رسائل الأدباء 14 رسالة بين محمود شقير وحزامة حبايب

العزيز محمود
تحياتي
سعدت برسالتك، وبصراحة لا أتخيّلك "كبير العائلة" (طبعاً من منظور قبلي)، فهو دور لا يليق بك بالتأكيد.. لكن هذه هي "الأعراض الجانبية" للحياة!
والآن.. لنعد إلى موضوعنا.
في الحقيقة كنت قد قرأت مقالة "أمستردام.. " في صحيفة "الحياة"، في حينه، ومقالة أخرى لك عن رحلتك الأندلسية.. أمس أعدت قراءة رحلة أمستردام بالإضافة إلى "قطعة من القمر في هيوستن" (التي شدّني عنوانها). وللحقيقة أعجبت بمقالة "هيوستن" جداً (دون أن يلغي هذا إعجابي بالأخريات) والسبب هو المدخل؛ فهو شخصي وحميم و"قصصي" وهذا هو أنت. كنت قد قلت لك إنني أميل إلى كتابة الرحلات، التي تظهر "تورط" الكاتب الاستثنائي في المكان. أميل إلى أن أشتق مصطلحاً هنا (ولا أعرف ما إذا كنت أستطيع أن أنسبه لنفسي) وهو: "شخصنة الجغرافيا" أو "شخصنة الأمكنة"، بحيث تكون الجغرافيا التي زارها محمود شقير مثلاً هي "جغرافياه" (لا جغرافيته) الخاصة، فتترك فيها شيئاً يخصك وحدك، وهي أي الجغرافيا/ الأماكن تنطبع، بصورة ما، بوجودك.
أعجبتني رحلة أمستردام وإن كنت لاحظت أن العنوان لا يعكسها كثيراً؛ أقصد فيما يتعلق بالإشارة إلى السفن والجسور والدراجات الهوائية.. ألا تتفق معي؟
هل أستطيع أن أقترح شيئاً؟
ماذا لو كان ثمة مدخل حميم "شقيري" جداً في مستهل كل رحلة؟ يعكس ظرف الرحلة، أو توقيتها، أو حالتك النفسية أو العاطفية وقتها؟
وإذا كانت الرحلات سوف تجمع في كتاب واحد، يمكنك، مجرد اقتراح إذا كان لي أن أقترح، أن تربط فيما بينها بخيط ما كأن تنطلق في كل مدينة من شارع أو مقهى ترك فيك شيئاً ما..
وبالطبع ومن دون مجاملة، أعجبتني المقالات في شكلها الراهن.. توقفت عند قدرتك على التقاط تفاصيل الناس في كل مدينة. وأتطلع بحق إلى قراءتها وقراءة رحلات أخرى في كتاب.
بالمناسبة.. أين سيصدر الكتاب؟ هل فكرت في مشروع "ارتياد الآفاق" (أدب الرحلات) الذي يديره المجمع الثقافي في أبوظبي والمسؤول عنه مدير المجمع محمد السويدي؟ من بين مشاريع المجمع الكثيرة مذكرات جيفارا التي دونها عن رحلته الشهيرة على متن دراجته النارية، وكتاب خليل النعيمي حول رحلته إلى الهند. وهم للشهادة يطبعون الكتب بصورة لائقة، بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويحرصون على توزيعها. إذا أردت أستطيع أن أخاطبهم، فأنا ألتقي نوري الجراح، مدير المشروع، من حين لآخر. وكان، ولا يزال، يلح على أن أكتب مقالات أخرى عن رحلتي إلى الهند، إلى جانب رحلة تاج محل وأنشرها في كتاب عندهم.
لقد أطلت عليك.. لكن لا بأس.. هذا هو حال النسوان.. الثرثرة، فما بالك إذا كانت "حكاءة" مثلي؟
الموضوع الأهم هو أن لي صديقة (لعلك سمعت عنها) اسمها أمنية أمين، وهي أستاذة جامعية عملت رئيسة قسم الأدب الإنجليزي في جامعة فيلادلفيا، عمّان، ثلاث سنوات، كما أشرفت، ولا تزال، على الملحق الأدبي لصحيفة الجوردان تايمز. وعمدت أمنية إلى ترجمة نماذج من أعمال الكتاب الأردنيين (وما أكثرهم!) ونشرها في الملحق. لقد ترجمت لي دون أن تعرفني، والتقيتها مؤخراً في معرض الكتاب في ابوظبي، حيث سرعان ما توطدت صداقة بيننا، وهي تعمل حاليا في جامعة زايد في دبي، مواصلة في الوقت نفسه إشرافها على صفحة الجورادن التايمز الأدبية.
تعتزم أمنية، وهي قاصّة بدورها، البدء بترجمة أعمال أدبية لكتاب فلسطينيين، خاصة في القصة، وقد أعطيتها الكتاب الذي قدّمتَه لكتّاب القصة الفلسطينيين. حدّثتها عنك طويلاً، وقلت لها رأيي صراحة إنك من أجمل أصوات القصة ليس فلسطينيًّا فحسب وإنما عربياً، وهي مهتمة بالإطلاع على أعمالك، تحديداً مجموعاتك القصصية، ووعدتها أن أؤمنها لها، فأرجو أن توفرها لي هذا الصيف، بحيث توقّعها بإهداء لها، إن أمكن.
شاكرة لك اهتمامك وإلى تواصل مستمر.
حزامة حبايب
أبوظبي _ السبت 14 مايو 2005


***



العزيزة حزامة
تحية وبعد
سررت لرسالتك، ولكلّ ما ورد فيها من قضايا. بخصوص كبير العائلة، فهذا داء ابتليتُ به مُكرهاً، وأنا أسعى جاهداً للتخلّص منه. أعيش في ظل تشكيلة عشائرية محافظة.
أمّا بخصوص الملاحظات حول نصوص الرحلات، فأنا موافق عليها، وخلال هذا اليوم اشتغلت على المخطوطة من وحي ملاحظاتك القيّمة. وأمّا العناوين التي ظهرت في الحياة فسوف أقوم بتغييرها إلى ما هو أفضل. عدد صفحات الكتاب 200 ص تقريباً، وعنوانه: "مدن فاتنة وهواء طائش". ما رأيك في هذا العنوان؟ وإذا لم يعجبك فأرجو أن تقترحي عليّ عنواناً، لأنني لست بارعاً في العناوين. دار النشر هي المؤسسة العربية بالتعاون مع دار النشر في أبو ظبي.
بعد أسبوعين على الأكثر ستكون المخطوطة لدى المؤسسة العربية. وسوف أرسل لك ولأمنية أمين آخر كتبي. ويمكن إرسال بعض قصصي إليها على الإيميل مترجمة إلى اللغة الانجليزية.
وحينما تكتبين قصة أو نصًّا وتريدين مشورة، فأنا جاهز لذلك. الكاتب أو الكاتبة، لا تستطيع أن تحكم على نصّها وهي قريبة منه. لذلك هو أو هي بحاجة إلى من يقرأ هذا النصّ لإبداء الرأي فيه. سأكون محرّرك الأدبي، وسأفرح إذا وافقت أن تكوني محرّرتي الأدبيّة. أنا أعتزّ بك وبما لديك من موهبة وثقافة.
مع تقديري واحترامي
محمود شقير
16 / أيار / 2005


****


العزيز محمود
ألف تحية وتحية..
أعتزّ جداً بثقتك بي وبرأيي. وأن تأخذ بوجهة نظري لهو مدعاة لاعتزازي البالغ. وبالطبع يسعدني جداً أن نتبادل المشورة والاقتراحات، فنحن لا نرتقي ولا نتطور ولا نكتسب الإضاءة الحقة إلا من خلال الاستنارة بتجربة الآخر، التي نحبها ونثق فيها.
أعجبني جداً عنوان الكتاب: "مدن فاتنة وهواء طائش"، خاصّة الشقّ الثاني منه، فهو حميم وقريب إلى القلب ويوحي بتجربة شخصية لا تخلو من "طيش" لذيذ. أقترح أن تتمسك به. وفي الحقيقة أوحى لي العنوان بأشياء كثيرة، فإلى جانب الشوارع والمقاهي في المدن التي تستطيع أن تنطلق منها، كمدخل تتبدّى فيه شخصيتك وشعورك في المكان في لحظة التفاعل معه، هناك "المرأة"، كثيمة في رحلاتك، يمكن أن تتكرر. فبعض المدن يا صديقي تتلوّن صورها في الذكرى من خلال رجل أو امرأة بعينه/بعينها.. أليس كذلك؟ فتكون نقطة الانطلاق في وصف مدينة ما امرأة اكتشفتها فيها أو عدت إليها مشتاقاً.. من باب الهواء الطائش! أو طيش الهوى! ما رأيك (ولا تخف.. في سنّك التي أنت عليها فإن أحداً لن يحاسبك!)
فيما يتعلق بموضوع أمنية أمين، أفضل أن أعطيها قصصك باللغة العربية، حيث ستقوم هي بترجمة بعضها إلى اللغة الإنجليزية. وبالمناسبة لديها شبكة علاقات مع العديد من دور النشر، ولقد ترجمت مؤخراً ديوان "لا تعتذر عما فعلت" لمحمود درويش حيث سيصدر عن دار نشر أجنبية.
فيما يتعلق بمشاريعي، أحب جداً أن يظل "نَفَسك" معي. وبالطبع يسعدني جداً أن أستعين برأيك، خاصّة بشأن الكتاب حول رحلتي إلى الهند الذي اقترح نوري الجراح عليّ أن أضعه. سوف ألتقي الجراح قريباً وسأتفق معه على الخطوط العريضة، وبالطبع سوف تكون مقالة "تاج محل" فيه، كأحد فصوله. لذا أفضل أن تلقي نظرة متمعّنة عليها إن أمكن.
حالياً، كما قلت لك، أنا مشغولة بنص أدبي جديد. منذ سنوات وأنا "أحتضن" فكرته ووضعت له أكثر من مخطّط، حيث بدأت العمل عليه قبل شهرين. يخيفني جداً ويرعبني، لكنه يمتعني في الوقت نفسه.
أرجو أن نظل على تواصل.
حزامة حبايب
أبوظبي ـ الثلاثاء 16 مايو 2005


***


العزيزة حزامة
تحية وبعد
سررت لرسالتك وأفرحني إعجابك بعنوان الكتاب المنتظر. وأشكرك على ما تقترحينه عليّ من اقتراحات صائبة. بخصوص ثيمة المرأة، أظنّ أنها متحقّقة إلى حدّ ما. مع ذلك، سأضيف بعض اللمسات. أنا متفق معك حول عدم إرسال القصص مترجمة إلى أمنية أمين.
عدت إلى قراءة ما كتبتِ عن تاج محل، وما زلت عند رأيي، حيث أنه نصٌ جميل وفيه سرد جذّاب ولغة جميلة ووصف حيّ للمكان وللناس. وما دمت تنوين تحويله إلى نص طويل ليصدر في كتاب، فأظنّ أن ثمّة ضرورة لأن تستخدمي الفلاش باك، لعرض مقاطع من حياتك بتفصيل أكبر. في النص إشارات سريعة إلى هذه الحياة. الآن عليك أن تتوقّفي ملياً عندها، وأن تخلطي شعبان في رمضان، وتهوّمي في كل مكان، وتستعرضي زيارات سابقة لمدن وأمكنة. الأهمّ في الأمر: الكشف عن السبب المباشر الذي دفعك إلى الذهاب إلى تاج محل.
أنا واثق من أنك بما تتحلّين به من جرأة في الكتابة، ستكونين قادرة على إنجاز كتاب ممتع جداً. ربّما تطلّب الأمر زيارة أخرى للهند، للاستغراق على نحو كامل في الحديث عن هذه البلاد العظيمة وأهلها. أنا كنت في تاج محل قبل سبع عشرة سنة. ما كتبته أنت عن تاج محل أمتعني فعلاً.
متمنيًا لك الصحة ودوام الإبداع.
مع التقدير
محمود شقير
20/ أيار / 2005


****




صباح الخير يا صديقي.
لا تتخيّل كم أفرحتني ملاحظاتك حول إمكانية الانطلاق من "تاج محل" إلى فضاء نفسي ومكاني أرحب. لقد أضاءت اقتراحاتك في ذهني أفكاراً جمّة، وبالتأكيد أنوي العمل عليها وتطويرها.
حالياً أنا مشغولة بنص أدبي أخاله سيكون "مجنونًا". اعترفت لك من قبل بأنه يرعبني، لكن الرعب يظل مفيداً أكثر من الاطمئنان. لا يعني هذا أنني مترددة أو غير واثقة لكن أعتقد أن ثمة خوفاً مشوباً بلذة خفيّة. ما زلت في المراحل الأولى منه، علماً بأن فكرته كانت تراودني منذ سنوات، حيث احتضنتها طويلاً وكتبت العديد من الخواطر، قبل أن أضع المخطط النهائي، الذي أتحرك حالياً بموجبه، بالطبع مع هامش حرية و"سرحان" يمكنني من ارتياد المتخيل والجميل.
يا صديقي.. كنت، وما زلت أبحث عن جدوى الكتابة، أهي متنفّس للقلق أم النزق أم الحب أم الكراهية أم.. أم..!! عنّي، أريد للكتابة، رغم كل ما فيها من مشقة وإرهاق واستنزاف جسدي ونفسي أن تحقق لي، في المحصلة النهائية، المتعة. وأن أسعى لأن تحقق لك المتعة. لا يعنيني أن تحدث تغييراً، بالمفهوم الإصلاحي المقيت، أريدها أن تصنع اختلافاً بالمفهوم الإنساني، للفرد الواحد فقط، حتى وإن كان هذا الفرد أنا، وربما أنت وبضع عشرات آخرين. وهذا ما حفزني على الشروع في كتابي الحالي.
كنت رغبت في توجيه دعوة لي لزيارتكم في فلسطين، أجل فلسطين، التي اختصرناها في رام الله. لا أتخيل أنني قد لا أراها. لكن الوضع الراهن على ما يبدو "مغلق" من كل النواحي. أتمنى بحق أن ألتقيكم هناك، من خلال نشاط أدبي ما. "فلسطينيتي" ضاغطة عليّ! ليس تعصباً ولكن حباً.
أتطلع بشوق إلى قراءة كتابك عن المدن الفاتنة، وألمس كيف عبث بك هواؤها الطائش.. فإلى أين وصل المشروع؟
وما هي مشاريعك الأدبية الأخرى؟
بالمناسبة.. عبد الحليم أو "حليمو"، كما أسمّيه، يبلّغك تحياته. حالياً يعمل في محطة الـ CNN التلفزيونية، من خلال بثها على الإنترنت في مكتبهم الإقليمي في مدينة الإعلام في دبي. أما أنا فأعمل صحافية في مؤسسة الإمارات للإعلام.. طبعاً لا علاقة لعملي بما أكتب. لدينا طفلان فقط: ابنتي سارة التي تبنّاها حليمو؛ وهو أكثر من أب لها (ويبدو يا عزيزي أن من يحبك يحب في النهاية كل ما له علاقة بك) وهناك ابننا أمجد (10 سنوات). سارة صبية الآن في الخامسة عشرة من العمر، ذكية ولمّاحة، ولسانها طويل (زي أمها)، أما أمجد فهو في العاشرة وأكبر "كاره" للمدرسة في تاريخ البشرية.
أجمل ما في حياتي الأسرية أنني لا أشعر بها، بمعنى أنه لا يوجد أي عبء عليّ كزوجة وأم. والأجمل أن الجميع يتفهم مزاجيّتي ككاتبة لي عالمي، وهناك مساحة خاصة، كبيرة جداً، لي لا يحاول أحد اختراقها. وهامش الحرية في التفكير الذي أتمتّع به قلّما يملكه رجل (فما بالك بامرأة). حليمو يعد لي القهوة حين أكتب، وسارة وأمجد يعرفان أنني أكون مفصولة عنهما تماماً في هذا الوقت، وبالتالي لا يفرضان وجودهما عليّ. وقد يتصل أحدهم فيردّ أمجد ليقول مثلاً: "آسف. ماما تكتب ولا أستطيع أن أناديها!" وهو أمر، بيني وبينك، يفرحنى.
أطلت عليك كالعادة.. أرجو يا صديقي أن نظل على تواصل.
إلى اللقاء
حزامة حبايب
أبوظبي _ الخميس 26 مايو 2005


***


العزيزة حزامة
تحياتي
تلقّيت رسالتك بسرور. قبل أيام أرسلت مخطوطة الكتاب إلى المؤسسة العربية. أخشى أن يكون عنوان كتابي أكبر من الكتاب. هذا أمر يزعجني بالفعل. ليس ثمة طيش بمعنى الكلمة في الكتاب. ومع ذلك، فلم أعد قادراً على إضافة أيّ شيء جديد.
قرأت النصّ الذي كتبتِه عن بفاروتي. إنه نصّ ممتع مكتوب بلغة ساخرة. تعجبني هذه السخرية من الذات. أظنّ أن هذا النصّ وكلّ نصٍّ آخر على شاكلته يمكن أن يدخل في كتاب الرحلات الذي تنوين كتابته، على شكل محطّات استراحة. ثم إن أية رحلة إلى مكان قريب أو إلى شخص أو إلى مسرح أو إلى مدينة مجاورة يمكن أن تُضاف إلى الكتاب.
لن أتمكن من القدوم إلى عمّان بسبب انشغالات عديدة. لدينا هنا مناسبات اجتماعية لا تنتهي، ولربّما كان في هذه المناسبات نوع من التنفيس عن حالة النزق من الحصار المفروض علينا من سلطات الاحتلال، ولذلك "يفشّ" الناس غلّهم في مناسبات الأعراس التي تتكاثر في الصيف، وفي بيوت العزاء؛ وفي بعض الأحيان في المشاجرات المؤسفة لأتفه الأسباب.
هذه الأيّام ذهني مشتّت لا أقرأ إلا بصعوبة، وأشعر بأنني لم أعد قادراً على الكتابة، كما لو أنني لم أكتب شيئاً من قبل!
أرجو لك ولعبد الحليم وللطفلين مزيداً من الهدوء وراحة البال.
مع التقدير
محمود شقير
01/ حزيران / 2005



****




الصديق العزيز دائماً محمود
ألف تحية،
هذا هو اليوم الأوّل لي في المجلة بعد الإجازة. كنت قد عدت من عمّان في السابع عشر من أغسطس في إجازة مدتها ثلاثة أسابيع، أمضيت خلالها يومين في بيروت (لبنان) ويوماً في دمشق (سوريا) برفقة صديقة جميلة تدعى عبير، صحافية في جريدة الغد. ولقد رافقتني عبير إلى لبنان بعدما عرفت أنني أحتاج أن أذهب إلى مكان بعينه لمسألة لها علاقة بالكتاب الذي أعكف على تنفيذه حالياً. لم تطرح أية أسئلة، واكتفت بأن تكون "دليلاً" مخلصاً لي بكل المقاييس.
كانت تلك المرة الأولى التي أزور فيها بيروت، ولقد شعرت بألفة مع المدينة. ومنذ الساعة الأولى، تمكنت من الإلمام بنظام المواصلات هناك (السيرفيس والبوسطة) التي توفر عليك المال والجهد، ولا بأس من قليل من البهدلة! ولكن البهدلة هنا جزء من متعة السفر وتجربته. على الرغم من أن "الرحلة" كانت متعبة خاصة على الحدود السورية اللبنانية، إلا أنها كانت غنية بالمواقف الطريفة التي لا تخطر لك على بال.. (يكفي أن أقول لك على سبيل المثال أننا، عبير وأنا، رقصنا الدبكة على الحدود السورية الأردنية لإضاعة الوقت بعدما احتجزت جوازات المسافرين (فقد خلالها جوازي وعثرنا عليه كالحلم، ولك أن تتخيل ماذا كان ليحصل لو ضاع جواز سفري عند "السوريين"، على رأي عبير ربنا ما طلعه!) وضربنا كونترول الباص المشرف على الرحلة لأنه كان أقرب إلى "لقيف" بطيخ في عريشة بطيخ منه إلى مشرف على الرحلة ، وقطعنا شوارع بيروت مشياً وركضاً كمجنونتين، دون أن نأبه لنظرات البشر المستهجنة ولم نعدم أن نعلق على هذا وذاك ساخرتين طوال الوقت، لكن في النهاية كان هذا جزءاً من متعة السفر، حتى وإن كان مرهقاً).
أود أن أشكرك على الكتب. سوف ألتقي الصديقة أمنية هذا الأسبوع، لأعطيها كتبك، حيث اتصلت بها قبل قليل وأبدت حماسة كبيرة للإطلاع على تجربتك.. (وللمناسبة سوف تُنشر لي قصة مترجمة إلى جانب شهادة لي في ملحق الجوردان التايمز القادم، حيث قامت أمنية بالترجمة.)
أتمنى أن يعجبك خياري الموسيقي. أرسلت لك اسطوانة للمغنية الأرجنتينية الأسطورة مرسيدس سوزا، وأسطوانة للموسيقي ومؤلف الأغاني الكوبي كومباي سيغوندو (الذي توفي في العام 2003 عن عمر 96 عاماً). ويعد سيغوندو من أبرز الموسيقيين في كوبا وأميركا اللاتينية وأعظم من أثرى الغناء اللاتيني، وينسب له اختراع ما يعرف بـ"الأرمونيكو"، وهي أداة موسيقية شبيهة بالغيتار ذات سبعة أوتار.
أتمنى أن تكون أوضاعكم في الوطن وفي الحي الذي تعيش فيه أفضل. عنّي؛ هربت أثناء وجودي في الأردن من كل الالتزامات العائلية، وعلى الرغم من المنغصات الكثيرة التي سببتها لي بعض المشاكل العائلية إلا أنني حرصت على ألا أنغمس بها أكثر من اللازم.
سوف أبدأ بقراءة أعمالك خلال اليومين القادمين، وسوف أبدأ بكتاب الرحلات، وبالطبع لن أبخل عليك أبداً برأي أو مشورة. ولك كل التوفيق في رحلة براغ، حيث أتمنى أن نظل على تواصل.
أنا سعيدة جداً بعودتي إلى كتابي بعد انقطاع دام أربعة أسابيع. وأنا سعيدة أكثر لأنني عدت إليه أكثر حماسة من ذي قبل. وبالتأكيد أنا سعيدة لتواصلنا عبر الرسائل ثانية.. ألا تتفق معي أن هذه الرسائل قد تكون منفذاً لي ولك لأفكار وصور وخواطر كثيرة.. وأحياناً ولو للترفيه فقط؟
وإلى رسالة أخرى. إلى اللقاء
حزامة حبايب
أبو ظبي – السبت 28 أغسطس 2005


***

العزيزة حزامة
تحية طيبة
كنت أنتظر رسالتك باهتمام. أصبحت هذه الرسائل زاداً لا غنى عنه، وأنا مسرور لهذا التواصل الذي شقّ طريقه بيننا ولن ينقطع. رسالتك الأخيرة ظريفة وفيها سرد ممتع لوقائع ممتعة وشيطنات أغبطك عليها، وهنيئاً لك هذه الصديقة الوفية "عبير" التي تتشيطن هي الأخرى وترقص على الحدود، وتقطع معك شوارع بيروت بمراهقة رشيقة. تلك اللحظات هي التي تعطي الحياة رونقاً، وتستحيل مع الزمن إلى ذكرى عذبة. أشكرك على الهدية الرائعة. الآن أنا أكتب لك وأستمع إلى مارسيدس سوزا. إنها مدهشة. والآخر كومباي سيغوندو، إنه مدهش أيضاً.كل يوم أستمع إليهما وأنا أشتغل على الكمبيوتر. كل الشكر لك يا حزامة.
حتى هذه اللحظة لا أعرف شيئاً عن أمنية أمين، وهذا تقصير مني ألومني عليه، وليتني أقرأ لها شيئاً. (بعد انتهائي من هذه الرسالة، سأبحث عن كتابات لها على الانترنت).
ابتداء من أوّل هذا الشهر بدأت الكتابة في "الرأي"، سأكتب مقالة أسبوعية. هاتفتني الكاتبة سميحة خريس واقترحت عليّ الكتابة، ووافقت، مع أنني لا أحب الكتابة المنتظمة المقيدة بمواعيد لا يمكن إغفالها. نشرت المقالة الأولى في الصفحات الثقافية ليوم أمس الخميس، وهي بمثابة فتوح كلام مع القراء.
أوضاعنا العامة ما زالت على حالها، وهي غير مرضية بأي حال، ولم أنس فكرة مغادرة الحي بعض الوقت كلّ سنة، وخصوصاً في أشهر الصيف التي تكثر فيها الأعراس والوفيات والمشاجرات وغير ذلك. سأخطط لذلك خلال هذا العام بهدوء وتمعّن.
سأمكث في براغ عشرة أيام، وأنا متحمّس للرحلة لأنها ستأخذني إلى مدينة أحببتها كثيراً، وأظنّ أنني سأتمكن من كتابة أشياء جديدة أثناء الرحلة وبعدها. ظهرت لي هناك ثلاث قصص مترجمة إلى التشيكية، نشرتها مجلة أسبوعية تصدر في براغ. سألتقي بعض الأصدقاء الفلسطينيين والعرب المقيمين في براغ، وسأقيم في فندق في مركز المدينة، وقد حجز الأصدقاء غرفة لي منذ أسابيع في هذا الفندق.
أبارك لك العودة بهمة ونشاط إلى كتابك الذي ما زال أمره سراً. والأفضل أن يظل سراً حتى لا تتبدد حماستك لمواصلة الكتابة، وإلى أن تنجزي آخر جملة فيه. وأنا أغبطك على جرأتك في الكتابة، فما زلت أتذكر بعض مشاهد جريئة مؤثرة في قصصك القصيرة، لا يمكن أن أنساها، بسبب من دقّتك في رصدها وتصويرها، وبسبب من جرأتك في كتابتها. وأنا أنتظر رأيك في كتبي التي بين يديك، لكي يكون هذا الرأي مساعداً لي على ما سوف أكتبه لاحقاً، وأرجوك رجاء حاراً: لا تجامليني، فأنا قادر على احتمال النقد مهما كان قاسياً.
مع تمنياتي لك بالصحة وبأجمل كتابة، وإلى اللقاء في رسالة قادمة.
الساعة الواحدة من صباح الجمعة.
02 / أيلول / 2005
محمود شقير/ القدس


****

مراسلات محمود شقير وحزامة حبايب
العزيز محمود
بداية، لم تعجبني آخر صورة لك منشورة في كيكا، فهي تعكس حزناً وكآبة في إطلالتك، كما تظهرك أكبر من عمرك بكثير (اللهم إلا إذا كان عمرك كبيراً بهذا القدر البادي!)
أما بعد، فقد أفرحتني رسالتك الأخيرة (31 يناير 2006). تأخّرت في الرد عليك، ولكن ثمة أشياء بلا معنى، بالتأكيد تعيش ما يشبهها في ظروفك الحياتية وأكثر، أبعدتني عن أشياء كثيرة أحب، منها الكتابة لك وللأصدقاء. لكن المؤلم أنني عشت ثانية في الأسبوعين الماضيين حالة مدمرة من الكآبة، كادت تأتي عليّ والله، حتى أنني لم أنم على مدى ليلتين كاملتين، ولولا أن "حليمو" صادف أن كان في إجازة لمتُّ، فقد حرص على أن يكون إلى جانبي طوال الوقت، ثم أخذني إلى مقهى أحبّه في المدينة وجلسنا فيه أكثر من ساعتين، حيث شجعني على الحديث عن أشياء كثيرة تقلقني، حتى وإن بدت في ظاهرها تافهة أو غبية. وقبل أيام، اصطحبني في عز المطر إلى بار أعشقه اسمه "هيمنغواي" متخصّص في الجاز بكل أنواعه، حيث رقصت بفرح طفلة. أبديت خشيتي من الكتاب، وخفت حقيقة أن أفقد إيماني بما أكتب، ذلك أنه بدأ يسطو على تفكيري معظم اليوم، فالشخصيات يعيشون معي، ينامون ويصحون ويفرحون ويحزنون معي، ولا أملك أن أطردهم من حياتي لوقت، لأي وقت!
أتعرف.. فكرت أن أمزق كل ما كتبت.. أن أقتل الشخوص وأمثّل فيهم، علنى أخلص منهم، لكن حليمو منعني. قال لي إنني لا أستطيع أن أهدر جهد سنوات في لحظة حزن قد أدفع ثمنها طيلة عمري وفكري.
أنجزت الآن سبعين في المئة من الكتاب، والأشياء والناس استقلوا تماماً عنى، خرجوا من إرادتي. أتعتقد أن هذا هو سبب حزني وكآبتي؟ كلا.. أنا اليوم أعيش أكثر فترات حياتي وحدة وعزلة، والعزلة وإن كانت مفيدة للعملية الإبداعية، لكنها مرهقة ومربكة إنسانياً. المشكلة أنني، كما قلت لك في أكثر من رسالة، بدأت أنا نفسي أهرب من الناس، وأحدّ من صداقاتي، لقناعتي المتزايدة، التي تبرهنها الأدلة الكثيرة من حولي يوماً بعد يوم، بأن البشر هم أصل الشر والأذى في هذا الكون. ما أخشاه يا محمود أنني فقدت قدرتي على التسامح. قلتها لك من قبل، وأقولها اليوم، وأقولها غداً وبعد غد، وكل الأيام القادمة حتى نهاية الزمن!
في أيام الكآبة السابقة كنت أبكي فجأة، ثم أتعْرِف؟ أرتاح بعد نوبات البكاء، كأن شيئاً ثقيلاً يسقط من نفسي المتعبة والمنهكة، ثم أعود فأحزن لتثقل روحي ثانية قبل أن أبكي وهكذا. أنا اليوم أحسن، وإلا لما كتبت لك، إذ قررت ألا أكتب لك أو لأحد إلا حين أتجاوز حزني العنيف، مستبقية قليلاً من الحزن الذي لا بد منه زاداَ لعيشي اليومي ولكتابتي.
الكتاب؟ إنه يتقدم ويتقدم ويتقدم. أحبه بقدر ما أكرهه، لا أبالي به بقدر ما أهابه وأخاف منه، أنا هو وهو أنا، والحق بقدر ما أكون متشوقة للجلوس على المكتب أفتح شاشة المحمول التي تضيء عتمة الصالون، حيث صومعتي اليومية، بقدر ما تراني أؤجل تلبية نداء الكتابة، خشية وترقباً وحذراً مما قد يخرج من فكري وقلبي على الورق الذي يمتلئ أمامي، ببطء حيناً وبسرعة حيناً آخر.
هل حدثتك عن الشيء الغريب الذي حصل معي؟
حسناً، في أواخر شهر ديسمبر الماضي، وعلى مدى خمسة أو ستة أيام، تلبستني حالة عجيبة، من هياج الفكر والروح، ووجدتني أعكف على نمط من الكتابة موغلة في البعد عني، كما أفترض، أو لا عهد لي بها وبالأحاسيس الداخلة فيها. كنت أجلس على المكتب عشر ساعات متواصلة، وأحياناً أكثر. وحين وضعت الحرف الأخير في الكلمة الأخيرة في الورقة الأخيرة، تنفست الصعداء. ثم عندما قرأتُ ما كتبت خفت، من نفسي بالدرجة الأولى ثم من مشاعري. لم أعرف ماذا أفعل. اتصلت بأحد الأصدقاء، فطلب منّي أن أرسل له المادة، ولا تتخيل كم كانت دهشته عظيمة! قال لي إنها كتابة مذهلة، وهي قريبة من الكتابة الصوفية. بصراحة أخافني كلامه كثيراً، لكنه في الوقت ذاته جعلني أؤمن بأن "الشيطان" المغوي بفتنة آسرة الذي تلبسني طيلة أيام الكتابة لم يكن شريراً بالمطلق، أو لعله لم يكن شريراً على الإطلاق.
وإذن، أصبح لديّ كتاب، نبت في لحظة لم أخطّط لها أو أعمل لها حساباً، لكن كل الأشياء الجميلة تأتي هكذا، ولن أنشره الآن، لأنني لا أريد أن يكون موضع اهتمام (سواء أكان سلبياً أم إيجابياً) قبل أن أفرغ من مشروعي النثري الحالي، الذي أراه أكثر أهمية. سوف أؤجل نشر الكتاب الذي خرج من عباءة الحزن وصفاء التفكير الذي يأتي بعد النحيب لعام وربما أكثر.. ما رأيك؟
أنا أغبطك لنشاطك في العمل على أكثر من مشروع، لكن اسمح لي أن أشدّد على ما أراه يحتل الأولوية المطلقة، ألا وهو مشروعك القصصي. وأتطلع إلى مجموعتك الجديدة منشورة في كتاب، مع أنني قرأت على ما أعتقد معظمها، لكن يظل الكتاب "غير"! (بالمناسبة هل تواصلت مع إنعام كجة جي؟)
فاجأتني روايتك، إذ لم تكن قد حدثتني عنها من قبل. بالطبع، تستطيع أن تعود لها، لكن المشكلة أنك قد تعيد قراءتها في ضوء مستجدات كثيرة، فالرواية سجل حياتي ينطوي على دلالات كثيرة. أقترح عليك أيها الصديق أن تقسو على نفسك قبل أن تفكر في نشرها.
أتمنّى لك كل النجاح وكل السعادة وكل العطاء وكل الإبداع أيها الصديق
مع مودتي
حزامة حبايب
أبوظبي – 26 فبراير 2006
***
العزيزة حزامة
تحياتي
أرجو أن تكون الكآبة التي تلبستك قد ذهبت إلى غير رجعة. هذا أمر مقلق فعلاً، وأنا مسرور لأنك استطعت الخروج من هذه المعاناة. ولا شك في أنك محظوظة بزوجك حليم وبسعة صدره وبقدرته على التواصل الحميم في اللحظات الحاسمة. هذا تعبير عن نفس كريمة طيبة. وأنا لا أنسى أنه محظوظ بك أيضاً، لأنك إنسانة نقية القلب خفيفة الظل، لكنني على قناعة بأن هذه التقلّبات النفسية العاصفة هي نتاج أكيد لمشاعرك المرهفة التي تزيدها القراءة رهافة، كما يزيدها الانهماك في كتابك الجديد تأججاً.
كنت قرأت عن كاتب أميركي لم أقرأ له سوى القليل، اسمه على ما أعتقد سالينجر، الذي اعتزل الناس والحياة سنوات طويلة، ولم يعد يرى أحداً أو يقابل أحداً. أعتقد أن الأمر حينما يصل إلى هذا المستوى من العزلة فهو شديد الوطأة. وقد أكون مخطئاً، ربما كان هذا الكاتب مغتبطاً بعزلته. ولست أدري في ما إذا كان ما زال حياً أم إنه مات.
في الظروف التي تربّينا عليها ونشأنا فيها، تبدو العزلة بالنسبة لنا مربكة كما جاء في رسالتك، لأن مجتمعنا لا يستسيغ العزلة التي نمارسها وقد يستغربها. أنا أمارس العزلة منذ سنة على نحو مستمر، لكنني أخرج إلى المجتمع في اللحظات التي تتطلب ذلك. أخرج إلى الجنازات والأعراس، وأقوم بزيارة حجاج بيت الله لدى عودتهم من الديار الحجازية، وغير ذلك من المناسبات الاجتماعية. (أحياناً، أعبّر عن تذمّري من كثرة المناسبات الاجتماعية بالقول لأبنائي: صدّقوني، سيأتي زمن نذهب فيه للسلام على كل من ذهب إلى القدس في الصباح وعاد منها في المساء!) وأنا أدرك أن عدم المشاركة في المناسبات يعني الخروج من حياة الجماعة، وهذا أمر صعب في ظروفنا التي نحياها.
وأنا أتفق معك إلى حدّ كبير في أن بعض البشر مقرفون إلى درجة قصوى. ولأنه من غير المجدي الدخول في صراعات بدائية مع أوباش لن تخلو منهم مجتمعاتنا المتخلّفة، فالأجدى أن نحوّل القرف الذي نشعر به بسبب هؤلاء الأوباش، إلى طاقة حيوية تصبّ في ساحة الكتابة والإبداع. يُروى عن برنارد شو أنه كان لا يتمكن من الكتابة إلا إذا استفزّه شخصٌ ما. لذلك كان حينما تتعسر عليه الكتابة، يسعى إلى استفزاز الحثالات من البشر لكي يستفزوه بدورهم فتأتيه الكتابة.
ضحكت باستمتاع وأنا أقرأ تعليقك على صورتي المنشورة في كيكا. كنت قد لاحظت التكشيرة منذ البداية وقلت لزوج ابنتي، تبدو نظرتي في الصورة مثل نظرة جميل عازار مذيع الأخبار في قناة الجزيرة، جميل عازر شخص محترم وقور لكنّه عابس دائماً. مع ذلك، لم أجد حرجاً في إرسالها إلى كيكا، لأن هذا هو الموجود؛ أولاً: أشعر وأنا في استوديو التصوير بعدم وجود سبب كاف للابتسام. ثانياً: أنا أصبحت كبيراً في السنّ فعلاً ولم تعد تنفعني المكابرة والمناورة.
مبارك عليك هذا التفجّر الإبداعي الذي جاء في شكل كتابة مفاجئة. هذا أمر مبشّر بتفجّرات أخرى مشابهة. وأنا أعتقد أن تأجيل نشر هذا الكتاب الطارئ أفضل لك، وذلك لإعطاء كتابك النثري؛ على حدّ وصفك إياه، فرصته الكاملة. إن القلق الذي يساورك بخصوص الكتاب ومعايشتك له ولشخوصه باستمرار وتمرد هؤلاء الشخوص عليك هو دلالة على ظاهرة صحية، ستثمر في اعتقادي كتاباً له مستواه. لكن، عليك ألا تقلقي كثيراً. تعاملي مع ولادة هذا الكتاب من دون هزّات عاطفية عنيفة ومن دون خوف من المجهول. ومع ذلك، فإن هذه المعاناة لن تذهب عبثاً بأي حال.
أنصحك، حينما تداهمك الكآبة أو أي شعور بالحزن، أن تنهمكي في الكتابة. ليس شرطاً أن تشتغلي على كتابك الموعود في مثل هذه الحالة إذا شعرت بأنك غير قادرة على الاشتغال عليه. حاولي أن تكتبي أي شيء آخر. وفي لحظات الاستراحة، افتحي التلفاز على أكثر البرامج سخافة وتسطيحاً. أجد راحة وأنا أشاهد بعض البرامج السخيفة وما أكثرها في محطّات التلفزة. أنشغل أيضاً في متابعة مباريات كرة القدم. وأنشغل في الكتابين الآخرين اللذين حدّثتك عنهما. أضيف فقرة هنا أو هناك. أحذف شيئاً وهكذا. لست مستعجلاً على إرسالهما للنشر. وسأمرّرهما على بعض الأصدقاء قبل التفكير في نشرهما. وسأمرّر كتاب القصص القصيرة جداً على صديقين أو ثلاثة خلال الأيام القادمة ليقولوا رأيهم فيه. وكان من المفروض ألا أنشر شيئاً من قصص هذا الكتاب، لأن ثمة إشارات في الكتاب تلمّح إلى المصادر التي أستقي منها الشخصيات والأحداث، كما أن القصص يكمل بعضها بعضاً. لكنني مضطر إلى المجازفة وإلى نشر القصص ومن ثم نزعها من سياقها الذي يؤطر أبعادها ودلالاتها. هذا النشر المجتزأ قد يقلّل من قيمة القصص وقد يوقع القارئ في بلبلة حول بعض الشخصيات، لكنني مضطر إليه لكي أواصل حضوري لدى قرّاء تأتيني رسائل منهم، من المغرب ومن السعودية ومن لبنان وغيرها. وأغلب الذين يكتبون هذه الرسائل هم كتّاب وكاتبات؛ لبعضهم ولبعضهن حضور بارز في الثقافة العربية المعاصرة، ونادراً ما يكتب قرّاء عاديون رسائل لي. والرسائل في الأغلب تحمل إطراء وإعجاباً، وهذا أمر يريحني ويقلقني في الوقت نفسه.
عدت إلى الكتابة في شكل منتظم تقريباً للرأي. ومنذ أسبوعين رحت أكتب مقالة أسبوعية في صحيفة القدس المقدسية، بناء على رغبة أبداها مديرها الإداري هاني العباسي الذي كان أحد تلاميذي في وقت سابق، وقد تعززت هذه الرغبة بموافقة فورية واضحة من المحرر المسؤول في الصحيفة د. مروان أبو الزلف. أكتب في القدس عن حالة التفكك والتشرذم وعن الفوضى والنزاعات التي تسود في مجتمعنا، وسأكتب في الثقافة، وسوف أستمر في ذلك لأن هذه الجريدة مقروءة، ولها جمهور من الناس البسطاء ومن التجار والطلاب والمعلمين الذين فقدوا علاقتهم بالثقافة منذ زمن طويل.
ماذا أيضاً؟ أنا مغتبط بالعزلة التي أمارسها بوعي وانتباه. مغتبط بما أقرأ كل يوم، وبما أكتبه أو أفكر في كتابته. طبعاً ثمة منغّصات بين حين وآخر وعلى فترات متقاربة، وثمة انشغالات مفاجئة. إنما أكثر ما يزعجني: الخوف من التباس غير مقصود تجرّه عليّ تناقضات وضعنا الاجتماعي، التباس لا علاقة له بأفكاري وبموقفي المناهض للاحتلال، وكذلك الخوف من زلزال يأتي في اللحظة التي أذهب فيها إلى النوم، فيقلب هدوئي ويزعزع عيشي. وأكثر ما يزعجني، جلطة دماغية تبقيني على قيد الحياة، إنما من دون قدرة على الحركة وعلى العيش مثلما يعيش الأحياء الأصحاء.
أتمنى لك الصحة والسعادة ومزيداً من العطاء الإبداعي المتميز.
مع تقديري واحترامي
محمود شقير/ القدس
09/ آذار / 2006


****





مراسلات محمود شقير وحزامة حبايب
الصديق محمود
تحياتي
أعتقد أنني سعيدة، ليس بالمطلق (وأنا لا أريد بلوغ السعادة بالمطلق حتى وإن كنت أنشدها، فالمتعة يا صديقي هي في الجري وراء السعادة لا في بلوغها أخيراً)، لكن السعادة، حتى وإن كانت جزئية أو مجتزأة، تجعلنا نرى الأشياء والبشر جميلين، فما بالك إذا كان هؤلاء البشر نحبهم أصلاً، في المبتدأ والمنتهى، في اللقاءات الأولى كما في اللقاءات التالية، ربما لأن هؤلاء البشر .. "بشري" محدودون.. تعبت حين وقعت عليهم، تعبت أكثر حين استبقيتهم، وتعبت أكثر كثيراً لأحافظ عليهم. أعتقد أنك أحد هؤلاء الأصدقاء "القلّة" القليلة، لكن قطعاً الأثيرة إلى قلبي وعقلي وروحي.
أتعرف.. أكتشف مع الأيام والمشاعر أنه كلما بَعُد الأصدقاء أصبحوا أجمل وأسمى، ربما لأنهم يرتقون إلى فكرة أكثر منها حقيقة، ليس لأن الحقيقة بغيضة، ولكن لأنها غير منزهة عن البغض تماماً. نحن بشر يا صديقي، فينا شرٌّ مقيم كما أن فينا خيراً مقيماً. في البعد ينحسر الشر لحساب الخير. أنا؟ لست مختلفة بالضرورة! وإلا لما كنت أتمنى أن أقتل أحياناً!! (لا تخش شيئاً، فأنا لا يمكن أن أفكر أبداً بقتلك أو قتل أصدقائي الجميلين المدهشين، على قلّتهم.)
أخباري؟ كثيرة وكثيرة! وطبعاً سبقتني إليك! فلنبدأ بلندن. إنها رائعة يا عزيزي، مدهشة بحق، ساحرة وفاتنة. للمرة الأولى في حياتي، ومن بين جميع المدن التي زرتها، أشعر بأنني في مدينة ليست غريبة عني، هي بشكل من الأشكال توأمي الضائع، الشق الآخر من الجوزاء الهاجعة في وعيي ولا وعيي (فأنا جوزاء ضائعة دائماً عن شخصيتي الأخرى). في لندن، كنت لندنية بامتياز. وعلى كبر المدينة واتساعها لم أشعر بالتيه أو الغربة ولو لثانية. الشيء المدهش يا صديقي أن لندن، هذه المدينة الكوزموبوليتانية اللامبالية كانت حنوناً علي بما لا يقاس! أعتقد أنني عشقت لندن، لندن أيضاً أحبتني، وإن لم تشأ أن تصرح لي بذلك، غروراً ربما واستعلاء، من بقايا شعور بالعظمة غابر!
كما لعلّك تعلم، كنت قد تلقيتُ دعوة من المجلس الثقافي البريطاني للمشاركة في ندوة أدبية بمناسبة إطلاق انطولوجيا قصص قصيرة لكاتبات فلسطينيات عن دار "تليغرام" اللندنية للنشر. وكانت الباحثة البريطانية جو غلانفيل قد عملت على الانطولوجيا لأكثر من عام، حيث بذلت جهداً خارقاً كي تصل إلي، فأنت تعرف أنني "صفر" في العلاقات العامة. وعلمت منها أن الكاتب الفلسطيني سمير اليوسف، المقيم في لندن، هو الذي رشحني بقوة. وأعربت لي في النهاية عن سعادتها لمشاركتي في الانطولوجيا، مقرة لي بأن قصتي من بين الأجمل في الانطولوجيا، وهو ما جعلها تختارني للمشاركة في الندوة الأدبية على هامش إطلاق الانطولوجيا في لندن، إلى جانب ثلاث كاتبات أخريات. (بالمناسبة: التقيت سمير اليوسف في لندن، وقضينا نهاراً رائعاً معاً. كانت تلك المرة الأولى التي ألتقيه فيها شخصياً، وفوجئت به متابعاً شغوفاً لكتاباتي، ومعجباً كبيراً بي، عن بعد، حيث كتب عن قصصي عدة مقالات، مختاراً "شكل للغياب" عند ظهورها بوصفها من أهم المجموعات القصصية التي صدرت في الوطن العربي خلال عقد. بالنسبة له، لم أكن امرأة تكتب، أنا أكتب، وهو يراني مبدعاً، بالمفهوم غير الجنسوي، وهو ما أحب أن يراه الجميع في كتاباتي.)
أما الندوة، فكانت رائعة بحق. قالوا لي إنني "تألقت". كنا معاً ليانة بدر وعدنية شبلي ورندا جرّار وأنا، وكانت هناك قراءات باللغة العربية وأخرى بالإنجليزية، أما النقاش فكان باللغة الإنجليزية، وأعتقد أنهم فوجئوا بقدرتي على التعاطي مع هذه اللغة، التي أحب، بحيوية وسلاسة، جنباً إلى جنب مع التعبير عما أريد بوضوح وعمق. تطرقوا إلى مسألة منع قصتي "خيط ينقطع" في الأردن، عند ظهورها في مجلة "الكاتبة" ثم في مجموعتي "ليل أحلى"، وسئلت ما إذا كنت أخشى المتطرفين، فأجبتهم بأن المتطرفين لا يقرؤون ولو كانوا يقرؤون لأدركوا حجمهم الحقيقي في هذا العالم وقطعاً لأصبحوا أكثر تسامحاً وانفتاحاً على ثقافة الآخر. تطرقت كذلك إلى ما أحاول أن أشدد عليه، ككاتبة وكفلسطينية، وهو أن ثقافتنا هي ثقافة حياة لا ثقافة موت، وإذا كان طريق الحياة الرئيسي، الذي نعرف أو الذي يفترض أن نرتاده دون صعوبات، مغلقاً لسبب أو لآخر، فإننا نبحث عن أزقة أو طرق فرعية لبلوغ الحياة، وفي آخر المطاف نبلغ الحياة.
في كتاباتي، أحاول أن أقود شخصياتي إلى هذه الأزقة، أزقة الحياة. تطرقت كذلك إلى فكرة المخيم الفلسطيني، كغيتو، "لا تقنعوني بأن المخيم كبيئة يمكن أن يتمخض عنها حياة صحية، بالمعنى السياسي والاجتماعي والنفسي والجنسي. لا تقنعوني أن المخيم الفلسطيني يخرّج أبطالاً؟"
لقد تخللت نقاشاتنا السخرية والفكاهة، وتجاوب الجمهور الكبير والنوعي معنا على نحو مذهل. سئلت عما يعنيه أن تتعرض قصتي للمنع والاضطهاد؟ فقلت لهم، صراحة، إن حياتي لم تكن سهلة، وقطعاً مررت بظروف شعرت فيها باليأس وكدت أتخلى عن كل شيء، "لكن اليوم، وأنا هنا أمامكم، أتحدث إليكم، أقص عليكم حكايتي، أشعر بأن الأمر كان يستحق في النهاية." الشيء اللافت يا صديقي أن هذا الجمهور لم يحضر "ببلاش"، فتذكرة الأمسية بلغت ثمانية جنيهات ونصف الجنيه، الأمر الذي ذكرني بوطننا العربي المجيد، حيث نقيم الندوات، والليالي الملاح ونفتح الباب "ببلاش"، وأحياناً (نبوس بيضات الواحد كي يأتي) ليتحدث الأديب أو الكاتب أمام صفوف طويلة عريضة من المقاعد الفارغة! (اللهم إلا من "أبو محمد" الفرّاش الذي يوزع الشاي، يجلس على كرسي في الصف الأخير، ناظراً إلى ساعته مستعجلاً الوقت كي يمر، ليكنس القاعة على عجل، يطفئ الأنوار، ويذهب إلى بيته، حيث يتعين عليه أن يمر على السوق لشراء ربطتي خبز وبعض الطلبات التي أوصته عليها أم محمد، ويدعو الله شبه يائس أن ينتهي الأديب من ثرثرته بسرعة، قبل أن تغلق محال السوق أبوابها. طبعاً قد تسألني من هو "أبو محمد"، فأجيبك: لا بد وأن يكون هناك فراش اسمه "أبو محمد" في تجمعاتنا الثقافية. ما الأمر؟ هل تعتقد أنني أستخف دمي؟ حسناً.. من الأفضل أن أتوقف هنا!)
"عشت" في لندن ثمانية أيام. نعم كان "عيشاً" جميلاً. لقد غطى المجلس الثقافي، بحسب الدعوة، إقامتنا يومين، شاملة التذكرة والفندق إضافة إلى مصروف جيب، ومكافأة رمزية. انتقلت بعدها للإقامة عند صديق وزوجته في ضاحية ريفية آسرة في طرف لندن مدة يومين، بعدها انتقلت إلى فندق شبه عائلي صغير في ميدان الطرف الأغر، في قلب لندن، مدة أربعة أيام، جبت خلالها المدينة بالطول والعرض، فغزوت متاحفها وشوارعها وميادينها وحاناتها ومقاهيها ومتاحفها، فتجولت في متحف "تيت" للفن المعاصر، كما زرت المتحف الوطني والمتحف البريطاني. لكن المتعة "الألذ" هي المسرح. فلقد حضرت مسرحية Phantom of the Opera، التي تحولت إلى فيلم سينمائي قبل سنوات. صدقني، لم أشاهد في حياتي كلها شيئاً بهذا القدر من العظمة والفخامة والجمال. كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها مسرحية استعراضية نوعية. شعرت ببهجة وإثارة. فتحت عيني على آخرهما، كي لا تفوتني حركة أو إشارة أو تفصيلة صغيرة، لم أشأ أن يغيب عن بصري أي ضوء وأي لون وأي سحر. نعم كنت كالمسحورة. كنت طفلة تختبر الدهشة للمرة الأولى. أجمل شيء يا صديقي أن نُدهش في عالم فقد القدرة على إدهاشنا.
تمنيت لو كان بمقدوري أن أظل في لندن أياماً أخرى لأشاهد أكثر من ثلاثين عرضاً مسرحياً كانت تقدم على مسارحها الكثيرة يومياً. لكنني كنت مضطرة، بحكم الغلاء المعيشي، إلى الاكتفاء بعرض مسرحي آخر، فذهبت إلى مسرحية The Mousetrap، وهي المسرحية الأطول عرضاً في التاريخ، حيث لا تزال تقدم على الخشبة منذ أربعة وخمسين عاماً! تخيل! قيل لي إنه لا يوجد بريطاني لم يشاهدها، فهي أشبه بلقاح أو طعم!
هل مللت؟! لكن هناك الكثير الكثير لأقوله لك عن مدينة تسللت إلى قلبي بحب وبشيء من الخبث، شأنها في ذلك شأن امرأة مغوية؟ ما رأيك؟ سأوفر الباقي لمقالة عن لندن..
وإلى موضوع آخر..
نعم.. أنا قلقة، وقلقة جداً. فروايتي تصدر قريباً. رغم حماسة صديقنا المشترك الشديدة لها، وحماسة العزيز ماهر، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف. أعرف أن الخوف أمر صحي، يجعلني أقف على الأرض بدلاً من التحليق في السماء واحتمالات السقوط الواردة، وأعرف أيضاً أن القلق ظاهرة صحية، لكن أريد أن تظهر الرواية وليكن ما يكون، لأتجاوزها وأبدأ بمشروع جديد. لدي يا صديقي أفكار لكتابات عدة. ثمة قصة "تلعب" فكرتها في رأسي. أعترف لك أيضاً بأن ثمة رواية جديدة "تغازلني" وتستدرجني إلى غوايتها. لا أعرف. لم أقرر بعد. أعتقد أن الفكرة حين تنضج هي التي تقرر. والرغبة هي التي تقودنا، رغبة الكتابة، لا العكس. هل قلت لك ما اسم الرواية؟ "أهل الهوى".. هذا هو اسمها، وأتمنى يا محمود حين تقرأها أن تجد فيها شيئاً من هواك، ومن شغفك حتى إذ يهزمك الهوى؟ طبعاً، سأحرص على أن أؤمن لك نسخة.
علمت أن مجموعتك "احتمالات طفيفة" قد صدرت، (أعجبني العنوان، فأنا من النوع الذي يتوقف أمام العنوان طويلاً) وسوف أسعى إلى أن أحصل على نسختين منها، لي ولعمر شبانة.
عدت من لندن بمجموعة من الروايات التي اشتريتها، سوف أشغل نفسي بقراءاتها. أعتقد أنني في طريقي إلى تجاوز مرحلة الخواء، التي تعقب الانتهاء من مشروع ضخم ومرهق نفسياً وعاطفياً وجسدياً. أشعر بأنني أريد أن أكتب. ثمة شيء يحاول أن يتفلّت مني. لا أظنّ أنني أريد أن أقمعه.
يا الله! لم أدع لك شيئاً. كل هذه الثرثرة عن نفسي؟! للأسف، لم أتمكن من الحصول على نسخة من "كتاب في جريدة" الذي يضم قصصك. عزائي أن لدي معظم قصصك. ماذا عن مشاريعك الحالية بعد "احتمالات طفيفة"؟ هل ثمة ردود فعل نقدية على المجموعة؟ أعرف أن الوقت لم يزل مبكراً، لكن أتمنى أن يكون هذا العمل إضافة نوعية إلى أعمالك؟ أنا واثقة من ذلك. (أتعرف يا محمود؟ لقد كنت من أوائل المؤثرين، بالمعنى الإيجابي، على مسيرتي الكتابية؟ كنتُ قد تخرجت حديثاً من الجامعة حين قرأت لك في "صوت الوطن" في الكويت. أعتقد أنني أحببت القصة من خلالك. أذكر بأن صديقاً لي أبدى إعجابه بقصصك، فقلت: شو يعني؟ سأكتب أحسن منه! ضحكنا يومها. لقد كنت أمزح. لم أكن أفكر بالكتابة بصورة جدية. لم أفكر بأنني قد أصبح كاتبة. (اليوم، بعد كل هذه السنوات، ما تزال يا صديقي مع حفنة كتاب قليلين "مثالي" الأجمل، أقرأ لكم فأستمتع وأعرف أن خياري في الحياة، كما في الكتابة، لم يكن خاطئاً.)
فلنواصل تواصلنا، ولتظل رسائلنا تصنع بهجة، وإن كانت متباعدة، في حياتنا.
شكراً لك يا صديقي. وإلى رسالة أخرى ولقاء متجدد، وحكايات لا تنتهي.
لك كل مودة
حزامة حبايب
الجمعة – 6 أكتوبر 2006
أبوظبي
***
العزيزة حزامة
تحياتي ومودتي
سررت لرسالتك التي تتدفقين فيها مثل ماء جدول رقراق. هذا مؤشر على انفتاح القريحة حتى الثمالة من أجل التواصل والبوح وتبادل البهجة وتقليب الكلام على كل أوجهه. وهذه بشارة تألق أرجو أن تستمر وأن تعطي أعمالاً إبداعية متتابعة.
أعتذر عن التأخر في الرد على الرسالة، لأنني عدت من مانشستر وتعرضت لانفلونزا بسبب تغيرات الطقس، وما زلت حتى هذه اللحظة أعاني من احتقان في الحنجرة وفي القصبة الهوائية، لكنني أفضل حالاً الآن.
أعجبتني مانشستر، وأظن أنني زرتها زيارة خاطفة في زمن سابق، ضمن عدد من المدن البريطانية التي زرتها العام 1989 لإلقاء مجموعة من المحاضرات السياسية، ولم أعد أذكر من تفاصيل الرحلة السابقة شيئاً. هذه المرة أقمت في المدينة عشرة أيام. ثلاثة منها على حساب اللجنة المنظمة لمهرجان الجامعة الأدبي، وسبعة على حسابي. والحياة في المدينة غالية، لكنني استطعت تدبر أمري. أقمت في فندق أقل تكلفة من فندق الضيافة، وتناولت طعاماً بسيطاً في الصباح وفي المساء، وأما وجبة الغداء فكنت أتناولها في أحد المطاعم التي تقدم أسماكاً طازجة.
قرأت في الوقت المخصص لي أثناء المهرجان، ست قصص قصيرة جداً وقرأت قصة "صورة شاكيرا" التي أثارت ضحك المستمعين وإعجابهم. عموماً، كانت كل القراءات الأدبية الفلسطينية في المهرجان على قدر من الجودة. جاء سمير اليوسف، والتقينا للمرة الأولى. كنت أقرأ له بإعجاب، وكان يقرأ لي بإعجاب. هذه المرة التقينا وتبادلنا أحاديث سريعة بقدر ما كان يسمح به الوقت، وأهداني كتابين وأهديته أربعة كتب، وتحدثنا عنك بإعجاب ونقلت له تحياتك، فتقبّلها بسرور، ثم افترقنا على أمل اللقاء من جديد.
زرت متحفاً للتاريخ الطبيعي في مانشستر، وزرت معرضاً دائماً للفن التشكيلي. لم يبهرني المتحف ولا المعرض، إذ سبق لي أن زرت متاحف ومعارض في مدن أوروبية، في لندن مثلاً، أهم وأغنى بشكل ملحوظ. أغبطك على أيامك الحافلة في لندن. أغبطك على قدرتك على الاندهاش. أعتقد أنني لم أعد قادراً على الاندهاش إلى هذا الحد، بأية مدينة، وهذا مؤشر كما يبدو على هرم أو تعب أو ملل، أو سميه ما شئت من الأسماء.
أكثرتُ في الأيام العشرة من الجلوس في المقاهي. مقاهٍ متنوعة المزايا والسمات. وفيها كنت أطلق العنان لنفسي كي تتأملني وكي تتأمل الناس والأشياء من حولي. وكنت أدوّن بعض ملاحظات قد تنفعني لاحقاً في كتابة ما.
أترقب صدور روايتك باهتمام. قبل أيام سألت صديقنا المشترك إن كانت الرواية صدرت. قال إنها كما يبدو لم تصدر بعد. التقيته في رام الله. تحدثنا عنك بما يليق بك من كلام، أهديته نسخة من كتابي الجديد، ثم ذهبنا إلى مطعم شعبي وأكلنا ساندويتشين. مشينا في الشارع الرئيس، اشتريت دواء من صيدلية، تبادلنا الهموم حول الصحة وحول ضرورة المشي، ثم افترقنا.
هاتفت صلاح حزين، وسألته عن أخبار ابنه غسّان. الأخبار محزنة وهذا الشاب ألمعي. كنت أقرأ بعض كتاباته في "الحياة". اقترحت على صلاح أن يذهب إلى المؤسسة العربية لاستلام نسخة من كتابي الجديد؛ "احتمالات طفيفة". وكنت طلبت من العزيز ماهر أن يستبقي لك خمس نسخ. عرفت في ما بعد أن النسخ الخمس قد استلمها صلاح، ربّما بطلب منك أو باجتهاد منه لا أدري.
بدأت تصلني ردود فعل إيجابية على الكتاب. زينب عساف كتبت عنه في النهار، وقد التبس عليّ مقالها حتى إنني أرسلت لها رسالة على الإيميل أشكرها على المقالة رغم قسوتها، فأرسلت لي رداً تقول فيه إنها أعجبت جداً بالكتاب، وهي لم تقصد أن تكون قاسية، وإذا كانت لم تستطع التعبير عن نفسها فهي ستقوم بالاعتذار لي. فأرسلت لها رسالة أخرى أشكرها فيها على رسالتها.
هذا المساء، هاتفني الشاعر علي الخليلي، وقال إنه قرأ الكتاب وأعجب به ووجد فيه تجديداً في الأسلوب وقال إنه سيكتب عنه. سمعت ثناء من أصدقاء آخرين فأصبحت أقل قلقاً، والمهم عندي رأيك حينما يصلك الكتاب، خصوصاً أن بعض ما كتبته أنت عن "مرور خاطف" دفعني إلى التفكير جدياً بضرورة خلق حالة من التواصل والتناغم بين القصص كي لا أثقل على القارئ وأشتته، وكي لا أتعبه وهو يتنقل من مناخٍ ما في قصة إلى مناخ آخر في قصة أخرى.
حالياً، أعيد النظر بمخطوطة روائية للفتيات والفتيان وبمخطوطة عن أحبّائي الأموات، وأظن أنني ذكرت ذلك من قبل، لكنني مصر على إعادة النظر حتى أصل إلى قناعة راسخة حولهما. وأقرأ دائماً. أقرأ هذه الأيام أورهان باموك، كما أقرأ كتباً أخرى عديدة في وقت واحد. ولم أعد أكتب مقالة أسبوعية لجريدة القدس! هل أخبرتك بذلك من قبل؟ ذاكرتي لم تعد كما ينبغي لها أن تكون.
وأنا مسرور لأنك على وشك الدخول في تجربة كتابية جديدة. هذا أمر مفرح. وأرجو ألا تترددي. اكتبي؛ وبعد الكتابة يأتي وقت إعادة النظر والتنقيح والحذف والإضافة. ولا تبخلي على الطفلة التي في داخلك بكل ما يتيح لها فرص الشيطنة والمشاغبة والاندهاش، ففي ذلك ضمانة للإحساس الطازج بالحياة ولدوام الكتابة بشكل مبدع خلاق.
مع تقديري واحترامي
محمود شقير
04 / تشرين الثاني / 2006



****************


عزيزي محمود
تحياتي
إن رسائل كرسائلك لتنتزع قدراً كبيراً من الحزن والكآبة في داخلي، فمن خلال كلماتك النبيلة أكتشف أن علىّ أن أظل أنا.. أنا، وأن أقي ذاتي من تشوّه الآخر المزعج والمقيت وأحصّن فكري، الذي تعبت في حياتي وجاهدت أدبياً ونفسياً ليكون ما هو عليه اليوم، من المهاترات والتفاهات و"تفاهات التفاهات" الكثيرة من حولي.
وصلتُ أيُّها الصديق إلى معتقد (أكثر من مجرد قناعة) بأنه علينا أن نكتفي بصداقات وعلاقات بشرية نوعية جداً ومحدودة جداً، حتى وإن اقتضى ظرف الحياة واللجوء أن نتواصل مع هذه الصداقات عن بعد. فأعزّ الأصدقاء ليسوا حولي، لا يندرجون في شأن الحياة اليومي، بالمعنى المادي الملوس، لكن حسّهم معي في كل المدن التي تتلقفني. حين يقطع صوتهم أو كلماتهم المسافات البعيدة إليّ يحملونني إلى مشاعر من الحب تدوم معي شقاً طويلاً من عمري اليومي. ثمة دائماً وأبداً ذلك الصديق المشترك، لا يبتعد إلا ليقترب، وهناك "عبير" بالصوت المحمل بشجن الحياة التي تعاكسها على الدوام، لكنها مع ذلك تعرف كيف تنتزع من بؤسها النكتة الصافية. وهناك "عمر" في الشارقة، يزورني في أبو ظبي مرّة في العام، ونتهاتف يومياً، فنحزن ونضحك ونغضب، أو ببساطة شديدة قد نعبر عن زهقنا الشديد ونتبارى في غرس الضجر في نفس الآخر. ثمة أصدقاء آخرون في أبوظبي وعمّان، نلتقي من حين بعيد إلى آخر أبعد لكنهم مهما بعدوا يظلون قابلين لإدهاشك بحجم المتعة والفرق الكبير الذي يصنعونه في حياتك. إنهم قلة لكنهم رائعون، وأحب أن أراك وأؤمن بأنك أحدهم.
أما بعد أيها الصديق، بحلول نهاية الشهر الحالي، يكون قد مضى عام كامل وأنا أكتب بمعدل يومي، تسبقه أربع سنوات من الإعداد والتحضير والتخطيط، والنظر في المخطط وإعادة النظر فيه، إلى أن استقر إلى ما هو عليه الآن. بيد أن هذا لا يمنع من شطحات إبداعية تتجاوز المخطط وتهد بعض الأفكار لتشيد أفكاراً أخرى يمليها تطور النص الأدبي، والمسيرة الحياتية للشخوص. وكما سبق وأن شرحت لك في رسالة سابقة، ثمة لعبة مدهشة وجميلة جداً، لأنها غير متوقعة على الإطلاق، لتداخل الوعي واللاوعي في الكتابة بحيث ما إن يقودك وعيك إلى مكان حتى يجرّك لاوعيك إلى مكان آخر مختلف ومذهل كمغارة في جبل أو واحة في صحراء قاحلة.
حتى الآن أنجزت قرابة 75 في المئة من الكتاب وآمل أن أكون قد انتهيت منه بحلول يونيو أو يوليو على الأبعد. لا أخفي عليك أيها الصديق، أشعر بمزيج من الإثارة والحماسة والخوف والترقب، لكن المحصلة النهائية هي أنني سعيدة بما أكتب وبالمشاعر التي تعتمل في داخلي أثناء الكتابة، حتى وإن كانت تسبب لي قدراً كبيراً من التوتر والقلق والأرق.
عادة ما أجلس أمام اللابتوب في غرفة الكتابة "الثابتة" في المساء، ما عدا أيام الجمعة والعطلات المحدودة، حيث أتوجه إلى اللابتوب المغلق على أسرار كثيرة منذ الصباح. بعد الانتهاء من كتابة صفحة أو صفحتين وأحياناً قد أكتب ما لا يقل عن خمس صفحات في الجلسة الواحدة، أخرج بملابس الرياضة إلى الكورنيش الهادئ وشبه الخالي من البشر. في اليومين الماضيين، بدأت أعدو ومع الركض يخرج قدر كبير من الغضب والحزن الموجودين في داخلي.
من وقت لآخر، تستفزّني فكرة "صحافية" فأكتب مقالة أو رحلة أدبية، من ذلك مقالتي الأخيرة التي أرسلتها لك في "القدس العربي". وللمناسبة، فلقد استقبلت ردوداً كثيرة فاجأتني. وفاجأني أكثر سعادة الناس بالمقالة، حيث أرسل لي أصدقاء من عمّان يقولون لي إن كل واحد شعر بأنني أتحدث عن كلسونه! أتمنى أن تكون قد أعجبتك.
في ما يتعلق بالصديقة إنعام كجة جي، فهي كاتبة وصحافية عراقية مقيمة في باريس، وكانت قد طلبت مني عنوانك الإلكتروني لتراسلك، فهي معجبة جداً بقصصك "القصيرة جداً" وأرادت أن تكتب لك بهذا الخصوص، وبالفعل أعطيتها إيميلك لكنها أرسلت لي بأن ثمة مشكلة في العنوان وأن رسالتها رجعت لها. أعتقد أنني أرسلت لك في رسالة سابقة عنوانها الإلكتروني لكي تبعث لها رسالة قصيرة فقط ليصلها عنوانك، علماً بأنها متحمسة جداً لتجربتك وهي صحافية وكاتبة ممتازة برأيي. على أية حال، سأرسل لك عنوانها الإلكتروني (في إيميل ثانٍ).
أنا سعيدة لأنك تكتب؛ وحقيقة أن ثمة مشاريع جاهزة لديك للنشر أمر يشجعك على أن تقدم أكثر. أعتقد أن فكرة إعطاء مجموعتك القصصية لصديقنا المشترك ليلقي نظرة عليها فكرة جيدة، فهو ناقد ممتاز ولا يجامل أبداً، وأنا شخصياً أعتبره مؤشر تقييم صادق ومخلص. وبالطبع أتطلع إلى الاطلاع على تجربتك القصصية الأخيرة في كتاب لجهة قراءة القصص كلها في السياق الإجمالي الذي حددته لها.
يوم الأربعاء، تبدأ فعاليات معرض أبو ظبي للكتاب، وعادة ما تكون هذه الفعالية فرصة للقاء الأصدقاء القادمين من دول ومدن عدة. كنت أتمنى لو كان بمقدورك المجيء، لربما رتبنا لهذا الأمر في الفعالية القادمة عند صدور كتابك الجديد.
لك مني كل المودة
حزامة حبايب
أبو ظبي – الاثنين 27 مارس 2006
***
العزيزة حزامة
تحياتي وتقديري
تأخرت في الردّ على رسالتك لأنني آثرت الانتظار بعض الوقت لعل صديقنا المشترك يرسل رأيه في المخطوطة القصصية، لكنه حتى الآن لم يرسل شيئاً، (أرسلتها له قبل ستة أيام، وينبغي علي أن أنتظر لأن الوقت لم يفت بعد) ما يجعلني قلقاً، إنما هو قلق من النوع الخلاق. حيث أفترض بيني وبين نفسي أن المخطوطة لم تعجب الصديق، فأعود إليها لكي أقرأها بعينيه لا بعينيّ، فأكتشف أن بوسعي في مثل هذه الحالة التجرؤ على إجراء تغييرات وإضافات، أو القيام بحذف جمل وحتى قصص ما كنت أجد لدي الرغبة في حذفها من قبل. (قبل قليل انتهيت من قراءتها للمرة العاشرة أو ربما أكثر) كما أنني أصبحت على قناعة تامة بأن ترك المخطوطة وقتاً بعد الانتهاء منها ثم العودة إليها، يجعلني أقدر على التعامل معها بموضوعية أكثر.
لذلك، تأخرت عليك لكي أخبرك برأي صديقنا حول المخطوطة. ثم لم أشأ أن أتأخر عليك أكثر وها أنذا أكتب إليك. ومن قبل كنت أرسلت المخطوطة إلى أربعة أصدقاء، قرأوها وأبدوا ردود فعل متفاوتة ما بين استحسان زائد وما بين تحفّظ حذر. هذا التحفظ يجعلني أكثر انتباهًا ودقة، أظلّ ألوب حولها حتى أصل إلى نتائج أفضل كما أزعم. ولقد أصبحت موقناً بأن ذائقة القراء حتى لو كانوا كتّاباً تختلف من شخص إلى آخر، فقد يحبّ كاتب ما قصة أو رواية ولا يحبّها كاتب آخر، كما أن لحظة القراءة ومزاج الشخص في هذه اللحظة يلعب دوراً مهماً في موقفه مما يقرأ.
أنا شخصياً جربت ذلك تجاه كتب قرأتها في سنوات سابقة ثم عدت إلى قراءتها مجدداً، فوجدت أن رأيي فيها اختلف عما كانت عليه الحال من قبل. طبعاً، للثقافة الشخصية ولتطوّرها دخل في ذلك.
والآن، بعد هذا الاستهلال الثقيل، كيف حالك أيتها المشاغبة الظريفة! لقد أعجبت كثيراً بمقالك الخاص بكلاسين أبناء شعبنا التي لم يكن بينها واحد لونه أبيض، وبهذا يحقّ لك ولنا أن نتنفس الصعداء، لأن هؤلاء لم يضيفوا مؤشّراً آخر لمؤشّرات استسلامهم! وأنا أعجب كيف تَحْبك معك الأمور على مثل هذه الشاكلة الظريفة. ولو أنك تكتبين كل شهر مقالة ساخرة مماثلة لمقالتك هذه، لحقّقت المزيد والمزيد من الشهرة الأدبية والصحافية. إنها مقالة ظريفة بكل المقاييس وهي تفوق مقالة سهيل كيوان جمالاً وسخرية، مع أن مقالته هو الآخر تستحقّ الإعجاب.
وأنا أشكرك على ربط أواصر التعارف بيني وبين إنعام. كتبت لها رسالة، وردّت عليها برسالة فيها إعجاب ببعض قصصي التي قرأتْها في صحيفة "الحياة". ثم أرسلت لي روايتها وسأشرع في قراءتها بعد أيام.
أغبطك على انهماكك في كتابك المنتظر. كل هذه المعاناة الممتعة وغير الممتعة في الوقت نفسه، هي المكافأة وهي الضريبة التي ندفعها لانخراطنا في عملية الإبداع المضنية الرائعة في آن واحد. وأنا أتمنى لك مزيداً من التألق والنجاح أيتها الصديقة الذكية الحساسة المثقفة الجريئة المخلصة لنبض الحياة وجدارتها بأن تعاش، على رغم ما يعتورها من نواقص ونقائص وألم وعذاب.
وأنا الآن متورّط في الصحافة من جديد. أكتب مقالة أسبوعية بانتظام في صحيفة "القدس" الصادرة هنا في القدس. اليوم نُشر لي مقال عن فيلم "الجنة الآن" لهاني أبو أسعد. وأنا مهتم بالكتابة إلى هذه الصحيفة لأنها واسعة الانتشار هنا، وهي مقروءة على نحو جيد في السجون الإسرائيلية، حيث يوجد أكثر من تسعة آلاف سجينة وسجين فلسطيني. وأكتب كما تعلمين مقالة أسبوعية لصحيفة "الرأي" الأردنية وهي الأخرى واسعة الانتشار هناك. (أظن، سبق لي أن ذكرت لك ذلك فلماذا هذا التكرار! وأعترف أن ذاكرتي لم تعد قوية كما كانت من قبل).
هنيئاً لك هذا العدد القليل من الأصدقاء. أعتقد أن هذا يكفي. لأن كثرة الأصدقاء قد تزيد مشاغلك وتأخذ من وقتك . وقتك الذي تحتاجه الكتابة وكذلك القراءة. لي مع القراءة صراع مرير. أريد أن أقرأ أشياء كثيرة على الانترنت وفي الكتب، وهذا أمر مرهق لا يمكن الاستحواذ عليه بنجاح. يتزايد لدي يا حزامة الإحساس بأننا بشر فانون، نسبح في تيار الحياة العريض، نحقق بعض النجاح، ولن نلبث أن نغرق. فلنغرق، ولنحاول حتى اللحظة الأخيرة تحقيق النجاح تلو النجاح. بغير ذلك تصبح رحلة الحياة مملّة ثقيلة ولا معنى لها على الإطلاق.
كل التقدير
محمود شقير
القدس،13 / نيسان / 2006



***************

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
رسائل الأدباء (ملف)
المشاهدات
797
آخر تحديث
أعلى