د. بهاء مزيد - نصّ وترجمة وتحليل وظيفي

I was mowing the lawn. I peered at my neighbor's immaculate yard; his grass was literally greener. Then a meteor fell atop his lovely house. Arjun Basu, @ajunbasu

كنتُ أجزّ الأعشاب في حديقتي. مددتُ عينيّ إلى حديقة جاري الرائعة. رأيتُ أعشاب حديقته أكثر اخضرارا - حقيقة لا مجازا. ثمّ سقط شهاب على بيته الجميل.

الأفعال في هذا النّص هي was mowing و peered و was و fell. المشاركان في النصّ هما "أنا" المتكلّم في النّصّ، وجاره. المكان منزلان متجاوران، لكلّ منهما حديقة خلفيّة. مكان آخر في النّص هو سطح منزل الجار الذي سقط عليه "شهاب". أمّا الزمن فغير معلوم على وجه التحديد، لكنّ الأزمنة تشير إلى حدوث الأفعال في زمن مضى. وفي النّص كلمة تشير إلى تعاقب زمني خي then، على معنى أنّ سقوط الشهاب على بيت الجار كان بعد مدّ عيني المتكلّم بالنّظر إلى حديقته الجميلة ووصفه العشب فيها أنّه "أكثر اخضرارًا". في النّص القصير حال واحدة تصف هيئة الفعل وهي كلمة literally، يريد بها المؤلّف أن يوكّد حقيقة وصفه وصدقه.
ترد الأفعال في النّص على هذا الترتيب: فعل مادّيّ، ترجمته" يجزّ أو يقطع، وفعل ذهني من الحواسّ الخمسة ترجمته "يمدّ عينيه"، و"يدقق" و"يحدّق"، يوشك أن يكون مادّيًّا، لأنّه ليس محض نظر، بل تطلّع ومدّ عنق ورفع رأس، وفعل كينونة was، ثمّ فعل مادّيّ ثانٍ fell.
كلّ الأفعال في النّص في صيغة إثبات، والجمل كلّها خبريّة تصف الواقع، وليس فيها ما يفيد ريبة أو قلّة يقين. بل فيه توكيد ريبة محتملة في كلمة literally. من جهة اللزوم والتعدّي، الفعل الأول متعدٍ، والثاني لازم في الأصل الإنجليزي، متعدٍّ في الترجمة – مددت عينيّ - والثالث فعل كينونة لا يتعدّى، والرابع لازم. ليس للجار دور يذكر في النّصّ، بل إليه تمتدّ عينيّ المتكلّم، وعلى بيته يسقط الشّهاب. تبدأ الجمل الأربعة بثلاثة أفعال تتصل بضمير المتكلّم – "كنتُ"، و"مددتُ" و"رأيتُ" - ورابع فاعل "شهاب". والجملتان الأولى والاخيرة بسيطتان تليقان بنصّ قصيرمركّز، بينما ترتبط الجملتان الثانية والثالثة بفاصلة منقوطة semi-colon تفيد علاقة سبب ونتيجة.
في النّصّ علاقة "جيرة"، أو "جوار" تعكّرها علاقة حَسَد صامت. (هذا الحسد مسكوت عنه في النّص، لكن تعاقب الأحداث يحرّض على استنتاجه). حديقة الجار رائعة، والعشب فيها أكثر اخضرارا، حقيقة لا من قبيل المجاز. وصف جمال الحديقة وفعل المتكلّم إزاء ذلك وما يحدث لبيت الجار هو موضوع النّصّ.
أمّا تنظيمه، فقد وردت إشارات إلى تعاقب جمل في الزمن الماضي، وتعاقب يفيده الرابط then، واتّصال جملتين بعلاقة سبب أو تفسير. في النّص شخصيتان، وسرد بضمير المتكلّم - سارد مشارك في الأحداث homodiegetic/ intradiegetic - ومكان، وإشارات زمنيّة، وفيه تطوّر أحداث أو حبك، وفيه سبك (تكرار الضمير I، والإضمار في my neighbor، وعلاقة الضمير بالمضمر بين my neighbor وhis grass و his house، وعلاقة القربى الدلاليّة بين grass و greener، وبين yard و house).
هي قصّة - إذًا – تنتمي إلى جنس أكبر، هو السّرد fiction. وبالنّظر إلى صغر حجمها، وقلّة الشخصيّات وتكثيف الأحداث والتطوّرات فيها، وقلّة الاستطراد في الوصف، وبساطة الحبكة، فهي قصّة قصيرة جدًّا mini-story. هذه السمات الأخيرة هي التي تميزها من الرواية novel ومن القصّة القصيرة short story ومن الرواية القصيرة novella. من مرادفات مصطلح mini-story مصطلحات micro-fiction, mini-saga, flash fiction, micro-story. وجميعها - مع ضرورة استمازة الفروق الدقيقة فيما بينها - تنتمي إلى ما أصبح يُعرف بأدب تويتر twitterature.
ها هنا نبلغ مستوى الجنس genre أو النّوع subgenre وصلته بالثقافة، فقد فرضت المستحداث التقنية والوسائط الجديدة حدودًا وقيودًا جديدة على الكتابة الإبداعيّة، منها على سبيل التمثيل، ما يشترطه موقع تويتر من عدد محدود من الكلمات، بل الأحرف، لا يتجاوزها نصّ يُنشر عليه – والتوثيق في نهاية النّصّ Arjun Basu, @ajunbasu ينسبه إلى ذلك الموقع. ومنه ما أصبح يسم الحياة المعاصرة من تشظٍ وتفتت وتسارع مجنون وارتباك لا يسمح لمؤلّف بالاسترسال والإحاطة، ولا لقارئ بفترات طويلة من القراءة والتأمّل.
ولأنّه نصّ، فهو لا يعيش في فراغ، بل يتقاطع مع غيره من نصوص من جهة سماته الشكليّة التي ورد ذكرها أعلاه، ومن جهة الوسيط الذي ينتقل من خلاله. كذلك تحيل جملة his grass was literally greener إلى مقولة دارجة هي The grass is always greener on the other side of the river - "دائما يكون العشب أكثر اخضرارًا على الضفّة الأخرى من النّهر"، وتنويعات على مقولة "الممنوع مرغوب". لكنّ المؤلّف يريد أن يقول إنّ الحديقة خضراء حقيقة، لا كما يقول النّاس في مثل هذه المواقف.
وبعد أن فرغتُ من الترجمة، وجدتُ أنّني استعملت فعل "مددت" ملازمًا للعينين، وكأنّني استلهمت من غير تدبير مسبق قوله تعالى في سورة طه: "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" (الآية 131).
وها نحن أولاء ننتقل - حين نتناول علاقة نصٍّ بنصٍّ غيره - إلى البنائية وعلم العلامات، ونعرّج - حين نشير إلى أثر الثقافة والانتماء إليها في التأليف والترجمة - على علم اجتماع الترجمة وكلام بورديو عن الهابيتوس – السمت أو الملكة والتطبّع.


د. بهاء مزيد


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى