حسن طلب لــ(البيان): اشعر بالخجل عندما اتحدث عن جمال الشعر بينما المذابح في كل مكان

بعد مرحلة الاحياء الشعري في بداية هذا القرن, والتي حمل لواءها امير الشعراء احمد شوقي, ومحمود سامي البارودي, وحافظ ابراهيم, بدا ان حركات تطور الشعر العربي في مصر تسير في مركب الجماعات الشعرية فبعد مرحلة الاحياء جاءت مرحلة التجديد وقادتها جماعة (الديوان) التي تألفت من العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري , وكان الشعار هو تحقيق وطأة الكلاسيكية الجديدة وربط الشعر بالوجدان الانساني, بعد ذلك حمل لواء التجديد الرومانسيون وجماعتهم (ابو للو) وكان على رأسها احمد زكي ابو شادي وابراهيم ناجي, وبالرغم من ان الخمسينات والستينات شهدتا تطورا حاسما في الشعر العربي, على مستوى شكل القصيدة ومضمونها وكان من نتائجه ربط الشعر بحركات النهوض السياسي والاجتماعي العربي, وصهره في أتون معارك التحرر والعدالة الا ان ذلك لم يتم عبر جماعات شعرية رغم وجود رموز كبيرة مثل صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقانوي واحمد عبد المعطي حجازي في اواخر السبعينات ظهرت الجماعات الشعرية مرة اخرى فكانت جماعة (اضاءة 77) وجماعة (اصوات) وكان الاهتمام بشكل الشعر باعتباره مجرد تشكيل لغوي جمالي, اهم مما سواه لدى الجماعات الجديدة, الشاعر حسن طلب. وهو استاذ للفلسفة بجامعة حلوان الان كان على رأس مؤسسي جماعة (اضاءة) , الجديد ان حسن طلب يراجع الآن القناعات النظرية والجمالية التي انطلقت منها الجماعة ويطالب بضرورة تغييرها صحيح ان الجماعة تفرقت شيعا لان الشعر في جوهره مشروع فردي, الا ان رؤاها النظرية لاتزال مؤثرة في المشهد الشعري الراهن, بشكل او بآخر وعلى رأس هذه المؤثرات فكرة عزل الشعر عن الصراع السياسي والاجتماعي الذي يضطرم في الواقع العربي كأشد مايكون, حسن طلب اصدر مجموعات شعرية هي: (وشم على نهدي فتاة) و (سيرة البنفسج) و (زمان الزبرجد) و (أزل النار في أبد النور) و (آية جيم) و (لانيل الا النيل) و (صبابات) . - هل مازلت تعتقد في صحة القناعات النظرية التي روجتها جماعة (إضاءة) وسار على هديها شعراء السبعينات في كتابة الشعر؟ ــ منذ عدة سنوات وهناك احساس جارف لدى شعراء السبعينات ان عليهم ان يراجعوا تجربتهم وان يواجهوها مواجهة نقدية فيها شىء من مواجهة النفس ومراجعة القناعات النظرية والجمالية وعليهم في اتجاه آخر ان يراجعوا ما يتعلق بأسلوب العمل من اجل قيام قصيدة حقيقية ووصولها الى الناس. - كيف؟ ــ عليهم ان يجيبوا على سؤال محدد: هل فكرة ان الشعر في جوهره مجرد تشكيل لغوي جمالي, وهل هذه الفكرة صحيحة الآن؟ وهل يمكن ان يكون الشعر البسيط المباشر مرفوض لانه خال من مستويات التركيب المعقدة؟ - ماهي اجاباتك انت على هذه الاسئلة؟ ــ أنا بدأت في الاقتناع بأن على الشاعر اليوم ان يخرج من أسر هذه النظرة الواحدة, والصيغة المنغقلة على قناعات معينة, ويحاول ان يختبر افكارا جديدة, ويكون قادرا على ان يوظف جميع العناصر الممكنة في التجربة الشعرية, حتى المباشرة والخطاب الجهير. وان يوظف الخطاب التحريضي جماليا داخل عمل فني مركب وبدأت احس ان الشعر ليس له تعريف واحد ثابت لايأتيه الباطل وانما هناك تعريفات عدة للشعر وجميعها يكمل بعضها البعض والعبرة ليست بالمنطلق النظري في النهاية بقدر ما هي قدرة الشاعر على ترجمة هذه القناعات النظرية الى عمل فني محسوس تتجسد فيه وتصل من خلاله الى الناس واصبحت احس بمشاعر لم اكن احس بها من قبل اصارحك انني احس بالخجل من رؤية المذابح التي يعيشها العرب في هذا القطر او ذاك ونحن نتحدث عن التشكيل الجمالي في الشعر. - هل هذا معناه انك تتنكر لقناعاتك السابقة.. او ان هذه القناعات قد انتهت؟ ــ الى حد كبير هي في مرحلة جديدة لا أقول ان فيها تنكر للقناعات السابقة ولكن على الاقل هي تغيير للجلد الذي تعفن واصبح غير ملائم للجسد واصبحنا مطالبين بتغيير هذا الجلد وليس معنى هذا التنكر لما سبق وانما من العناصر السابقة يبزغ الجديد, وينهض على اساسها. اضاءة 77 - من خلال تجربتك السابقة, كواحد ممن اسسوا جماعة (إضاءة 77) الشعرية هل تعتقد الآن ان اسلوب (الجماعة الشعرية) مازال صالحا لقيام حركة شعرية وتقديم انتاج شعري يرفع لواء التجديد والتحديث؟ ـ أنا رأيي ان الجماعة يمكن ان تصلح لفترة محددة, هي الفترة التي تكون فيها الاولوية لحجم الاتفاق بين اعضاء الجماعة, بغض النظر عن الاختلافات وعندما تكونت (اضاءة) و (اصوات) كان العنصر الحاسم في تكوين هاتين الجماعتين هو ما اتفق عليه اعضاؤهما وكنا نتناسى مؤقتا ما نختلف عليه وهذا يمكن ان يجعل عمل الجماعة يستقر الى حين هذا الحين مشروط ببداية ما كنا تجاهلناه من اختلافات واظن ان الأولوية الان للاختلافات ولذلك تفككت الجماعتان, فالشعر في النهاية مشروع فردي في انتاجه وفي التخطيط له ودرجة الطموح التي تحكم مستقبل الشعر. هذا المشروع الفردي يجعلك تقف دائما عند ماتختلف به عن الاخرين اي عندما تتميز به عنهم فالمراجعة الان حتى في أسلوب العمل اصبحت في مصلحة المرحلة الجديدة وساعد على ذلك الحركة النقدية واصبح هناك فرز واصبح شعراء السبعينات معدودين. - بالمناسبة انا رأيي ان جماعات الشعر في السبعينات اهتمت بالنقد اكثر من الشعر او بالتنظير اكثر من الابداع؟ ـ السبب ان السنوات العشر الاولى منذ تأسيس جماعة (إضاءة) اي منذ عام 1977 حتى 1987 كانت فترة قحط نقدي لم يكن هناك عمل نقدي جيد, ومسؤول يقوم بتعريف الناس بتجربة شعراء السبعينات ولكن ماتم من تقديم جاء بعد ذلك لهذا وقع على كاهل شعراء السبعينات تقديم اجتهادات نقدية ونظرية للتعريف بالتجربة وسبر اغوارها. قصيدة النثر والنقد - الآن هناك اتجاه نقدي يرى ان قصيدة النثر هي اتجاه المستقبل وان تحديث القصيدة العربية يجب ان يمر من خلال تقنية هذه القصيدة, انت كيف تنظر الى هذا النمط من الكتابة وكيف ترى الاتجاه النقدي المفيد له؟ ــ أصبحت لا أصدق الدعاوى النقدية كثيرا اصدق الشعر فقط ولكن أين هو الذي يمكن ان نشير اليه ونقول هذا هو الشعر الحداثي؟ انت ترى دواوين واعمالا كثيرة تنشر ولكن لاتكاد تحدد ان هذا العمل تجسدت فيه الحداثة ولا تستطيع ان تقول ان هذا العمل متفرد بعينه.. هناك اصوات كثيرة متشابهة, تجمعها هموم صغيرة مقيدة بشىء واحد هو تفاصيل الحياة اليومية.. والهموم الذاتية المغرقة في ذاتيتها وانا ارى ان طرح هذه الرؤية على انها وحدها هي الشعر ضد روح الحداثة. - إذن ماهي الحداثة من وجهة نظرك وكيف تتحقق في الشعر؟ ـ الحداثة هي التنوع وفيها من المرونة مالا يجعلها تقصر الشعر على مفهوم واحد, فكيف تكون الحداثة في الاصرار على ان النثر وحده هو الشعر, وان التخلي عن القضايا العامة هو شرط الشاعرية, هؤلاء يضعون شروطا مسبقة ويرفضون ماعداها وهذا ليس من الحداثة في شىء, الحداثة ان تعرف انك لست وحدك في هذا العالم وان رؤيتك يجب ان تكون في امتحان مستمر ومراجعة مستمرة اما الاصرار على هذه الشروط الجامدة يجعلني ارى ان القصيدة الحداثية التي يكتبها الشباب في منطلقاتها لاتختلف عن القصيدة العمودية التي يكتبها المحافظون فهما في النهاية متفقان في الرؤية ولكن من ناحيتي ايضا ارى ان هناك شعرا جيدا مكتوبا بقصيدة النثر مثل بعض اعمال ادونيس, والماغوط وانسي الحاج, وسعدي يوسف, ولكنني ابحث في شعر الشباب فأرى اصداء لاصوات اخرى, وفي الوقت نفسه ارى ان شعر التفعيلة قادر على ان يستمر والشاعر الجيد قادر على ان يستنبط انساقا جديدة من التفعيلة. التمرد في شعر الشباب - يبدو ان هناك ظاهرة اصبحت ملفتة في شعر الشباب, وهي ظاهرة التمرد على المحرمات وبالاخص المحرمات الدينية والجنسية.. كيف تنظر الى هذه الظاهرة؟ - هذه مثل كل الظواهر لها اكثر من وجه وشأنها شأن اية ظاهرة اخرى, فأنا اقبل ان يحاول شاعر مثل ابي نواس ان يتمرد على المطلقات طالما ان فكرة التمرد قائمة في صورة وبنية, وقد لا اوافقه على مايصل اليه ولكن المشكلة ان هناك من صغار الموهبة من يحاولون انتهاك المقدسات ليعوضوا بذلك غياب الموهبة وتهافتها وهم يفعلون ذلك ويستثمرونه استثمارا غير فني فهناك اناس يسعدون حين تصادر اعمالهم لكونها تمتلىء بانتهاكات لامبرر لها, انا اقبل فكرة التمرد حين تكون جزء من رؤية الشاعر للعالم مع افكار عصره. وأنا اعرف اناسا متدينين يهيمون حبا في شعر ابي نواس الشاعر, هنا أرغمهم على ان يعجبوا بشعر هم ضد الافكار التي يروج لها لأن الافكار في مثل هذا الشعر لم تعد الاهم بقدر الصياغة اللغوية وامتلاك ناصية الشعر. - هل النقاد يقومون بدورهم في فرز الاعمال لتبيان التمرد الحقيقي والتمرد الزائف؟ ــ دائما فرز الاعمال التي تدعي التمرد, وتدعي الانتهاك بدون مؤهل حقيقي, هو دور الحركة النقدية حتى لايختلط الحابل بالنابل لكن النقاد منشغلون الآن بأشياء ايسر بكثير من هذا المجهود الخاص بالفرز والنقد والتوضيح.. هم مشغولون بالجوائز والمصالح الصغيرة انت ترى نقادا تعبوا كثيرا في تأسيس رؤاهم النظرية بما يجعلك تتوقع منهم نقدا تطبيقيا مسؤولا ولكنهم يخيبون ظنك فيرفعون من شأن الاعمال التافهة لاسباب لاعلاقة لها بالشعر ويتجاهلون الاعمال الجيدة لانها ليست على طريق المصالح.

حوار ـ فتحي عامر
التاريخ: 17 أغسطس 1998

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الجماعات والمدارس والحركات والصالونات الأدبية
المشاهدات
778
آخر تحديث
أعلى