أورد الروائي الكبير حنا مينة في الجزء الأخير" المغامرة الأخيرة" من ثلاثيته الشهيرة الحكاية التالية:
[اشترى رجل دمية جميلة لابنه، ولأنه يعمل في مكان بعيد عن بلدته، طلب من صديق له أن يقوم بتوصيل الدمية نيابة عنه، وعندما سأل الصديق: لمن أعطي الدمية؟ أجابه الرجل باعتداد : لأجمل وأذكى طفل غي البلدة".
سافــر الصديق ومعه الدمية، وبعد مدة عاد الرجل صاحب الدمية إلى بلدته، فاكتشف أن ابنه لم يتسلم الدمية، فراح يبحث عن صديقه، ولما عثر عليه سأله: لماذا لم توصل الدمية إلي ابني كما طلبت منك؟ أجاب الصديق مستغربا: " ألم تطلب مني أن أعطيها لأجمل طفل وأذكى طفل في القرية؟ ، قال الرجل بلى، فقال الصديق وأنا أعطيتها لابني].
لنسأل أنفسنا :
لوكنا مكان صاحب الدمية، ولنا ابن هل كنا نقول ما قاله وهو يطلب من صديقه أن يوصل الأمانة؟
ولو كنا مكان الصديق هل كنا أمناء بحيث نوصل الهدية لصاحبها دون مواربة ؟.
وهل أولادنا مختلفون حقا عن الآخرين؟
العجيب أن كلا الرجلين في الحكاية جبل من طينة واحدة، كلاهما معتد بابنه،المـــرسِل لم ينتبه إلى أن الناس أيضا أنجوا أولادا نجباء أذكياء، أما االمرسول فلم يسأل في القرية عن أذكى وأجمل طفل في أسرة من أسرها؛ هو استقر على أسرته وولده، أما بقية الأولاد فليسوا أذكياء، وهم تاليا ليسوا معنيين، ولا نصيب لهم من الكعكة.
الحكاية تعكس علاقة الآباء بأولادهم في صورها السلبية؛ هم، في ذلك، مثل العصافير مع أعشاشهم، كل عصفور يرى أن عشه هو أجمل الأعشاش في الدنيا كما في المثل الفرنسي:"A chaque oiseau son nid est beau"،و كذلك الآباء مع فلذات أكبادهم.
الرعيل الأول من المسلمين كان التمرد على قلوبهم، في علاقتهم بأولادهم ذكورا وإناثا، شعارهم الذي كانوا يشيعونه بين الناس على اعتبار أنهم سواسية، وأن الأولاد هم بالنسبة لكل الآباء ، في كل الدنيا، أكباد تمشي على الأرض ولا فرق بين ولد أنجبوه، وآخر من صلب آخر،أو من بطن أخرى، ولنا في رسولنا الكريم أسوة في أسس التربية مع الأولاد، فقد كان اللين،المحاباة، والمساواة، بغض النظر عن اسم الأب، هو ديدنه في تربية أولاد المسلمين كافة.
قبل ما يسمى بثورة الربيع العربي ،حين كان يعمل رؤساء الدول العربية المعنية بها على تهيئ المناخ الملائم لأولادهم من أجل أن يخلفوهم ليرثوا كرسي الرئاسة،لم يكن أحد منهم يضع في الاعتبار أن هناك آباءً غيرهم أنجبوا هم أيضا أولادا.. يحصل ذلك في تكريس لأنانية غريبة بالنسبة لنا،لكنها مبررة في نظرهم حين يقنعونك بأن أولادهم أولى ضداً على القانون، والدساتير المعتمدة في كل الدنيا.
في بعض الدول العربية المحسوبة على النظام الجمهوري لا أحد من أبناء الشعب يستحق التداول على كرسي الرئاسة سوى أبناء الرؤساء، هؤلاء وحدهم أنجبوا أولاداً، أما غيرهم فإما لا أولاد لهم، أو كل أب منهم مئناث، أومنهم من أنجب ولدا لكنه لا يستحق .( من بين أسباب اندلاع ثورة الربيع العربي،في مصر،وليبيا،وتونس،واليمن...)
عندنا في بعض الدول العربية الإسلامية،و في المغرب على سبيل المثال لا الحصر، الفرق شاسع بين أبناء وأبناء، من الآباء من أنجب أولاداً، في عروقهم تسري دماء حمراء ليست كدماء المعذبين في الأرض، ومنهم من يرى إلى أبناء غيره مثل فئران التجارب ليس إلا،لكن الذي يوحي لهؤلاء بأنهم مختلفون هو كرسي السلطة المخملي الذي يجلسون فوقه كأعجاز نخل في غرف مكيفة، يدلقون أعناقهم من نوافذ مطلة على شعب هم بالنسبة لهم مثل قطع الملمس في الحاسوب إذ بمجرد إشارة من اليد تنقاد لهم المطالب.. وما دام القانون لا يطالهم لأنهم فوق الكرسي وفوق القانون تاليا،فهم في كل الأحوال ليسوا كما الآخرين، ، وحين يرتكب أولاد أصحاب الكراسي حماقات في خرق سافر للقانون يتدخل الآباء وينتهي الأمر بإعادة الابن المدلل إلى البيت مُـرَبتاً على كتفه،مَحمياً،و منصوراً رغم أنه عاث فساداً في أرض، فوقها يترك توقيعه ويرحل كأن شيئا لم يكن مخلفا وراء، ووراء القانون خرابا وجرائم، وحوادث جمة، ولو كان ولدا آخر أبوه لا يجلس على كرسي السلطة فإن الجلاد بسوطه له بالمرصاد ، كان سيواجه المسكين قانونا يفتح فمه كتنين ليبلعه حتى دون أن تثبت تهمته. إنها مفارقة عجيبة تخرق الصمت في مملكة
الصمت
يوم نفهم ما معنى أن نحس بالآخرين كما نحس بأنفسنا أو أولادنا، ويوم نصل إلى اقتناع بأن المشكل ليس في واحد إنما في الكل، ويوم نحس بأن أولاد الناس أذكياء أيضا، وليس فقط أولادنا.. ويوم يطال القانون المذنب مهما كان اسم أبيه، أو لونه، أو عرقه... عندئذ يمكن أن نفخر بأننا منتمون لخير أمة أخرجت للناس.
[اشترى رجل دمية جميلة لابنه، ولأنه يعمل في مكان بعيد عن بلدته، طلب من صديق له أن يقوم بتوصيل الدمية نيابة عنه، وعندما سأل الصديق: لمن أعطي الدمية؟ أجابه الرجل باعتداد : لأجمل وأذكى طفل غي البلدة".
سافــر الصديق ومعه الدمية، وبعد مدة عاد الرجل صاحب الدمية إلى بلدته، فاكتشف أن ابنه لم يتسلم الدمية، فراح يبحث عن صديقه، ولما عثر عليه سأله: لماذا لم توصل الدمية إلي ابني كما طلبت منك؟ أجاب الصديق مستغربا: " ألم تطلب مني أن أعطيها لأجمل طفل وأذكى طفل في القرية؟ ، قال الرجل بلى، فقال الصديق وأنا أعطيتها لابني].
لنسأل أنفسنا :
لوكنا مكان صاحب الدمية، ولنا ابن هل كنا نقول ما قاله وهو يطلب من صديقه أن يوصل الأمانة؟
ولو كنا مكان الصديق هل كنا أمناء بحيث نوصل الهدية لصاحبها دون مواربة ؟.
وهل أولادنا مختلفون حقا عن الآخرين؟
العجيب أن كلا الرجلين في الحكاية جبل من طينة واحدة، كلاهما معتد بابنه،المـــرسِل لم ينتبه إلى أن الناس أيضا أنجوا أولادا نجباء أذكياء، أما االمرسول فلم يسأل في القرية عن أذكى وأجمل طفل في أسرة من أسرها؛ هو استقر على أسرته وولده، أما بقية الأولاد فليسوا أذكياء، وهم تاليا ليسوا معنيين، ولا نصيب لهم من الكعكة.
الحكاية تعكس علاقة الآباء بأولادهم في صورها السلبية؛ هم، في ذلك، مثل العصافير مع أعشاشهم، كل عصفور يرى أن عشه هو أجمل الأعشاش في الدنيا كما في المثل الفرنسي:"A chaque oiseau son nid est beau"،و كذلك الآباء مع فلذات أكبادهم.
الرعيل الأول من المسلمين كان التمرد على قلوبهم، في علاقتهم بأولادهم ذكورا وإناثا، شعارهم الذي كانوا يشيعونه بين الناس على اعتبار أنهم سواسية، وأن الأولاد هم بالنسبة لكل الآباء ، في كل الدنيا، أكباد تمشي على الأرض ولا فرق بين ولد أنجبوه، وآخر من صلب آخر،أو من بطن أخرى، ولنا في رسولنا الكريم أسوة في أسس التربية مع الأولاد، فقد كان اللين،المحاباة، والمساواة، بغض النظر عن اسم الأب، هو ديدنه في تربية أولاد المسلمين كافة.
قبل ما يسمى بثورة الربيع العربي ،حين كان يعمل رؤساء الدول العربية المعنية بها على تهيئ المناخ الملائم لأولادهم من أجل أن يخلفوهم ليرثوا كرسي الرئاسة،لم يكن أحد منهم يضع في الاعتبار أن هناك آباءً غيرهم أنجبوا هم أيضا أولادا.. يحصل ذلك في تكريس لأنانية غريبة بالنسبة لنا،لكنها مبررة في نظرهم حين يقنعونك بأن أولادهم أولى ضداً على القانون، والدساتير المعتمدة في كل الدنيا.
في بعض الدول العربية المحسوبة على النظام الجمهوري لا أحد من أبناء الشعب يستحق التداول على كرسي الرئاسة سوى أبناء الرؤساء، هؤلاء وحدهم أنجبوا أولاداً، أما غيرهم فإما لا أولاد لهم، أو كل أب منهم مئناث، أومنهم من أنجب ولدا لكنه لا يستحق .( من بين أسباب اندلاع ثورة الربيع العربي،في مصر،وليبيا،وتونس،واليمن...)
عندنا في بعض الدول العربية الإسلامية،و في المغرب على سبيل المثال لا الحصر، الفرق شاسع بين أبناء وأبناء، من الآباء من أنجب أولاداً، في عروقهم تسري دماء حمراء ليست كدماء المعذبين في الأرض، ومنهم من يرى إلى أبناء غيره مثل فئران التجارب ليس إلا،لكن الذي يوحي لهؤلاء بأنهم مختلفون هو كرسي السلطة المخملي الذي يجلسون فوقه كأعجاز نخل في غرف مكيفة، يدلقون أعناقهم من نوافذ مطلة على شعب هم بالنسبة لهم مثل قطع الملمس في الحاسوب إذ بمجرد إشارة من اليد تنقاد لهم المطالب.. وما دام القانون لا يطالهم لأنهم فوق الكرسي وفوق القانون تاليا،فهم في كل الأحوال ليسوا كما الآخرين، ، وحين يرتكب أولاد أصحاب الكراسي حماقات في خرق سافر للقانون يتدخل الآباء وينتهي الأمر بإعادة الابن المدلل إلى البيت مُـرَبتاً على كتفه،مَحمياً،و منصوراً رغم أنه عاث فساداً في أرض، فوقها يترك توقيعه ويرحل كأن شيئا لم يكن مخلفا وراء، ووراء القانون خرابا وجرائم، وحوادث جمة، ولو كان ولدا آخر أبوه لا يجلس على كرسي السلطة فإن الجلاد بسوطه له بالمرصاد ، كان سيواجه المسكين قانونا يفتح فمه كتنين ليبلعه حتى دون أن تثبت تهمته. إنها مفارقة عجيبة تخرق الصمت في مملكة
الصمت
يوم نفهم ما معنى أن نحس بالآخرين كما نحس بأنفسنا أو أولادنا، ويوم نصل إلى اقتناع بأن المشكل ليس في واحد إنما في الكل، ويوم نحس بأن أولاد الناس أذكياء أيضا، وليس فقط أولادنا.. ويوم يطال القانون المذنب مهما كان اسم أبيه، أو لونه، أو عرقه... عندئذ يمكن أن نفخر بأننا منتمون لخير أمة أخرجت للناس.