بالأمس تمت مناقشة الكاتب السعودي حسين السنونة، ضمن فاعليات برناج ( قصة أونلاين ) أحد فاعليات موقع صدى ( ذاكرة القصة المصرية ). وهي تجربة تفاعلية وضعناها تحت الاختبار خلال الشهرين الماضيين، ولكن حلقة الأمس أكدت قيمتها، بحيث يمكن القول إنها تشير إلى تحول قادم ولا ريب، وكأننا نضع قدما على عتبة فارقة باتجاه مستقبل يرسم حدود المشهد الأدبي، على نحو مختلف في أدواته، ومفاهيمه، وأثره، بل وفي أبطاله..
قد يبدو هذا للبعض على سبيل المبالغة أو الاحتمال، ولكن دعونا نتأمل الآتي:
1- ارتباط القصة القصيرة بالتكنولوجيا، سيمنحها دفعة قوية للأمام. فالانتشار السريع الذي تحققه قصة منشورة على الإنترنت يطاول الجوائز في شهرة أصحابها، ولكنه يعطى الحق للقارئ فقط، وليس للجان التحكيم في تحديد ما هو متميز. لأن استمرار احتكار لجان الجوائز لتحديد الأفضل، يسجن السرد في أنماط، تحددها هذه اللجان. كما أن القصة من المرونة التي تمكنها من مواكبة لغة الإنترنت، في كثافتها، وتفاعلها مع الحياة اليومية، واتساع مقرؤيتها.
2- نجحت التجربة في اجتذاب شخصيات متنوعة، في إبداعاتها، وتوجهاتها، وثقافتها، وأعراقها، وجنسياتها، وأعمارها ومعتقداتها الدينية، ربما لأن مشروع ذاكرة القصة المصرية منذ البداية، لم يتأسس على أداء شخصي، واتجه إلى خطاب مرن مستجيب لفضاء ثقافي واسع، على الرغم من اسمه الذي يربطه بالقصة وبمصر. فنحن نؤمن بالفاعلية الواسعة، والتراسل المستمر، بين الفنون والآداب كافة.
ومن ذلك نؤمن بأن النقد ليس مجرد إجراءات منهجية منضبطة، أو مصطلحات معيارية منتهكة، بقدر ما هو طاقة إبداعية موجودة في المتلقي/ القارئ بالضرورة، ولا تحتاج لأكثر من تفعيلها. وفي هذا السياق، نكتشف طاقات نقدية ملهمة، ليس في المتخصصين من النقاد فحسب، بل في المبدعين أيضا الذين تخلصوا من سلطة المنصات، ووجدوا في الفضاء الافتراضي براحا يعبرون فيه عن ملكاتهم النقدية بجوار المتخصصين، فأظهروا إمكانات نقدية مبدعة أمثال الأساتذة: ناهد الطحان، حسين دعسة، محمد صالح البحر، بيتر ماهر، عادل الغنام... إلخ
3- تثبت القصة القصيرة في كل يوم، أنها فن جدير بالتطور، يقاوم التنميط، فالقصة ابنة حدس اللحظة، لصيقة بالإلهام اللحظي. فكل قصة، هي حالة مختلفة تماما، حتى بالنسبة للكاتب الواحد. ومن ثم فهي محرك فاعل في تحفيز طاقة الإبداع، أكثر مما تحتاجه الرواية، التي تستدعي حالة من الثبات الانفعالي، طوال فترة كتابتها الطويلة. ومع الوقت، يدخل كاتبها في حيز التنميط. لكن الأخطر أن التنميط يصبح ظاهرة جماعية، مع انتشار موضات سردية معينة، لمجرد أنها حققت نجاحا، على نحو ما نجد في حالة الرواية التاريخية. وهو نفس الفخ الذي وقعت فيه رواية الواقعية الاجتماعية من قبل، ووقعت فيه الرواية السياسية خلال سنوات ثورة يناير.
4- إن الدليل الفارق على ما سبق، أن النقد الأدبي دأب على تصنيف الروايات، فهذه رواية تاريخية، وتلك سياسية، أو رواية مكان، أو خيال علمي، أو واقعية سحرية.. إلخ. لكن النقد قد عجز عن الإمساك بتصنيف واضح للقصة، فهي فن مراوغ، متجدد، ابنة حدس اللحظة.
5- معنى هذا أن القصة فن لا يموت كما تنبأ البعض في غمرة الهذيان بزمن الرواية. فعلى الرغم من خبرة ( حسين سنونة) حديثة العهد بالكتابة القصصية، يمكننا ملاحظة قدرته، على تشكيل الامتداد الزمني بقدر كبير من الكثافة، لتبدو القصة مكتنزة بدلالات متعددة، وأبعاد زمكانية، وتعدد في حضور الشخصيات. لتبدو قصة قصيرة بطاقة رواية. هذا يعني سقوط الأوهام التي أحاطت بالقصة طوال السنوات الماضية. والتي منها:
• أن القصة ليست فقط موقفا عابرا، أو فكرة، أو ومضة في الخاطر. لقد تحررت القصة من نظرة يوسف إدريس التي فرضت علينا في مناهج التعليم الساذج، بوصفها النموذج الأدق للقصة القصيرة، على الرغم من أن إدريس نفسه، كتب قصصا ممتلئة، مكتنزة بدلالات متعددة. محشونة بطاقة تخيلية واسعة لم تبارح أذهاننا حتى الآن. كتلك التي كتبها محفوظ، ويحي حقي وآخرون.
6- منذ بضع سنوات، كنت قد نشرت مقالا مطولا في مجلة عالم الكتاب بعنوان ( يقظة القصة القصيرة ) وكنت على يقين مما أكتب، فلم أسلم بموت القصة الذي آمن به الكثير من المبدعين والنقاد والناشرين. فراحوا يكتبون وينشرون الرواية فحسب. وبنظرة استعلائية دونما إدراك أنه فن لا يموت، فهو التعبير الغريزي الأول للإنسان. فما الأساطير الأولى والملاحم الكبرى، والسير الشعبية، سوى قصص قصيرة متضافرة فيما بينها، لتشكل بناء كليا، تماما على نحو ما نفعل في المتتاليات القصصية، والنوفيلا.. إنها بنية جدلية، يمكنها أن تمنح قارئها طاقة جمالية، أكثر مما تمنحه رواية، تمضى في طريق واحد معبد ومرصوف.
7- الفضل هنا ليس لشخص ما، بل للتكنولوجيا، التي أصبحت بمثابة يوتوبيا المهمشين، والغرباء، والتائهين في أسواق الاستهلاك الأدبي. لكن الأجمل فيها، أنها قادرة على كشف المستور في الواقع، وفضح الزيف فيه. فعلى المواقع الإليكترونية أنت في مواجهة القارئ مباشرة، كأنك في ملعب كرة قدم/ منك للجمهور فحسب.. والمية تكدب الغطاس. أما الشكر فهو مستحق، للدكتور / مصطفى الضبع على دعمه الكريم للتجربة، وللفاضلة/ مرفت يس على التي أبدت طاقة مدهشة في إدارة تجربة (قصة أونلاين ) مع تحيات فريق العمل بموقع صدى ( ذاكرة القصة المصرية)
سيد الوكيل / مصر
قد يبدو هذا للبعض على سبيل المبالغة أو الاحتمال، ولكن دعونا نتأمل الآتي:
1- ارتباط القصة القصيرة بالتكنولوجيا، سيمنحها دفعة قوية للأمام. فالانتشار السريع الذي تحققه قصة منشورة على الإنترنت يطاول الجوائز في شهرة أصحابها، ولكنه يعطى الحق للقارئ فقط، وليس للجان التحكيم في تحديد ما هو متميز. لأن استمرار احتكار لجان الجوائز لتحديد الأفضل، يسجن السرد في أنماط، تحددها هذه اللجان. كما أن القصة من المرونة التي تمكنها من مواكبة لغة الإنترنت، في كثافتها، وتفاعلها مع الحياة اليومية، واتساع مقرؤيتها.
2- نجحت التجربة في اجتذاب شخصيات متنوعة، في إبداعاتها، وتوجهاتها، وثقافتها، وأعراقها، وجنسياتها، وأعمارها ومعتقداتها الدينية، ربما لأن مشروع ذاكرة القصة المصرية منذ البداية، لم يتأسس على أداء شخصي، واتجه إلى خطاب مرن مستجيب لفضاء ثقافي واسع، على الرغم من اسمه الذي يربطه بالقصة وبمصر. فنحن نؤمن بالفاعلية الواسعة، والتراسل المستمر، بين الفنون والآداب كافة.
ومن ذلك نؤمن بأن النقد ليس مجرد إجراءات منهجية منضبطة، أو مصطلحات معيارية منتهكة، بقدر ما هو طاقة إبداعية موجودة في المتلقي/ القارئ بالضرورة، ولا تحتاج لأكثر من تفعيلها. وفي هذا السياق، نكتشف طاقات نقدية ملهمة، ليس في المتخصصين من النقاد فحسب، بل في المبدعين أيضا الذين تخلصوا من سلطة المنصات، ووجدوا في الفضاء الافتراضي براحا يعبرون فيه عن ملكاتهم النقدية بجوار المتخصصين، فأظهروا إمكانات نقدية مبدعة أمثال الأساتذة: ناهد الطحان، حسين دعسة، محمد صالح البحر، بيتر ماهر، عادل الغنام... إلخ
3- تثبت القصة القصيرة في كل يوم، أنها فن جدير بالتطور، يقاوم التنميط، فالقصة ابنة حدس اللحظة، لصيقة بالإلهام اللحظي. فكل قصة، هي حالة مختلفة تماما، حتى بالنسبة للكاتب الواحد. ومن ثم فهي محرك فاعل في تحفيز طاقة الإبداع، أكثر مما تحتاجه الرواية، التي تستدعي حالة من الثبات الانفعالي، طوال فترة كتابتها الطويلة. ومع الوقت، يدخل كاتبها في حيز التنميط. لكن الأخطر أن التنميط يصبح ظاهرة جماعية، مع انتشار موضات سردية معينة، لمجرد أنها حققت نجاحا، على نحو ما نجد في حالة الرواية التاريخية. وهو نفس الفخ الذي وقعت فيه رواية الواقعية الاجتماعية من قبل، ووقعت فيه الرواية السياسية خلال سنوات ثورة يناير.
4- إن الدليل الفارق على ما سبق، أن النقد الأدبي دأب على تصنيف الروايات، فهذه رواية تاريخية، وتلك سياسية، أو رواية مكان، أو خيال علمي، أو واقعية سحرية.. إلخ. لكن النقد قد عجز عن الإمساك بتصنيف واضح للقصة، فهي فن مراوغ، متجدد، ابنة حدس اللحظة.
5- معنى هذا أن القصة فن لا يموت كما تنبأ البعض في غمرة الهذيان بزمن الرواية. فعلى الرغم من خبرة ( حسين سنونة) حديثة العهد بالكتابة القصصية، يمكننا ملاحظة قدرته، على تشكيل الامتداد الزمني بقدر كبير من الكثافة، لتبدو القصة مكتنزة بدلالات متعددة، وأبعاد زمكانية، وتعدد في حضور الشخصيات. لتبدو قصة قصيرة بطاقة رواية. هذا يعني سقوط الأوهام التي أحاطت بالقصة طوال السنوات الماضية. والتي منها:
• أن القصة ليست فقط موقفا عابرا، أو فكرة، أو ومضة في الخاطر. لقد تحررت القصة من نظرة يوسف إدريس التي فرضت علينا في مناهج التعليم الساذج، بوصفها النموذج الأدق للقصة القصيرة، على الرغم من أن إدريس نفسه، كتب قصصا ممتلئة، مكتنزة بدلالات متعددة. محشونة بطاقة تخيلية واسعة لم تبارح أذهاننا حتى الآن. كتلك التي كتبها محفوظ، ويحي حقي وآخرون.
6- منذ بضع سنوات، كنت قد نشرت مقالا مطولا في مجلة عالم الكتاب بعنوان ( يقظة القصة القصيرة ) وكنت على يقين مما أكتب، فلم أسلم بموت القصة الذي آمن به الكثير من المبدعين والنقاد والناشرين. فراحوا يكتبون وينشرون الرواية فحسب. وبنظرة استعلائية دونما إدراك أنه فن لا يموت، فهو التعبير الغريزي الأول للإنسان. فما الأساطير الأولى والملاحم الكبرى، والسير الشعبية، سوى قصص قصيرة متضافرة فيما بينها، لتشكل بناء كليا، تماما على نحو ما نفعل في المتتاليات القصصية، والنوفيلا.. إنها بنية جدلية، يمكنها أن تمنح قارئها طاقة جمالية، أكثر مما تمنحه رواية، تمضى في طريق واحد معبد ومرصوف.
7- الفضل هنا ليس لشخص ما، بل للتكنولوجيا، التي أصبحت بمثابة يوتوبيا المهمشين، والغرباء، والتائهين في أسواق الاستهلاك الأدبي. لكن الأجمل فيها، أنها قادرة على كشف المستور في الواقع، وفضح الزيف فيه. فعلى المواقع الإليكترونية أنت في مواجهة القارئ مباشرة، كأنك في ملعب كرة قدم/ منك للجمهور فحسب.. والمية تكدب الغطاس. أما الشكر فهو مستحق، للدكتور / مصطفى الضبع على دعمه الكريم للتجربة، وللفاضلة/ مرفت يس على التي أبدت طاقة مدهشة في إدارة تجربة (قصة أونلاين ) مع تحيات فريق العمل بموقع صدى ( ذاكرة القصة المصرية)
سيد الوكيل / مصر