حميد اليوسفي - الكيف أو القنب الهندي

أتمنى على الحكومة والبرلمان وهما يقترحان ، ويناقشان مشاريع نصوص لتقنين زراعة الكيف أن يضعا قوسا ، أو أن يفتحا ثغرة بتعبير أهل التشريع ، تسمح لمن يرغب في زرع مزهرية أو مزهريتين بنبتة الكيف في بيته ، ولن يبخل عليهم الناس يوم الاقتراع برد الجميل !



وشم في الذاكرة

********


اعلم أعزك الله أن القنب الهندي ، أو الكيف باللهجة المحلية كما يروي ولد كبور ، عشبة مخدرة قديمة ، ومعروفة في المغرب ، تنبت بمنطقتي بني خالد وكتامة . وكان استهلاكه في البداية محصورا في منطقة الشمال ومنظم بمرسوم قديم يعود إلى عهد المولى حسن الأول . وانتقل ترويجها إلى داخل المغرب بطرق سرية من طرف عصابات منظمة .
بالأمس دخنها الكبار فقط ، حيت ابتلي بها بعض الحرفيين والصناع . بينما بعض الأسر الارستقراطية تخلط زيتها مع المعجون بعد أن تضيف إليه رأس الحانوت (المساخن) وهو مجموعة من الأعشاب المقاومة للبرودة بنوعيها : الطبيعية والجنسية .
تناول ملعقة صغيرة أو كبيرة أثناء الخروج إلى النزاهة أو في المناسبات الخاصة يمنح الشخص قدرة زائدة على المرح والتقشاب وإبداع القوافي من الكلام التي تذيع فيما بعد بين الناس وتصبح لازمة يرددها الجميع .
اسأل محترفي (الطقطقات) كيف ينطلق لهم اللسان عندما يتناولون المعجون ، ويصدحون بأشعار عامية تخرج من أعماق القلب :
قلت له كل غير كرموسة
وهو كل كروسة
واهي أمي واهي الوليد
ناري كرموس النصارى يدي لرواح ...
واعلم أعزك الله أن تدخين القنب الهندي يحتاج إلى عود من الخشب ، مُجوف من الوسط يظن ولد كبور ، انه يُصنع من أغصان (الدفلة) ، ويتم نقشه بألوان زاهية ، وشَقْف* من الطين ، ومَطوي يُشبه كيسا صغيرا من الجلد . ويتفنن البعض في صناعته من جلد الماعز ويزينه بصوفه . وهي أدوات كانت تعرض بشكل علني في الأكشاك المحيطة بساحة جامع الفنا مع سلع أخرى تباع للسياح كما توجد أيضا عند كل دكاكين المواد الغذائية في الأحياء الشعبية .
وقد لجأ إليه البعض لمعالجة الأطفال من بعض الآلام أو الأمراض فيطلبون من المدخن أن ينفث دخانه على وجه الطفل حتى يشمه فيتخدر وينام .
لا تحلى اللية الكناوية ، ولا تزهى ألوانها ، إلا إذا دخن المعلم ثلاثة غليونات أو أربع بين اللون واللون ، لتنزل بركة لالة عيشة الساكنة لجبال ، لالة عيشة مولات الواد ، لالة عيشة السالبة لولاد .
ويحلو تدخين القنب الهندي مع مجموعة من الحشاشين . أخذ نفسين أو ثلاثة وانتظار فترة قد تطول أو تقصر لأخذ أنفاس أخرى ، خاصة إذا كنت غير متبوع بشغل يحتاج إنجازه إلى دقة في المواعيد . ومن تقاليده ألا تدخن بمفردك وأنت مع الجماعة . دع غليونك يدور وسيعود إليك كما أرسلته .
ولأنه يدخل في الممنوعات والمحرمات يتم تدخينه بعيدا عن أعين الناس . خفية داخل دكان أو خلف سور أو وراء باب فندق قديم أو في مقهى مثل أغلب المقاهي التي كانت تفرش الحصير لزبائنها ثم تحضرت بشكل تدريجي فاستعملت الطاولات والكراسي وظلت تحافظ على نفس الزبائن . ولا أحد يعلم لماذا يفضل الناس أثناء تدخين القنب الهندي في الفضاءات المفتوحة جلسة القرفصاء مع إخفاء (السبسي)* ميلا إلى اليمين أو اليسار ؟
ويكون بعضهم أكثر كرما مع الموظفين أو طلبة الجامعة ويعتبر الجلوس والتدخين مع هؤلاء قيمة مضافة ، تضفي شرعية اجتماعية على هذا النوع من الانحراف .
ويُحكى والله أعلم أن بعض كبار المثقفين المغاربة والباحثين في السوسيولوجيا وبعض كتاب القصة والرواية والشعراء ابتلوا أيضا بتدخين القنب الهندي .


المعجم :
ـ (المعجون : مخدر أرستقراطي المنشأ . جمع أغصان القنب الهندي في قطعة قماش شفاف وطبخه في الزبدة ثم عصره وخلطه مع راس الحانوت والمكسرات مطحونة وقليل من الدقيق المحمر ، مثل السفوف او (سليلو)
ـ الشقف : شقف من الطين به فتحتان إحداهما يدخل فيها العود وفي الثانية يوضع قليل من الكيف مقسس (مقطع إلى حبيبات صغرى) ومدرح (خلطه بقليل من طابا) قبل إشعاله وتدخينه .
ـ المطوي : كيس صغير يوضع فيه الكيف مقطع إلى حبيبات صغرى تشبه حبيبات الكسكس .
ـ السبسي : الغليون الذي يدخن فيه الكيف)

مراكش في 04 مارس 2019



1614197614942.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى