عيسى الشيخ حسن - خالد عبد الغني يضيئ عوالم خفية إنسانية عن طريق الألوان

راهن الباحث المصري الدكتور خالد عبد الغني على ربط أبحاثه النفسية الميدانية بعالم الفنّ والأدب، ووجد فيما قرأه من أعمال روائية وقصصية وشعرية، وما شاهده من رسوم للحالات التي يشرف عليها ؛ أنّ الذات البشرية تعبر عن نفسها بالفنّ، ويمكن قراءة هذه الحالات من خلال تأمل ما أبدعوه وتحليله وتفكيك رموزه، بل إن الرجل ضرب بعيداً في الذهاب إلى استنطاق هذه العوالم من خلال معايشته الحية لمعاناة المبدعين من خلال كتابته للنصوص الشعرية وممارسة الرسم. وفي هذا أساس متين لباحث لم يقف على حافة الدرس الأكاديمي بل غمس ريشته في التجربة، وكان له باعٌ في لعبة الكلمة واللون لولا مشاغله في البحث. يأتي كتاب:" سيكولوجية الألوان لدى المرضى النفسيين والفئات الخاصة من منشورات مؤسسة الوراق الأردنية .

يتناول هذا الكتاب الذي يقع في 280 صفحة من القطع الكبير الدلالات السيكولوجية لتفضيل الألوان والمشكلات النفسية الشائعة في الطفولة والمراهقة وتحليل رسوم المرضى النفسيين والمعاقين سمعيا والمعاقين عقليا من الأطفال والمراهقين وعدد من الحالات الاكلييكية التي تعامل معها المؤلف في مصر وقطر خلال 20 عاماً. وحول تفضيل الأشخاص لبعض الألوان ورفض البعض الآخر، يبدو أن الناس إنما يفضلون ألواناً بعينها ويرفضون ألواناً أخرى نتيجة وجود ارتباطات سارة أو مؤلمة كانت قد حدثت لهم في الماضي، وما اللون في هذه الحالة إلا مثير يعمل على استحضار تلك الأحداث وما عاصرها من انفعالات، وأحياناً يفضل الناس الألوان لما تحدثه من تأثير سار في نفوسهم، وقد يرفضونها لما تحدثه من توتر وقلق، وأحياناً يفضل الناس الألوان لأنهم يُنْزِلُونهَا منزلة الأشخاص فيعطونها نفس صفات الأفراد من حيث القوة والشجاعة والكآبة. ولكن ما دلالة كل من التفضيل أو الرفض للألوان ؟ فالفروق في تفضيل الألوان تعود إلى الطبقة الاجتماعية , والعمر , والنوع ، وبين الشرقيين والغربيين . فمثلاً وجد أن المتعلمين من الرجال الإنجليز يفضلون الألوان على النحو التالي , اللون الأخضر فالأزرق فالأبيض فالأصفر فالأسود ، أما النساء فيفضلنَّ الألوان على ذلك النحو , اللون الأزرق فالأخضر فالأبيض فالأصفر فالأسود ، بينما الأطفال الذكور يفضلون اللون الأحمر فالأخضر، وفي الوقت نفسه تبين أن البنات يفضلنَّ اللون الأخضر في مرحلة عمرية تسبق الذكور". فعندما عُرِضَ على طلاب الجامعة من الجنسيين مجموعة من الأدوات الملونة، وطُلِبَ منهم أن يختاروا الألوان التي تعبر عن انفعالاتهم ومشاعرهم ، اتضح أن اللونين الأسود والبني قد عبرا عن مشاعر الحزن, وأن اللون الأصفر كان دالاً على البهجة والسرور، كما قام الأطفال - الذين هم - في عمر أقل من أربع سنوات عندما طُلِبَ منهم في المرة الأولى تلوين صورة لفستان عروس بعد أن سمعوا قصة سارة ، وفي المرة الثانية قاموا بتلوين نفس الصورة بعد أن سمعوا قصة مؤلمة ، وظهر أن اللون الأصفر كان اختيارهم في المرة الأولى ، بينما كان اللونان الأسود والبني اختيارهم في المرة الثانية. ولعل ذلك الإتفاق الواضح بين اختيار الأطفال وطلاب الجامعة إنما يؤكد ثبات دلالة الألوان على الحالة الانفعالية , وهذه النتيجة وجد ما يدعمها حيث قررت مجموعتان من الأطفال - 82 طفلاً من الجنسين - , ومن طلاب الجامعة - 56 طالباً من الجنسين - أن الألوان الأصفر والأخضر والبرتقالي والأزرق ألوان سارة ، وأن الألوان الأحمر والبني والأسود ألوان حزينة ، وارتبط اللون الأسود بدلالته على الليل والظلام والموت ، بينما اللون الأصفر دلَّ على الشمس والنور والدفء والعطف ، وحينما رتبوا تفضيلهم للألوان حسب درجة السرور كانت الألوان كما يلي : الأصفر فالبرتقالي فالأحمر فالبني فالأزرق فالأسود. ولقد قام بعض البالغين من الدول العربية ممن يتسمون بالانبساط بتفضيل الألوان الدافئة وهى اللونين الأصفر والأحمر ، بينما فضل من يتسمون بالانطواء الألوان الباردة وهى اللونين الأزرق الأخضر ، وعندما قام طلاب الجامعة - 495 من الجنسين - في مصر بتحديد دلالة الألوان تبين أن الألوان الغامقة – الأزرق و الأخضر و الأسود - قد دلَّت على الانبساط والتعاطف والثقة، بينما دلَّت الألوان الفاتحة – الأحمر والأصفر على الاتزان الانفعالي ونقص كل من الطاقة والالتزام بالمعايير.



عيسى الشيخ حسن
شاعر واديب سوري مقيم بالدوحة



1612791984173.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى