1968/2/27
موسكو
عزيزي أبا ريا
تحياتي وحبي
تلـقيت رسـالتك وقـد غـادرت المـستـشفـى كمـا تمـنيت ولكن لا إلـى البيـت ولكن لاحدى دور الراحة قرب موسكو.
وأنا الان في صحـة لا بــأس بهـا، وبـوضع نفسي طيب ولو كان غير مـستقر تمـامـاً، وكيف تستطيع ان تستقر إذا لم تشعر بأنك تـنـمــو، ولا تــشعــر بــالـنـمــو والحـيــاة الا حـين تمــسك بالـقلـم ويـكـــون بـين يـــديـك دفـتـر تتـزايــد أوراقه المكتــوبة كل يــوم، وتحــس كلصــبــــاح بفــــرحـة الجــــدة، وحـتـى بفرحة الـتمزيق (أقــصد تمزيق الورق حــين لايعجبك ما تكتب!).
رسـالـتك حــافلـة بــالأخبـار، ويــؤسفـني ان لا أسـتـطـيع مبـادلـتهـا أخـبـاراً بـأخبـار، وقد سعدت جداً بأنبـاء الفوران الأدبـي في وطننا العزيز، صدق أنني أقـرأ بـتلهف كل سـطر أقع عليـه مكتـوب في مجلـة لأولئك المـتحـرقـين المـضـطرمـين شـوقــاً للـنـور علــى شـكل أكـثـر ملاءمـة للـتعبيـر عن أفكارهم وصورهـم، وهـو مبـعـث القلق الخلاق والأندفاع والثورة والتباهي والصلابـة وكل شيء آت من إيمان الشخص بأنه ما يقوله، ويستطيع ان يقوله.
يقتصـر (نشـاطي) الان عـلى القـراءة بالـلغةالانـكليزية والـروسـيـة فقـط بــسـبـب نــدرة الـكـتــب العـــربـيـــة، وقـــد قـــرأت كـتـبـــاً جـيـــدة ومـتنـوعــة وحتــى (هنــري ميلــر) بجنـسيـاته وفرجينيا وولف بالسلاسل التي تنقطع منصورها وخواطرها وتنقلاتها.
وبين الحـين والاخر أجد مـجلـة الاداب، والكلمـة تصلني بـاستمرار فـإن لي مراسلاتــ مع صـــاحــبهـــا، وهـــو يـــرسـلهـــا لـي دائماً، فشكراً على عرضك الطيب
.تـتكــون الان في فكــري خيـوط روايـة جـديـدةعـن عــراق 59 ولــولا المـــرض لكــان لـي مـنهــاشــيء مـكــتــــــوب الان، إن تـلـك الـفــتـرة هــي الفتـرة الاخيـرة لي في العـراق، وقد شـهدتـها بكل ترقباتها ومرارتها وضياعها وتوجساتها وقلـقهـــا، بـكـل الفـــوضــــى والامل والـتــشــنج والانـتـظــار والاسـتــسلام، والــرعـب مـن شـيء مخيف لابـد ان يقع، فهل أستـطيع التـوفيق في ذلك؟ وأكثـر مـا أخـشـاه أن أكـون عــاطفيـاً أكثــر مـن اللازم، والمـسـتقـبل سـيكــشف ذلك، ربمــا لا أسـتـطـيع، فــإن كل عـمل أدبـي يكــون حـلمــاً في بــدايتـه حتــى يــسجل، والأحلام لا تتحقق دائماً.
شكـراً علـى اسـتطلاعــاتك عن تـوزيع كتـابي، وصلتني رسالة من سهـيل إدريس يذكر فيها أنه أرسل 100 نـسخـة فقـط من الـكتـاب الـى العراق خـوفاً من الكساد المـسيطر على سوق الكتـب (على حـد تعبيـره) وانتظـاراً لطلـباتاخرى يعني أنه يريـد أن يجس النبض! وقد كـتـبــت له عـمـــا جـــاء في رســـالـتـك ورســــائل اخـرى، وقـد أرسل سـهيل مع الـرسـالـة صـورة للـعقد، وهــــــو مجـحف، ولـكــن مـــــا حــيلـــــة العطـشان وقـد مد له قـدح من المـاء وقيل له هــذا بكل مـا تملـك من نقـود ومـا علـيك من لباس!
طـبع مـن الكـتــاب 2000 نــسخــة وكلف 2400 ليــرة لـبنــانيــة ودفـعت مـنهــا أنــا 1400 ليــرة، ودار الآداب الـبـــاقــي (علـــى مــــا يقـــول) ودار الآداب تــسـتقــطع 55 بــالمــائــة مـن قـيـمــة كل نسخة مبـاعة ثم تستـرد الالف ليرة والوشل الباقي لي
هــذا هــو العقــد! فهل سـيكــون العقــد مـعك علــى هــذا الـنحــو؟ أرجــو مـن كل قلـبي ان لا يكون.
لا أعـرف هل كـتب عنه في الـعراق، وقـد أرسل لي سهـيل وبلند مـقالاً كتب في ملحق جريـدة (الانوار) اللبـنانيـة وفيه مدح أكـثر مـن اللازم للكتـاب! وأنا مـتلهف لسـماع آراء أدبائنا العراقيين.
يؤسفني أنـني لا أستطيع المساهمة في كتابة شيء الان بـسبب مـن وضعي غيـر الطـبيعي،وعسى ان أتمكن في المستقبل.
شـكـراً علــى أخبـارك ورســــالتـك الحلـوة، وتحـيـــاتـي الـــى ريـــا والـــى أم ريـــا مـنـي ومـن سمير وأم سمير، واسلم أيها الأخ العزيز.
المخلص غائب
موسكو
عزيزي أبا ريا
تحياتي وحبي
تلـقيت رسـالتك وقـد غـادرت المـستـشفـى كمـا تمـنيت ولكن لا إلـى البيـت ولكن لاحدى دور الراحة قرب موسكو.
وأنا الان في صحـة لا بــأس بهـا، وبـوضع نفسي طيب ولو كان غير مـستقر تمـامـاً، وكيف تستطيع ان تستقر إذا لم تشعر بأنك تـنـمــو، ولا تــشعــر بــالـنـمــو والحـيــاة الا حـين تمــسك بالـقلـم ويـكـــون بـين يـــديـك دفـتـر تتـزايــد أوراقه المكتــوبة كل يــوم، وتحــس كلصــبــــاح بفــــرحـة الجــــدة، وحـتـى بفرحة الـتمزيق (أقــصد تمزيق الورق حــين لايعجبك ما تكتب!).
رسـالـتك حــافلـة بــالأخبـار، ويــؤسفـني ان لا أسـتـطـيع مبـادلـتهـا أخـبـاراً بـأخبـار، وقد سعدت جداً بأنبـاء الفوران الأدبـي في وطننا العزيز، صدق أنني أقـرأ بـتلهف كل سـطر أقع عليـه مكتـوب في مجلـة لأولئك المـتحـرقـين المـضـطرمـين شـوقــاً للـنـور علــى شـكل أكـثـر ملاءمـة للـتعبيـر عن أفكارهم وصورهـم، وهـو مبـعـث القلق الخلاق والأندفاع والثورة والتباهي والصلابـة وكل شيء آت من إيمان الشخص بأنه ما يقوله، ويستطيع ان يقوله.
يقتصـر (نشـاطي) الان عـلى القـراءة بالـلغةالانـكليزية والـروسـيـة فقـط بــسـبـب نــدرة الـكـتــب العـــربـيـــة، وقـــد قـــرأت كـتـبـــاً جـيـــدة ومـتنـوعــة وحتــى (هنــري ميلــر) بجنـسيـاته وفرجينيا وولف بالسلاسل التي تنقطع منصورها وخواطرها وتنقلاتها.
وبين الحـين والاخر أجد مـجلـة الاداب، والكلمـة تصلني بـاستمرار فـإن لي مراسلاتــ مع صـــاحــبهـــا، وهـــو يـــرسـلهـــا لـي دائماً، فشكراً على عرضك الطيب
.تـتكــون الان في فكــري خيـوط روايـة جـديـدةعـن عــراق 59 ولــولا المـــرض لكــان لـي مـنهــاشــيء مـكــتــــــوب الان، إن تـلـك الـفــتـرة هــي الفتـرة الاخيـرة لي في العـراق، وقد شـهدتـها بكل ترقباتها ومرارتها وضياعها وتوجساتها وقلـقهـــا، بـكـل الفـــوضــــى والامل والـتــشــنج والانـتـظــار والاسـتــسلام، والــرعـب مـن شـيء مخيف لابـد ان يقع، فهل أستـطيع التـوفيق في ذلك؟ وأكثـر مـا أخـشـاه أن أكـون عــاطفيـاً أكثــر مـن اللازم، والمـسـتقـبل سـيكــشف ذلك، ربمــا لا أسـتـطـيع، فــإن كل عـمل أدبـي يكــون حـلمــاً في بــدايتـه حتــى يــسجل، والأحلام لا تتحقق دائماً.
شكـراً علـى اسـتطلاعــاتك عن تـوزيع كتـابي، وصلتني رسالة من سهـيل إدريس يذكر فيها أنه أرسل 100 نـسخـة فقـط من الـكتـاب الـى العراق خـوفاً من الكساد المـسيطر على سوق الكتـب (على حـد تعبيـره) وانتظـاراً لطلـباتاخرى يعني أنه يريـد أن يجس النبض! وقد كـتـبــت له عـمـــا جـــاء في رســـالـتـك ورســــائل اخـرى، وقـد أرسل سـهيل مع الـرسـالـة صـورة للـعقد، وهــــــو مجـحف، ولـكــن مـــــا حــيلـــــة العطـشان وقـد مد له قـدح من المـاء وقيل له هــذا بكل مـا تملـك من نقـود ومـا علـيك من لباس!
طـبع مـن الكـتــاب 2000 نــسخــة وكلف 2400 ليــرة لـبنــانيــة ودفـعت مـنهــا أنــا 1400 ليــرة، ودار الآداب الـبـــاقــي (علـــى مــــا يقـــول) ودار الآداب تــسـتقــطع 55 بــالمــائــة مـن قـيـمــة كل نسخة مبـاعة ثم تستـرد الالف ليرة والوشل الباقي لي
هــذا هــو العقــد! فهل سـيكــون العقــد مـعك علــى هــذا الـنحــو؟ أرجــو مـن كل قلـبي ان لا يكون.
لا أعـرف هل كـتب عنه في الـعراق، وقـد أرسل لي سهـيل وبلند مـقالاً كتب في ملحق جريـدة (الانوار) اللبـنانيـة وفيه مدح أكـثر مـن اللازم للكتـاب! وأنا مـتلهف لسـماع آراء أدبائنا العراقيين.
يؤسفني أنـني لا أستطيع المساهمة في كتابة شيء الان بـسبب مـن وضعي غيـر الطـبيعي،وعسى ان أتمكن في المستقبل.
شـكـراً علــى أخبـارك ورســــالتـك الحلـوة، وتحـيـــاتـي الـــى ريـــا والـــى أم ريـــا مـنـي ومـن سمير وأم سمير، واسلم أيها الأخ العزيز.
المخلص غائب