة، وبالتالي يمكن فصل أي صورة منفردة عن سياقها وتركيبهـا مع صـور أخـرى وفق قـوانين الربـط والتجاور الدلالي، بالتالى تكون سردياته تأخذ الاتجاهين الصوري و الكلامي ، فقد برع أن يحيل صورة المشهد الجامدة الى كلام، تفهم منه ثم تنتقل الى الصورة فيرسخ المشهد في ذهنك.
فمن سردياته "حدث مرة" نجد هذا الترابط في شخصياته " وإمعانا في الغرابة؛ ارتديت تلك الثياب، صرت رجلا آخر، احتفى بي المارون، بالغوا في احترامي؛ جاءوا إلي بحصان أبيض أركبوني فوقه، تجمع العشرات حولي، صاروا يتنادون: لقد عاد عرابي من جديد، أتحسس وجهي فإذا شارب كبير قد نبت، رأسي يعلوها طربوش سلطاني أحمر، أحقا عاد عرابي؟ "
لنقرأ من "رجل يسكن القمر" ونادرا ما يحدث هذا؛ يقال إنها شجرة تحفها عناية الله؛ تربض تحتها جنية منذ مئات الأعوام، جلس تحتها قطز وبيبرس يوم أن هزموا جحافل التتار، آوى إليها عبد الله النديم حين اختفى عن عيون الوشاة؛ في بلاد يتجمع فيها الفرح والقهر في مشهد واحد؛
و نقتطف من "التائه" (طافت بي أمي عيادات الأطباء، أزارتني مقامات الأولياء، ثم بعد غادرت الدنيا ولما ترى لي لسانا مثل كل الأطفال) لا ينتهي توهان السارد هنا بل في رجل يسكن القمر تستمر حالته كتائه " سرت أشبه بريشة تذروها الريح، هل أنا التائه من عالمه أو الهارب من أيامه؟ "و كذلك " جئت إلى هنا وحيدا، لم يكن يسمع بي أحد، في عالم مصاب بالجنون تبدو الأشياء بلا نفع"
اذا هكذا د. سيد شعبان ، سرده لا يخاطب العامة ، و كذلك لا يخاطب الخاصة ، اذا من يخاطب ، في تقديري يخاطب نفسه على الورق، فالانسان عندما يخاطب نفسه يصدقها، فعادة ما يركن الانسان الى نفسه لحظات الضيق و حتي الفرح، بالتالى يكتب بصوت مسموع ليفرغ تراكمات مجتمعات ريفية عاشها ، أشخاص علي هامش الحياة مر بهم أو مروا به ، لهذا قلت سابقا يدخلك في متاهات ، و متاهاته ليست اعتباطا لأن حياة هولاء الذين شغلوا فكره فكتب عنهم ، نفسها متاهات ، فالعامة لا يستهدفها بكتاباته هذه ، فالمتاهات التي يكتب بها تجعلهم يجفلون من القراءة و قد يحدث لديهم حالة من "الغبش الفكري" ، و لا الخاصة ، لأن للخاصة قواعد يصعب الخروج عنها فتكثر تساؤلاتهم ،عن و عن فيحدث هرج ذهني ، و علي هذا يتحاشي د. سيد هذا و ذاك فيكتب أو كأنه يكتب لنفسه ، محتفظا بمسافاته الجمالية لكل حالة سرد.
بين تفاصيل هذا السرد تتشكل المسافة الجمالية التي يقدمها ، بوصفه جنساً سردياً، تتحدّد هويته الفنية في تشكيلات العلاقة وماهيتها بين السرد والتلقي ، و ما هو متروك للقارئ المتلقي وفق مزاجه و ثقافته و اهتمامه ، فتتمدّد الدلالات باستخدام اسلوب الاستدعاء الحر ، أى التذكر أو الاسترجاع الحر وهو نموذج أساسي في الدراسة النفسية للذاكرة. وهنا هو ذروة الصراع المتشتت في هذا السرد ، من هنا قاد د.سيد شعبان نصوصه بتمدد دلالاتها و لم يضيع البوصلة بل فتح للقارئ استدعاء حر من خلال صور ومواقف واشتباكات ، قد تكون متشتتة ، ولكنها تلتصق بخيط خفي داخل السرد