د. نبيلة سالم الطاهر. - قراءة في نص "النخلة" للشاعر حسين عبروس

يبدو النص الموسوم ب-” النخلة أنت والطلع أنا” للشاعر الجزائري القدير: “حسين عبروس”؛ نصّا مفعما بالدهشة… تتجلى فيه الخصيصة المرجعية للمنتِج عبر تجلي الخلفية النصية للشاعر، وموروثه الثقافي، إذ تستحضر الذات الشاعرة نصوصًا خارجة عن النص الحاضر؛ بوصفها عناصر مسهمة في بناء النص الشعري لا تؤدي وظيفتها كممارسة لغوية فحسب، بل تؤدي وظيفة معرفية تخدم النص فنيّا وجماليّا ودلاليّا. سواء أكانت هذه العناصر تتمثل في تناص ديني كاستحضار شخوص الأنبياء مثل (آدم) عليه السلام، وكذلك شخصيتَي قابيل وهابيل والإشارة إلى الخطيئة الأولى التي ارتكبت على الأرض، أم تناص أسطوري وذلك باستحضار بعض الأساطير التي بدورها تضيء أجواء النص الحاضر وتتداخل معه في عدة مواضع…

وتتمثل أحيانا هذه العناصر في توظيف الدلالات المكانية التي تحيل إلى فضاءات معينة محدودة الأفق أحيانا ك-“مكة” وغيرها. وفي عدة أحيان نجدها تسمو في فضاء لا متناهٍ لا يحده إلا بعض حدود جغرافية ك-“المدينة ” وبعض أسماء المدن الأخرى التي وظفت بغية دلالة تشير إلى قيم مكانية أليفة استكانت في الذاكرة ك-“الشام” وغيرها.
الخطاب الصوفي يبدو جليا. تستوقفنا مفردات مقامها العلو ولا مكان لها على أديم الأرض: الغيب/ تذوب/ الشوق/ الحنين/ حلم/ خمرة/ سجود/ خلود/ وجد/ رغبات”. كل هذه المفردات تسمو بالنص في عالم علوي يتشرب أفقه عنان التصوف…
لا نغفل عن المفردة اللغوية التي توظفها الذات الشاعرة؛ وتعتمد عليها اعتمادا مباشرًا تارة ومضمرًا تارة أخرى؛ إذ تباغث المتلقي فتمنحه دهشة تصوير المشاهد والسرد التراتبي وكأنه يقرأ نصّا بكرا بلغة جديدة لا هي مستهلكة ولا ملك مشاع… وهنا تكمن لحظة المباغتة وتندفع حوافز التلقي والتأويل فينفتح النص على الآخر فيصير تعددي القراءة…
هذه العناصر جميعها انصهرت في بوتقة واحدة وأسهمت في بناء النص الحاضر إسهاما له دوره الفاعل في إضاءة أجوائه وخلق رؤاه…





© النخلــة أنــت والطلــع أنــا / حسين عبروس –

قَبْلَ أن يكتب الله في عمرنا أجل الأشقياءِ

قبل بَدْءِ الخليقة في أرضها

كان نهر المحبة صافٍ تذوبُ

على شاطئيه الطيوبْ

وعلى الكون كانت تهب النسائمُ

في مسحةٍ سرمديّ رؤاها على الغيبِ

كان ينام هناك على موسم الشوقِ

فتى متعبا بالسفرْ

وعلى شفق الخلد ذاب حنينا إلى غيمةٍ

في بحار الرجاء على أمل منتظرْ

فرأى ظلّها يتدانى رأى شمسها

من شغاف الفؤاد تُطلّ هنا في الضلوعْ

فتهادى قليلا على دفئها في الطلوعْ

وتبسَّمَ ثغرٌ و ( حواء ) سِرّه

في الواحدة القاتلهْ

قبل أن يستوي وطن العاشقين

توقّد قلب هناك على سلم الخلدِ

يطوف به الشوق في حلمٍ

تائقٍ في الغيوب إلى جسدٍ غارقٍ

في الشروق يرفّ بأندائه المزهرةْ

ومداه الحُليّ هنا والحُللْ

ورحيق على وردها يكتملْ

( 2 )

قبل أن يكتب الله في عمرنا أجل الأنبياءْ

كان أدم يهوى الجمال ويطرب من خمرة في الجنانِ

لم يكن شاعرا مثخنًا بالجراحِ

وحواء من منبت الطيبّاتِ

ومن خفر الفاتنات هنا مرتع للحنانْ

كلّما همّ بالذي يسكن القلب صَدّهُ

غيب السجود عن الشعر والكلماتِ

قال: يوما إلام يظلّ الخلود يُعذِّبني

ويظلُّ البهاء على عرشها رائقا والمكانْ

وتظلُّ تراقصني ثورتي في القيودِ

وحواء من منبت الطيباتِ

ومن خفر الفاتناتِ هنا مرتع للحنانْ

وَهَوايَ الذي صار مِنْ وَجْدِهَا

لغة تَقْتَفِي خَطوها في الجنانْ

وعلى جفنها رسمت ، سطرها مبهم الكلماتِ

مدى واسعا وحدائق حُبْلَى بأسرارها الرغباتِ

تميل إذا ما الفؤاد تمايل في سفرٍ

مستفيض هنا بالخفقات على شجر ( الحنطة الطاهرهْ )

سفر يَعْتَرِي قلبها بالخلود إلى الرغبة الماكرهْ

( 3 )

ذي حروفك حواء من قامةٍ

في مؤنثها فتنة الفاتناتِ

سَلْسَبِيلُ العذوبة منفى الهمومِ

ومُنْسَربُ الهمساتِ

وأدم منها ندىً مثقلا في سنا النغماتِ

هي الآن واحدة تشتهي أن تراود رغبتـها

في المثولِ إليه على عجلٍ

مَخمليِّ السفوح هنا مرمريِّ القممْ

طاعِنٌ في الحرائق أو مشرئب هنا بالنغمْ

ما يمانع أن تحتفي بالزبرجدِ

أو رُبى السندس الأخضر المنبجسْ

ما يمانع أن يبدأ القطف في الفرح المؤتنسْ

كي تغير لون الزمان

وطعم الزمان الذي بَعْدُ لم يختلسْ

ربما قد يكون المكان بدايتها ألقٌ

حافلٌ بالشروق ومنطلقٌ في حضائرها

في غدائرها في تَرائِـبها

في زوايا الندى المحترسْ

وعلى سفر القلب آدم مرّ ولم يكترثْ

فرأى غابة من شرود الهوى

طافح الكيل في عراجينها يثمر الآن في غيمها

ورأى ثمرا آخر ينضج الآن على صبحها

وهناك رأى حلمه الدافئ

منطلقا في حدائقها في المدى المنبجسْ

( 4 )

قبل أن يَبْتَدِى سهر القلب

والعين في حكمةِ الشعراءِ

وفي فقرات البرامج عبر الفضاء

مِنَ القنوات التي تحتفي بالفرح المشتهيّ

وقبل أيّ غناءٍ يذاع على الموجة الناقلةْ

كان مزمار ( ابليس ) يصدر في الخلدِ

لحنا جميلا يذيب المدى والقلوبْ

وهناك علا الصوت وحوّاء صاغيّة

خلفها عاشق ذائب في سناه الغروبْ

وخلا بهما ( ماردٌ ) واعد بالخلود

ذي مدائنكم في الحنان وذي سُررٍ

كم يطيب بها العمر فاقتربا

لم تقل أبدا وعلى يدها ارتجافٌ

مِنَ الغيبِ ينتهي في القطافِ

على ثغرها المتلهف بالقبلاتِ

على أرق ساحر الواجباتِ دنتْ

فَدَنى خلفها تعبٌ غامضٌ في الشجونِ

تَعرىّ المكان على غضب فائرٍ

(اهبطا)وهناك سرى زمان عارمٌ

في غصون المدى بالشقاءْ

( 5 )

هو ذا زمن الهابطين إلى تعبٍ

مُوغل في التعبْ

هو ذا ورق التين يلثم مُكْتُزاً

ساحرا وعلى صمتها ينتحبْ

هو ذا عنب من رأى حلوها

في العنبْ

وخريف جدائلها صفرة شاحب لونها

وعذاب على (شاطئ المالح)(1)

سمك البحر منها هنا راحلٌ صوب

غربتها في اللّجبْ

جسدٌ مثقلٌ بالحرير المطيرْ

على مائها غربة من سواد العيون على جفنها

والمكان هواءٌ جريح على خَدّها

هل تطول بها غربة في الزمانْ

على شجر وارف بالحنانِ

مُعنّى على جيدها واللّسانْ

( 6 )

هو ذا آدم الحُرّ لابدّ أن يستجيب النداء

ولابدّ أن يصنع الآن في الأرض

فاتحة من ترابٍ ورغيف سحيقٍ

تطول تفاصله المتعبةْ

كي يتوب على بحرها وعلى ذكرها

وهناك رأى قمرا أسودا

ساجدا فسجدْ

حَجَرٌ من وجيع القلوب تجمَّع

فيه حنين الأبدْ

وسعى سبعةً،ورمى سبعةً

وخلدْ

باسط الكف ربِّ أنا واحدٌ في المكان

وحواء بعضي هنا و البلدْ

وهناك أجابه همسٌ خفيف النداء

على (جبل الشوق) كان العناق طويلا (2)

على فرحٍ منفردْ

فتورّد خدها بها وغفا سهرٌ

في العيون على همسها

واتقدْ

هو ذا آدم الحُرّ كان يعاوده الشوق

على (جبل الحزن) في قبضة من رَهُونِ المدى

وخلا زمنٌ واعدٌ في سكون إليها

وحواء من ألم الذكريات ربيعٌ

يؤجلها حُلمها في العيون

ويبعثـها في سكونْ

وهناك جثى ساجدا في خواء المكان طويلا

ولم يرفع الرأس نحو السماء

يفيض بها موسم مزهر بالجنانِ

نديّ على كفّها بالأمانْ

وهنا بين مدٍّ مريبٍ وجزرٍ

تواصل نهرٌ من الخوف يدنو قليلا

إلى قلبها هو لم يسكن الخوف قلبه

مهما دَنىَ

فغريبٌ نداؤه حين غدا مُدنًا

ونخيلا تعرش بينهما في الصحاري

هما وطنٌ مبعدٌ في جحيم النهار

هما شجر موغل الاحتراق

غريبٌ على الحُرّ أن ينتحي جهة الاحتراقْ

ويمارس كلّ الطقوس على أمل في العناقْ

( 7 )

قبل أن يكتب الله في أرضنا ترف الأولينْ

على بذخ الكبرياء

وقبل أيّ جفاءٍ على شاطئ القلبِ

في ندم كامن في الجهاتِ

توسّد آدم حلما جميلا بأبعادها في الفؤاد

وكبّر في صمتها للجمال يسامر شوقا منيعا

على قمم الأصفياءْ

يتندّى إلى ألق ساحر ، وهناك صبابة

وجدٍ مهربةٍ من زمان الشقاء

تهّل على وطن الطيبينْ

قوارير عطر بها خفرٌ ذائع في المكان

عراجينٌ من ندم تتدلى على غسق الجرح

ما بين أرض هنا وسماءْ

تلك أغنية في قديم المكان تراود فيه الزوايا

و تطربه الآن سهوا مُدمّى على عرشها

في الزمان وحواء من شبق مستفيضٍ

تصدّ لهيبا من الشوق بين التمنّع و الرغبةِ الجامحةْ

هي مِرْغاَبَةُ بالحنين مِصْهَالَةٌ بالشبقْ

لا تملّ السروج على خيلها

لا تملّ الركوب إلى ليلها

هي واحدة في مواقيتها ممطرٌ صحوها

ومُفدّى على كفّها صبحها في عيون الفتى

غير أنّ الفتى قارئٌ ماهرٌ

في سطور الجفون التي عذّبته مدىً

غربّته على أرضها في سهول الجبالْ

كلّما اقتفى خطوها صار في عينها مَلَكًا

وتصابى بها غزل في المواقع فاختصرتْ

غِلّتها في بديع كلّ الغلالْ

هي واحدة في السكون إليهِ

تقيم على شرف المسكباتِ غريب مفاتنها

في النسبْ

في مخاض عصيِّ الألمْ

هو ذا آدم الآن صار أبا منفرط الشوقِ

مُنْذ القِدمْ

هي بعض النداء من الحب في توأم الوفدينْ

( قابيل – إقليما ) ( هابيل – لُيُوثا )

وهناك غدا ممكنا أن تفاخر في العالمين النساء

وصار لها نسب من بنين هنا وبناتْ

أربعٌ يمرحون على شمسها

في ربيع الشبابْ

يسكبون الحنان على قلبها

يطردون العذابْ

( 8 )

كبر التوأمان على صبرها

وبدى من عيون الفتاة بريق الأنوثةِ

ذي ( إقليما ) شبهٌ بالمها

ترفل الآن في صُدَفٍ مشرقّيٍ صباها

غدائرها قطعٌ من ليالي السمرْ

ومباسمها من رقّة في السحرْ

سامق قدّها مكتسٍ من جلال النخيلِ

منشرح صدرها في دروب المساء

تفاخر أختا لها في التثني تزيد دلالاً

على غنجها جارفٌ مدها في عيون المحبةِ

( قابيل ) يدري الذي يستوي على أرضها

من فتون و ( هابيل ) غارقةٌ يده الآن

في شارة الضوء و شاردة في بستانها

متعبٌ بالحروف الجميلة مذ عرف الحبّ

في مفرق الشرق مذ صار برا بوالدةٍ

في تحايا النساء

هي حواء ثانية تتجدد فيه بلا موسمٍ

كلّما هب قلب هنا بالغناءْ

( 9 )

هي ذي قِصّة الحبِّ تبدأ عمداً

على أحرف الجر و العاطفهْ

( من إلى . . .)ثم تبدأ في مفرد السرّ

فاتحة العاصفةْ

هو ذا مبتدى الخبر الشيّق الآن

منتشرٌ في روابي القلوب

قواريرها بالطيوبْ

هي ذي ( مكة ) ( يَثْربُ ) شَامُهَا

و الجنوبْ

في حداء القوافل تصدع بالحبّ

يا كلّ عاشقة أدمنتْ

حُبّها في الغروبْ

حينما قَرّب .. بعض قربانهما

من صفاء المودّة في سفرٍ

من غيوبْ

قال : أنتِ أنا

وغَمَامُك ( مكّة ) زهو المدينة

فانطقي يا بَوَادي الهوى

كم يجيش مداه إلى قلبها

بعيدا على النظرة الشاردةْ

وبعيدا على الليل الذي يصطفيه الأحبّة

في غفلة النائمين وهمسة الحالمينْ

( ليوثا ) صخبٌ ماردٌ و شجاً لاهبٌ

و قطيعك ( هابيل ) تدنو إلى حقلها

من يداري الحنين على فجرها

هي ( حواء ) تدري الذي يتولد في غفلةٍ

عن أبٍ مبعدٍ في صلاةٍ من الخوفِ

و النافلةْ

تائبٍ عن طريق إلى الهند منتحٍ

جهة في صفاء المدى يقتفي

أثرا في فراديس كان لها عاشقا

في قديم الزمان يواري هواه على سفرٍ

من خطى القافلهْ

هو ذا آدم الحُرّ مبتهلٌ بالدعاء و منشرحٌ

في سنا الحكمة الفاضلهْ

هو لم يلعن الأرض في الاغتراب ولم يلعن الفاصلهْ

فعَلاَم تفيء بنيه الحكاية و الفتنّة القاتلة



شارك هذا الموضوع:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى