فرنسا اعتمدت على التجربة الرومانية في بناء خَطَّيْ شال و موريس)
(بالإعتماد على جنود سوريين حاربت روما قبائل الجيتول و الأوراس لمناصرتها ثورة تاكفاريناس)
سال الكثير من الحبر حول خط شال و موريس الذي شيده الإستعمار الفرنسي في الجزائر وما أثار من ردود فعل الباحثين الأكاديميين، لكن شحيحة هي الكتابات التي أرخت لخط الليمس le limes الذي يعدّ واحدا من المؤسسات العسكرية الدفاعية التي أسسها الرومان ، و قد استعملت فرنسا التجربة الرومانية في بناء خطي شال و موريس، فكانا نسخة طبقة الأصل لخط الليمس الجنوبي مع اختلاف في التقنية تبعا لروح العصر الذي ظهر فيه كل منهما، هو ما تطرق إليه الدكتور محمد الصغير غانم في كتابه حول نشأة خط الليمس، و الذي قال عنه أنه عبارة عن جولة تراثية عبر الزمن، يقول صاحب الكتاب: إن إيديولوجية "الرَّوْمَنَة" في القديم و "الفَرْنَسَة" في فترتنا المعاصرة كانتا وجهان لعملة واحدة تمثلت في قهر الشعب الجزائري و استغلال خيرات أرضه
لعل القليل من هو مُطَّلِعٌ على ظروف تأسيس خط "الليمس" le limes لولا الدراسة التي قام بها المؤرخ الجزائري محمد الصغير غانم مختص في التاريخ القديم ( رحمه الله ) عندما تحدث في كتابه عن تراث منطقة بسكرة و التخوم الأوراسية و ما تتميز به المنطقة من آثار، كما تحدّثَ فيه عن الزراعة و التاريخ في الفترة الرومانية، مقدما عينة عن الخطوط العسكرية التي أسسها الجيش الروماني و منها خط "الليمس" ، كان كتاب الدكتور محمد الصغير غانم حصيلة دراسة قدمها في محاضرة في ملتقى الأسلاك الشائكة بولاية النعامة الذي اشرفت عليه وزارة المجاهدين في نهاية ربيع 1996 قبل ان يطبع في كتاب لأهميته التاريخية و الإقتصادية، يقول الدكتور محمد الصغير غانم رحمه الله أن خط الليمس كان يمثل حزاما واقيا للآلية العسكرية الرومانية في وجه الثورات، تم إنشاؤه على مرحلتين : الأولى كانت في القرن الأول قبل الميلاد، و الثانية تعود إلى القرن الثاني ميلادي، يتراوح عرضه بين 50 كلم إلى 100 كلم.
تتخلل هذا الخط شبكة من الطرق و الحصون العسكرية و نقاط الحراسة و الجسور و كذا مخازن التموين التي يجمع فيها الثمار كمؤونة للجيش الروماني و إرسالها كذلك إلى الوطن الأم ( روما)، و اعتمد المؤرخ محمد الصغير غانم في التعريف بهذا الخط على ما ذكره مؤرخون أجانب و منهم المؤرخ شارل أندري في كتابه "أفريقيا الشمالية" الذي أكد أن الخط يتكون من ثلاثة عناصر هي: ( الخندق، الأسوار، هذه الأخيرة تتخللها أبراج و حصون و مراكز محصنة مبنية بالحجارة و الطوب ، ثم العنصر الثالث الذي يتمثل في شبكة الطرقات)، و اعتمدت هذه العناصر الثلاثة على استراتيجية الدفاع و تسهيل التنقل بين الحاميات العسكرية، و مراكز الإقتصاد التي أقيمت شمال خط الليمس، و اسنتج الدكتور محمد الصغير غانم أن هذا الخط لم يكن دفاعيا فقط ، و إنما كان جهازا معقدا من أجل تثبيت الهيمنة الإستعمارية الرومانية في جنوب شرقي نوميديا.
كان الخط في المرحلة الأولى من إنشائه يمتد ابتداءً من خليج السرت شرقا مرورا بقابس و قفصة و يدخل الحدود الجزائرية عند معسكر حيدرة الروماني( بالحدود التونسية الجزائرية) مارًّا بتبسة و يتجه نحو الشمال الغربي إلى لمبيزي ( تازولت حاليا)، ثم عين الزانة و سهول سطيف و مجانة، ثم ينكسر نحو سوق الغزلان ليربط معسكر البرواقية و الشلف، كما يقترب خط الليمس من الساحل عند اجتيازه للحدود الجزائرية المغربية ، حيث ينتهي إلى البحر في مدينة مليلة المغربية، ثم تم تمديده في المرحلة الثانية إلى شمال صحراء شرقي نوميديا، من أجل استغلال خيرات منطقة التخوم الأوراسية و قهر سكانها باستعمال القوة و ممارسة العنف، تم إنشاء هذا الخط بعد تهديم مدينة قرطاجة من قبل الرومان سنة 146 قبل الميلاد، و ما ترتب عن عملية الهدم من آثار في المنطقة المغاربية و بخاصة منطقة " نوميديا " و تاسيسهم المقاطعة الرومانية الأولى على أرض شمال افريقيا، تحت اسم "أفريكا رومانا"، كما جاء في كتاب المؤرخ "جيرار وولتر" تحت عنوان "هدم قرطاجة"، أما الخط في مرحلته الثانية فقد عرف باسم "خط ليمس القرن الثالث" في نوميديا، و ذلك ابتداءً من قلعة ادماجوس ( نقرين الحالية) ثم بادياس و تابيدوس ( تهودا) مرورا بقيسيرا ( بسكرة حاليا) ثم يمتد إلى عدة مناطق من الدوسن و مجدل و عين الريش و الظهرة إلى غاية آفلو و ثنية الحد و تيارت.
و إن كانت الغاية من إنشاء خط الليمس دفاعية و اقتصادية فكان الهدف منه ايضا قمع ثورات قبائل الجيتول و الأوراس التي وقفت في وجه الإمتداد الروماني نحو الجنوب، و مناصرتها الثورات مثل ثورة "تاكفاريناس"، التي امتدت ما بين سنوات ( 17 و 23 ميلادي)، شارك فيها يوبا الثاني و ابنه بطليموس لصالح الرومان، هذه الثورات كانت لها انعكاسات على قبائل الجيتول و الأوراس من خلال التحكم في معابر التجارة بين الشمال و الجنوب و التي كانت مزدهرة في فترة الملوك النوميديين، استعباد الكثير من السكان و بيعهم في سوق النخاسة وأسر البعض منهم و استعمالهم في خدمة الأرض و الجيش الروماني، كما تم استقدام جنود سوريين كانوا مدربين على الحروب في الصحراء من تدمر بسوريا في فترة الإمبراطور الإسكندر سيفيروس.
يقول الدكتور محمد الصغير غانم أن إيديولوجية الرومنة في القديم و الفرنسة في فترتنا المعصرة كانتا وجهان لعملة واحدة تمثلت في قهر الشعب الجزائري و استغلال خيرات أرضه، هذه هي الوضعية التي كانت عليها منطقة الصحراء و التخوم الأوراسية اثناء الوجود الروماني، لولا المقاومات الشعبية التي واجهة المد الروماني في الجزائر و ضد الإستعمار الفرنسي حيث كانت منطقة خلفية للولاية السادسة اثناء ثورة التحرير الكبرى 1954 ، قبل وفاته ترك الدكتور محمد الصغير غانم بصمته في مختلف المجالات، فبالإضافة إلى مشاركته في الثورة التحريرية، فهو حاصل على شهادات دكتوراه من في تاريخ و حضارة المغرب القديم، و الآثار البونية، و دبلوم الدراسات المعمقة في التاريخ و الآثار الكلاسيكية من جانعة "ايكس ان بروفانس" و يعد من أبرز الباحثين الأكاديميين في التاريخ القديم، من خلال مؤلفاته التي تعد مرجعا علميا و تاريخيا لتكون في متناول الباحثين في كل الجامعات، كما يَهُمُّ ( كما يقول هو في غلاف كتابه) المتخصص و المثقف و حتى القارئ العادي الذي يدفعه حُبُّ الإطلاع لمعرفة تاريخ بلاده و تراث آبائه و أجداده الأولين.
علجية عيش
(بالإعتماد على جنود سوريين حاربت روما قبائل الجيتول و الأوراس لمناصرتها ثورة تاكفاريناس)
سال الكثير من الحبر حول خط شال و موريس الذي شيده الإستعمار الفرنسي في الجزائر وما أثار من ردود فعل الباحثين الأكاديميين، لكن شحيحة هي الكتابات التي أرخت لخط الليمس le limes الذي يعدّ واحدا من المؤسسات العسكرية الدفاعية التي أسسها الرومان ، و قد استعملت فرنسا التجربة الرومانية في بناء خطي شال و موريس، فكانا نسخة طبقة الأصل لخط الليمس الجنوبي مع اختلاف في التقنية تبعا لروح العصر الذي ظهر فيه كل منهما، هو ما تطرق إليه الدكتور محمد الصغير غانم في كتابه حول نشأة خط الليمس، و الذي قال عنه أنه عبارة عن جولة تراثية عبر الزمن، يقول صاحب الكتاب: إن إيديولوجية "الرَّوْمَنَة" في القديم و "الفَرْنَسَة" في فترتنا المعاصرة كانتا وجهان لعملة واحدة تمثلت في قهر الشعب الجزائري و استغلال خيرات أرضه
لعل القليل من هو مُطَّلِعٌ على ظروف تأسيس خط "الليمس" le limes لولا الدراسة التي قام بها المؤرخ الجزائري محمد الصغير غانم مختص في التاريخ القديم ( رحمه الله ) عندما تحدث في كتابه عن تراث منطقة بسكرة و التخوم الأوراسية و ما تتميز به المنطقة من آثار، كما تحدّثَ فيه عن الزراعة و التاريخ في الفترة الرومانية، مقدما عينة عن الخطوط العسكرية التي أسسها الجيش الروماني و منها خط "الليمس" ، كان كتاب الدكتور محمد الصغير غانم حصيلة دراسة قدمها في محاضرة في ملتقى الأسلاك الشائكة بولاية النعامة الذي اشرفت عليه وزارة المجاهدين في نهاية ربيع 1996 قبل ان يطبع في كتاب لأهميته التاريخية و الإقتصادية، يقول الدكتور محمد الصغير غانم رحمه الله أن خط الليمس كان يمثل حزاما واقيا للآلية العسكرية الرومانية في وجه الثورات، تم إنشاؤه على مرحلتين : الأولى كانت في القرن الأول قبل الميلاد، و الثانية تعود إلى القرن الثاني ميلادي، يتراوح عرضه بين 50 كلم إلى 100 كلم.
تتخلل هذا الخط شبكة من الطرق و الحصون العسكرية و نقاط الحراسة و الجسور و كذا مخازن التموين التي يجمع فيها الثمار كمؤونة للجيش الروماني و إرسالها كذلك إلى الوطن الأم ( روما)، و اعتمد المؤرخ محمد الصغير غانم في التعريف بهذا الخط على ما ذكره مؤرخون أجانب و منهم المؤرخ شارل أندري في كتابه "أفريقيا الشمالية" الذي أكد أن الخط يتكون من ثلاثة عناصر هي: ( الخندق، الأسوار، هذه الأخيرة تتخللها أبراج و حصون و مراكز محصنة مبنية بالحجارة و الطوب ، ثم العنصر الثالث الذي يتمثل في شبكة الطرقات)، و اعتمدت هذه العناصر الثلاثة على استراتيجية الدفاع و تسهيل التنقل بين الحاميات العسكرية، و مراكز الإقتصاد التي أقيمت شمال خط الليمس، و اسنتج الدكتور محمد الصغير غانم أن هذا الخط لم يكن دفاعيا فقط ، و إنما كان جهازا معقدا من أجل تثبيت الهيمنة الإستعمارية الرومانية في جنوب شرقي نوميديا.
كان الخط في المرحلة الأولى من إنشائه يمتد ابتداءً من خليج السرت شرقا مرورا بقابس و قفصة و يدخل الحدود الجزائرية عند معسكر حيدرة الروماني( بالحدود التونسية الجزائرية) مارًّا بتبسة و يتجه نحو الشمال الغربي إلى لمبيزي ( تازولت حاليا)، ثم عين الزانة و سهول سطيف و مجانة، ثم ينكسر نحو سوق الغزلان ليربط معسكر البرواقية و الشلف، كما يقترب خط الليمس من الساحل عند اجتيازه للحدود الجزائرية المغربية ، حيث ينتهي إلى البحر في مدينة مليلة المغربية، ثم تم تمديده في المرحلة الثانية إلى شمال صحراء شرقي نوميديا، من أجل استغلال خيرات منطقة التخوم الأوراسية و قهر سكانها باستعمال القوة و ممارسة العنف، تم إنشاء هذا الخط بعد تهديم مدينة قرطاجة من قبل الرومان سنة 146 قبل الميلاد، و ما ترتب عن عملية الهدم من آثار في المنطقة المغاربية و بخاصة منطقة " نوميديا " و تاسيسهم المقاطعة الرومانية الأولى على أرض شمال افريقيا، تحت اسم "أفريكا رومانا"، كما جاء في كتاب المؤرخ "جيرار وولتر" تحت عنوان "هدم قرطاجة"، أما الخط في مرحلته الثانية فقد عرف باسم "خط ليمس القرن الثالث" في نوميديا، و ذلك ابتداءً من قلعة ادماجوس ( نقرين الحالية) ثم بادياس و تابيدوس ( تهودا) مرورا بقيسيرا ( بسكرة حاليا) ثم يمتد إلى عدة مناطق من الدوسن و مجدل و عين الريش و الظهرة إلى غاية آفلو و ثنية الحد و تيارت.
و إن كانت الغاية من إنشاء خط الليمس دفاعية و اقتصادية فكان الهدف منه ايضا قمع ثورات قبائل الجيتول و الأوراس التي وقفت في وجه الإمتداد الروماني نحو الجنوب، و مناصرتها الثورات مثل ثورة "تاكفاريناس"، التي امتدت ما بين سنوات ( 17 و 23 ميلادي)، شارك فيها يوبا الثاني و ابنه بطليموس لصالح الرومان، هذه الثورات كانت لها انعكاسات على قبائل الجيتول و الأوراس من خلال التحكم في معابر التجارة بين الشمال و الجنوب و التي كانت مزدهرة في فترة الملوك النوميديين، استعباد الكثير من السكان و بيعهم في سوق النخاسة وأسر البعض منهم و استعمالهم في خدمة الأرض و الجيش الروماني، كما تم استقدام جنود سوريين كانوا مدربين على الحروب في الصحراء من تدمر بسوريا في فترة الإمبراطور الإسكندر سيفيروس.
يقول الدكتور محمد الصغير غانم أن إيديولوجية الرومنة في القديم و الفرنسة في فترتنا المعصرة كانتا وجهان لعملة واحدة تمثلت في قهر الشعب الجزائري و استغلال خيرات أرضه، هذه هي الوضعية التي كانت عليها منطقة الصحراء و التخوم الأوراسية اثناء الوجود الروماني، لولا المقاومات الشعبية التي واجهة المد الروماني في الجزائر و ضد الإستعمار الفرنسي حيث كانت منطقة خلفية للولاية السادسة اثناء ثورة التحرير الكبرى 1954 ، قبل وفاته ترك الدكتور محمد الصغير غانم بصمته في مختلف المجالات، فبالإضافة إلى مشاركته في الثورة التحريرية، فهو حاصل على شهادات دكتوراه من في تاريخ و حضارة المغرب القديم، و الآثار البونية، و دبلوم الدراسات المعمقة في التاريخ و الآثار الكلاسيكية من جانعة "ايكس ان بروفانس" و يعد من أبرز الباحثين الأكاديميين في التاريخ القديم، من خلال مؤلفاته التي تعد مرجعا علميا و تاريخيا لتكون في متناول الباحثين في كل الجامعات، كما يَهُمُّ ( كما يقول هو في غلاف كتابه) المتخصص و المثقف و حتى القارئ العادي الذي يدفعه حُبُّ الإطلاع لمعرفة تاريخ بلاده و تراث آبائه و أجداده الأولين.
علجية عيش