تعجبني طريقتك في الشرب... تُدني الكأس من شفتيك ببطء، تتناول رشفات صغيرة جدا، تتذوقها في فمك، تبتلعها... فتسري في ملامحك لذة، وتحلق في سمائك فراشات...
هكذا قالت، وهي تضع كأسها فارغة على مائدة زجاجية تفصل بين أريكتينا، عليها قنينة «جاك دانييلز» ومرمدة وقارورة ماء... على حِجْرها كان «روكي» يضع رأسه دافئا منتشيا.
ابتسمتُ، وقلت لها:
يبدو أنك تعبت، عزيزتي، قومي إلى سريرك... ليلتك سعيدة...
وأحلامك لذيذة، ردت...
كان الأصدقاء قد انصرفوا، بقيت وحدي أساعدها في ترتيب البيت، بعد حفلة أنيقة نظمناها في بيتها، بمناسبة ذكرى ميلادها...
كنت سأنصرف بدوري، حين انتهينا من عملية الترتيب، لولا أنها استبقتني قائلة: انتظر هنيهة، أنت تستحق مني كأسا تستهويه شفتاك...
قدمت لي كأسا مع قطع ثلج، وتناولت آخر، وجلست قبالتي، تمسد ظهر كلبها، وعلامات السعادة بادية على محياها...
مترنحا، غادرت...
سمعت صراخها، هرولتُ نحو غرفتها، وجدت الكلب نهشها، أخرج أحشاءها، فقأ عينيها، مزق جسدها، حاولت إنقاذها، كانت قد فارقت الحياة...
أفقت مفزوعا، أصرخ. كان مصباح غرفتي يضيء، وأنا في سريري بحذائي وكامل ملابسي...
أفرغت مثانتي، تناولت كأس ماء، خلعت حذائي، ملابسي، فزعي، وعدت إلى النوم...
اليوم، وأنا أغادر شقتي، كان الناس متجمهرين، قرب بيتها، ارتعبت... وكان عنصر من الوقاية المدنية يقدم تصريحا للصحافة:
_ هذا الصباح، تدخلنا، بأمر من السيد وكيل الملك، إثر شكاية توصل بها من الجيران، يلتمسون منه التدخل ورفع الضرر عنهم، جراء روائح كريهة، تنبعث من بيت عجوز أرملة، تعيش وحيدة، اختفت عن الأنظار منذ أيام...
وبعدما تحققنا من صحة المعطيات، أضاف، اقتحمنا البيت المشتبه فيه، وفعلا، عثرنا على جثة امرأة في حالة تحلل متقدمة، إذ أصبح لونها داكنا، وبدأت ملامحها تختفي، وشرعت الديدان تنهشها...
ما أثار استغرابنا، أضاف المسؤول ذاته، هو أننا وجدنا كلبا ممددا جانب الجثة، دامع العينين، يئن، وكان في حالة إنهاك وهزال شديدين، إلى درجة أنه لم يستطع الوقوف، وكان سيَنْفَقُ خلال يوم أو يومين لو لم نتدخل...
بعد المعاينة، والبحث الأولي، وأخذ البصمات، نُقلت الجثة إلى المستشفى قصد تشريحها، وتحديد هوية صاحبتها، وأسباب الوفاة...
لم تعد قدماي تقويان على حملي، هويت... آلمتني السقطة، وآلمني صداع فظيع يشق جمجمتي... كنت واقعا على الأرض، جوار السرير، أستجمع ما تبقى لدي من قوة... أتساءل: أهي رائحة الجثة أم رائحة الكابوس؟!
علي بنساعود
هكذا قالت، وهي تضع كأسها فارغة على مائدة زجاجية تفصل بين أريكتينا، عليها قنينة «جاك دانييلز» ومرمدة وقارورة ماء... على حِجْرها كان «روكي» يضع رأسه دافئا منتشيا.
ابتسمتُ، وقلت لها:
يبدو أنك تعبت، عزيزتي، قومي إلى سريرك... ليلتك سعيدة...
وأحلامك لذيذة، ردت...
كان الأصدقاء قد انصرفوا، بقيت وحدي أساعدها في ترتيب البيت، بعد حفلة أنيقة نظمناها في بيتها، بمناسبة ذكرى ميلادها...
كنت سأنصرف بدوري، حين انتهينا من عملية الترتيب، لولا أنها استبقتني قائلة: انتظر هنيهة، أنت تستحق مني كأسا تستهويه شفتاك...
قدمت لي كأسا مع قطع ثلج، وتناولت آخر، وجلست قبالتي، تمسد ظهر كلبها، وعلامات السعادة بادية على محياها...
مترنحا، غادرت...
سمعت صراخها، هرولتُ نحو غرفتها، وجدت الكلب نهشها، أخرج أحشاءها، فقأ عينيها، مزق جسدها، حاولت إنقاذها، كانت قد فارقت الحياة...
أفقت مفزوعا، أصرخ. كان مصباح غرفتي يضيء، وأنا في سريري بحذائي وكامل ملابسي...
أفرغت مثانتي، تناولت كأس ماء، خلعت حذائي، ملابسي، فزعي، وعدت إلى النوم...
اليوم، وأنا أغادر شقتي، كان الناس متجمهرين، قرب بيتها، ارتعبت... وكان عنصر من الوقاية المدنية يقدم تصريحا للصحافة:
_ هذا الصباح، تدخلنا، بأمر من السيد وكيل الملك، إثر شكاية توصل بها من الجيران، يلتمسون منه التدخل ورفع الضرر عنهم، جراء روائح كريهة، تنبعث من بيت عجوز أرملة، تعيش وحيدة، اختفت عن الأنظار منذ أيام...
وبعدما تحققنا من صحة المعطيات، أضاف، اقتحمنا البيت المشتبه فيه، وفعلا، عثرنا على جثة امرأة في حالة تحلل متقدمة، إذ أصبح لونها داكنا، وبدأت ملامحها تختفي، وشرعت الديدان تنهشها...
ما أثار استغرابنا، أضاف المسؤول ذاته، هو أننا وجدنا كلبا ممددا جانب الجثة، دامع العينين، يئن، وكان في حالة إنهاك وهزال شديدين، إلى درجة أنه لم يستطع الوقوف، وكان سيَنْفَقُ خلال يوم أو يومين لو لم نتدخل...
بعد المعاينة، والبحث الأولي، وأخذ البصمات، نُقلت الجثة إلى المستشفى قصد تشريحها، وتحديد هوية صاحبتها، وأسباب الوفاة...
لم تعد قدماي تقويان على حملي، هويت... آلمتني السقطة، وآلمني صداع فظيع يشق جمجمتي... كنت واقعا على الأرض، جوار السرير، أستجمع ما تبقى لدي من قوة... أتساءل: أهي رائحة الجثة أم رائحة الكابوس؟!
علي بنساعود