في كلّ مرّة أقول ، سأكتب عن ظاهرة الألقاب التي نتبادلها فيما بيننا وكأننا في محفلٍ لترقية بعضنا البعض ، وما الذي يجعلنا نطلقها هكذا ؟!! لكنني أرجئ الكتابة لوقت آخر . اليوم وبعد أن انتشرت هذه الظاهرة وأصبحنا نطلقها جزافا على مَنْ هبّ ودبّ وكأننا صرنا الحكم وتم تخويلنا بمنحها دون أي مراجعة لما تعنيه ، حيث تجدنا ننعت هذا بالشاعر المهم ، وذاك بالروائي العظيم ، والكاتب الكبير والملك والقيصر والماهر وهكذا دواليك ، ونسينا بأن منح الألقاب وتعليق النياشين بالسهولة هذه نخلع عنها هيبتها وقدسيتها ونجعلها مجرد صفات لا تغني عن شيءٍ، إذا كان صاحبها لا يمتلك أدنى مقوماتها الحقيقية ؟! كما نسينا بأننا فيما إذا وصفنا هذا الكاتب بكذا وذاك بكذا وهو في بداية الطريق نكون قد قتلنا إبداعهم ووضعناهم أمام مسؤولية كبيرة قد تنهك موهبتهم ويتملكهم الغرور حتما وخصوصا إذا كانوا من الشباب طبعا ، كما نكون قد غمطنا حق المبدع الحقيقي الذي أفنى عمره بالكتابة والتجريب !! المبدع الحقيقي لا يحتاج إلى لقبٍ أبداً ، إبداعه ودأبه ومثابرته وتميز كتاباته هي اللقب وسمو الرسالة التي يريد تأديتها حتما !! كم من شاعرٍ وكاتبٍ أضفينا عليهم من هذه الألقاب لكنهم أفلوا ولم نعد نقرأ لهم أو حتى نسمع عنهم شيئا رغم وجودهم في الحياة ؟! الإبداع والتميز لا حدود لهما ولا ألقاب ، بل رسالة إنسانية يستقيها الكاتب ــ أيّ كان صنفه ــ منذ النشأة الأولى كالبذرة تنمو شيئا فشيئا لتكون شجرة وارفة الظلال تعطي ثمارها الناضجة بعد ذلك ، لا يمكن أن تأتي الموهبة لشخصٍ ما بعد الخمسين أو الستين أو في خريف العمر وكأنه كان نائما وصحا الآن ، وإلاّ كيف سيكون مبدعا في هذه الحالة وقد بدأ متأخرا جدا ؟؟!! في الآونة الأخيرة نجد الكثير قد دخلوا حلبة السباق في الكتابة ، وظل الواحد منهم يطلق على الآخر ألقاباً شتى ويا ليتهم مبدعين حقا ، بل أغلب كتاباتهم تسطير كلامٍ مليء بالأخطاء النحوية والإملائية تجعل الفراهيدي وسيبويه يلطمان على رأسيهما ، ومنهم / منهن لا تتعدى كتاباتهم / كتاباتهن الخواطر ، وتراهم / تراهن في سباق على هذه الألقاب !! هل أصبحنا لا نميّز الغث من السمين ؟! أم إنّ النقد صار نفعيا واخوانياً وانتهازيا ؟! اعتقد ذلك جازما ، حيث نجد الكثير ممن يكتبون النقد يتهافتون على الكتابة عن هذا وتلك دون التمعّن حتى في معيارية الكتابة التي ينتجونها، ويلبسون البعض ثيابا أكبر من أحجامهم بحيث تبدو كتاباتهم مهلهلة لا معنى لها سوى التزلّف والتقرّب لتلك وذاك ، بعيدا عن الدقّة والأمانة والتمحيص الذي يفرضه الواجب الإنساني أولاً ورسالة الكلمة المبدعة ثانياً !! لهذا علينا أن نتوخّ الدقّة والأمانة بكل معانيها قبل أن نطلق ألقابنا التي بنيناها على المجاملة والاخوانيات والتزلّف دون الولوج الحقيقي في ماهية الإبداع !! وأخيراً أقول:ــ كل كاتب مبدع حتما لكن وفق معياره من خلال قراءاتنا ومتابعاتنا له ، كما إنّ لكل كاتب أسلوبه وخصوصيته وعالمه ورؤاه ، فلا يمكن أن يتميز هذا عن ذاك إلاّ بخلق أسلوبٍ مغاير جديد وابتكار رؤى جديدة في عالم الكتابة !! الإبداع ينمو كالنبات مع الكاتب منذ نعومة أظفاره وحتى آخر العمر ، لا أن يأتي بغتة دون سابق إنذار ، لأن الكتابة رسالة إنسانية يحملها الكاتب على عاتقه من المهد ويسمو بها شيئا فشيئا ليجعلها حياته التي يعيشها سواء صغر أم كبر ، لكن بلا ألقاب ومن يعود قليلا إلى الوراء لم يجد في كتب الأدب والتراث من يقول الشاعر الفلاني مهماً والكاتب العلاّني عظيما ، بل عاش وقدّم كذا وكذا !! الألقاب التي نطلقها جزافا ستقتل الإبداع والمبدعين وتجعلهم في دوامة فارغة الهدف والمعنى تماما ، لنترك الكاتب في مهمته الرسالية باحثاً ومجرباً وحاملاً مشعل تميزه من خلال ما ينتجه من إبداع في مسار حياته لا أن نقيّده بلقبٍ مهما كان !!!