اختار الكاتب فهد العتيق الطريق الصعب في الكتابة القصصية.. فهو لا يكتب حكاية ولا حدوته تتحدد فيها علاقات البطل بالناس، إنما حياة البطل تتعلق بالزمان وأثره في المكان.. وهو يحاول استعادة المكان كما كان.. أنه يحاول استعادة الماضي بأسلوب هادئ شديد الحساسية يتدفق عاطفة وشعراً. وقد تحدد منهج الكاتب، والأصح عالمه، عندما اختار أن يفتتح مجموعته القصصية ( أظافر صغيرة وناعمة ) بجملة من الكاتب الفرنسي ، مارسيل بروست، يقول فيـها ( الكتابة بحث عن الحقيقة الهاربة في زمن مفقود ينبغي أن يستعاد حتى في غيابه). وبروست هو صاحب أطول رواية في القرن العشريـن ( مليون كلمـة ) وعنوانـها ( البحث عن الزمن المفقود ) وتدور كلها حول حياة الكاتب الماضية ، ومحاولة إعادة بناء الماضي مرة أخرى ، أكثر الوقت عن طريق تيار الوعي.
نحن أذن أمام ماض يستعاد في لوحات تطول أحياناً إلى صفحات وتقصر حتى تصل إلى بضعة سطور ، لوحات مرسومة بألوان الأنبوبة ، فالكلمات عميقة اللون متماسكة ومتشابكة ، مخنوقة الأنفاس كأنها كابوس متصل !
يرسم الصورة ببساطة رائعة ، ففي نهاية قصة ( الأناشيد والناس ) يقول:( هـا هو الآن يقف أمام السوق يمد نظره نحو مشهد النساء الاحتفالي ، يطل بحزن ويتذكر أختاً مهدمة وأماً غالية وبيتاً كان يضج صباحاً ومساء بصوتين جميلين لامرأتين عذبتين تركتاه وسافرتا إلى الله ).
وهذا هو أسلوب الحفر في الماضي ، أن المؤلف لا يوسع مادته ولكن يعمقها وهو يفعل ذلك ببساطة تجعلنا نقف حيارى أمام ما نحس به من شجن لم نشترك فيه ولم يكن ملكنا.
أن فهد العتيق ، يشبه طيراً فوق الصحراء ، يكشف مدنا اندثرت تحت الرمال ولكن أسوارها ما زالت ترتفع قليلاً لتشير إلى حياة اندثرت ولكن ما زالت تقاوم الموت ، إنها الذكريات التي تعيننا على الحياة ، وتجعلنا نشعر أن أجمل السنوات هي السنوات التي مضت. فهد العتيق كاتب عجيب ، أظن أنه أجرى برفات كثيرة سابقة ليصل إلى هذا الأسلوب الموحى الساكن ، العميق ، وأنا أتصور أن مجموعته هذه بروفة لرواية كاملة يواصل فيها الحفر والبحث عن الماضي ، وتجعله واحداً من أهم الروائيين العرب إذا تم الالتفات إليه ، والاهتمام به.
وفي كتابه القصصي إذعان صغير , اقرأ قصص الصديق العتيق المتجدد فهد العتيق فأتذوق طزاجة القص واستروح نكهة الاصالة البكر ثم اتذكر الكاتب الفرنسي جورج دوهاميل صاحب اعترافات منتصف الليل!! نفس الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في حياتنا.. التفاصيل المهملة التي لا يراها الا فنان يعيش بين الحقيقة والوهم.. وبين الواقع والخيال.
كانت امنية بطل دوهاميل ان يقرص اذن رئيسه في العمل .. كان يرى شحمة اذنه المتدلية فيتحرق شوقا لقرصها.. وأخيرا قرصها واستراح.. وطردوه من العمل وعاد الى امه خائبا.
وتستطيع ان تقول ان العتيق ودوهاميل لا يكتبان عن موضوع.. انهما يكتبان عن حالة.. حالة رجل صغير في مصرف عند دوهاميل.. حالة رجل اخر صغير يحب الحمام.. أي يحب السلام.. ولكن جيرانه يشنون عليه الحرب.. وتنتهي الحرب امام مدير مكتب الحقوق المدنية.. وهناك يصدر القرار.. الخلاص من الحمام.. ويذعن الرجل الصغير.
ليست هناك علاقة موضوعية بين القصتين.. ولكنك تشعر انك امام حالة .. حالة الرجل الصغير المذعن. الأشياء الصغيرة اذن هي مادة شغل هذا الكاتب المدهش.. والانسان شيء أيضا.. و«كان الإنسان أكثر شيء جدلا» صدق الله العظيم.
في اقاصيصه أطفال كثيرون.. اشقياء.. أبرياء.. انه يلتقي بالحياة في طفولتها البكر.. وفيها اباء يذكرونك بالتاريخ.. واكثر ما فيها هؤلاء الرجال الصغار الذين تسحقهم حقائق الحياة واجراءاتها التي تشبه التروس التي تقود الانسان او تفرمه فلا يستطيع منها الفرار.. انه يرسم بالزيت كثافة الوجود المعقد.. ويرسم بالماء شخوصه الهشة.. وتستطيع ان تتذكر تشيكوف أيضا، وكافكا بلا شك.. هناك بساطة تشيكوف الدالة، وهناك كواليس كافكا المرعبة.
لا تستطيع ان تلخص قصة من قصص العتيق، فقد قام هو بالتلخيص واعطاك أساس الحياة مركزا ونفاذا.. اريد ان أقول ان العتيق محارب بالقلب يطلق رصاصه على الواقع، ولكني أخشى ان استخدم طلقات الرصاص في هذا الهمس الفني.. انني اجدد اعجابا ابديته بمجموعته الأولى «اظافر صغيرة جدا»، وسأتمسك بهذا الاعجاب كلما قرأت له.
نحن أذن أمام ماض يستعاد في لوحات تطول أحياناً إلى صفحات وتقصر حتى تصل إلى بضعة سطور ، لوحات مرسومة بألوان الأنبوبة ، فالكلمات عميقة اللون متماسكة ومتشابكة ، مخنوقة الأنفاس كأنها كابوس متصل !
يرسم الصورة ببساطة رائعة ، ففي نهاية قصة ( الأناشيد والناس ) يقول:( هـا هو الآن يقف أمام السوق يمد نظره نحو مشهد النساء الاحتفالي ، يطل بحزن ويتذكر أختاً مهدمة وأماً غالية وبيتاً كان يضج صباحاً ومساء بصوتين جميلين لامرأتين عذبتين تركتاه وسافرتا إلى الله ).
وهذا هو أسلوب الحفر في الماضي ، أن المؤلف لا يوسع مادته ولكن يعمقها وهو يفعل ذلك ببساطة تجعلنا نقف حيارى أمام ما نحس به من شجن لم نشترك فيه ولم يكن ملكنا.
أن فهد العتيق ، يشبه طيراً فوق الصحراء ، يكشف مدنا اندثرت تحت الرمال ولكن أسوارها ما زالت ترتفع قليلاً لتشير إلى حياة اندثرت ولكن ما زالت تقاوم الموت ، إنها الذكريات التي تعيننا على الحياة ، وتجعلنا نشعر أن أجمل السنوات هي السنوات التي مضت. فهد العتيق كاتب عجيب ، أظن أنه أجرى برفات كثيرة سابقة ليصل إلى هذا الأسلوب الموحى الساكن ، العميق ، وأنا أتصور أن مجموعته هذه بروفة لرواية كاملة يواصل فيها الحفر والبحث عن الماضي ، وتجعله واحداً من أهم الروائيين العرب إذا تم الالتفات إليه ، والاهتمام به.
وفي كتابه القصصي إذعان صغير , اقرأ قصص الصديق العتيق المتجدد فهد العتيق فأتذوق طزاجة القص واستروح نكهة الاصالة البكر ثم اتذكر الكاتب الفرنسي جورج دوهاميل صاحب اعترافات منتصف الليل!! نفس الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في حياتنا.. التفاصيل المهملة التي لا يراها الا فنان يعيش بين الحقيقة والوهم.. وبين الواقع والخيال.
كانت امنية بطل دوهاميل ان يقرص اذن رئيسه في العمل .. كان يرى شحمة اذنه المتدلية فيتحرق شوقا لقرصها.. وأخيرا قرصها واستراح.. وطردوه من العمل وعاد الى امه خائبا.
وتستطيع ان تقول ان العتيق ودوهاميل لا يكتبان عن موضوع.. انهما يكتبان عن حالة.. حالة رجل صغير في مصرف عند دوهاميل.. حالة رجل اخر صغير يحب الحمام.. أي يحب السلام.. ولكن جيرانه يشنون عليه الحرب.. وتنتهي الحرب امام مدير مكتب الحقوق المدنية.. وهناك يصدر القرار.. الخلاص من الحمام.. ويذعن الرجل الصغير.
ليست هناك علاقة موضوعية بين القصتين.. ولكنك تشعر انك امام حالة .. حالة الرجل الصغير المذعن. الأشياء الصغيرة اذن هي مادة شغل هذا الكاتب المدهش.. والانسان شيء أيضا.. و«كان الإنسان أكثر شيء جدلا» صدق الله العظيم.
في اقاصيصه أطفال كثيرون.. اشقياء.. أبرياء.. انه يلتقي بالحياة في طفولتها البكر.. وفيها اباء يذكرونك بالتاريخ.. واكثر ما فيها هؤلاء الرجال الصغار الذين تسحقهم حقائق الحياة واجراءاتها التي تشبه التروس التي تقود الانسان او تفرمه فلا يستطيع منها الفرار.. انه يرسم بالزيت كثافة الوجود المعقد.. ويرسم بالماء شخوصه الهشة.. وتستطيع ان تتذكر تشيكوف أيضا، وكافكا بلا شك.. هناك بساطة تشيكوف الدالة، وهناك كواليس كافكا المرعبة.
لا تستطيع ان تلخص قصة من قصص العتيق، فقد قام هو بالتلخيص واعطاك أساس الحياة مركزا ونفاذا.. اريد ان أقول ان العتيق محارب بالقلب يطلق رصاصه على الواقع، ولكني أخشى ان استخدم طلقات الرصاص في هذا الهمس الفني.. انني اجدد اعجابا ابديته بمجموعته الأولى «اظافر صغيرة جدا»، وسأتمسك بهذا الاعجاب كلما قرأت له.