أ. د. محمود المهدى - قراءات نقدية في سردية د. سيد شعبان "أبو الأرجاب الثلاثة"

لازالت مفاتيح قراءة كتابات "سيد شعبان" في ( القرية. الحارة. المجاذيب. نسوة الكفر) وهو أمر يشعرك ابتداءً بالتكرار، واجترار سرديته من سابقة عليها، لكن إذا أنعمنا النظر وجدنا أن كل سردية تقبل علينا وقد تزيت بما تخالف به غيرها، فهي تتباين مع تجانسها ، وتتباعد مع تقاربها، وما تلك القواسم المشتركة في جميع أعماله إلا عتبات ينطلق منها ؛ لشدة ارتباطه بموروث قريته، وانفعاله بحكي الجدات والكبار في ليالي السمر، ولَم تغزُ الوسائل الحديثة ُ القرية بعد ، حتى تملكت على ثقافته المتنوعة، والتي تعكس أوجه متغايرة للقرية وأبعادها البشرية وغير البشرية، فلا زالت تطارده على أسنة قلمه، وقد ملكت عليه وجدانه وحسه الأدبي ، فلا يبرحها ، ورغم ذلك فهي "كالشاسيه" لجنس أشياء ما، وما صنع عليه تتغشاه الفرادة ، ويسلكه التباين ، وذلكم هو الإبداع ؛ فقد تحولت على سنان قلمه العموميات إلى خصوصيات تشرع ما تنماز به، في تباين وتغاير.
- نلاحظ سيادة صورة المجذوب - بالسرد - التي كانت منثورة بالقرى في زمن سابق ، وتعلقه بالخوارق وأمور الدجل، وقد يكون تحت طيات هذه الشخصية أغراض أخرى يضمرها ، ويتكسب من خلال ما يعرضه مما يشبه الخزعبلات ، وهو صدى لولع الفتى بالغريب ، ولما كان يحدث في الماضي لبعض أصحاب الأحوال ، فقد ترى منه ما ينكر عليه. فلا يسعك إلا التصديق ، وإن لم تكن من من أصحاب الأحوال مثله ؛ فسيطرة الخرافة على العقل الجمعي ، وقلة التعليم ووسائل التثقيف الحديثة ، خلقت للخرافات والخزعبلات سوقًا رائجة آنذاك ،كردة فعل لما تملك على بعض الناس من جهل.
- تعكس السردية بعض الثقافات في البيئة الريفية في وقت سابق، - وهو أمر عام في القرى المصرية- حتى جسدها الفن الجمعي في ثقافته مثل ( عين الحسود فيها عود. رش الملح سبع مرات. مدد يا أم هاشم. يحبس بكوب من الشاي معتق )
وهي تدل ارتباط الكاتب بالقرية وموروثاتها الثقافية، فكأن عملة ذاكرة تحفظ لنا ما اندثر منها.
- الصور جميلة رائقة زاهرة كفجر القرية الذي تخلو أنفاسه من ملوثات المدنية (تضربها سن اليأس بمعولها. ليالٍ مخملية. اعتصرت قبله خمسة رجال .صورة الوتد( الإير) هههههه. )
وهي صور في مجملها تعكس ما كانت تفعلها الغانيات برجال القرية وغيرهم - مع قلتهن-
- العمل في جملته يعد ذاكرة لحفظ ثقافة اندثرت ، وفرت من المجتمع - والذي توافر للكاتب الكثير منها و الحديث عنها ، ولسان حاله ينكرها - كما يفر الماء من بين الأصابع.
- تتخايل صورة " الماركيزالذي لم يبرح قريته بوجدانه أمام الكاتب ، إلا أنها طارت به إلى العالمية ، وهذا نابع من الإخلاص لها ؛ فهل كان هذا في وجدان الكاتب ، وهو يستنسخ القرية في أعماله ، ويرسمها على صفحته؟!
- في المقابل فإن " نجيب محفوظ " اعترف أنه لا يستطيع الكتابة عن القرية؛ فهل كان إخلاصه للحارة سببا في عالميته ، وهل بدت تلك الصورة في عقيدة الكاتب ،وهو يتناول القرية في سرديته ؟!
سؤال قد تجيب عنه الأيام ، أو تصرح لنا به أعماله.
تحاياي وخالص رجائي بالتوفيق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى