حسن فتحي - هل توقفت الشمس فعلا؟!

حين يشتغل بعض الأطباء بالأدب، فتلك ظاهرة اعتدناها في مصر، لكن أن تصادف مهندسين مفتونين بدراسة الفلك والجيولوجيا ويغوصون في تأصيل الظواهر الكونية وربطها بأحداث تاريخية مهمة مرت بها الأرض، فذلك أمر يثير الدهشة!

فمن أشهر الأطباء الذين احترفوا الأدب، د.أحمد علي الجارم، وهو أستاذ في طب المناطق الحارة، وشاعر وعضو في المجمع اللغوي، ونجيب الكيلاني صاحب الروايات الإسلامية الشهيرة، ويوسف إدريس، ومصطفى محمود، ومن قبلهم إبراهيم ناجي الذي قال في كتابه (أدركني يا دكتور) "لعل أعرف الناس بالناس هم الأطباء"، والمبدع أحمد خالد توفيق الذي "يتذكر أنه أديب، وعندما يحقق فشلًا جديدًا في عالم الأدب يعزي نفسه بأنه طبيب"!

وقبل نحو 20 عامًا أتذكر مهندسًا مصريًا يدعى مراد، استهوته قراءة التاريخ، وتوقف كثيرًا عند الأحداث التي رافقت سيدنا موسى وقصته مع فرعون الخروج، والذي اعتبره أنه رمسيس الثاني، وخاض في تفاصيل قصة خروج سيدنا موسى مع بني إسرائيل من مصر، وأصر وفق حساباته الهندسية أن الخروج جرى من بحيرة قارون، وليس من البحر الأحمر، كما تعتقد أغلب الروايات التاريخية حول هذا الأمر.

الرجل لم يتوقف اهتمامه عند تبني وجهة النظر هذه، بل دعمها كمهندس بالحسابات الهندسية وبالحجج والبراهين، وأصدرها في كتاب، ودعا بعض الباحثين والصحفيين آنذاك، وكنت من بينهم في ندوة بفندق سونستا لعرض كتابه وسرد وجهة نظره..

اليوم وبعد مضي هذه السنوات، أعود لتذكر هذه القصة، بعدما وقع تحت يدي كتاب لمهندس مصري أيضًا يطرح فيه قضايا علمية "خلافية" كثيرة، وهو على يقين بأن كتابه يخالف ما يعتقده العلماء!! ومن اللافت للنظر أن من بين القضايا الكثيرة التي تناولها في كتابه، الذي استعان فيه بأكثر من 90 مرجعًا علميًا، نفس القضية التي انشغل بها المهندس مراد من قبل، وهي مكان خروج سيدنا موسى من مصر!!

ومن القضايا العديدة التي يطرحها المهندس طارق نيازي، ويغوص فيها بعمق، كيف طال الليل ثلاثة أيام على مصر عند خروج بني إسرائيل؟ وأين يقع البحر الذي انشق أمام نبي الله موسى عام 1545 قبل الميلاد؟ وكيف توقفت الأرض أثناء إحدى حروب يوشع بن نون عام 3500 قبل الميلاد؟ وكيف تسنى لسيدنا إبراهيم رؤية كوكب بالعين المجردة؟ كما ورد في رحلة يقينه لوجود الله جل وعلا في القرآن، وأين بُني فُلك سيدنا نوح عليه السلام؟ وغيرها من التساؤلات التي أجاب عنها الكاتب، ولا يتسع المجال لذكرها..

فمن بين ما يتعرض له الكتاب أن آدم "وتعني باللغة العربية أسمر البشرة" قد عاش في إفريقيا قبل 60 ألف عام، وهو ما قدرته أيضًا مجلة "ناشيونال جيوجرافيك"، وقد اكتشف العلماء أن قبيلة البوشمن بكينيا تحمل أقدم بصمة جينية وتبدي علاقة مباشرة بأبوالبشر، ما يعني إن أصل البشر أجمعين إفريقي، وأن الإنسان انتقل من إفريقيا إلى كل بقاع الأرض حاليًا، فيما بين 20 إلى 40 ألف عام مضت!.

وأن نبي الله نوح عاش وبنى سفينته في أرض الصومال حاليًا، وليس الشام، كما تقول بعض الروايات، ودليله أنه يوجد في هذا المكان ممر متسع به آثار متحجرة لأرجل طيور وحيوانات مرت على رمال الممر منذ آلاف السنين، ويبدو أنها كانت في طريقها لركوب سفينة نوح، ولكن ما رأي المؤلف في أن بعض تفاسير قوله تعالى "وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُواْ مِنْهُ ..(هود - 38) سخروا من نبي الله نوح؛ لأنه كان يبنى سفينة في البر، فربما كانت صفيحة إفريقيا الجيولوجية ملتصقة بقارة مجاورة في العصور الغابرة، ولم يعرف قومه البحر، عكس ما يقوله علماء الجيولوجيا المعاصرون، بأن "الصفيحة الإفريقية تنزلق نحو "الصفيحة الأوروبية، وتبتعد عن قارة آسيا، بمقدار (1) سم كل عام في اتجاه الشمال الغربي.



ويعتقد أن الكوكب الذي رآه سيدنا إبراهيم في رحلته اليقينية بوجود الله هو الكوكب المغناطيسي الذي لم يتم رصده حتى اليوم، والذي يمر مرتين بمجموعتنا الشمسية، دورة طويلة مدتها 3550 عامًا ودورة صغرى بين 40 إلى 50 عامًا، وأن هذا الكوكب نفسه لما عاد هو الذي تسبب في حدوث ظواهر غير طبيعية اجتاحت مصر وقت خروج سيدنا موسى بالعبرانيين من مصر قبل 3500 و3600 عام مضى، والتي تسببت في حلول الظلام 3 أيام؛ حيث اعتمد فقط على نصوص التوراة في تفسير هذه الظواهر الطبيعية، ما يعني أن سيدنا إبراهيم في رأيه قد عايش الفترة (5) آلاف سنة قبل الميلاد، وليس العام 200 سنة قبل الميلاد، كما أشار المؤرخون.

وأن اقتراب هذا الكوكب نفسه من الأرض، صادف تأخر غروب الشمس تلبية لدعوة يوشع بن نون حتى يستطيع إنهاء معركته ضد تحالف الحيثيين قبل هبوط الظلام، ويرجع المؤلف ذلك إلى عودة الكوكب المغناطيسي في ذلك اليوم من الدورة الصغرى حول الشمس، وتسبب في التفاف النواة الداخلية للأرض؛ حيث توقفت الأرض عن الدوران، وليس توقف الشمس، أو بمعنى آخر امتد النهار أطول من الزمن المعتاد، أو أن الساعة أصبحت أكثر من 60 دقيقة، وهو ما اختاره عنوانًا لكتابه.

لاشك أن الغوص في هكذا تفاصيل واجتهادات علمية أمر ممتع..

ولهؤلاء الأطباء الذين أمتعونا بكتاباتهم الأدبية، ولنظرائهم من المهندسين الذين جعلونا نعشق رياضة الغوص في أعماق التاريخ، نقول لهم جميعا "هل من مزيد"..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى