د. سعد عبد العزيز مصلوح - قَطْرَةٌ من حَنان.. شعر

كَانَ شَيْئٌ يَتَجَلّى في طَوَايَا الأمْسِ غَيْبَا
لَفَّ بالّليْل حَنَايا غَابِهِ دَرْبًا فَدَرْبَا
من ً وَرَاء اللّيْلِ شَقَّ الغيبُ للأكوان حُجْبَا
مَدَّ كَفًّا بَيَنَ أحْضانِ الدُّجَى تَحْضُنُ حَبَّا
وَتَنَزَّتْ حَبَّةٌ في كَفِّهِ البَيْضاءِ رُعْبَا
خَافَتِ الأعْماقَ .. ألْقَتْها اليدِ البَيْضاءُ غَصْبَا
فَتَهَاوَتْ واسْتَقَرَّتْ في ثَنَايَا الطِّين غَضْبَى
~~~
كَانَ طِينُ الأَرْ ضِ سِجْنًا شَفَّها ضٍيقًا وَكَربَا
آهِ كَمْ عَاشَتْ بِأعمَاقِ الثّرَى تَقْتَاتُ جَدْبَا
كَمْ تَمَنَّتْ في دُجَاها لَوْ تَزُورِ الشّمْسُ غِبَّا
كَمْ تَمَنَّتْ لَوْ تَمَلَّتْ أفْقَ هذا الكَوْنِ رَحْبَا
أن تَرَى النُّورَ وَأنْ تَمْضِي إلَى الجَنَّات وَثْبَا
تَرْقُبُ الأطْيَارَ في أرْجائِها سِرْبًا فَسِرْبَا
أَنْ تُمِدَّ النَّاسَ أفْيَاءً وأطْيَابًا وخِصْبَا
أنْ تَرَى الظَّلْمَاءَ في آفاقِهِمْ تَذْرِفُ شُهْبَا
أَنْ تَرَى الأحْيَاءَ مِلْءَ العَيْنِ أَوْ تَقَضِيَ نَحْبَا
~~~~~
وإذا كَفٌّ بِأحْضَا نِ الدُّجَى تَخْتَالُ عُجْبَا
في حَنَانٍ هَصَرَتْ فَوْقَ الثَّرَى الظّمْآ نِ قَلْبَا
فَجَرَتْ قَطْرَتُهُ تَنْفِي عَنِ الحَبَّةِ تُرْبَا
ذاقَتِ الخَمْرَةَ عِشْقًا فَمَضَتْ تَفْتَحُ هُدْبَا
وَدَبِيبُ الرُّوحِ في أحْشائِها الصّمّاءِ دَبّا
وحَنينٌ لِلْوُجُودِ الرَّحْبِ في الأعماقِ شَبّأ
هَاجَهَا الشَّوْقُ فَلَبَّى حِسُّها الذابِلُ .. لَبَّى
شَقَّتِ الأرْضَ نَباتًا حَالِمَ الأزْهارِ رَطْبَا
ومَضَتْ للشّمْسِ تهفو وتعُبُّ النورَ عَبَّا
لَمْ تَعُدْ تَسْمَعُ في الآفاقِ أنْواءً وَنُكْبَا
لَمْ تَعُدْ أحْزَانُها للرُّو حِ والوُجْدَان شِرْبَا
إنّها تَرْقُصِ عُجْبًا إن نَسِيمُ الرَّوْضِ هَبّا
تَتَثَنَّى أَنْ رَأتْ صَبًّا يُساقِي الحُبَّ صَبَّا
لم تَعُدْ تَرْجو وتَخْشَى، لم تَعُدْ تَرْهَبُ خَطْبا
الهوى راعٍ عَطُوفٌ فَهْيَ لا تَرْهَبُ ذِئْبَا
هَلْ عَرَفْتْ السِّرَّ ؟! آهٍ ...إنَّهُ قَلْبٌ أحَبَّا
~~~~~
( أكتوبر ١٩٦٢ )
قصيدة د. سعد مصلوح
  • Like
التفاعلات: كمال علي مهدي
أعلى