عماد فؤاد - البيتلز هم البيتلز.. أربعة لا خامس لهم

✦ تشكّلت فرقة البيتلز البريطانية الشهيرة في ليفربول عام 1960، لتغزو العالم كلّه في ما بعد، تحت قيادة مؤسّسيها الأربعة الرئيسيين: جون لينون، وبول مكارتني، وجورج هاريسون، ورينغو ستار، لتشكّل الفرقة الطليعية، منذ تلك اللحظة، تحوّلاً جذرياً في صناعة الموسيقى في العالم أجمع، وجزءاً لا يتجزّأ من تطوّر الثقافة المضادة في الستينيات. هذا الحراك الفنّي الذي أثمر في النهاية، ورغم تفكّك الفرقة واختفائها لاحقاً، عن الاعتراف بالموسيقى الشعبية كإحدى المنابع الفنّية الضرورية لأيّ موسيقى عصريّة.
انتمت جذور البيتلز الفنّية إلى موسيقى "روك أند رول"، التي هيمنت على خمسينيات القرن الماضي، إلا أنّ الفرقة الشّابة، أحدثت ثورة حقيقيّة في العديد من جوانب صناعة الموسيقى الغربية والعالمية، ليمتدّ تأثيرها سريعاً إلى بقاع مختلفة من العالم، خصوصاً بعد انفتاح أعضاء الفرقة على أنواع وأشكال مختلفة من الموسيقى، فرصّعوا أغنياتهم بلمسات من الموسيقى الكلاسيكية والبوب والهارد روك والموسيقى الهندية.
اليوم، بعد مرور 60 عاماً من البداية النارية للفرقة الموسيقية الأشهر في العالم عام 1960، و50 عاماً على انطفائها الذي لم يتوقّعه أحد عام 1970، يصدر كتاب جديد في العاصمة الهولندية أمستردام، باحثاً عن أسطورة "البيتل الخامس" The fifth Beatle، تحت عنوان De Vijfde Beatle، وهو "اللقب" الشّرفي الذي نشأ عام 1964، حين أعلن الأميركي موراي ذا كيه Murray The K نفسه "البيتل الخامس"، بعد انتشار فرقة البيتلمانيا Beatlemania في الولايات المتحدة، وقال ذا كيه حينها إنّه ساهم في نجاح البيتلز، بفضل الترويج الكبير الذي أسداه للفرقة، عبر التغطية الإذاعية التي قام بها لجولتهم في فبراير/ شباط 1964 في نيويورك.
↩ الخانة الشاغرة
منذ تلك اللحظة، تحوّل مصطلح "البيتل الخامس" إلى ما يشبه "الخانة الشاغرة"، التي يريد كلّ من كان بالقرب من رباعي البيتلز يوماً ما أن يحتلّها لنفسه. وربّما يكون من أهم المتنازعين على اللقب: براين إبستين (1934-1967)، مدير الفرقة منذ عام 1961، هو الذي حصل في النهاية، وبعد رفض الفرقة المتكرر من قبل شركات التسجيل الكبرى، على أول عقد قياسي للبيتلز مع شركة Parlophone لتسجيل أغنياتها، وهي إحدى علامات EMI العملاقة. كما كان أبستين المسؤول عن صور الفرقة الفوتوغرافية، واستطاع أن يروّج لها بنجاح لافت.
كان إبستين أيضاً هو الشخص الذي أبعد بيت بست، عازف الدرامز الأصلي، عن رباعي البيتلز، ما سمح لرينغو ستار الانضمام إلى الفرقة. لكن بوفاة أبستين المفاجئة عام 1967، فقد رباعي البيتلز ركناً مهمّاً من فرقتهم، ما عجّل بتفكّك المجموعة عام 1970.
كذلك، يأتي على رأس قائمة الأحقّ بلقب "البيتل الخامس"، جورج مارتن، الذي كان مديراً لشركة Parlophone عندما سجّلت الفرقة أعمالها الأولى لصالحها عام 1962. رأى مارتن النجاح الذي ستحقّقه الفرقة الشابة على الفور، وساهم فيه بقوة.
كان جورج مارتن منتجاً ومساعداً ومستشاراً لرباعي البيتلز: لينون، ومكارتني، وهاريسون، وستار، واستطاع على مدار ستّة عقود فى صناعة الموسيقى، أن ينتج جميع تسجيلات البيتلز تقريباً، كما ساعد في إعداد وإنتاج مجموعة من أهم أعمال الفرقة، من بينها Yesterday وLove me Do، وترصد سيرته الذاتية المنشورة عام 1979، اكتشافه البيتلز وكيف صنع منهم أهم فرقة موسيقية في العالم آنذاك.
↩ 64 منافساً
يقدّم الكتاب، في تأريخ بديل لفرقة البيتلز وثقافة البوب الموسيقية بعد عام 1960، ما نستطيع تسميته معجماً كاملاً بأسماء 64 شخصاً، ادّعوا في وقت ما أنّهم الأحقّ بلقب "البيتل الخامس". جهد كبير من مؤلفي الكتاب الهولنديين: يوهن سخورل وباول أونكينهاوت، اللذين بدآ بنشر مشروعهما مسلسلاً بصحيفة "ده فولكس كرانت" الهولندية على مدى الأعوام الخمسة الماضية، كاشفين من خلال مقالاتهما عن عشرات الأسماء التي يحقّ لها أن تكون، في مرحلة ما، الأجدر بلقب "البيتل الخامس" من يوكو أونو حبيبة جون لينون وزوجته لاحقاً، وبوب ديلان، وبريان ويلسون الذي لُقِّب بأفضل كاتب أغانٍ أميركي في جيله، وصولاً إلى جيمي نيكول الذي حلّ محل رينغو ستار في جولة البيتلز الموسيقية في هولندا عام 1964، وإريك كلابتون الذي عزف While My Guitar Gently Weeps منفرداً، وبيلي بريستون عازف الأورغ الذي لمع وسط رباعي البيتلز عام 1969.
في مقدّمتهما القصيرة للكتاب، يشير المؤلفان إلى أنّ جون لينون كان ينتقد كلّ من ادّعى الفضل، أو زعم مساهمته، في نجاح فريق البيتلز، بمن فيهم أفراد البيتلز أنفسهم! لذلك، نستطيع تخيّل غضب لينون من المطالبين بأن يُعترف بهم على أنّهم "البيتل الخامس". في مقابلة له عام 1970، قال لينون غاضباً: "أنا لست البيتلز، أنا لينون، بول مكارتني ليس البيتلز، لا بريان إبستين ولا ديك جيمس، البيتلز هم البيتلز".
كان لينون أيضاً ينتقص من أهمية منتجهم الموسيقي جورج مارتن، على الرغم من التجديد الكبير الذي أحدثه مارتن على جميع تسجيلات الفرقة، وهو ما عارضه بول مكارتني لاحقاً بقوة، فقال في مقابلة له مع بي بي سي عام 1997: "إذا كان أي شخص يستحق لقب البيتل الخامس، فهو مدير الفرقة براين أبستين". لكن مكارتني عاد ومنح اللقب الشاغر إلى جورج مارتن في كتاب تذكاري عنه، صدر بعد وفاة مارتن في مارس/آذار 2016 عن 90 عاماً.
↩ إنصاف متأخّر
من المؤكد أن بول مكارتني أراد إنصاف المنتج جورج مارتن ولو ميِّتاً، لكنه إنصاف تأخّر كثيراً. قفي عام 2006، عمل مارتن مع ابنه غيلز على تأليف عرض غنائي بعنوان "حب" استوحاه من مسيرة البيتلز، وأنتجته شركة "سيرك دو سولي" الفرنسية الشهيرة، وعرض في لاس فيغاس، وحصل العرض على جائزتي غرامي، كما أدخل العرض نفسه جورج مارتن، إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بوصفه أنجح منتج موسيقي على الإطلاق، بعد إنتاجه أكثر من 50 تسجيلاً موسيقياً احتلّت المراكز الأولى على مدار خمسة عقود في الولايات المتحدة وبريطانيا.
كذلك حُرم ستيوارت ساتكليف، عازف الغيتار الأصلي في فرقة البيتلز حتى وفاته المفاجئة وهو في الـ21 من عمره، من الفوز باللقب، على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه ساتكليف في الفرقة حتى رحيله المبكر، فقد كان ساتكليف ركناً أساسياً في الفرقة منذ أقنعه لينون ومكارتني بشراء غيتار والعزف معهم في الفرقة الناشئة، ويعود الفضل في اختيار اسم The Beetles للفرقة إلى ساتكليف وجون لينون، وقد استوحياه من اسم فرقة The Crickets الأميركية لموسيقى الروك آند رول. بدأ ستيوارت ساتكليف عزفه مع فرقة البيتلز في مدينة هامبورغ الألمانية، وهناك تعرّف على صديقته أستريد كيرشر، التي تولّت في ما بعد مهمّة تصميم تسريحات شعر أعضاء البيتلز، ما منحها الحقّ هي الأخرى في أن تطمع في لقب "البيتل الخامس" فاتحة الباب أمام نساء أخريات.
↩ نساء حول البيتلز
يضع الكتاب يوكو أونو، في مرتبة أقوى العناصر النسائية التي ساهمت في نجاح فرقة البيتلز، وهي فنانة أميركية من أصل ياباني تزوجت جون لينون عام 1969، واستمرت بعد اختفاء البيتلز في تقديم موسيقاها بنفسها، من خلال فرقتها الموسيقية التي عُرفت باسم The Plastic Ono Band.
كما لا ينسى المؤلفان إدراج سينثيا باول، الزوجة الأولى لجون لينون وحبيبة طفولته، التي تزوّجها لينون عام 1962، لكنّه هجرها فجأة بعدما أصبحت حاملاً في طفلهما الأول جوليان، وارتبط بعدها بأونو. وفي هذا الصدد، يورد الكاتبان أنّ سينثيا باول عانت طويلاً من خيانات لينون لها، حتى أنّه في أغنيته الشهيرة Norwegian Wood يعترف بخيانته هذه، لكن بطريقة لم تكتشفها سينثيا إلا متأخراً جداً.
عظماء آخرون ضمهم الكتاب، معرِّفاً بهم وبالعلاقات التي ربطت بينهم وبين رباعي البيتلز، مثل الملاكم العالمي محمد علي كلاي، ولاعب الكرة الهولندي يوهان كرويف، وعازف الهارمونيكا البلجيكي توتس تيلمانس، إلا أنّ العديد من الأسماء لم يؤرخ لها المؤلفان، وإن أشارا إليها في خاتمة الكتاب، وعلى رأسهم إلفيس بريسلي، وفيل سبيكتور، وليتل ريتشارد.
كانت العلاقات بين هؤلاء جميعاً وفرقة البيتلز متنوعة ومختلفة في ظروفها وملابساتها، ارتبط البعض منهم بشكل مباشر بنجاح الرباعي، في حين ألهم البعض الآخر الفرقة بالأغاني. كذلك، ينتقي المؤلفان، كلٌّ على حدة، في نهاية الكتاب، أفضل 10 أغانٍ لفريق البيتلز، بالإضافة إلى أسماء الأفراد العشرة الأحقّ، من وجهتي نظريهما، للحصول على لقب "البيتل الخامس".




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى