الساعة تشير الي الثامنة صباحاً وعلي غير العادة في مستشفياتنا الحكومية الهدوء يملأ المكان موظف الاستقبال شاب وسيم طيب الملامح حسن المظهر وعلي وجهه ابتسامة دائمة عكس من يختارونهم لهذه المهنة في بلادي حيث يكونا في الغالب عمالقة ووجوههم صارمة كأنهم اختيروا لهذه الوظيفة من حلبات الصراع لا من كليات الإعلام والعلاقات العامة او انهم مصابون بمرض حب التسلط الذي يصيب موظفي الدرجات الصغرى والعمالية في السلك الوظيفي في معظم دول العالم الثالث فهذه العلة ليست في بلدنا وحده ......
حييته بالسلام عليكم
ردَّ التحية بأحسنَ منها وبكل ادب واحترام
ثم قال لي
اتفضل يا استاذ واشار لي بان اجلس علي أحد المقاعد في حجرة استقباله الصغيرة.. ..
شكرته على الاريحية والكرم الفياض ودخلت معه في الموضوع حتى لا اخذ من وقته كثيرا فهو منهمك في كتابة بعض الأوراق يبدو انها مهمة او تقارير تخص عمله لانشغاله بها أكثر مما ينبغي... غريب أمر هذا الموظف المثالي في بلادي ابتسامة واريحية في تقديم خدماته .....!!
بعد اذنك يا أستاذ اخذ من زمنك قليلا انا من سكان الاقاليم حضرت الخرطوم لأزور صديقي مريض عندكم بالمستشفى هنا هل عندكم موعد للزيارة الان ام انتظر الي حلول وقت الزيارة في المساء كعادة المستشفيات الأخرى فانا قادم من مدينة الحصاحيصا وانوي الرجوع اليوم بإذن الله
لو ساعدتني لي مقابلته في هذا الصباح اكون شاكرا ومقدرا لجميلك هذا لأنني موظف في الخدمة المدنية وليس لدي فرصة ثانية لزيارته الا في عطلة نهاية الاسبوع المقبل كما تعلم ضوابط العمل يا عزيزي......؟
ردَّ عليَّ بابتسامة حاضر يا استاذ أنا اعرفك من قبل
قد اكون ناسي يا عزيزي أين تقابلنا
رايتك قبل أكثر من اسبوع مع المريض هيثم صالح القادم من مستشفى مدني لكن أحب ان اوضح لسيادتك يا صديقي
هنا ليس لدينا موعد محدد للزيارة
كيف ...؟
أجاب يا عزيزي ...المرضى عندنا هم من يحددون مواعيد الزيارة ....
لماذا...؟؟
أجابني حسب اوقات هدوئهم او مزاجهم او مواعيد جلسات علاجهم والشخص الذي يرغب المريض في مقابلته وعلى ضوء هذا سنسمح للزائر بالدخول او رفض الزيارة فالمريض هو من يستقبل الزائر او يرفضه فان رفضه فما عليه الا إن يغادر المستشفى والمعاودة للزيارة لاحقاً عندما تتحسن نفسيات المريض او يطلب حضوره...فهنا الزيارة للمستشفى لا موعد محدد لها مثل بقية المشافي وانما مرهونة بموافقة الشخص المعني بالزيارة وحالته السيكولوجية ....
فهمت محتوى رسالته وشكرته ثم اخذت ورقة صغيرة كتبت فيها اسمي محمد عبد الله بخيت عثمان واسم المريض هيثم صالح واسم العنبر ورقم الغرفة لأنني اعلمها تماماً فانا الذي احضرته قبل اسبوعين الي المستشفى بصحبة شقيقته نوال
ثم كتبت توقيعا أسفل الورقة كان موقفا وشفرة بيننا .... كلما تذكرناه صرنا نضحك بهستيريا.. فعلت ذلك حتى يعلم من هو القادم اليه فبالرغم من مرضه الا انه يكن لي احتراما خاصا فانا الصديق الوحيد له منذ الطفولة لم نفترق أبداً ولم يكن بيننا خلاف ثم اعطيتها للساعي الذي سوف يدخلها له في العنبر علي امل ان يأذن لي بالدخول
.....
انها الزيارة الاولي لي لصديقي هيثم صالح بعد ان احضرته منذ اسبوعين الي هنا بعد ان اصيب بنوبة اكتئاب حادة إثر تعرضه لهزة عاطفية عنيفة عندما تركته خطيبته نسرين عامر بعد خطوبة دامت اكثر من خمس سنوات كانا قد بنيا فيها قصور احلامهم الوردية الجميلة تزوجا في الخيال ...شكل مراسم الزواج ...فرحة الاهل والاصدقاء حفل الزفاف ...المغني واختاراه حتى الاغنيات التي تُغنى في الحفل حدداها ثم جلسة الجرتق (العنقريب) ذي الأرجل الحمراء.. ملاءة الجرتق الحريرية زخات اللبن التي يتراشق بها العروسان بل ذهبا الى أبعد من ذلك ... أنجبا اطفال احلامهما واختارا حتى اسماء ابنائهما وبناتهما المزعومين واستمر الحال بالفال الحسن والأماني السندسية ولكن ....
بدأت نسرين في التغيير بعد أن رأت أن عمرها بدأ في الافول ونضارة الشباب بدأت تتناقص عن وجهها رويدا رويدا وبدأ عنفوان الحب يهمد ويتلاشى ...
ولكن هيثم كان متمسكا بالأمل رغم ظروفه المادية الصعبة وبحثه الدؤوب عن فرصة عمل تليق بمؤهلاته العلمية ولكن
جاءته الصدمة عندما ارسلت له نسرين خطيبته الدبلة مع صديقتها اماني ومعها خطاب اعتذار لطيف مجمل عباراته لقد انتظرتك كثيرا ويقيني انني سأنتظر ضعف ما انتظرتك لان ظروفك لم تتحسن او انني فال سيئ عليك فخفت على نفسي وعليك أكثر بان يسرقنا العمر أكثر مما مضى ولا يحصل لنا النصيب وأردت ان ازيح عنك ارق الارتباط وهم المسئولية اللذين وقفا حجر عثرة أمامنا ...لتعيش حياتك مع اخري قد تكون فال خير وسعادة عليك .... وعلي اقل تقدير ان تتحمل انتظار أن تتوفق اوضاعك.... اعذرني فاني قد مليت وضاق صبري واحتمالي ولا اري املأ قريبا....
لقد انتظرت نسرين انتظرت هيثم طويلا بعد ان تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ليحصل على وظيفة حكومية او خاصة منذ ان غادر مقاعد الدراسة خريجا قبل خمس سنوات وظل يطارد اعلانات الوظائف ما بين مكتب العمل الحكومي والمكاتب الخاصة والصحف اليومية ولكن دون جدوي فمعظم الاعلانات عن الوظائف ماهي الا تحصيل حاصل لتوطين أبناء نافذين في المؤسسات المعلنة للوظائف ...صوريةً أُريدَ بها شرعنة ملئهم لتلك الوظائف في تلك المؤسسة المعلنة او لثبيت وظائف لمتدربين في المصلحة حصلوا عليها بالواسطة او الشراء من ضعاف النفوس اباطرة الخدمة المدنية ....
فسخت نسرين الخطوبة وأعادت الدبلة بعد ان خافت على نفسها تقدم العمر الذي يقلل من فرص الزواج بالنسبة للفتيات وأنها تعدت الخامسة والعشرين من العمر وبعد ان علمت ان ياسر اخ صديقتها ناريمان العائد من امريكا قد وقع اختياره عليها وسيتقدم لخطبتها في غضون السويعات القادمة فأرادت ان تمهد له الطريق للوصول بخلع هذه الدبلة المشؤومة جالبة النحس لها والتي اقعدتها عن ركوب قطر الزواج وقبعت في اصبعها خمس سنوات عجاف فقدت فيهن بعضا من نضارة الشباب وسببت لها حساسية في اصبعها بعد ان ضاقت بها ومن طول الانتظار ....
لم يتحمل هيثم صالح الصدمة والهزيمة بعد ان سمع المغني يصدح في حفل زفافها بعد اسبوع من فسخ خطوبتهما
بين الريد والهوى
عشنا أيامنا سوى
ما احلاك يا هوى
الهم راح وانطوى
الهم راح وانطوااااااا
عش ريدتنا استوى
حققنا احلامنا وكل
عاشق عقبالو
وكرر المغني هذا المقطع من الأغنية كما لو أن هناك من يوصي المغني بترديد هذا المقطع مرات عديدة نكاية به
اظلمت الدنيا في وجهه وأحس انه هو ذلك الهم الذي يقصده المغني وفي لحظة ضعف شرع في الانتحار فأشعل في نفسه النار ولكن ارادة الله لطفت به وانقذته من موت محقق بعد أن أنقذه الجيران بعد سماع صياح والدته طالبة النجدة فهب الجيران وصبوا عليه الماء فأطفأوا الحريق المشتعل في جسده ولكنه اصيب بحروق شوهت كل اعضاء جسده.. وجهه ويديه ورجليه ...جميع جسده وتم تصنيف الحروق بأنها من الدرجة الأولى التي يستحيل تجميلها او ان يغير من آثارها الزمن .....
بعدها اصبحت حالته حرجة بعد ان تشوه جسده بالحريق فزاد من نوبة اكتئابه وعجزنا من أمل في علاجه في المستشفيات العامة في مدينتنا بعدها حاول الانتحار وكرر محاولاته عدة مرات واستسلمنا للواقع واخذناه الي مستشفى التجاني الماحي أكبر مستشفى تخصصي للأمراض العقلية والنفسية في السودان وهو الان موجود في غرفة انفرادية حتى لا يؤذي المرضي او من يمارضهم او الطاقم المعالج له بعد ان أصبح متوحشا في سلوكه يا سبحان مغير الأحوال من حال الى حال...هذا هيثم الإنسان الهادي الطيب صار بهذه العدوانية؟ ... ...
جلست في الاستقبال انتظر ان يوافق هيثم ويؤذن لي بالدخول ولكن طال انتظاري ....
اخذت صحيفة من موظف الاستقبال قراتها عن اخرها حتى الاعلانات المبوبة ونشرات المحاكم ودعايات البسكويت والمشروبات الغازية وبلاغات فقدان المستندات ولكن ما زال في الوقت متسع ....
وانا ما بين الترقب والانتظار والملل دخلت فتاة علي قدرٍ من الجمال والأناقة والثقة جلست بجواري عرفت فيما بعد ان اسمها "نور علي" وعلي ما أظن انها اتت مثلي زائرة او قد تكون موظفة في القسم... وبهدوء قصت ورقة طلب الزيارة واخرجت القلم من حقيبتها اليدوية وكتبت اسم المريضة واسم العنبر ورقم الغرفة ثم اعطتها للساعي وجلست بجواري تقاتل ملل الانتظار يبدو أنها متعودة على هذا الانتظار اخرجت هاتفها الذكي من حقيبتها واخذت تتجول في ملفاته فتارة تلعب بالألعاب الترفيهية ومرة اخري تتصفح النت ومواقع التواصل الاجتماعي الي ان نفذت شحنة هاتفها الجوال وسمعت إنذار البطارية الالي يعلن فراغ الشحن الكهربائي للجوال .....
واصبحت تبحلق بعينيها في المكان مثلي تماماً عندما فرغتُ من قراءة الصحيفة تماماً وإعلاناتها الصفراء ....
حاولتُ ايقاد سجارة ولكن أشارت لي نور وبدون تحدث الى علامة "ممنوع التدخين" المعلقة في كل زوايا المكتب الصغير فأرجعت علبة الدخان لجيبي مرة اخري وايضا استجابة لمحاولة موظف الاستقبال إيصال الرسالة لي بأدبه الجم ان بالمستشفى بعض المعالَجين من الادمان فالدخان قد يفسد عليهم جلسات العلاج او يعيدهم الي ذكريات ايامهم في التدخين ....
يا إلهي لقد طال الانتظار
التفتت نور نحوي وسألتني عن سبب زيارتي فحكيت لها قصة صديقي هيثم صالح وما اصابه من اكتئاب أوصله الى هنا الى مشفى الامراض النفسية بسبب فقدانه لحبيبته وأمل حياته مرفأ أحلامه نسرين...
رأيت في عينيها حزناً صادقا فواسيتها بان هذه هي ارادة الله وقدره وان الابتلاء سنة ملازمة لكل مؤمن ولا احدٌ منا يقوى على ارادة الله فالمؤمن مصاب .... صمتت عن الكلام برهة... ثم عاودت ربنا يشفيه ...
سألتها عن سبب مجيئها الي هنا ... هل هي زيارة ام عمل فالملامح تدل على انها باحثة اجتماعية او طبيبة في علم النفس والامراض العقلية.......
فقالت لي:
أبداً انا زائرة مثلك تماماً .... كل الحكاية أن لي بنت خال اتينا بها الي هذا المستشفى قبل عام تقريبا بعد ان عجزنا من معالجتها بالوسائل التقليدية زيارة شيوخ الدين والرقية الشرعية..... والخ....
ثم استرسلتْ في حديثها وكأنها تعلم انني متشوق الي سماع كامل قصتها.....
ريم... هي بنت خالي عاشت حياة سعيدة منذ نعومة اظافرها فهي جميلة انيقة متفوقة دراسيا ..اسرتها من ميسوري الحال خالي المهندس محمد صالح من اثرياء العائلة تزوج من الدكتورة ناهد الشريف من اثرى العوائل في مدينة الخرطوم بحري انجبا بنتا واحدة طبعاً هي "ريم" التي حضرت لزيارتها الان وولدا واحدا اسمه "رامي" عاشا معظم حياتهما في تجوال ما بين أوروبا وأمريكا والخليج العربي ثم استقر خالي محمد صالح من الترحال بعد ان جمع ثروة طائلة من المال والشهادات العلمية وأوسمة الانجاز والشهادات التقديرية من معظم شركات العالم التي عمل بها خبيرا او مستشارا.. وكذلك زوجته الدكتورة "ناهد" خبيرة في منظمة الصحة العالمية ومستشارة لليونيسيف في مجال الطب الوقائي توجت مجهود سنينها باختيارها سفيرةً للنوايا الحسنة من قبل الامم المتحدة لما قدمته من خدمات جليلة في مجال الأبحاث العلمية والانسانية
كبرت ريم ودخلت الجامعة وتخرجت من كلية الصيدلة ودخلت الحياة العملية ونجحت واسست مجموعة من الصيدليات ومراكز التجميل وكذلك رامي امتهن الهندسة واسس شركة عملت على إنشاء معظم الابراج التي تناطح السحاب وتزين سماء العواصم العربية النفطية....
والأسرة تعيش في رغد وهناء
وكل يوم يتفتح لهم باب من ابواب النجاح والمجد.....
وفي يوم وكالعادة استيقظ الاب باكرا ليذهب لمكان عمله كالمعتاد وصل الي مكتبه شعر بالم في صدره تحامل عليه والالم في ازدياد حتى فقد الوعي ثم اخذه الموظفون الى المستشفى وهناك أكد لهم الطبيب انه اصيب بذبحة وشرع الطبيب في اسعافه بعد ان ادخلوه للعناية المكثفة..
جاء الخبر الي الدكتورة "ناهد" ان زوجها الان في العناية المكثفة ما بين الحياة والموت إثر تعرضه لذبحة في الصدر ركبت سيارتها واسرعت لتلحق به في المستشفى ولكن ارادة الله ان اصطدمت سيارتها بشاحنة مسرعة بعد ان انحرفت عن مسارها ليتم اسعافها الى نفس المستشفى التي يرقد فيها زوجها .... فشلت كل محاولات اسعافها وأسلمت روحها الي بارئها ولم تمضِ ساعة حتى حضر الطبيب ليعلن أن الاب قد فارق الحياة هو أيضاً ....
بعدها حضر الاهل للاطمئنان عليهما ولكن قابلهم الطبيب المختص قابلهم بوجه حزين
الدوام لله لقد حاولنا إنقاذهما ولكن تم الاجل واردة الله هي الغالبة...
خرجت الجثتان بسيارة اسعاف واحدة من المستشفى الي مثواهما الاخير
لم تحتمل ريم الصدمة ولكنها تماسكت بقوة وعزيمة بعد ان صبرها الاهل وآزروها في محنتها اتصلت علي رامي واخبرته بالفاجعة
وحضر رامي في نفس اليوم من مدينة الدوحة القطرية والحزن يملأ عينيه ولكنه تماسك حتى لا تنهار اخته فالصدمة عليها قاسية..
اقيم العزاء بمنزلهما الكائن بإحدى احياء الخرطوم الراقية وحضر الاهل والمعارف والاصدقاء من الخرطوم وبقية اجزاء السودان الأخرى لسرداق العزاء
بعدها بخمسة عشر يوماً استأذن رامي اخته بان يعود لينهي اعماله في الخارج بعد ان نوى الاستقرار بالسودان ثم بعدها يتمم مراسم زواجهما لأنها هي أيضا كانت مخطوبة
ودعها بعد ان واساها بقضاء الله وقدره ودعته والدموع في عينيها وتركها وحيدة في البيت بعد ان اوصي عليها بعض اقاربه .....
سافر رامي وجمع كل اطرافه وصفي معاملاته في كل عواصم الخليج وفي اليوم الاخير اقام له أصدقاؤه وزملاؤه حفل وداع كبير حضره كل من يعرفه ليودعوه فهو شخص محبوب وناجح يحترمه الجميع
والجميع في غمرة افراحهم اذا باثنين من اصدقائه دخل بينهما الشيطان ودخلا في نقاش احتدم بينهما الي ان وصل إلى تشابك بالأيدي ويتدخل رامي ليفض الاشتباك بأريحيته المعهودة ولكن احدهما اخرج مسدسه وصوبه علي الاخر ورامي يحاول ان يفض النزاع بينهما ويطلق أحدهما طلقا ناريا في اتجاه الاخر لتستقر الطلقة في صدر رامي وترديه قتيلاً في الحال... فشلت بعدها كل محاولات إنقاذه بالذهاب به الى الطبيب ليؤكد لهم انه فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى بنصف ساعة.......
كانت ريم علي اهبه الاستعداد لاستقباله في مطار الخرطوم هي وخطيبته لتزفه عريسا ولكن اتاها الخبر لتستقبله نعشا في صندوق وصارت تبكي وتبكي حتى دخلت في حالة هستيريا لم تفق منها حتى الان .... حاول خطيبها إخراجها من هذه الصدمة ولكنه فشل وكذلك اهلها وكل محاولاتهم باءت بالفشل وانا إذ اخرج منديل محارم من جيبي لأمسح دموعي تدخل عربة الشرطة التي اتاها بلاغ من داخل المستشفى بان مريضا انتحر داخل غرفته
يا للمصيبة يا للهول
ونور تمسح في عينيها ودموعها تسبق كلماتها الي ان جاءنا الساعي يخبرنا بان المريض الذي انتحر هو صديقي هيثم الذي اتيت إلى زيارته... نعم جاءوا إليه بالرسالة ليخبروه أنني أتيت لزيارته ولكنهم وجدوه جثة هامدة في غرفته الانفرادية بعد ان خلع جلبابه ولفه حول عنقه حتى فارق الحياة خنقا... والان الطبيب الشرعي يقوم بإجراءاته عن معرفة سبب الوفاة ليرفقوها مع شهادة الوفاة حتي يتسنى لهم دفن الجثمان وافترقنا ...تركتها في حيرتها ودموعها في خدها تنتظر الإذن بالدخول وركبتُ انا في سيارة الاسعاف مع الجثمان لنشيعه الي مثواه الاخير..
محمد محسن العلوابي
حييته بالسلام عليكم
ردَّ التحية بأحسنَ منها وبكل ادب واحترام
ثم قال لي
اتفضل يا استاذ واشار لي بان اجلس علي أحد المقاعد في حجرة استقباله الصغيرة.. ..
شكرته على الاريحية والكرم الفياض ودخلت معه في الموضوع حتى لا اخذ من وقته كثيرا فهو منهمك في كتابة بعض الأوراق يبدو انها مهمة او تقارير تخص عمله لانشغاله بها أكثر مما ينبغي... غريب أمر هذا الموظف المثالي في بلادي ابتسامة واريحية في تقديم خدماته .....!!
بعد اذنك يا أستاذ اخذ من زمنك قليلا انا من سكان الاقاليم حضرت الخرطوم لأزور صديقي مريض عندكم بالمستشفى هنا هل عندكم موعد للزيارة الان ام انتظر الي حلول وقت الزيارة في المساء كعادة المستشفيات الأخرى فانا قادم من مدينة الحصاحيصا وانوي الرجوع اليوم بإذن الله
لو ساعدتني لي مقابلته في هذا الصباح اكون شاكرا ومقدرا لجميلك هذا لأنني موظف في الخدمة المدنية وليس لدي فرصة ثانية لزيارته الا في عطلة نهاية الاسبوع المقبل كما تعلم ضوابط العمل يا عزيزي......؟
ردَّ عليَّ بابتسامة حاضر يا استاذ أنا اعرفك من قبل
قد اكون ناسي يا عزيزي أين تقابلنا
رايتك قبل أكثر من اسبوع مع المريض هيثم صالح القادم من مستشفى مدني لكن أحب ان اوضح لسيادتك يا صديقي
هنا ليس لدينا موعد محدد للزيارة
كيف ...؟
أجاب يا عزيزي ...المرضى عندنا هم من يحددون مواعيد الزيارة ....
لماذا...؟؟
أجابني حسب اوقات هدوئهم او مزاجهم او مواعيد جلسات علاجهم والشخص الذي يرغب المريض في مقابلته وعلى ضوء هذا سنسمح للزائر بالدخول او رفض الزيارة فالمريض هو من يستقبل الزائر او يرفضه فان رفضه فما عليه الا إن يغادر المستشفى والمعاودة للزيارة لاحقاً عندما تتحسن نفسيات المريض او يطلب حضوره...فهنا الزيارة للمستشفى لا موعد محدد لها مثل بقية المشافي وانما مرهونة بموافقة الشخص المعني بالزيارة وحالته السيكولوجية ....
فهمت محتوى رسالته وشكرته ثم اخذت ورقة صغيرة كتبت فيها اسمي محمد عبد الله بخيت عثمان واسم المريض هيثم صالح واسم العنبر ورقم الغرفة لأنني اعلمها تماماً فانا الذي احضرته قبل اسبوعين الي المستشفى بصحبة شقيقته نوال
ثم كتبت توقيعا أسفل الورقة كان موقفا وشفرة بيننا .... كلما تذكرناه صرنا نضحك بهستيريا.. فعلت ذلك حتى يعلم من هو القادم اليه فبالرغم من مرضه الا انه يكن لي احتراما خاصا فانا الصديق الوحيد له منذ الطفولة لم نفترق أبداً ولم يكن بيننا خلاف ثم اعطيتها للساعي الذي سوف يدخلها له في العنبر علي امل ان يأذن لي بالدخول
.....
انها الزيارة الاولي لي لصديقي هيثم صالح بعد ان احضرته منذ اسبوعين الي هنا بعد ان اصيب بنوبة اكتئاب حادة إثر تعرضه لهزة عاطفية عنيفة عندما تركته خطيبته نسرين عامر بعد خطوبة دامت اكثر من خمس سنوات كانا قد بنيا فيها قصور احلامهم الوردية الجميلة تزوجا في الخيال ...شكل مراسم الزواج ...فرحة الاهل والاصدقاء حفل الزفاف ...المغني واختاراه حتى الاغنيات التي تُغنى في الحفل حدداها ثم جلسة الجرتق (العنقريب) ذي الأرجل الحمراء.. ملاءة الجرتق الحريرية زخات اللبن التي يتراشق بها العروسان بل ذهبا الى أبعد من ذلك ... أنجبا اطفال احلامهما واختارا حتى اسماء ابنائهما وبناتهما المزعومين واستمر الحال بالفال الحسن والأماني السندسية ولكن ....
بدأت نسرين في التغيير بعد أن رأت أن عمرها بدأ في الافول ونضارة الشباب بدأت تتناقص عن وجهها رويدا رويدا وبدأ عنفوان الحب يهمد ويتلاشى ...
ولكن هيثم كان متمسكا بالأمل رغم ظروفه المادية الصعبة وبحثه الدؤوب عن فرصة عمل تليق بمؤهلاته العلمية ولكن
جاءته الصدمة عندما ارسلت له نسرين خطيبته الدبلة مع صديقتها اماني ومعها خطاب اعتذار لطيف مجمل عباراته لقد انتظرتك كثيرا ويقيني انني سأنتظر ضعف ما انتظرتك لان ظروفك لم تتحسن او انني فال سيئ عليك فخفت على نفسي وعليك أكثر بان يسرقنا العمر أكثر مما مضى ولا يحصل لنا النصيب وأردت ان ازيح عنك ارق الارتباط وهم المسئولية اللذين وقفا حجر عثرة أمامنا ...لتعيش حياتك مع اخري قد تكون فال خير وسعادة عليك .... وعلي اقل تقدير ان تتحمل انتظار أن تتوفق اوضاعك.... اعذرني فاني قد مليت وضاق صبري واحتمالي ولا اري املأ قريبا....
لقد انتظرت نسرين انتظرت هيثم طويلا بعد ان تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ليحصل على وظيفة حكومية او خاصة منذ ان غادر مقاعد الدراسة خريجا قبل خمس سنوات وظل يطارد اعلانات الوظائف ما بين مكتب العمل الحكومي والمكاتب الخاصة والصحف اليومية ولكن دون جدوي فمعظم الاعلانات عن الوظائف ماهي الا تحصيل حاصل لتوطين أبناء نافذين في المؤسسات المعلنة للوظائف ...صوريةً أُريدَ بها شرعنة ملئهم لتلك الوظائف في تلك المؤسسة المعلنة او لثبيت وظائف لمتدربين في المصلحة حصلوا عليها بالواسطة او الشراء من ضعاف النفوس اباطرة الخدمة المدنية ....
فسخت نسرين الخطوبة وأعادت الدبلة بعد ان خافت على نفسها تقدم العمر الذي يقلل من فرص الزواج بالنسبة للفتيات وأنها تعدت الخامسة والعشرين من العمر وبعد ان علمت ان ياسر اخ صديقتها ناريمان العائد من امريكا قد وقع اختياره عليها وسيتقدم لخطبتها في غضون السويعات القادمة فأرادت ان تمهد له الطريق للوصول بخلع هذه الدبلة المشؤومة جالبة النحس لها والتي اقعدتها عن ركوب قطر الزواج وقبعت في اصبعها خمس سنوات عجاف فقدت فيهن بعضا من نضارة الشباب وسببت لها حساسية في اصبعها بعد ان ضاقت بها ومن طول الانتظار ....
لم يتحمل هيثم صالح الصدمة والهزيمة بعد ان سمع المغني يصدح في حفل زفافها بعد اسبوع من فسخ خطوبتهما
بين الريد والهوى
عشنا أيامنا سوى
ما احلاك يا هوى
الهم راح وانطوى
الهم راح وانطوااااااا
عش ريدتنا استوى
حققنا احلامنا وكل
عاشق عقبالو
وكرر المغني هذا المقطع من الأغنية كما لو أن هناك من يوصي المغني بترديد هذا المقطع مرات عديدة نكاية به
اظلمت الدنيا في وجهه وأحس انه هو ذلك الهم الذي يقصده المغني وفي لحظة ضعف شرع في الانتحار فأشعل في نفسه النار ولكن ارادة الله لطفت به وانقذته من موت محقق بعد أن أنقذه الجيران بعد سماع صياح والدته طالبة النجدة فهب الجيران وصبوا عليه الماء فأطفأوا الحريق المشتعل في جسده ولكنه اصيب بحروق شوهت كل اعضاء جسده.. وجهه ويديه ورجليه ...جميع جسده وتم تصنيف الحروق بأنها من الدرجة الأولى التي يستحيل تجميلها او ان يغير من آثارها الزمن .....
بعدها اصبحت حالته حرجة بعد ان تشوه جسده بالحريق فزاد من نوبة اكتئابه وعجزنا من أمل في علاجه في المستشفيات العامة في مدينتنا بعدها حاول الانتحار وكرر محاولاته عدة مرات واستسلمنا للواقع واخذناه الي مستشفى التجاني الماحي أكبر مستشفى تخصصي للأمراض العقلية والنفسية في السودان وهو الان موجود في غرفة انفرادية حتى لا يؤذي المرضي او من يمارضهم او الطاقم المعالج له بعد ان أصبح متوحشا في سلوكه يا سبحان مغير الأحوال من حال الى حال...هذا هيثم الإنسان الهادي الطيب صار بهذه العدوانية؟ ... ...
جلست في الاستقبال انتظر ان يوافق هيثم ويؤذن لي بالدخول ولكن طال انتظاري ....
اخذت صحيفة من موظف الاستقبال قراتها عن اخرها حتى الاعلانات المبوبة ونشرات المحاكم ودعايات البسكويت والمشروبات الغازية وبلاغات فقدان المستندات ولكن ما زال في الوقت متسع ....
وانا ما بين الترقب والانتظار والملل دخلت فتاة علي قدرٍ من الجمال والأناقة والثقة جلست بجواري عرفت فيما بعد ان اسمها "نور علي" وعلي ما أظن انها اتت مثلي زائرة او قد تكون موظفة في القسم... وبهدوء قصت ورقة طلب الزيارة واخرجت القلم من حقيبتها اليدوية وكتبت اسم المريضة واسم العنبر ورقم الغرفة ثم اعطتها للساعي وجلست بجواري تقاتل ملل الانتظار يبدو أنها متعودة على هذا الانتظار اخرجت هاتفها الذكي من حقيبتها واخذت تتجول في ملفاته فتارة تلعب بالألعاب الترفيهية ومرة اخري تتصفح النت ومواقع التواصل الاجتماعي الي ان نفذت شحنة هاتفها الجوال وسمعت إنذار البطارية الالي يعلن فراغ الشحن الكهربائي للجوال .....
واصبحت تبحلق بعينيها في المكان مثلي تماماً عندما فرغتُ من قراءة الصحيفة تماماً وإعلاناتها الصفراء ....
حاولتُ ايقاد سجارة ولكن أشارت لي نور وبدون تحدث الى علامة "ممنوع التدخين" المعلقة في كل زوايا المكتب الصغير فأرجعت علبة الدخان لجيبي مرة اخري وايضا استجابة لمحاولة موظف الاستقبال إيصال الرسالة لي بأدبه الجم ان بالمستشفى بعض المعالَجين من الادمان فالدخان قد يفسد عليهم جلسات العلاج او يعيدهم الي ذكريات ايامهم في التدخين ....
يا إلهي لقد طال الانتظار
التفتت نور نحوي وسألتني عن سبب زيارتي فحكيت لها قصة صديقي هيثم صالح وما اصابه من اكتئاب أوصله الى هنا الى مشفى الامراض النفسية بسبب فقدانه لحبيبته وأمل حياته مرفأ أحلامه نسرين...
رأيت في عينيها حزناً صادقا فواسيتها بان هذه هي ارادة الله وقدره وان الابتلاء سنة ملازمة لكل مؤمن ولا احدٌ منا يقوى على ارادة الله فالمؤمن مصاب .... صمتت عن الكلام برهة... ثم عاودت ربنا يشفيه ...
سألتها عن سبب مجيئها الي هنا ... هل هي زيارة ام عمل فالملامح تدل على انها باحثة اجتماعية او طبيبة في علم النفس والامراض العقلية.......
فقالت لي:
أبداً انا زائرة مثلك تماماً .... كل الحكاية أن لي بنت خال اتينا بها الي هذا المستشفى قبل عام تقريبا بعد ان عجزنا من معالجتها بالوسائل التقليدية زيارة شيوخ الدين والرقية الشرعية..... والخ....
ثم استرسلتْ في حديثها وكأنها تعلم انني متشوق الي سماع كامل قصتها.....
ريم... هي بنت خالي عاشت حياة سعيدة منذ نعومة اظافرها فهي جميلة انيقة متفوقة دراسيا ..اسرتها من ميسوري الحال خالي المهندس محمد صالح من اثرياء العائلة تزوج من الدكتورة ناهد الشريف من اثرى العوائل في مدينة الخرطوم بحري انجبا بنتا واحدة طبعاً هي "ريم" التي حضرت لزيارتها الان وولدا واحدا اسمه "رامي" عاشا معظم حياتهما في تجوال ما بين أوروبا وأمريكا والخليج العربي ثم استقر خالي محمد صالح من الترحال بعد ان جمع ثروة طائلة من المال والشهادات العلمية وأوسمة الانجاز والشهادات التقديرية من معظم شركات العالم التي عمل بها خبيرا او مستشارا.. وكذلك زوجته الدكتورة "ناهد" خبيرة في منظمة الصحة العالمية ومستشارة لليونيسيف في مجال الطب الوقائي توجت مجهود سنينها باختيارها سفيرةً للنوايا الحسنة من قبل الامم المتحدة لما قدمته من خدمات جليلة في مجال الأبحاث العلمية والانسانية
كبرت ريم ودخلت الجامعة وتخرجت من كلية الصيدلة ودخلت الحياة العملية ونجحت واسست مجموعة من الصيدليات ومراكز التجميل وكذلك رامي امتهن الهندسة واسس شركة عملت على إنشاء معظم الابراج التي تناطح السحاب وتزين سماء العواصم العربية النفطية....
والأسرة تعيش في رغد وهناء
وكل يوم يتفتح لهم باب من ابواب النجاح والمجد.....
وفي يوم وكالعادة استيقظ الاب باكرا ليذهب لمكان عمله كالمعتاد وصل الي مكتبه شعر بالم في صدره تحامل عليه والالم في ازدياد حتى فقد الوعي ثم اخذه الموظفون الى المستشفى وهناك أكد لهم الطبيب انه اصيب بذبحة وشرع الطبيب في اسعافه بعد ان ادخلوه للعناية المكثفة..
جاء الخبر الي الدكتورة "ناهد" ان زوجها الان في العناية المكثفة ما بين الحياة والموت إثر تعرضه لذبحة في الصدر ركبت سيارتها واسرعت لتلحق به في المستشفى ولكن ارادة الله ان اصطدمت سيارتها بشاحنة مسرعة بعد ان انحرفت عن مسارها ليتم اسعافها الى نفس المستشفى التي يرقد فيها زوجها .... فشلت كل محاولات اسعافها وأسلمت روحها الي بارئها ولم تمضِ ساعة حتى حضر الطبيب ليعلن أن الاب قد فارق الحياة هو أيضاً ....
بعدها حضر الاهل للاطمئنان عليهما ولكن قابلهم الطبيب المختص قابلهم بوجه حزين
الدوام لله لقد حاولنا إنقاذهما ولكن تم الاجل واردة الله هي الغالبة...
خرجت الجثتان بسيارة اسعاف واحدة من المستشفى الي مثواهما الاخير
لم تحتمل ريم الصدمة ولكنها تماسكت بقوة وعزيمة بعد ان صبرها الاهل وآزروها في محنتها اتصلت علي رامي واخبرته بالفاجعة
وحضر رامي في نفس اليوم من مدينة الدوحة القطرية والحزن يملأ عينيه ولكنه تماسك حتى لا تنهار اخته فالصدمة عليها قاسية..
اقيم العزاء بمنزلهما الكائن بإحدى احياء الخرطوم الراقية وحضر الاهل والمعارف والاصدقاء من الخرطوم وبقية اجزاء السودان الأخرى لسرداق العزاء
بعدها بخمسة عشر يوماً استأذن رامي اخته بان يعود لينهي اعماله في الخارج بعد ان نوى الاستقرار بالسودان ثم بعدها يتمم مراسم زواجهما لأنها هي أيضا كانت مخطوبة
ودعها بعد ان واساها بقضاء الله وقدره ودعته والدموع في عينيها وتركها وحيدة في البيت بعد ان اوصي عليها بعض اقاربه .....
سافر رامي وجمع كل اطرافه وصفي معاملاته في كل عواصم الخليج وفي اليوم الاخير اقام له أصدقاؤه وزملاؤه حفل وداع كبير حضره كل من يعرفه ليودعوه فهو شخص محبوب وناجح يحترمه الجميع
والجميع في غمرة افراحهم اذا باثنين من اصدقائه دخل بينهما الشيطان ودخلا في نقاش احتدم بينهما الي ان وصل إلى تشابك بالأيدي ويتدخل رامي ليفض الاشتباك بأريحيته المعهودة ولكن احدهما اخرج مسدسه وصوبه علي الاخر ورامي يحاول ان يفض النزاع بينهما ويطلق أحدهما طلقا ناريا في اتجاه الاخر لتستقر الطلقة في صدر رامي وترديه قتيلاً في الحال... فشلت بعدها كل محاولات إنقاذه بالذهاب به الى الطبيب ليؤكد لهم انه فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى بنصف ساعة.......
كانت ريم علي اهبه الاستعداد لاستقباله في مطار الخرطوم هي وخطيبته لتزفه عريسا ولكن اتاها الخبر لتستقبله نعشا في صندوق وصارت تبكي وتبكي حتى دخلت في حالة هستيريا لم تفق منها حتى الان .... حاول خطيبها إخراجها من هذه الصدمة ولكنه فشل وكذلك اهلها وكل محاولاتهم باءت بالفشل وانا إذ اخرج منديل محارم من جيبي لأمسح دموعي تدخل عربة الشرطة التي اتاها بلاغ من داخل المستشفى بان مريضا انتحر داخل غرفته
يا للمصيبة يا للهول
ونور تمسح في عينيها ودموعها تسبق كلماتها الي ان جاءنا الساعي يخبرنا بان المريض الذي انتحر هو صديقي هيثم الذي اتيت إلى زيارته... نعم جاءوا إليه بالرسالة ليخبروه أنني أتيت لزيارته ولكنهم وجدوه جثة هامدة في غرفته الانفرادية بعد ان خلع جلبابه ولفه حول عنقه حتى فارق الحياة خنقا... والان الطبيب الشرعي يقوم بإجراءاته عن معرفة سبب الوفاة ليرفقوها مع شهادة الوفاة حتي يتسنى لهم دفن الجثمان وافترقنا ...تركتها في حيرتها ودموعها في خدها تنتظر الإذن بالدخول وركبتُ انا في سيارة الاسعاف مع الجثمان لنشيعه الي مثواه الاخير..
محمد محسن العلوابي