أحمد قنديل - القصيدة الحديثة والأقنعة

استخدامُ الأساطيرِ والرموزِ التاريخيةِ والاقتباسِ من القديم داخل سياق النص الشعري ليس هدفا في ذاته وإنما وسيلة لإثراء النص إذا استطاع الشاعر أن يعجن صلصال فكرته بماء الأسطورة والرمز عجينا يتجانس ويتماثل مع الإطار العام لموضوع قصيدته , ويسمو بها ومن خلالها إلى آفاق شعرية رحبة , فاستخدام الرمز والأسطورة وبعض الكلمات الأجنبية المقتبسة ليس حلية يتحلى بها النص , ولا لأن يقال لصاحبه إنه مثقف وواعٍ بما يكتبه , بل تلك الأشياء إذا تجانست مع الشاعر وسبر غورها واستطاع توظيفها توظيفا بانيا لخدمة فكرته في النص سما بها وبنصه وشعريته ., وإلَّا فهي جلبٌ مُخِل وادِّعاء مُمل , وشكلٍ مضل للشاعر قبل أن يكون مضلا للقارئ
فالأسطورة تشكّل نظاماً خاصاً في بنية الخطاب الشعري العربي المعاصر، و قد يبدو هذا النظام عصيّاً على الضبط و التحديد، و ذلك لضبابية الرؤية المُراد طرحها في النص الشعري، و لكثافة الأسطورة نفسها غموضاً و تداخلاً مع حقول معرفيّة أخرى
.
فَإذا كانت الأسطورةُ ملاذَ الإنسان الأول، للانتصار على خيباتهِ، و لتخطي فواجعه، و محاولة لخلق بديل جديد، أكثر إشراقاً وجمالاً، إنها النافذة التي يرى الإنسان العربي من خلالها النورَ و الفرح، لأنها تخلق له حالة توازن نفسي مع محيطه و مجتمعه، فبوساطتها تتمّ عملية الحلم و التخيّل، و الاستذكار
،
بل ونستطيع أن نقول :
إذا كان الواقع فاسداً ظالماً، و مرّاً، و الإنسان فيه غير قادر على تحقيق أبسط متطلباته، نتيجة لسلطة هذا الواقع المدمِّرة إنسانياً و أخلاقياً، فالحلم و الثورة هما الوسيلتان الوحيدتان لتخطي هذا الواقع، قد تتأخر الثورة، و قد تلغى، و قد تُغَيَّب، لكن الحلم دائماً يحضر، وكما قال بودلير ( يُجَنُّ الانسان حينما يُمنَع من الحلم )ْ
..
واستخدامُ (القناع التاريخي والأسطوري ) هذا يمثل حالةً لا زمانية حين يعيدُ تشكيل الذات بعناصر تقوم على الذكريات والإدراكات والتوقعات، وهي عناصر تجمع الماضي والحاضر والمستقبل، مما يجعل أبعاد الزمن الثلاثة متزامنة، فالقناع يعدّ نمطًا من أنماط خلق الأسطورة، وهو ما ذهب إليه دكتور / إحسان عباس , حين عدّه خلقًا لأسطورة تاريخيّة؛ وذلك لأنّ الشاعر يعبّر عن ضيقه بالتاريخ الحقيقي بأن يخلق تاريخًا أسطوريًّا
.
وقد أفلحَ شاعرنا المصري / أمل دنقل , في استدعاء التراث العربي وبعض الأساطير القديمة بخبرة دارسٍ , ومهارة شاعر في الاستخدام الشعري والبناء الفكري, في قصيدة «حديث خاص مع أبي موسي الأشعري» وقد وجد أمل دنقل تشابهاً بين وجهة نظره و وجهة نظر أبي موسي.حيث يذهب کل من أبي موسي والشاعر إلي أن الأشياء الموجودة علي الأرض ضحية بريئة للقدر.
.
كما أفلح الشاعر في استدعاء شخصية اسبارتكوس أيضا في قصيدته (كلمات اسبارتكوس الأخيرة )ْ
وأيضا حدث الفتنة بين علي (عليه السلام) ومعاوية ومقتل الحسين (عليه السلام) ومعرکة حطين , وإلي العصر العباسي کأخبار المتنبي في بلاط کافور الإخشيدي ،
وكان استدعاؤه لحرب البسوس وكليب ..والمهلهل . وزرقاء اليمامة وحكايات ألف ليلة ولية .. وشهريار وشهرزاد .., والتراث الديني من خلال قصص القران الكريم وسوره, ومن خلال اصحاحات التوراة., في قصائده المختلفة .., كل ذلك وغيره جعل من أمل دنقل شاعرا يملك قدرة على توظيف تلك الأحداث التاريخية والأسطورية توظيفا شعريا بانيا , وذلك يفسر لنا بقاء شعر أمل دنقل كمرجعية في هذا المجال
=========================
أحمد قنديل


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى