عبد الرزاق الشيخ علي - فضول.. قصة قصيرة

وقف بباب مجحره منتصب الاذنين نشط الانف وشمل المكان بنظرة ثاقبة من عينيه اللامعتين. كان الهدوء شاملاً إلا من انفاس منتظمة مالوفة طالما اصاخ اليها بشغف ولذة. ونقر قوي سريع على الواح شفافة بيضاء ألفه في هذا الفصل وفي الشتاء الماضي عندما كان يسعى وئيداً في طلب غذائه بعد ان ذهبت امه في رحلة غامضة.
اطمأن إلى ما حوله فرفع يديه الدقيقتين واعتلى حافة البساط بخفة ومضى يستعرض ما عليه فلم يجد ما يسترعي انتباه معدته واسنانه فتلك الصحف المبعثرة على البساط والكتب المرصوفة في المكتبة والملابس الموضوعة بالدولاب، يعمل فيها اسنانه في غير هذه الساعة التي يستقبل فيها أنفه رائحة طيبة وهناك هناك فوق هذه القوائم الطويلة.
لم يلاق كبير صعوبة في اعتلاء صدر المنضدة. ولم يكن يرى الجبن موضوعاً بين الخبز والفاكهة حتى هز ذنبه طرياً واطبق عليه باسنانه الدقيقة بنشاط عظيم.
احس بامتلاء بعد قليل، فتوقف عن القرض ورغب في اللعب. طفق يلهو بقطعة الجبن فاهتزت الكأس في مكانها فراقه ذلك الاهتزاز. ونشط في استدامته. ضربها برأسه ورفعها بجنبه ويديه، وفجأة مالت الكأس وانقلبت على قطعة الجبن وسال بعض ما فيها على رأسه، مكث برهة يحدق في السائل الابيض والكأس المائلة، وكان النقر مستمراً وكذلك الانفاس المنتظمة فدفعه الفضول الى رفع يديه والوقوف على قدميه، وادخل رأسه في الكأس فتأثر برائحة قوية كانت تفوح منها وشرب الثمالة.
مضت فترة والجرذ واقف في مكانه لخدر اصاب اطرافه وحرارة تصاعدت الى رأسه. اشياء لا عهد له بها تتحرك فيه، يداه تطولان! رجلاه تتضخمان! فمه يتسع لالتهام القطط كلها مرة واحدة وانطلق يرقص نشوة وانتشاء غب برهة وجوم وجحوظ انه ينمو.. انه يكبر سيمزق صدور القطط بمخاله الفولاذية ان جرؤت على اعتراض سبيله في الخروج من وراء هذه الجدران الضخمة العالية، آه.. هذا زميل جديد.. وقفز عليه ينشد معانقته وتقبيله لكن وجهه ارتطم بصفحة المرآة بشدة.. فتراجع وهو يحملق متعجباً في ذلك الجرذ الذي يضرب من ينشد صداقته.. وتهيأ للقتال بيد ان الانفاس التي تحولت الى شخير عالٍ صرفته عن العراك واسترعت انتباهه، اندفع نحو السرير واعتلاه.
كان قد الف انفاس صاحبه واعتاد النظر الى وجهه اثناء تطوافه.. لكن الوقار كان قد زايله في ذلك اليوم وتملكه الفضول في معرفة ما في داخل الثقبين اللذين يخرجان تلك الاصوات العالية، مد ذنبه بهدوء وفي هذه اللحظة انفتح الباب ببطء واحتراس وارتفع في جو الغرفة عطاس سمر الجرذ في موضعه، وبينما هو يحاول الحركة سقط عليه شيء انتزعه من مكانه بشدة وقذفه بعيداً.. وكان القط الذي دخل الغرفة قبل هنيهة يتأمل ذلك المشهد متحفزاً فما كاد الجرذ يرتطم بالجدار حتى وثب عليه بخفة وحماس عظيمين ورددت الحيطان صدى قهقهة وتصفيق.
أعلى