" المشهـــــــد الأول "
جلست اليمامة ذات يوم مع فرخيها الصغيرين.
قالت لهما وهى تلاعبهما :
صغيرة كنت في مثل سنكما يكسوني الزغب ، والريش فى بدايته أخضر جميلا. وأول ما فعله أبى وأمي، آخذاني إلى الطريق الذي سار عليه أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم.
قالا في صوت واحد ناعم ورقيق :
وهل مر سيدنا إبراهيم بسيناء يا أم ؟.
قالت :
نعم .. مر بسيناء لما حلت مجاعة بأرض فلسطين ، فخرج إلى أرض النيل والخير الكثير ومر من هنا.
قالا :
ومتى نذهب إلى الطريق الذي مشى عليه بقدمية الشريفتين ، لنقبله ونحلق فوقه.
قالــت
. لا تتعجلا ، سنذهب مع أبيكما إلى الطريق وإلى الجبل
قــالا
أي جبل يا أم ؟
قالــت
الجبل الذي فى الوادي المقدس ، وفيه تجلى الله لسيدنا موسى ، ومنه وجه إليه نداء النبوة وأرسله إلي فرعون مصر.
فرحين خفقا بأجنحتهما وقبلا أمهما
قالــت :
أول ما يجب أن تعرفاه فى سيناء الأماكن المقدسة ، وستعرفان المكان الذي جلست فيه مريم العذراء وعيسى ويوسف النجار ، والطريق الذي ساروا عليه.
وراحت اليمامة تحكى لفرخيها عن سيناء التي احتضنت الرسل والأنبياء ، والرهبان ،والقساوسة ، تحكى لهما عن جبالها ووديانها ، تينها وزيتونها ونخيلها ، صخورها ورمالها ، تبين لهما موقعها الفريد ، وتحكى لهما تاريخها المجيد.
" المشهــد الثانــــي"
فرحة نظرت اليمامة إلي فرخيها الصغيرين ..وهما يحلقان من غصن إلي غصن ومن شجرة إلى شجرة ، يرددان بصوت جميل ما علمته لهما :
(الحب الحب ..السلام السلام..العمار العمار)
قالـــت :
. من فضلكما ،لاتبعدا كثيرا عن عشكما، فأنا أخاف عليكما
قالا:
مم تخافين يا أم ونحن نذكر اسم الله الأعلى ونسبح بحمده ونغنى للحب والسلام قالـت :
أخاف عليكما من أم الخراب.
قالا بخــوف :
؟ من أم الخراب
قالــت
البومة ! .. فالبومة تنادى
(الخراب الخراب ..الحرب الحرب ..الدمار الدمار )
أسرعا إلى العش خائفين.
وقالت أمهما :
ليست كل الطيور تنادى بالحب ، وتغنى للسلام ، وتطلب العمار ، فهناك طيور تغنى للحرب والدمار مثل البومة أم الخراب وغراب البين والحدأة.
ولما رأت الخوف مطلا من عيونهما
قالت لتعيد البسمة إليهما :
هل تعلمان أن البومة تحبس نفسها بالنهار؟
قالا :
ولماذا تحبس نفسها بالنهار يا أم ؟
قالت :
!! لأنها تخاف من الحسد ، فتظن أنها أجمل الطيور
راحا يضحكان ، ويصفقان بأجنحتهما.
" المشهـــــد الثالــــث"
ذات يوم جلست اليمامة مع فرخيها ، تحكى لهما عن أبيهما الذي يخرج مع شروق الشمس ويسعى فى فضاء سيناء الواسع بحثا عن حبات قمح أو شعير وقطرات ماء.
تحكى لهما عن رقته وعطفه.
عن عشهما، فلكل قشة ذكرى ، ولكل ورقة حكاية.
قالت :
على غصن الزيتون أقمنا عشا ، أنيقا جميلا متينا ،
لا نخاف فيه حر الصيف ولابرد الشتاء ،
لا أفعى تصعد إليه ولا صقر يهبط عليه.
وبينما هي مسرورة تحكى لفرخيها ، سمعت نعيق بومة ، وصياح غراب ، شعرت
بالخوف ، احتضنت صغيريها وقالت :
. جاءت أم الخراب وغراب البين
قالا:
ماذا يقولان يا أم ؟
لعنة الله عليهما
يقولان :
(الحرب الحرب .. الخراب الخراب ..الدمار الدمار )
قالا بصوت بريء وجميل :
(السلام السلام .. العمار العمار ..الحب الحب )
ازداد الخوف في قلب اليمامة وخرجت من العش لتستكشف ما يجرى، رأت أسرابا من البوم والغربان والحدادى ، يحلقون في الجو وأصواتهم تتردد في كل مكان
( الحرب الحرب ..الخراب الخراب ..الدمار الدمار )
ولم يمض وقت طويل حتى رأت اليمامة الهدهد قادما من بعيد.
قالت بخوف :
ما هذا الذي يحد ث يا هدهد ؟
قال الهدهد :
جاء أولاد القردة يا يمامة ،استعدى ، استعدى للهروب يا يمامة.
قالت اليمامة :
وهل نترك سيناء للبوم والغربان والحدادى ولأولاد القردة والخنازير؟
ومن يذكر فيها اسم الله يا هدهد ويسبح بحمده ؟..أنا لن أغادر سيناء يا هدهد .فأنا أغنى للحب والسلام.
قال الهدهد :
اسمعي يارسولة الحب ويا رمز السلام ، أولاد القردة والخنازير لا يعرفون الحب ولا يغنون للسلام ..فأنا أدرى منك بهم ، استعدى ، استعدى يا يمامة حتى أمر على الكروان والعندليب والبلبل وكل الطيور الجميلة ، لنهاجر أسرابا أسرابا إلى الشاطئ الآخر.
وحلق الهدهد فى الجو ، وترك اليمامة فى خوف وحيرة.
" المشهــد الرابــــع "
فزعة ظلت اليمامة تروح وتجيء ، ومن بعيد رأت زوجها قادما ممسكا في منقاره غصن زيتون ..كاد أن يقع قلبها فى رجليها لما رأت أثار دماء على جناحه الجميل
قالت بخوف واضطراب :
ماذا جرى لك ؟
وراحت تفتش فى جسمه ، فزعت وهى ترى أثار دماء على جناحه ، سقطت الدموع من عينيها.
قال وهو يتألم :
أتعبني البحث عن غيط حبوب ، كل غيط أعرفه وجدته رمادا ، عرفت أن أولاد القردة والخنازير جاءوا وحرقوا الزروع وقطعوا الأشجار ، حزنت للخراب ، وهبطت على جبل أستريح ورحت أذكر اسم الله الأعلى وأسبح بحمده و أغنى للحب والسلام والعمار ،رأيت جنودا منهم أسفل الجبل ، ورآني أحدهم ، صاح قائلا :
لا حب ولا سلام يا رسول الحب ورمز السلام.
وصوب بندقيتة نحوى ، حلقت بسرعة وأنا أرى بنادقهم مصوبة تجاهي وضحكاتهم تعلو وتعلو ، يتراهنون على من يوقعني وأنا في الجو !..رصاصة حفت بجناحي ..آه .. آه .. جناحي يؤلمني ،أ شعر بأن نارا تخرج منه.
قالت اليمامة :
تجلد ،فأمامنا سفر طويل.
وراحت تبكى وهى تنظف له الجرح وتقول :
كم يعز على فراقك يا سيناء!
وتنظر إلى عشها وإلى شجرة الزيتون وتبكى.
" المشهـــد الخامـــــــس"
كانت يمامات على الشاطئ الغربي للقناة ينتظرن اليمامة وزوجها وفرخيها ، ولما وصلوا ..احضرن لهم حبات قمح وقطرات ماء وقلن :
هذا عشكم فاسكنوه ، وكل الأعشاش عشكم، فحبة قمح تشبعنا ، وقطرة ماء تروينا.
شكرتهن اليمامة ، وحلقن حولها ، ورحن يستمعن لها وهى تحدثهم عن نعيق البوم وأزيز الطائرات وصوت المدافع وصياح الغربان ، تحدثهم عن أبناء القردة وأفعالهم المزرية ، ولما سمعت أنات زوجها قامت مفزوعة.
كان الألم قد اشتد عليه ، تأوهاته توجع قلبها ، تقترب منه ، تهدهده ، تمسح على جناحه..قال :
أوصيك يا يمامة إذا أدركنى الموت أن تحتفظي بجثتي فى مكان أمين لا يطولها غراب أو أفعى ، وإذا قدر الله للمصريين أن يحرروا سيناء من أولاد القردة ومن البوم والغربان والحدادى، تحملي رفاتي إلى سيناء وتنثري على قبرى أوراق وأغصان الزيتون.
ولم يحتمل جسده الرقيق الألم وراح يذكر اسم الله الأعلى ويسبح بحمده ، نادى على صغيريه ،قبلهما وطلب منهما أن يرددا وراءه ، قال بصوت متقطع وواه :
ال .. ح ..ب..ال..س..ل..ا.. وذكر الشهادتين في صمت ومات.
" المشهـــد الســادس "
كل يوم تخرج اليمامة وتقف على الشاطئ الغربي للقناة ، وتطيل النظر للشاطئ الشرقي ،وتحلم ..، وبينما هي في وقفتها ساهمة وتحلم ، جاء الهدهد فرحانا منتشيا وقال :
؟! ابشري يا يمامة
قالت اليمامة :
هدهد. هات ما عندك من أخبار يا
قال الهدهـد :
المصريون سيعبرون القناة يا يمامة.
فرحة قالت اليمامة :
. بحق الله يا ملتقط الأخبار ويا عارف الأسرار
قال الهدهد :
بحق الله يا رسول الحب ويا رمز السلام.
قالت :
زدني ، زدني من الأخبار يا صاحب البشارة الطيبة.
قال الهدهد :
لا وقت عندي يا يمامة ..فدعيني أذهب لأبشر الأصحاب ، والأحباب، وما كاد الهدهد يحلق ..مبتعدا عنها حتى رأت الطائرات المصرية تحلق ، والمدافع خرجت من مخابئها بطول القناة ، والجنود يقفزون فى القناة.
مذهولة وقفت تنظر وصيحة الله أكبر التي انطلقت من حناجر الجنود تطغى على صوت الطائرات وطلقات المدافع.
مسرعة جرت إلي قبر زوجها لتجد صغيريها نبشا عنه التراب.
أخرجا عظامه فى "صرة"،احتضنته وقبلته وبللت الدموع عينيها وهى تحمله معهما ، وراحوا يحلقون به فوق الجنود المصريين الذين توغلوا فى سيناء
وفيما كان يفر أولاد القردة والخنازير كان يفر البوم والغربان والحدادى وراحت اليمامة مع بنيها يرددون بفرح :
(الحب الحب ..السلام السلام..العمـار العمـار )
جلست اليمامة ذات يوم مع فرخيها الصغيرين.
قالت لهما وهى تلاعبهما :
صغيرة كنت في مثل سنكما يكسوني الزغب ، والريش فى بدايته أخضر جميلا. وأول ما فعله أبى وأمي، آخذاني إلى الطريق الذي سار عليه أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم.
قالا في صوت واحد ناعم ورقيق :
وهل مر سيدنا إبراهيم بسيناء يا أم ؟.
قالت :
نعم .. مر بسيناء لما حلت مجاعة بأرض فلسطين ، فخرج إلى أرض النيل والخير الكثير ومر من هنا.
قالا :
ومتى نذهب إلى الطريق الذي مشى عليه بقدمية الشريفتين ، لنقبله ونحلق فوقه.
قالــت
. لا تتعجلا ، سنذهب مع أبيكما إلى الطريق وإلى الجبل
قــالا
أي جبل يا أم ؟
قالــت
الجبل الذي فى الوادي المقدس ، وفيه تجلى الله لسيدنا موسى ، ومنه وجه إليه نداء النبوة وأرسله إلي فرعون مصر.
فرحين خفقا بأجنحتهما وقبلا أمهما
قالــت :
أول ما يجب أن تعرفاه فى سيناء الأماكن المقدسة ، وستعرفان المكان الذي جلست فيه مريم العذراء وعيسى ويوسف النجار ، والطريق الذي ساروا عليه.
وراحت اليمامة تحكى لفرخيها عن سيناء التي احتضنت الرسل والأنبياء ، والرهبان ،والقساوسة ، تحكى لهما عن جبالها ووديانها ، تينها وزيتونها ونخيلها ، صخورها ورمالها ، تبين لهما موقعها الفريد ، وتحكى لهما تاريخها المجيد.
" المشهــد الثانــــي"
فرحة نظرت اليمامة إلي فرخيها الصغيرين ..وهما يحلقان من غصن إلي غصن ومن شجرة إلى شجرة ، يرددان بصوت جميل ما علمته لهما :
(الحب الحب ..السلام السلام..العمار العمار)
قالـــت :
. من فضلكما ،لاتبعدا كثيرا عن عشكما، فأنا أخاف عليكما
قالا:
مم تخافين يا أم ونحن نذكر اسم الله الأعلى ونسبح بحمده ونغنى للحب والسلام قالـت :
أخاف عليكما من أم الخراب.
قالا بخــوف :
؟ من أم الخراب
قالــت
البومة ! .. فالبومة تنادى
(الخراب الخراب ..الحرب الحرب ..الدمار الدمار )
أسرعا إلى العش خائفين.
وقالت أمهما :
ليست كل الطيور تنادى بالحب ، وتغنى للسلام ، وتطلب العمار ، فهناك طيور تغنى للحرب والدمار مثل البومة أم الخراب وغراب البين والحدأة.
ولما رأت الخوف مطلا من عيونهما
قالت لتعيد البسمة إليهما :
هل تعلمان أن البومة تحبس نفسها بالنهار؟
قالا :
ولماذا تحبس نفسها بالنهار يا أم ؟
قالت :
!! لأنها تخاف من الحسد ، فتظن أنها أجمل الطيور
راحا يضحكان ، ويصفقان بأجنحتهما.
" المشهـــــد الثالــــث"
ذات يوم جلست اليمامة مع فرخيها ، تحكى لهما عن أبيهما الذي يخرج مع شروق الشمس ويسعى فى فضاء سيناء الواسع بحثا عن حبات قمح أو شعير وقطرات ماء.
تحكى لهما عن رقته وعطفه.
عن عشهما، فلكل قشة ذكرى ، ولكل ورقة حكاية.
قالت :
على غصن الزيتون أقمنا عشا ، أنيقا جميلا متينا ،
لا نخاف فيه حر الصيف ولابرد الشتاء ،
لا أفعى تصعد إليه ولا صقر يهبط عليه.
وبينما هي مسرورة تحكى لفرخيها ، سمعت نعيق بومة ، وصياح غراب ، شعرت
بالخوف ، احتضنت صغيريها وقالت :
. جاءت أم الخراب وغراب البين
قالا:
ماذا يقولان يا أم ؟
لعنة الله عليهما
يقولان :
(الحرب الحرب .. الخراب الخراب ..الدمار الدمار )
قالا بصوت بريء وجميل :
(السلام السلام .. العمار العمار ..الحب الحب )
ازداد الخوف في قلب اليمامة وخرجت من العش لتستكشف ما يجرى، رأت أسرابا من البوم والغربان والحدادى ، يحلقون في الجو وأصواتهم تتردد في كل مكان
( الحرب الحرب ..الخراب الخراب ..الدمار الدمار )
ولم يمض وقت طويل حتى رأت اليمامة الهدهد قادما من بعيد.
قالت بخوف :
ما هذا الذي يحد ث يا هدهد ؟
قال الهدهد :
جاء أولاد القردة يا يمامة ،استعدى ، استعدى للهروب يا يمامة.
قالت اليمامة :
وهل نترك سيناء للبوم والغربان والحدادى ولأولاد القردة والخنازير؟
ومن يذكر فيها اسم الله يا هدهد ويسبح بحمده ؟..أنا لن أغادر سيناء يا هدهد .فأنا أغنى للحب والسلام.
قال الهدهد :
اسمعي يارسولة الحب ويا رمز السلام ، أولاد القردة والخنازير لا يعرفون الحب ولا يغنون للسلام ..فأنا أدرى منك بهم ، استعدى ، استعدى يا يمامة حتى أمر على الكروان والعندليب والبلبل وكل الطيور الجميلة ، لنهاجر أسرابا أسرابا إلى الشاطئ الآخر.
وحلق الهدهد فى الجو ، وترك اليمامة فى خوف وحيرة.
" المشهــد الرابــــع "
فزعة ظلت اليمامة تروح وتجيء ، ومن بعيد رأت زوجها قادما ممسكا في منقاره غصن زيتون ..كاد أن يقع قلبها فى رجليها لما رأت أثار دماء على جناحه الجميل
قالت بخوف واضطراب :
ماذا جرى لك ؟
وراحت تفتش فى جسمه ، فزعت وهى ترى أثار دماء على جناحه ، سقطت الدموع من عينيها.
قال وهو يتألم :
أتعبني البحث عن غيط حبوب ، كل غيط أعرفه وجدته رمادا ، عرفت أن أولاد القردة والخنازير جاءوا وحرقوا الزروع وقطعوا الأشجار ، حزنت للخراب ، وهبطت على جبل أستريح ورحت أذكر اسم الله الأعلى وأسبح بحمده و أغنى للحب والسلام والعمار ،رأيت جنودا منهم أسفل الجبل ، ورآني أحدهم ، صاح قائلا :
لا حب ولا سلام يا رسول الحب ورمز السلام.
وصوب بندقيتة نحوى ، حلقت بسرعة وأنا أرى بنادقهم مصوبة تجاهي وضحكاتهم تعلو وتعلو ، يتراهنون على من يوقعني وأنا في الجو !..رصاصة حفت بجناحي ..آه .. آه .. جناحي يؤلمني ،أ شعر بأن نارا تخرج منه.
قالت اليمامة :
تجلد ،فأمامنا سفر طويل.
وراحت تبكى وهى تنظف له الجرح وتقول :
كم يعز على فراقك يا سيناء!
وتنظر إلى عشها وإلى شجرة الزيتون وتبكى.
" المشهـــد الخامـــــــس"
كانت يمامات على الشاطئ الغربي للقناة ينتظرن اليمامة وزوجها وفرخيها ، ولما وصلوا ..احضرن لهم حبات قمح وقطرات ماء وقلن :
هذا عشكم فاسكنوه ، وكل الأعشاش عشكم، فحبة قمح تشبعنا ، وقطرة ماء تروينا.
شكرتهن اليمامة ، وحلقن حولها ، ورحن يستمعن لها وهى تحدثهم عن نعيق البوم وأزيز الطائرات وصوت المدافع وصياح الغربان ، تحدثهم عن أبناء القردة وأفعالهم المزرية ، ولما سمعت أنات زوجها قامت مفزوعة.
كان الألم قد اشتد عليه ، تأوهاته توجع قلبها ، تقترب منه ، تهدهده ، تمسح على جناحه..قال :
أوصيك يا يمامة إذا أدركنى الموت أن تحتفظي بجثتي فى مكان أمين لا يطولها غراب أو أفعى ، وإذا قدر الله للمصريين أن يحرروا سيناء من أولاد القردة ومن البوم والغربان والحدادى، تحملي رفاتي إلى سيناء وتنثري على قبرى أوراق وأغصان الزيتون.
ولم يحتمل جسده الرقيق الألم وراح يذكر اسم الله الأعلى ويسبح بحمده ، نادى على صغيريه ،قبلهما وطلب منهما أن يرددا وراءه ، قال بصوت متقطع وواه :
ال .. ح ..ب..ال..س..ل..ا.. وذكر الشهادتين في صمت ومات.
" المشهـــد الســادس "
كل يوم تخرج اليمامة وتقف على الشاطئ الغربي للقناة ، وتطيل النظر للشاطئ الشرقي ،وتحلم ..، وبينما هي في وقفتها ساهمة وتحلم ، جاء الهدهد فرحانا منتشيا وقال :
؟! ابشري يا يمامة
قالت اليمامة :
هدهد. هات ما عندك من أخبار يا
قال الهدهـد :
المصريون سيعبرون القناة يا يمامة.
فرحة قالت اليمامة :
. بحق الله يا ملتقط الأخبار ويا عارف الأسرار
قال الهدهد :
بحق الله يا رسول الحب ويا رمز السلام.
قالت :
زدني ، زدني من الأخبار يا صاحب البشارة الطيبة.
قال الهدهد :
لا وقت عندي يا يمامة ..فدعيني أذهب لأبشر الأصحاب ، والأحباب، وما كاد الهدهد يحلق ..مبتعدا عنها حتى رأت الطائرات المصرية تحلق ، والمدافع خرجت من مخابئها بطول القناة ، والجنود يقفزون فى القناة.
مذهولة وقفت تنظر وصيحة الله أكبر التي انطلقت من حناجر الجنود تطغى على صوت الطائرات وطلقات المدافع.
مسرعة جرت إلي قبر زوجها لتجد صغيريها نبشا عنه التراب.
أخرجا عظامه فى "صرة"،احتضنته وقبلته وبللت الدموع عينيها وهى تحمله معهما ، وراحوا يحلقون به فوق الجنود المصريين الذين توغلوا فى سيناء
وفيما كان يفر أولاد القردة والخنازير كان يفر البوم والغربان والحدادى وراحت اليمامة مع بنيها يرددون بفرح :
(الحب الحب ..السلام السلام..العمـار العمـار )