سعد عبد الرحمن - ثروت عكاشة.. فارس الثقافة الجماهيرية (بعيون منتم محب)

بدا ظهور المؤسسات الثقافية الرسمية في مصر كجزء من مشروع الخديوي إسماعيل لتحديث مصر قبل أن تثقل كاهله الديون التي أسفرت عن آثار سلبية فادحة امتدت إلى عهد توفيق وبلغت ذروتها بفشل الثورة العرابية ووقوع مصر تحت نير الاحتلال البريطاني 1882، كانت أولى تلك المؤسسات في الظهور دار الأوبرا 1869؛ والكتبخانة (دار الكتب) 1870، وكانت شؤون الثقافة رسميا في مصر قبل ثورة يوليو 1952 جزءا من مهام وزارة المعارف العمومية، وكانت تتمثل في الإدارة العامة للثقافة ونشاطها مركزي، أما النشاط الثقافي خارج المركز(القاهرة) فكان من اختصاص "الجامعة الشعبية"* التي أسسها أ. أحمد أمين عام 1945 كجامعة موازية لـ"جامعة فؤاد الأول" الرسمية (القاهرة الآن)، أو "مؤسسة الثقافة الشعبية" كما نًص عليها في المرسوم الملكي الصادر عام 1948والذي اعتمدها كمؤسسة رسمية لها فروع خارج القاهرة في كثير من محافظات مصر (خمسة عشر فرعا).
ومنذ بدايات ثورة يوليو كان لدى القيادة السياسية اهتمام كبير بالثقافة بوصفها عاملا من أهم عوامل تقليب تربة المجتمع لتقبل التغيير العميق القادم مع سياسات النظام الجديد وانحيازاته الداخلية والخارجية، ولذلك نشأت لأول مرة في تاريخ الهيكل التنفيذي للدولة المصرية وزارة للإرشاد القومي عام 1953، وقد تولى مسؤولية الوزارة الوليدة أ.فتحي رضوان أحد كبار المثقفين الوطنيين المؤيدين للثورة والذين كانت كتاباتهم إرهاصا بها وتمهيدا لها، كان الهدف الأول أوالرئيسي لوزارة الإرشاد القومي حينها الدعوة إلى الالتفاف حول مبادئ الثورة وتعريف المواطنين بأهدافها وبرامجها وتوجهاتها وانحيازاتها السياسية وقد عبر عن مهمة وزارته الأساسية فتحي رضوان في كثير من أحاديثه وتصريحاته ومنها قوله مثلا في إبريل 1956 "إن الثورة لها أهداف روحية تتطلب توجيه الثقافة القومية وتخليصها من الشوائب التي بثها الاستعمار في ثقافتنا" ، وكان اهتمام الوزارة بالثقافة في سياق ذلك يأتي عرضا ومحدودا، وربما هذا ما دعى إلى إنشاء "مصلحة الفنون"* في نوفمبر عام 1955 للاهتمام بشؤون المسرح والسينما والفنون التشكيلية على وجه التحديد.
وعقب فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وانتصار الإرادة الوطنية استقرت الاوضاع الداخلية ورسخت قواعد النظام الجمهوري الجديد وبرزت مكانة مصر إقليميا ودوليا لم يعد ثمة داع لاختباء الثقافة كمسؤولية في طيات مسؤوليات الإرشاد القومي أو الإعلام كما سمي فيما بعد فظهرت كلمة الثقافة واضحة صريحة في اسم الوزارة الجديدة التي تشكلت في أكتوبر 1958 بل قد أصبح للثقافة الصدارة في الاسم متقدمة على الإرشاد: "وزارة الثقافة والإرشاد القومي"، وكان الرجل المناسب للاضطلاع بمسؤولية الوزارة الجديدة الصاغ أركان حرب سلاح الفرسان وعضو تنظيم الضباط الأحرار المثقف الهادئ المتزن "ثروت عكاشة".
كان لي شرف زيارة الدكتور ثروت عكاشة في بيته بحي المعادي عدة مرات عام 2008 حين كنت رئيسا للإدارة المركزية للشؤوون الثقافية والأمين العام للنشر بهيئة قصور الثقافة وذلك في أثناء الإعداد لإصدار الهيئة طبعة جديدة من كتاب "المعارف" لابن قتيبة بناء على تكليف من رئيس الهيئة آنذاك الفنان الدكتور أحمد نوار*، و"المعارف" هو الكتاب الذي حصل ثروت عكاشة بتحقيقه له على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1960 وكان من المخطط له أن تصدر الهيئة بعد "المعارف" مجموعة من كتبه الأخرى لا سيما بعض أجزاء موسوعته "العين تسمع والأذن ترى" ولكن تعثر ما خططنا له مع الأسف بعد ذلك لأسباب لا أود الخوض فيها الآن، وحين عرف أني من أبناء أسيوط أخبرني بمعلومة لا يعرفها أغلب الناس عنه وهي أنه حصل على شهادة البكالوريا من مدرسة أسيوط الثانوية الأميرية* ولما سألته مندهشا كيف كان ذلك؟ قال لي إنه عاش سنتين في أسيوط لأن والده كان آنذاك يعمل "قائمقام"* بثكنات السلطان حسين في منقباد*، وقد أطلعته في إحدى زياراتي على صورة فوتغرافية له - أحتفظ بها في أرشيفي الثقافي الخاص - وهو يضع حجر الأساس لقصر ثقافة أسيوط مع محافظها اللواء سعد زايد ضمن احتفالات الدولة آنذاك بالعيد العاشر للثورة (23 يوليو 1962)، أي قبل نهاية وزارته الأولى بشهر ونصف تقريبا، فأخبرني أن فكرة إنشاء قصور الثقافة بعواصم المحافظات كانت بتوجيه من الزعيم جمال عبد الناصر وهذا ما أكده لي بعد ذلك بسنوات وزير الثقافة الأسبق الدكتور صابر عرب* حين أخبرني أن لدى دار الوثائق القومية أوراقا بهذا الخصوص خطها عبد الناصر بيده، وذلك ما ألمع إليه الدكتور عكاشة في كتابه "مذكراتي في الثقافة والسياسة"*، وأتذكر أنه في حفل توقيع كتاب "المعارف" في حضوري وحضور الدكتور نوار قال الدكتور ثروت عكاشة ضمن كلمته: أشعر بالأبوة تجاه هيئة قصور الثقافة، وأردت دائما خلال فترة عملي كوزير للثقافة أن يشارك الشعب في تذوق جمال الثقافة وذلك بأن نننتقل أنشطتنا إلى إماكن وجود الفلاحين والعمال"
لم يستشر عبد الناصر عكاشة حين أسند إليه مسؤولية وزارة الثقافة والإرشاد القومي وأصدر قراره بذلك، وكان عكاشة حينها سفيرنا في روما وقد فوجئ بالأمر فعاد سريعا إلى مصر وطلب لقاء عبد الناصر ليناقشه في قراره المفاجئ، ويحكي عكاشة في مذكراته أنه صارح الزعيم حين التقاه باعتذاره عن عدم قبول المنصب ورجاه ملحا ان يقبل الاعتذار لانه يعرف أكثر من غيره عزوفه عن المناصب، ويعرف أيضا أن هذا العزوف لتحاشي حدوث صدام محتمل بينه وبين الشلل والتجمعات المتصارعة على السلطة إذا قبل المنصب، فالمناصب التي تشوبها صراعات على السلطة مضيعة للوقت والجهد ولكن الزعيم قال له: إنني لم أدعك إلى شغل وظيفة شرفية بل أعرف أنك ستحمل عبئا لا يجرؤ على التصدي لحمله إلا قلة من الذين حملوا في قلوبهم وهج الثورة حتى أشعلوها، وأنت تعرف أن مصر الآن كالحقل البكر وعلينا أن نعزق تربتها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقها في الحياة والحرية والمساواة وأعتقد أن هذه المهمة أصعب من مهمة بناء المصانع ... إن ما أريده هو أن تصبح الثقافة والفنون الراقية في متناول الجماهير العريضة وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتصل إلى القرى والكفور والنجوع.
"فهذا هو العناء وهذا هو العمل الجاد" على نحو ماذكر "فرجيل" في إنيادته*، وإنني اليوم أدعوك أن تقبل على هذا العناء وذاك العمل الجاد وأن تشمر عن ساعد الجد وتشاركني عزق الأرض القاحلة وإخصابها، إن مهمتك هي تمهيد المناخ اللازم لإعادة صياغة الوجدان المصري وأعترف أن هذه أشق المهام وأصعبها وأن "بناء آلاف المصانع أمر يهون إلى جانب الإسهام في بناء الإنسان".
وفي سياق محاولة تليين "دماغ عكاشة الناشفة" ذكره عبد الناصر بمناقشاتهم وحواراتهم قبل الثورة عن انحصار المتعة الثقافية وبخاصة الفنون الراقية في رقعة ضيقة لا تنفسح إلا للأغنياء وكيف ينبغي أن تصبح الثقافة في متناول الجماهير العريضة وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتبلغ القرى والنجوع فمن بين أبناء هذه القرى الغائرة في أعماق الريف بالدلتا والصعيد يمكن أن يبزغ عدد من الفنانين الذبن يعكسون في إبداعهم أصالتهم الحضارية.
ونجح عبد الناصر بعد أربع ساعات من النقاش في تليين "الدماغ الناشفة" وإقناع عكاشة بقبول المنصب، ويستطرد عكاشة فيروي ما حدث عقب ذلك فيقول إنه عندما دخل إلى مكتبه كوزير رفع سماعة التليفون ليبلغ عبد الناصر أنه يكلمه من مكتبه فرد عليه قائلا وفي صوته دفقة حماسة يطمئنه: تأكد أنني سأوليك كل الدعم والرعاية فإني واثق أنك سوف تستطيع أن تشكل رابطا وثيقا بين حركة المثقفين وحركة الثورة لتخلق منهما وحدة فعالة، فنحن في حاجة إلى تعاون المفكرين المستنيرين كافة في إحداث التنمية الاجتماعية المنشودة، وكل ما طلبه عكاشة من عبد الناصر هو أن يمهله مدة قد تطول لشهر أوشهرين يقوم خلالها بدراسة مبدئية لاوضاع الوزارة وتفرعاتها حتى يضع تصوره الخاص للانطلاق الثقافي ويحدد الخطة التي يمكن أن تحدد الهدف المنشود ليعرضها عليه بعد اكتمالها، وكان رد عبد الناصر الموافقة قائلا له: تلك هي البداية السليمة فخذ الوقت الكافي للدراسة والتأمل قبل ان تصبح تصوراتك قرارات توضع موضع التنفيذ.
ونحن إذا أنعمنا النظر في تضاعيف ما رواه الدكتور عكاشة من ذلك النقاش الطويل المضني الذي دار بينه وبين عبد الناصر ولخصناه في الأسطر السابقة* سنلاحظ عدة نقاط مهمة يمكننا التوقف عندها: من جهة عبد الناصر نجد: 1 - أن لديه حلما يشاركه فيه ثروت عكاشة بضرورة تحقيق العدالة الثقافية في إطار العدالة الاجتماعية أحد أهداف الثورة الرئيسية من التغيير،2- أن بناء المواطن الذي يتم عن طريق الثقافة أهم وأصعب من من بناء المصانع 3- أن ثمة إصرارا على الاستعانة بثروت عكاشة كوزير للثقافة في تلك المرحلة ، 4- أن ثقة عبد الناصر بكفاءة ثروت العالية عميقة وهي سر إصراره على الاستعانة به، فهو من وجهة نظره أنسب شخص لإحداث التغيير الثقافي المطلوب.
أما من جهة ثروت عكاشة فنجد: 1- أنه بطبيعة تكوينه العقلي والوجداني ليس من أولئك الرجال الذين تستهويهم المناصب فينظر إلى المنصب على أنه وجاهة ونفوذ كما كان ينظر إليه كثيرون حينها من الطامحين والمشتاقين بل ينظر إليه على أنه جهد وعناء (أي بعبارة موجزة تكليف لا تشريف)، 2- أن لدى عكاشة تخوفا شديدا وقلقا زائدا من القبول بالمنصب لئلا يزج ذلك به في معمعة صراعات الشلل على السلطة آنذاك فالأمر عندئذ سيكون بحسب تعبيره "مضيعة للوقت والجهد"، 3- أنه ليس رجل الارتجال والعشوائية بل رجل التأمل والتدبر في الأوضاع القائمة وتمحيصها قبل الشروع في تجاوزها، ثم التخطيط بعد التدبر والتأمل والتمحيص لكل خطوة يخطوها وكل مرحلة من مراحل تنفيذ الهدف.
والنقطة الأخيرة فيما يتعلق بثروت عكاشة هي الأهم لأنها من وجهة نظري هي السبب الرئيسي في نجاحه إبان وزارتيه الأولى (1958 - 1962) والثانية (1966 - 1970) ، فهذه الإنجازات الرائعة على مستوى الكم والكيف لم تكن لتتحقق إلا لأن عكاشة تدبر وتأمل وتفحص قبل أن يخطط، ولأن إنجازات عكاشة لم تكن محصورة في مجال ثقافي واحد بل في مجالات شتى والمقالة عن "عكاشة والثقافة الجماهيرية" فسنقصر حديثنا على هذا الموضوع ، ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أننا لا نعني بالثقافة الجماهيرية هنا الجهاز الذي أنشئ بهذا الاسم عام 1966 بل نعني به المضمون؛ نعني به تخلي الثقافة عن نخبويتها وتحولها على يدي الدكتور ثروت عكاشة إلى ثقافة جماهيرية مبنية على مبدأ تكافؤ الفرص من اجل تحقيق حلم العدالة الثقافية الذي حلم به عبد الناصر وعكاشة قبل الثورة وعبر عنه عبد الناصر في نقاشه مع عكاشة بهذه الجملة "أن تصبح الثقافة والفنون الراقية في متناول الجماهير العريضة وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتصل إلى القرى والنجوع"، ومما لا شك فيه أن عكاشة حين عدل عن موقفه الرافض أو المتردد إزاء قبول المنصب اعتبر مضمون الجملة بوصفه رجلا ذا خلفية عسكرية توجيها شخصيا له من القائد ينبغي عليه تنفيذه.
جاء الدكتور ثروت عكاشة ولا يعمل خارج القاهرة سوى مؤسستين فقط الأولى "مؤسسة الثقافة الشعبية" او "الجامعة الشعبية" كما يعرفها أغلب الناس والثانية "مصلحة الفنون" التي أنشئت - كما سبقت الإشارة - عام 1955، ولكن المؤسسة الأولى تتبع وزارة التربية والتعليم من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كانت تعاني من ضعف الإمكانيات والكوادر وتنحصر خدماتها في مجموعة من الشعب يغلب على نشاطها الطابع التعليمي كتعليم روادها الراغبين بعض مهارات الحرف اليدوية وتعليم الكتابة على الآلة الكاتبة ومحو الأمية، كما أنها محدودة الانتشار فهي في خمسة عشر محافظة فقط وإن كان ثمة من إنجاز بارز لمصلحة الفنون فهو ما قام به زكريا الحجاوي من جولات بأرياف الصعيد والدلتا من خلالها لجمع الكثير من السير وفنون الفرجة الشعبية وتجميع الفنانين الشعبيين الذين شاركوا بعد ذلك بقوة في أنشطة قصور الثقافة إبان الوزارة الأولى لثروت عكاشة وأنشطة الثقافة الجماهيرية في وزارته الثانية، لذلك فمن الإجحاف إنكار تجربة مصلحة الفنون في تمهيد الطريق بعض الشيء أمام قصور الثقافة والثقافة الجماهيرية بعد ذلك من أجل الوصول باشكال مختلفة من الخدمات الثقافية إلى اماكن ظلت محرومة منها لعقود طويلة من الزمن منذ نشاة الدولة الحديثة في مصر، ومصلحة الفنون برغم تعدد فروعها بالمحافظات خارج القاهرة وبرغم أنها حظيت بقيادة شخصية ثقافية ذات وزن ثقيل هو الأديب الكبير يحيى حقي لم تترك بصمة لها في وعي الناس لأنها كانت تعاني من مشكلة رئيسية تتلخص في أمرين: الأول عدم تبلور مفهوم واضح لدورها في الأقاليم، والثاني ازدواج كثير من أنشطتها وتداخلها مع أنشطة "الجامعة الشعبية" التي كان اسمها الرسمي "مؤسسة الثقافة الشعبية" كا سبق أن ذكرنا، لذلك تمثلت الخطوة الأولى في خطة ثروت عكاشة للملمة شعث الأوضاع القائمة في نقل تبعية "الجامعة الشعبية" من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي مع تغيير اسمها ليصير "جامعة الثقافة الحرة"، وتمثلت الخطوة الثانية في إلغاء مصلحة الفنون.
ولكن النقطة الأكثر فعالية تجلت في استطلاع آراء المثقفين بخصوص التعرف على مشكلات الأوضاع الثقافية القائمة وأولويات العمل الثقافي ووضع خطة العمل من خلال تصوراتهم لأن تنفيذ الخطة لن يضطلع به الموظفون بالوزارة وأجهزتها الثقافية بل إن المثقفين هم الذين سيضطلعون بالتنفيذ، قد لا يكون ذلك فيما يتعلق بالبنية التحتية لكنه يتعلق بما هو أهم من البنية التحتية ألا وهو إنتاج الثقافة نفسها، وكان من أهم أشكال الاستطلاع الندوات النقاشية والمؤتمرات وأهمها "مؤتمر الثقافة والفنون أو مؤتمر المثقفين والفنانين" الذي دعا إليه ثروت عكاشة وحضره ما يقارب الألف من المثقفين والأدباء والمسرحيين والسينمائيين والموسيقىين ونقاد الأدب والأكاديميين وذلك في مارس (وربما إبريل) عام 1959، وقد أسفر المؤتمر عن وضع تصور لـ"خارطة طريق" بتعبير عصري نحو "ثقافة جماهيرية" تكون قاطرة لنهضة وطنية شاملة وسمي ذلك التصور آنذاك بالسياسة الثقافية، وبدأ تنفيذ الخطة الخمسية للثقافة في ديسمبر 1960، وقبل البدء في تنفيذ الخطة مباشرة أي في خريف 1960 تم تنظيم دورتين تدريبيتين لمديري المواقع الثقافية والإخصائيين وشارك في التدريب لفيف من الوزراء ومديري المصالح وكبار المتخصصين في الفنون والشؤون الاجتماعية والاقتصادية والقومية.
وبتدبر وتأمل الأوضاع الثقافية القائمة وتمحيصها لا سيما في الأقاليم وجد الدكتور عكاشة ان البنية التحتية للثقافة خارج القاهرة لا يمكن ان تساعد الوزارة في إنجاز نصيبها من خطة الدولة في التنمية إلا إذا أعيد إنشاؤها من جديد على أسس سليمة من التخطيط والتنفيذ، وبدأ عكاشة في وضع خطة لتعميم نموذج معماري تحت اسم "قصر الثقافة" في عواصم المحافظات، وروعي في تكوين هذا النموذج العلاقة بين المبنى والمعنى أي بين العمارة وما ستؤديه من وظيفة، لذلك نجد ان قصرالثقافة يتكون من قاعة لمعارض الفنون التشكيلية تقع على يمين أويسار المبنى الرئيسي أو داخله بحسب ظروف الأرض التي أقيم عليها، ويتكون المبنى الرئيسي من ثلاث طوابق تبدأ بالسينما والمسرح (صالة وبلكون) وفي الدور الثاني قاعات وغرف للأنشطة كنادي العلوم والمرسم وقاعة الاستماع الموسيقي والندوات وفي الدور الثالث المكتبة ونادي المراة وغرفة تشغيل ماكينة السينما، وهذا النموذج انتشر في محافظات كثيرة كسوهاج وأسيوط وبني سويف والزقازيق وبورسعيد والسويس (بعضها مايزال قائما ويعمل حتى الآن) وفي محافظات أخرى مع اختلافات غير جوهرية كبنها ودمياط وأسوان والمنصورة، وجاءت تسمية تلك المواقع أو المباني الثقافية باسم القصور لأنها أولا فخمة في تكوينها وتجهيزاتها، ثانيا ليشعر المواطن العادي البسيط أن القصور التي كانت حكرا قبل ثورة يوليو على الأمراء والباشوات والأثرياء من كبار ملاك الاراضي والشركات أنها لم تعد كذلك؛ فهو يستطيع ارتيادها وممارسة هواياته الثقافية والفنية داخلها، وقيل إن فكرة قصور الثقافة مستعارة من تجربة تحويل قصور النبلاء وكبار رجال الإقطاع في روسيا بعد نجاح الثورة البلشفية 1917 إلى مراكز ثقافية ومتاحف للفنون، وكما سبق أن أشرنا استبدل باسم "مؤسسة الثقافة الشعبية" اسم "جامعة الثقافة الحرة" لتأكيد أن الحرية هي حجر الزاوية في الثقافة وأن حرية الفكر والثقافة هي الأهم فهي السبيل إلى تحقيق الحرية في مختلف المجالات الاخرى.
ولم يكن اهتمام ثروت عكاشة بإنشاء بنية أساسية للثقافة في الأقاليم أمرا مظهريا بل كان فعلا حقيقيا مهد الأرض أمام المثقفين للقيام بدورهم كرافعة لوعي ووجدان أهاليهم في الأقاليم، فالثقافة في الواقع إن هي إلا ناتج تفاعل المثقفين بمختلف فئاتهم مع واقعهم الاجتماعي بالمفهوم الواسع لهذا الواقع الذي يتضمن كل العناصر التي يتشكل منها قوام حياة الناس الراهنة من سياسة واقتصاد ودين وقيم وتاريخ وموروثات شعبية، وقد فسحت تجربة ثروت عكاشة الفرصة أمام الجماهير خارج القاهرة لا للتمتع بكثير من مباهج الثقافة والفنون في قصور الثقافة فقط بل للمشاركة في إنتاجها أيضا، وحرصت على دعم الحركة الثقافية التي نشطت في المحافظات من خلال عمل برامج لتجول الفرق الفنية المختلفة في المحافظات كفرق المسرح والموسيقى والرقص والفنون الشعبية وكذلك معارض الفن التشكيلي والعروض السينمائية وغيرها وأنشأت الوزارة عددا من القوافل الثقافية؛ كانت القافلة تتكون من 3 سيارات: سيارة للمثقفين والفنانين المشاركين في البرنامج والأخريان تضمان مسرحا متنقلا ومكتبة ومعرضا للفن التشكيلي وماكينة عرض سينمائي 16 ملم وشاشة وفانوسا سحريا وجهاز إذاعة ومولدا للكهرباء، وتم تدشين نشاط القوافل الثقافية لأول مرة أواخر عام 1961 في قرية مليج (شبين الكوم - المنوفية)، وقد حضر الدكتور ثروت عكاشة حفل التدشين.
واصل ثروت عكاشة إبان وزارته الثانية خطته التي صاغها ونفذ جوانب مهمة منها إبان وزارته الأولى بالتعاون مع كثير من المثقفين الوطنيين لتحويل حلمه وحلم عبد الناصر بثقافة جماهيرية حقيقية إلى واقع فعلي، واستكمالا لما أنجزه ووفقا لما تراكم من ظروف جديدة لم تعد معها "جامعة الثقافة الحرة" صالحة لمواكبتها بعد ان شاخت ودب الوهن في مفاصلها وكوادرها لأنها في الواقع لم تكن في جوهر عملها سوى "الجامعة الشعبية" ولكن باسم آخر رأى عكاشة أنه قد آن الأوان لتطوير المؤسسة والانتقال بها إلى مرحلة تصبح فيها الثقافة الجماهيرية بحق اسما على مسمى، وقد وقع اختيار الدكتور عكاشة في بداية وزارته الثانية على كادر ثقافي مشهود له بالكفاءة والوطنية ليس غريبا عليه فهو يعرفه معرفة شخصية، ولدى ذلك الكادر مشروع يتوافق في كثير من تفاصيله مع رؤيته في تطوير المؤسسة التي ماتزال وحدها هي التي تعمل خارج القاهرة في المحافظات, فأصدر قراره بإنشاء "جهاز الثقافة الجماهيرية" وأسند رئاسته إلى ذلك الكادر الثقافي الكفء الوطني المشار إليه وهو "سعد كامل".
كان سعد كامل أحد رموز اليسار المصري الحالمين بثقافة جماهيرية حقة وحقيقية ومثالا بارزا لما كان يسميه جرامتشي بـ"المثقف العضوي" المنتمي إلى جماعته والمرتبط بقضاياها، وكان بعد أن خرج من السجن عام 1959 أحد المشاركين في الحراك الثقافي آنذاك إبان وزارة ثروت عكاشة الأولى وإن كانت مشاركته عن بعد، ومن أفكار سعد الحالمة والمتجاوزة حد التصديق نتذكر مثلا فكرة إتاحة الفرصة للعمال ذوي الأيدي الخشنة والياقات الزرقاء أن يدخلوا إلى دار الاوبرا لمشاهدة عرض لفرقة البولشوي الروسية الشهيرة أو لحضور عرض موسيقي لأوركسترا القاهرة السيمفوني،كان سعد كامل صاحب الفكرة يؤمن بأن التذوق خبرة يمكن تنميتها بالتربية وصقلها بالتدريب ومن ثم فإن تذوق الفنون الراقية ليس حكرا على ذوي الأيدي الناعمة والياقات البيضاء فالفلاحين والعمال أيضا يستطيعون - إذا ما عوِدوا- تلقي تلك الفنون والتفاعل معها، وقد أذهل نجاح الفكرة كثيرين في مقدمتهم وزير الثقافة نفسه الدكتور ثروت عكاشة، وعن مثل تلك الأفكار التي غدت ملمحا من ملامح "ديمقراطية الثقافة" في عهد ثروت عكاشة "نشر الشاعر ورسام الكايكاتير صلاح جاهين ذات مرة رسما كاريكاتوريا آنذاك بجريدة الأهرام لثروت عكاشة وهو يجلس إلى مكتبه في الوزارة مبتسما وراضيا بينما يقف أمامه أحد كبارموظفيه وهو يقول له: أما عملنا عمايل ياسيادة الوزير في مولد السيدة زينب .. أوركسترا القاهرة السيمفوني راح هناك وعزف السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، ولا يسخر صلاح جاهين في هذا الكاريكاتير كما يتصور بعضهم من عزف سيمفونية بيتهوفن الشهيرة في مولد السيدة زينب أمام حشود البسطاء من جماهير الشعب الذين لم يتعودوا أن يتذوقوا سوى فنون الفرجة الشعبية ومواويل المطربين الشعبيين وإنما يشير الكاريكاتير إلى ملمح ديمقراطية الثقافة في عهد وزارة ثروت عكاشة الذي سبق أن ألمعنا إليه، وصلاح جاهين نفسه كان من كبار الحالمين بتحقق مثل هذه الأفكار، أليس هو الذي كتب في أغنية "المسؤولية" لعبد الحليم حافظ: "تماثيل رخام ع الترعة، وأوبرا في كل قرية عربية"؟
وقد كان أهم عامل أدى إلى نجاح تجربة "جهاز الثقافة الجماهيرية" العنصر البشري المتميز فقد وقع اختيار ثروت عكاشة وسعد كامل في بداية التجربة على مجموعة من الكوادر الثقافية الشابة من أدباء ومسرحيين وفنانين تشكيليين ليكونوا القادة والمديرين الجدد لقصور الثقافة في عواصم المحافظات: فذهب محمود دياب إلى قصر الحرية بالإسكندرية وفاروق حسني إلى قصر ثقافة الأنفوشي وهبة عنايت وزوجته تماضر توفيق إلى قصر ثقافة أسيوط ويعقوب الشاروني إلى قصر ثقافة بني سويف ورعاية النمر إلى قصر ثقافة الجيزة وعز الدين نجيب إلى قصر ثقافة كفر الشيخ وهاني جابر إلى قصر ثقافة السويس وعلي سالم إلى قصر ثقافة أسوان، وقد نجح أغلب أولئك الكوادر الثقافية الشابة بالرغم مما واجهه كثيرون منهم من عراقيل وعقبات شتى (سجل بعضهم مثل الفنان عز الدين نجيب تجاربه في ثقافة كفر الشيخ وفي ثقافة الدقهلية في كتاب*) في تحريك المياه الراكدة وعمل حراك ثقافي حقيقي كل في المحافظه التي كلف بالعمل فيها فاجتذبوا إلى قصور الثقافة هواة المسرح ليكونوا فرقا ويقدموا عروضا امام الجمهور على مسرح القصر أو خارجه واجتذبوا كذلك الفنانين التشكيليين المحليين لينشطوا المراسم وأقيمت قي القصور المعارض المحلية واستقبلت المعارض الزائرة وزاد تردد الأدباء وشداة الأدب على القصور لحضور المحاضرات والمشاركة في الندوات والمسابقات الأدبية، وامتدت أنشطة كثيرة إلى المراكز والقرى والكفور والنجوع في المحافظة، وتوالت أفكار الأنشطة الجماهيرية كفكرة "احتفالات رمضان الثقافية" التي ابتكرها زكريا الحجاوي فأقيم شادر الأنشطة المركزي في حي السيدة زينب وأصبح شادر السيدة زينب نموذجا تكرر في كثير من المحافظات وتدفق المواطنون من مختلف شرائح المجتمع لا سيما سكان الأحياء الشعبية والأرياف المحيطة للاستمتاع بمشاهدة عروض فرق المسرح وفرق الفنون الشعبية وفرق الابتهالات والإنشاد الديني ومشاهير المغنيين الشعبيين من أمثال محمد طه وابو دراع وخضرة محمد خضر وبدرية السيد وفاطمة سرحان وغيرهم.
وعادت الحماسة من جديد إلى أنشطة القوافل الثقافية ولم تعد قاصرة على العروض الفنية فقط فقد اقتنع نخبة من الأدباء والفنانين والنقاد وأساتذة الجامعة بضرورة المشاركة في فعاليات تلك النهضة الثقافية نذكر منهم على سبل التمثيل لا الحصر صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب وشريف حتاتة وحسن فؤاد ومحسنة توفيق وألفريد فرج ومحمد صدقي وحمدي غيث وحسين بيكار ومحمود حجازي وعلي الغندور و سليمان جميل وعلي فراج وغيرهم كثير.
لكن مع الأسف كانت تجربة سعد كامل في الثقافة الجماهيرية سيئة الحظ فقد كان عمرها قصيرا لم يتجاوز سنة ونصف السنة وربما أقل من ذلك، وقبل أن تكمل التجربة سنة من عمرها وقعت كارثة الهزيمة (في يونية 1967) فاستهلك العمل من أجل تخفيف هول الكارثة على المواطنين كثيرا من طاقتها وجهدها كمؤسسة وطاقة وجهد كوادرها أيضا وكل ذلك بالطبع على حساب مهمتها الأصلية، لقد انشغل الجهاز ككل مؤسسات الدولة في أعقاب الكارثة بمهمة "رفع آثار العدوان" التي كان لها الأولوية على كثير من المهام الأخرى، ورفع آثار العدوان النفسية في الواقع كان يمثل الجانب الأصعب في المهمة فقد كان على "الثقافة الجماهيرية" أن تساهم بقوة من خلال أنشطتها في امتصاص مشاعر اليأس والإحباط التي رانت على نفوس الناس وبث روح التحدي وتعزيز ثقتهم بقيادتهم وقواتهم المسلحة، فالحرب طويلة الأمد والمؤامرة لم تبدأ من الآن بل من سنوات طويلة وآثار الهزيمة بشعة لكن الحرب سجال وإرادتنا لم تنكسر، لذلك فالنصر قادم وغسل عار الهزيمة قريب بإذن الله.
ولأن بعض التجارب العظيمة تتجاوز حدود الأشخاص الذين قاموا بها ولا ترتبط في استمرارها باستمرار وجودهم فقد ظلت تجربة الثقافة الجماهيرية بعد خروج سعد كامل من الجهاز عام 1968 متوهجة وسبب ذلك أن الدكتور ثروت عكاشة مايسترو الثقافة كمضمون لا كأجهزة حرص على ألا يكون لخروج سعد كامل تأثير كبير على مسيرة التجربة فاختار لها من بعده كادرا ثقافيا لا يقل عنه في كفاءته وقدراته وإن كان أكثر واقعية منه، اختار سعد الدين وهبة الذي حافظ على عوامل نجاح التجربة وأضاف إليها عوامل نجاح جديدة، من أهمها زيادة الرقعة التي تحتلها المواقع الثقافية فأخذت تنتشر في عواصم المراكز بعد أن كانت لا توجد إلا في عواصم المحافظات، ومنها أيضا استحداثه مركزا للتدريب يتلقى من يلتحقون به من شباب العاملين بقصور الثقافة تدريبا علميا وعمليا على كيفية إدارة نشاط ثقافي متميز ينفع الناس ويمكث في الأرض، وقد حكى لي الأستاذان صلاح شريت ومحمود عوضين وهما من أعضاء دورة التدريب الأولى 1970 أن الدكتور ثروت عكاشة زار المركز والتقى بهم عدة مرات مما يدل على شدة اهتمامه بتدريب قيادات الثقافة الجماهيرية الشابة، ومن إضافات سعد الدين وهبة الرائعة حث رواد الأنشطة في قصور الثقافة على إنشاء جمعيات أهلية باسم "جمعيات رواد قصور الثقافة"* داخل المواقع تدير بعض الأنشطة الربحية التي تحقق عائدا ماليا (عائد عروض الأفلام السينمائية وعائد بيع منتجات بعض الحرف اليدوية كالسجاد والكليم والجوبلان والخزف والفخاروغيرها) واستخدام ذلك العائد في توفير ميزانيات لتمويل بعض الأنشطة المهمة كالمسرح والمسابقات الأدبية ومطبوعات الأدباء (الماستر أوفست) وتمويل شراء بعض الاحتياجات الصغيرة الملحة وتغطية تكلفة الضروري من الإصلاحات، أي بتعبير آخر توفير ميزانية موازية للميزانية الرسمية التي لم تكن تكفي للصرف على كل الأنشطة، ومن أهم ما كانت تغطيه تلك الميزانية الموازية تكاليف الإقامة والإعاشة لضيوف الأنشطة القادمين من خارج المحافظة بدلا من مد اليد إلى المحافظين لتسول الدعم منهم وهم ليسوا جميعا سواء فمنهم من كان يغل يده عن ذلك وهم الأكثرية ومنهم من كان يبسطها كل البسط وهم مع الأسف الأقلية وكل ذلك كان يسهم بلا شك في تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، وفي عهد سعد الدين وهبة أيضا تشكلت عشرات من فرق المسرح والموسيقى العربية والفنون الشعبية، وأنشئت عدة فرق فنية متميزة مركزية كفرقة السامر المسرحية وفرقة الغوري للفنون الشعبية واتسع نطاق أندية الطفل التي بدأ ظهورها في أوائل الستينيات وكانت أنشطتها تجمع بين هدفي الترفيه والتثقيف، وتبنت الثقافة الجماهيرية في مختلف مواقعها مهمة الحفاظ على حرفنا التراثية (بتدريب أجيال جديدة على طرائق إنتاجها) وتعريف الناس بقيمة ما تكتنزه في تفاصيلها من جمال وفن، كما تأسست أندية سينما بالقصور التي توجد بها سينمات، وكان هدف الأندية تقديم ثقافة سينمائية لأعضاء النادي من عشاق الفن السابع الذين يلتقون كل أسبوع في يوم معين ليشاهدوا الفيلم المرسل من إدارة النشاط بصحبة أحد نقاد السينما ويناقشوا بعد مشاهدته مع الناقد مضمون الفيلم وأسلوب إخراجه وتصويره وجمالياته كعمل فني، وفي عهد سعد الدين وهبة أيضا تم تزويد العديد من قصورالثقافة بسيارات مجهزة كقوافل ثقافية من أجل توصيل خدمة الثقافة إلى أهالينا في الأرياف، وفي عهده أيضا نبتت فكرة إصدار مجلة باسم "الثقافة الجديدة"*، وبرغم انتهاء وزارة ثروت عكاشة الثانية والأخيرة فقد استمرت تجربة الثقافة الجماهيرية في توهجها حتى بعد نصر أكتوبر 1973 وكأن "قانون القصور الذاتي"* لا يتعلق بحركة الأشياء المادية وسكونها فقط بل وغير المادية أيضا، ولم يبدأ التوهج في الخفوت إلا عندما تغيرت بوصلة السلطة في توجهاتها السياسة وانحيازاتها الاقتصادية بعيداعن الجماهير كما كانت في الخمسينيات والستينيات.
وختاما فإننا إذا شئنا الإنصاف قد لا يكون سعد الدين وهبة صاحب الفضل الأول في صنع قيمة ومكانة الثقافة الجماهيرية ولكنه بلاشك صاحب الفضل الأكبر في صنع عصرها الذهبي ومجدها بين الناس، وإذا شئنا أن نكون أكثر إنصافا فكل ما أنجزه السعدان من خلال الثقافة الجماهيرية كحراك ثقافي واسع المدى وغير مسبوق لم يكن ليكون لولا الدكتور ثروت عكاشة رحمة الله عليه الفارس الفعلي للثقافة الجماهيرية.
----------------- هوامش وتعليفات:
- الجامعة الشعبية: لم تكن "الجامعة الشعبية" أول تجربة مصرية تسعى إلى تثقيف الشعب فقد سبقتها تجربة "مدارس الشعب" التي أنشاها "الحزب الوطني" القديم بزعامة محمد فريد عام 1909، وفي الفصول الليلية لمدارس الشعب تعلم الدكتور طه حسين اللغة الفرنسية قبل سفره إلى باريس.
- مدرسة أسيوط الثانوية الأميرية: افتتحها الملك فؤاد في أكتوبر 1918 وكان بها قسم داخلي للطلاب المغتربين من خارج محافظة أسيوط.
- قائمقام: رتبة عسكرية تغير اسمها بعد ثورة يولية ليصير "عقيد".
- الفنان الدكتور أحمد نوار: تولى رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة خلال الفترة من 2005 إلى 2008.
- منقباد: قرية شمال مدينة أسيوط بحوالي 10 كم، كانت توجد بها منطقة عسكرية منذ عهد السلطان حسين كامل (1914 - 1917) ولذلك سميت حينها باسمه، هي الآن تعرف باسم "المنطقة الجنوبية العسكرية".
- الدكتور صابر عرب: تولى رئاسة دار الوثائق القومية (1999 - 2004) ثم حين ضمت الدار إلى دار الكتب في هيئة واحدة عام 2005 تقريبا تولى رئاستها حتى خرج إلى المعاش في اواخر عام 2011.
- مذكراتي في الثقافة والسياسة: الكتاب يتكون من جزئين والطبعة التي نقلت عنها خلاصة المناقشة بينه وبين عبد الناصر قبل قبوله بتولي مسؤولية الوزارة طبعة مكتبة مدبولي 1988.
- الإنيادة: ملحمة شعرية للشاعر الروماني فرجيل (70 - 19 ق.م) تحكي قصة هروب أينياس حفيد الملك بريام - وفقا لما جاء في الميثولوجيا الإغريقية - من طروادة فبل سقوطها إلى إيطاليا حيث أسس احفاده مدينة "روما".
- لخصناه في الأسطر السابقة: انظر التفاصيل في الصفحات من 390: 395 تحت عنوان "مفاجأة مؤرقة" بالجزء الثاني من "مذكراتي في الثقافة والسياسة".
- مصلحة الفنون: مؤسسة ثقافية أنشئت في نوفمبر 1955 لرعاية شؤون المسرح والسينما والفن التشكيلي في القاهرة والأقاليم وكان لها عدة فروع بالمحافظات، تولى رئاستها الاديب الكبير يحيى حقي (1905 - 1992)، وقد صدر قرار بإلغائها عام 1958 بعد نشاة وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
- القوافل الثقافية: تضمنت الخطة الخمسية الأولى تجهيز عدد 15 قافلة ثقافية (انظر مقالة بعنوان "قصور الثقافة وقوافلها" للسيد فرج في "المجلة" عدد فبراير 1961؛وكذلك كتاب "الثقافة الجماهيرية .. المسيرة والواقع وآفاق المستقبل" لمحمود سعيد ط 1985).
- القافلة الثقافية الأولى: انظر مقالة بنفس العنوان للسيد فرج في "المجلة" عدد يناير 1962.
- قصور الثقافة: تضمنت الخطة الخمسية إنشاء 15 قصرا وبدأت بوضع الدكتور ثروت عكاشة حجر أساس قصر ثقافة المنصورة في ديسمبر 1960( انظر كتاب "الثقافة الجماهيرية" لمحمود سعيد؛ مرجع سابق، وانظر مقالة " قصور الثقافة وقوافلها" للسيد فرج؛ مرجع سابق ).
- كتاب الفنان عز الدين نجيب: عنوانه "الصامتون .. تجارب في الثقافة المصرية والديمقراطية بالريف المصري"، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1985، وأصدرت هيئة قصور الثقافة طبعة مزيدة منه عام 2012.
- جمعيات رواد قصور الثقافة بدأ تكوينها عام 1970ومن بواكيرها الجمعية المركزية ومقرها قصر السينما بجاردن سيتي وجمعية رواد قصر ثقافة أسيوط.
- عندما بدأت تصدر "الثقافة الجديدة" في أوائل الثمانينيات كانت بتمويل من جمعية رواد قصور الثقافة المركزية واستمرت كذلك للعديد من السنوات.
- قانون القصور الذاتي: قانون فيزيائي يقضي بأن "الأشياء تبقى على حالتها من السكون أو الحركة مالم تؤثر عليها قوة خارجية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى