قد نتفق في أنَّ كل الحيوانات لديها شيء من الفطنة أوالإدراك الحيواني، تستعين به على تدبير أمورها، وقيام حياتها من حماية وإشباع حاجاتها الأولية، وتواصل مع بنات جنسها، تقوم مقام العقل للإنسان، ولكن لا يرقى بها إلى اقتضاء التكليف، وفي المقابل فإن بعض- وليس كل- الحيوانات تحاكي شيئا من أصوات البشر؛ فتستأثر به عما دونها من بقية العجماوات، بيد أنه لا يؤهلها ذلك إلى قيد نتاج تواصلها كتابةً، فلم يثبت على كر التاريخ أن حيوانا واحدا- ولومن الفصيلة الدروانية العليا- عقَّب وثيقة مخطوطة؛ ذلك أن الكتابة ظاهرة بشرية، وهبةٌ من الله ميّز بها الإنسانَ عن سائر المخلوقات، وهي-كما قال بعضهم- : "عملية دقيقة تخضع لموازين تجعل منها همّا إنسانيا، ترتفع بالإنسان كاتبا وقارئا ودارسا وتضيف تجارب أخرى إلى تجاربه" حتى يمكننا تعريف الإنسان بأنه: ذلك الكائن الذي يستطيع الكتابة، وهي استطاعة بالقوة، لا وجود بالفعل- فلا نتأول ذلك الأمي من محترزات التعريف- وقد ظاهر ما ذهبنا إليه اتساقُ مشتهر التعريفات مع الكتابة، ومردُّه إليها في حدهم الجامع المانع-وفق ما تأولوا له- بأن الإنسان مخلوق ذو تاريخ، وهل يحفظ التاريخَ إلا التدوينُ والكتابةُ؟!.
وكان لظهور الكتابةالفضلُ في انتقال الإنسان من حيِّز الشفاهية إلى عصر الكتابية، نقلة جعلته يجابه أعتاب الحضارة، ويغلظ الطرقَ على أبوابها بالعلوم والفنون والآداب، حتى استقرت له أسبابها؛ فنزع إلى استدعاء تراكم النقش على الطين والحجر وجدران المعابد، يقول الجاحظ: "ولولا الكتب المُدوّنة والأخبار المُخلّدة والحكم المخطوطة لبطُل أكثرُ العلم ولغلب سلطان النسيان، ولما كان للناس مَفْزعٌ إلى موضع استذكار، ولوْ تمّ ذلك لحُرمْنا أكثر النفع " وقديما قالوا: العلم صيد فقيدوه بالكتابة، ولذلك ضاعت أكثرعلوم المصريين قديما، وأجلها تفوقًا وتميزا، حين توارت أعظم وثائقهم وانقطعت عنا، ودليلنا ما تفصح به بعض البرديات التي يفسح عنها شراذيم الغرب، وقد وقعت أسيرةً في شباكهم، نهيبةً في براثنهم.
والكتابة لا راحة من ورائها مهما أَنَسَ الجنبُ إلى الدَّعَةِ؛ فسالك دربها هو هذا الحالُّ المُرتحِل، وعلى مدى الطريق هو ذلك المصاب بأدواءٍ لا برء منها؛ فما إن يضع حَملَه القلمُ حتى يصيب الذهنَ مخاضُ استيلاد غيره، وإن شُفِيَ من الداء فقد أصابه العقمُ، وأفلت شمسُ إبداعاته، حينئذٍ يلقى المرتحلُ عصاه؛ إذ وصل إلى نهاية الدرب " يقول "أنيس منصور" : فالكاتب يتعذب ويكتوي ويتلوّى ويتأوّه، ولكن إذا واجه الناس عليه أن يقول ما يُريح الناس، ويفيدهم في حياتهم، ويهديهم إلى ما هو أفضل؛ فالذي يقدم طعاما للناس لا يعرض عليهم أدوات المطبخ، ولا يأتي بالفرْن بينهم، فليس هذا من شأنهم، إنهم يريدون أن يأكلوا " حيث تكون الكتابة بالنسبة له أكثر صعوبةً مما تبدو عليه للآخرين، ولا يشعر المتلقي بذلك التعب إلا كما يشعر الضيفانُ، وقد التهموا طعمتهم في دقائق، قام على إعدادها الآدبُ في ساعات.
و بقدر ما في الكتابة من عذاب واكتواء وحرقة، إلا أن الكاتب يسعد حين تمتلئ أوراقه بأنفاس وجدانه، فيتبدد ذلك الصراع، وتلك المعاناة التي اعتملت بعقله ووجدانه، مذ كانت الفكرةُ في رحم الغيب، إلى أن تلاقحت بفلسفته وثقافتة واتجاهاته، حتى استقرت بوجدانه كما يستقر الجنين برحم الأم، ثم لا يفتأ يعاني آلامَ المخاض عند استيلادها على صفحات القراطيس؛ لذا فالكتابة لا تنفصل عن الذات، بل هي الذات نفسها، وقبس من وجدان الكاتب، تعكس ماهيته وفكره، وتقوم بها روحه، كما يقوم بالطفل جينات والديه، ويلتمع به الشبه منهما، يقول " أناتول فرانس": إن الأسلوب هو الرجل" حيث يحاكي الكاتب فلسفته، في السعي نحو تحقيق كينونته، وآمال مجتمعه.
وتستعمل الحروف جوانية صاحبها حتى تنزف النفس، ونزفها علامة صدقها، وجواز مرورها إلى وجدان المتلقي؛ فالكلمات كواشف، تظل تتراقص في دواخل الكاتب ومخيلته، كديمة تختال للروض حتى تسجد في محرابه، وتهبط على أوراقه، أما عند مدعي الكتابة فلا يزال القلم يحتال برشوة الضمائر، لا بمنطق الاستحواذ الفني؛ حيث ترعد النفس وتزمجربحمل كاذب، سرعان ما ينكشف كسحابة صيف عابرة، يقل مضمونها ويعلو بريقها؛ فلا يتولد عنها قطرة من ماء؛ فالكاتب الحق يكتب في الكواغد، وغيره يرقم على الأثير، وشتان بين ما تحمله ماهية (الأوراق)، وشيء مفتقد إلى الماهية ( الهواء) ! فقد تَسْبُتُ الكلمةُ ولا تثبت إذا ما أهلت في غير سياقها، وتقبر المعاني إذا ما كانت في غير قصدها، وإنما كلاهما وسيلة تقصر عن تحقيق الهدف، ولا تبلغ بمراد غاية، فتزهق فيها الروح، ولا يبقى منها إلا بعض من بريق يزول، فلايدل على درب ولا يهدي إلى سبيل، كلمعة السراب طوته حقيقته.
وعندما يكتب الأكاديمي على العام، فإنه يجعل من موضوعات متخصصة لا تُطْرَق إلا تحت قباب الجامعات، وقاعات المؤتمرات وإماكن الدرس، ثقافة عامة تتعدى حدود الأكاديمية لتنتشر خارج اهتمامات الياقات البيضاء؛ فتكون موردا لكثير ممن لا يأبهون بها، ولا ينظرون إليها، حيث يأخذ المعنيُّ نتائجَ البحوث من يد الأكاديميين، ويمضي بها في يسر خلف أسوار الجامعة، كما نضع مقبس المحوًِل في الطاقة ملتمسين به جهدا ( فلطيا) منخفضا؛ ليتأتى منه ما يناسب العقل الجمعي، وفي هذا نشر للون من الثقافة الجادة، تنماز بدرجة عالية من الأصالة و الدقة والمصداقية، بما تعتمد عليه من أساليب البحث العلمي والتجريب والمشاهدة والملاحظة، ومرد ذلك أنه لايعتمد على استدعاء الذاكرة، أوينزع إلى الحدس والاستبطان أو التخمين، مثل كثير من الأدبيات، كما ينماز بالبعد عن جفاء التناول، وجفوة العرض الأكاديمي، الذي لا يوافق إلا البحث، وطرحها في المؤتمرات العلمية، مع الاحتفاظ بالأسلوب بعيدا عن الإسفاف والتحرر، وقد وافق شيئا من أسلوب الكتابة الصِّحافية؛ حيث تفسح المجال لاستعراض فنيات التشويق والجذب والإثارة، وتيسير العرض وسهولة المأخذ، مع التفرد بالأسلوب العلمي /الأدبي الراقي، والتحرز عن الإغراق في الأكاديمية الجافة، والتخلِّي عن التجييش بالمصادر والمراجع والإحالات والملاحق، التي تحتاج ذهنا يركض في مضمارها محللا ومصنفا ومستنبطاً وناقدا، لا عينا تطالع فتستجمع شعاعًا ثقافيا تهتدي على ضوئه، وتهدي به؛ وإلا تداولتها الأيام وطوَّحها الزمان على غير ما تأمَّل منها، أويُرجَى من ورائها، فلا تتعداه إلى المجتمع، لتظل عانيةً لا تبرح أرفف المكتبات، وقد علا أنينها، بما يجتمع على كاهلها من بحوث ودراسات، لم يتعد أكثرها حيز التنظير والتأطير، والجامعة- في الأصل- مؤسسة ثقافية تلبي رغبات المجتمع، وتشبع حاجاته، وتحاصر مشكلاته بالدراسة، واقتراح ما يناسب من حلول ناجعة.
ولا أدل على ذلك من الدكاترة "زغلول النجار، مصطفى محمود،أحمد زكي"-وغيرهم- الذي كتب في الهلال والرسالة والثقافة والعربي، واستكتب لها كبار الأدباء ورجال السياسة، ونشر قصص الاختراع والمخترعين، كما عني بتبسيط النظريات العلمية، وترجمة بعض الآثار الأوربية؛ فمع تخصصه العلمي، كانت منه عين ترعى الأدب وقلب موكل بما كُتِبَ في العلوم باللغات الأجنبية؛ حتى خلصت له القدرة الفائقة على العرض الجذاب، والأسلوب الأدبي الرصين، والبيان الجميل في معالجة الموضوعات العلمية، و تبسيطها، وتسويغها لأذهان العامة، بعد تهذيبها من عوالق الأكاديمية الجافة، وتشذيبها من حسك التخصص المنفر... حيث مكمن الفضل في نشر العلوم، والثقافة العلمية بين غير المتخصصين.
وكان لظهور الكتابةالفضلُ في انتقال الإنسان من حيِّز الشفاهية إلى عصر الكتابية، نقلة جعلته يجابه أعتاب الحضارة، ويغلظ الطرقَ على أبوابها بالعلوم والفنون والآداب، حتى استقرت له أسبابها؛ فنزع إلى استدعاء تراكم النقش على الطين والحجر وجدران المعابد، يقول الجاحظ: "ولولا الكتب المُدوّنة والأخبار المُخلّدة والحكم المخطوطة لبطُل أكثرُ العلم ولغلب سلطان النسيان، ولما كان للناس مَفْزعٌ إلى موضع استذكار، ولوْ تمّ ذلك لحُرمْنا أكثر النفع " وقديما قالوا: العلم صيد فقيدوه بالكتابة، ولذلك ضاعت أكثرعلوم المصريين قديما، وأجلها تفوقًا وتميزا، حين توارت أعظم وثائقهم وانقطعت عنا، ودليلنا ما تفصح به بعض البرديات التي يفسح عنها شراذيم الغرب، وقد وقعت أسيرةً في شباكهم، نهيبةً في براثنهم.
والكتابة لا راحة من ورائها مهما أَنَسَ الجنبُ إلى الدَّعَةِ؛ فسالك دربها هو هذا الحالُّ المُرتحِل، وعلى مدى الطريق هو ذلك المصاب بأدواءٍ لا برء منها؛ فما إن يضع حَملَه القلمُ حتى يصيب الذهنَ مخاضُ استيلاد غيره، وإن شُفِيَ من الداء فقد أصابه العقمُ، وأفلت شمسُ إبداعاته، حينئذٍ يلقى المرتحلُ عصاه؛ إذ وصل إلى نهاية الدرب " يقول "أنيس منصور" : فالكاتب يتعذب ويكتوي ويتلوّى ويتأوّه، ولكن إذا واجه الناس عليه أن يقول ما يُريح الناس، ويفيدهم في حياتهم، ويهديهم إلى ما هو أفضل؛ فالذي يقدم طعاما للناس لا يعرض عليهم أدوات المطبخ، ولا يأتي بالفرْن بينهم، فليس هذا من شأنهم، إنهم يريدون أن يأكلوا " حيث تكون الكتابة بالنسبة له أكثر صعوبةً مما تبدو عليه للآخرين، ولا يشعر المتلقي بذلك التعب إلا كما يشعر الضيفانُ، وقد التهموا طعمتهم في دقائق، قام على إعدادها الآدبُ في ساعات.
و بقدر ما في الكتابة من عذاب واكتواء وحرقة، إلا أن الكاتب يسعد حين تمتلئ أوراقه بأنفاس وجدانه، فيتبدد ذلك الصراع، وتلك المعاناة التي اعتملت بعقله ووجدانه، مذ كانت الفكرةُ في رحم الغيب، إلى أن تلاقحت بفلسفته وثقافتة واتجاهاته، حتى استقرت بوجدانه كما يستقر الجنين برحم الأم، ثم لا يفتأ يعاني آلامَ المخاض عند استيلادها على صفحات القراطيس؛ لذا فالكتابة لا تنفصل عن الذات، بل هي الذات نفسها، وقبس من وجدان الكاتب، تعكس ماهيته وفكره، وتقوم بها روحه، كما يقوم بالطفل جينات والديه، ويلتمع به الشبه منهما، يقول " أناتول فرانس": إن الأسلوب هو الرجل" حيث يحاكي الكاتب فلسفته، في السعي نحو تحقيق كينونته، وآمال مجتمعه.
وتستعمل الحروف جوانية صاحبها حتى تنزف النفس، ونزفها علامة صدقها، وجواز مرورها إلى وجدان المتلقي؛ فالكلمات كواشف، تظل تتراقص في دواخل الكاتب ومخيلته، كديمة تختال للروض حتى تسجد في محرابه، وتهبط على أوراقه، أما عند مدعي الكتابة فلا يزال القلم يحتال برشوة الضمائر، لا بمنطق الاستحواذ الفني؛ حيث ترعد النفس وتزمجربحمل كاذب، سرعان ما ينكشف كسحابة صيف عابرة، يقل مضمونها ويعلو بريقها؛ فلا يتولد عنها قطرة من ماء؛ فالكاتب الحق يكتب في الكواغد، وغيره يرقم على الأثير، وشتان بين ما تحمله ماهية (الأوراق)، وشيء مفتقد إلى الماهية ( الهواء) ! فقد تَسْبُتُ الكلمةُ ولا تثبت إذا ما أهلت في غير سياقها، وتقبر المعاني إذا ما كانت في غير قصدها، وإنما كلاهما وسيلة تقصر عن تحقيق الهدف، ولا تبلغ بمراد غاية، فتزهق فيها الروح، ولا يبقى منها إلا بعض من بريق يزول، فلايدل على درب ولا يهدي إلى سبيل، كلمعة السراب طوته حقيقته.
وعندما يكتب الأكاديمي على العام، فإنه يجعل من موضوعات متخصصة لا تُطْرَق إلا تحت قباب الجامعات، وقاعات المؤتمرات وإماكن الدرس، ثقافة عامة تتعدى حدود الأكاديمية لتنتشر خارج اهتمامات الياقات البيضاء؛ فتكون موردا لكثير ممن لا يأبهون بها، ولا ينظرون إليها، حيث يأخذ المعنيُّ نتائجَ البحوث من يد الأكاديميين، ويمضي بها في يسر خلف أسوار الجامعة، كما نضع مقبس المحوًِل في الطاقة ملتمسين به جهدا ( فلطيا) منخفضا؛ ليتأتى منه ما يناسب العقل الجمعي، وفي هذا نشر للون من الثقافة الجادة، تنماز بدرجة عالية من الأصالة و الدقة والمصداقية، بما تعتمد عليه من أساليب البحث العلمي والتجريب والمشاهدة والملاحظة، ومرد ذلك أنه لايعتمد على استدعاء الذاكرة، أوينزع إلى الحدس والاستبطان أو التخمين، مثل كثير من الأدبيات، كما ينماز بالبعد عن جفاء التناول، وجفوة العرض الأكاديمي، الذي لا يوافق إلا البحث، وطرحها في المؤتمرات العلمية، مع الاحتفاظ بالأسلوب بعيدا عن الإسفاف والتحرر، وقد وافق شيئا من أسلوب الكتابة الصِّحافية؛ حيث تفسح المجال لاستعراض فنيات التشويق والجذب والإثارة، وتيسير العرض وسهولة المأخذ، مع التفرد بالأسلوب العلمي /الأدبي الراقي، والتحرز عن الإغراق في الأكاديمية الجافة، والتخلِّي عن التجييش بالمصادر والمراجع والإحالات والملاحق، التي تحتاج ذهنا يركض في مضمارها محللا ومصنفا ومستنبطاً وناقدا، لا عينا تطالع فتستجمع شعاعًا ثقافيا تهتدي على ضوئه، وتهدي به؛ وإلا تداولتها الأيام وطوَّحها الزمان على غير ما تأمَّل منها، أويُرجَى من ورائها، فلا تتعداه إلى المجتمع، لتظل عانيةً لا تبرح أرفف المكتبات، وقد علا أنينها، بما يجتمع على كاهلها من بحوث ودراسات، لم يتعد أكثرها حيز التنظير والتأطير، والجامعة- في الأصل- مؤسسة ثقافية تلبي رغبات المجتمع، وتشبع حاجاته، وتحاصر مشكلاته بالدراسة، واقتراح ما يناسب من حلول ناجعة.
ولا أدل على ذلك من الدكاترة "زغلول النجار، مصطفى محمود،أحمد زكي"-وغيرهم- الذي كتب في الهلال والرسالة والثقافة والعربي، واستكتب لها كبار الأدباء ورجال السياسة، ونشر قصص الاختراع والمخترعين، كما عني بتبسيط النظريات العلمية، وترجمة بعض الآثار الأوربية؛ فمع تخصصه العلمي، كانت منه عين ترعى الأدب وقلب موكل بما كُتِبَ في العلوم باللغات الأجنبية؛ حتى خلصت له القدرة الفائقة على العرض الجذاب، والأسلوب الأدبي الرصين، والبيان الجميل في معالجة الموضوعات العلمية، و تبسيطها، وتسويغها لأذهان العامة، بعد تهذيبها من عوالق الأكاديمية الجافة، وتشذيبها من حسك التخصص المنفر... حيث مكمن الفضل في نشر العلوم، والثقافة العلمية بين غير المتخصصين.
محمود المهدى
محمود المهدى ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit محمود المهدى und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...
www.facebook.com