يعتقد البعض أن جائحة كورونا سوف تنتهي من العالم إلى غير رجعة مع طلوع نجم الثُرَيَّا عند قدوم الصيف في شهر مايو, ولعل الذين قالوا بوجود علاقة بين طلوع نجم الثُرَيَّا وبين زوال جائحة كورونا استندوا في مزاعمهم الباطلة هذه إلى الحديث الضعيف الذي يقول:«ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رفع», والذي فهموا من خلاله أنه إذا انتشر الوباء أوتفشى وباء فإن الله يرفعه وقت ظهور نجم الثُرَيَّا والذي يوافق كل عام يوم 12مايو لأنه يكون بداية قدوم الصيف. وكان الدافع لهم في ذلك هو اعتقادهم الخاطئ الناتج عن سوء فهمهم للأمور الشرعية, واعتمادهم على غير المتخصصين في معرفة صحيح الدين.
أما الحديث الذي استشهدوا به فقد أورده بهذا اللفظ الإمام البوصيري في كتاب«إتحاف السادة المهرة بزائد المسانيد العشرة»,حديث(3383)4/436, وقال: رواه مسدد بسند ضعيف لضعف عسل بن سفيان.
وأما أصل هذا الحديث فرواه الطحاوي في كتاب«مشكل الآثار»حديث رقم(2427) من حديث عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ وَبقُومُ عَاهَةٌ إِلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفَّتْ».
قال أبو جعفر- الطحاوي: فعقلْنَا بذلكَ أَنَّهُ على طلوعها صباحًا طلوعًا يكونُ الْفجر بِه، وطلبنا في أَيِّ شهرٍ يكون فيه ذلك من شهور السَّنَةِ على حساب الْمصرِيِّينَ؟ فَوجدناه«بَشَنْسَ»، وطلبنا الْيوم الَّذي يكون فيه ذَلك في طلوعِ فجرِه من أَيَّامهِ فَوجدناه الْيَوْمَ التَّاسِعَ عَشَرَ من أَيَّامهِ، وطلبنا ما يقَابل ذَلك من«الشُّهُورِ السُّرْيَانِيَّةِ»الَّتي يعتبر أَهل الْعِراقِ بِهَا ذَلك فَوجدناه«أَيَارَ», وطلبنا الْيوم الَّذي يكون ذَلك في فَجرِهِ فَإِذَا هو الْيَوْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ من أَيَّامهِ, وهذَانِ الشَّهران اللَّذَانِ يكون فيهِما حَمْلُ النَّخْلِ- أَعْنِي بِحَمْلِهَا إِيَّاهُ ظُهورهُ فيها لَا غير ذَلك - وتُؤْمَنُ بِالْوَقْتِ الَّذي ذَكرْناه منْهمَا عليهَا الْعاهةُ الْمَخُوفَةُ عَلَيْهَا كانت قَبْل ذَلك.
ولنا وقفه مع هذا الحديث لمعرفة حكمه من حيث الصحة والضعف, ومعرفة الفوائد التي تضمنها.
هذا بالإضافة إلى معرفة الغرض المقصود من كلام الطحاوي في تعقيبه على الحديث.
أولا: تخريج الحديث لمعرفة المصادر التي روته.
الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة, وأحمد بن حنبل, والبزار, والطبراني في«الصغير», والطحاوي في«مشكل الأثار» واللفظ له, كما أورده الإمام البوصيري في«إتحاف السادة المهرة بزائد المسانيد العشرة»حديث(3383)4/436.
وقال : رواه مسدد بسند ضعيف لضعف عسل بن سفيان.
كما ذكره الهيثمي في كتاب«مجمع الزائد»(4/103), وغزاه لأحمد, والبزار, والطبراني في«الصغير»,ثم قال الهيثمي: وفيه عسل بن سفيان وثقه ابن حبان. وقال: يخطئ ويخالف وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
ثانيا : الحكم على إسناد الحديث من خلال أقوال أئمة الجرح والتعديل لمعرفة درجة صحته من عدمها
الحديث إسناده ضعيف لأن فيه عسل بن سفيان اليربوعي التميمي أبو قرة.
وهذه أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في«العلل»(2626):سمعت أبى يقول: عسل بن سفيان ليس هو عندي قوى في الحديث. وقال ابن هانئ في«مسائله»(2281)عن الإمام أحمد: حديثه ليس بالقوي.
وقال المروذي في «العلل»(149(: سألته - يعنى أحمد بن حنبل عن عسل بن سفيان، فلين أمره.
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: عسل بن سفيان ضعيف.
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث.[«الجرح والتعديل»لابن أبي حاتم]
وقال البخاري في«التاريخ الكبير»: فيه نظر.
وقال ابن عدي«الكامل في ضعفاء الرجال»: وَهو قليل الحديث ومع ضعفه يكتب حديثه.
وذكره ابن حبان في كتاب«الثقات» فقال: يخطىء وَيُخَالف على قلَّة رِوَايَته.
كما ذكره ابن حبان كذلك في كتاب«المجروحين» فقال: كَانَ قَلِيل الحَدِيث كثير التفرد عَن الثِّقَات مَالا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات على قلَّة رِوَايَته وَلَا يتهيأ الِاحْتِجَاج بانفراد من لم يسْلك سنَن الْعُدُول فِي الرِّوَايَات على قلَّة رِوَايَته ودخوله فِي جملَة الثِّقَات إِن أَدخل فيهم وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ.
كما ذكره الدارقطني في كتاب«تعليقات على كتاب المجروحين» ونقل عن أَحْمد بْن حَنْبَل تضعيفه له.
كما ذكره أبو الفتح الأزدي في كتاب«ذكر اسم كل صحابي ممن لا أخ له يوافق اسمه»(353), وقال: فيه شيء.
وخلاصة القول في الراوي عسل بن سفيان: هو ضعيف. تبين ضعفه من خلال أقوال العلماء فيه.
ثالثا: معرفة الغرض المقصود من كلام الطحاوي في تعقيبه على الحديث.
الإمام الطحاوي سار على نهج العلماء في الاستدلال على عدم جواز بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها.
وهذا ظاهر في كلامه عن حمل النخل. واستدل بهذا الحديث الذي ثبت ضعفه, كما استدل بغيره من الأحاديث الصحيحة التي تفي بالغرض المقصود.
وإذا ما تأملنا في كلام الإمام الطحاوي من خلال تعقيبه على الحديث المذكور علمنا أنه من المفترض أن ظهور«نجم الثُرَيَّا» في كل عام يكون في اليوم التاسع عشر من شهر«بَشَنْسَ», وهو من الشهور القبطية, والذي يوافق اليوم الثاني عشر من شهر«أَيَارَ»السرياني, وهو المعروف بشهر مايو في الشهور الميلادية.
لكن هذا الاستنتاج الذي توصل إليه الإمام الطحاوي غير دقيق من خلال الحسابات الفلكية الحديثة.
بدليل أن يوم 19«بَشَنْسَ»هذا العام 1737قبطي يوافق يوم27«أَيَارَ» مايو وهو كذلك كل عام.
والجدير بالذكر أن طلوع نجم الثريا ورد ذكره كذلك في الأحاديث الثابتة الصحيحة والتي رواها البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم, لكن ذكره متعلق بمسألة النهي عن بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها, وليس له أي علاقة مطلقا بزوال الجوائح الكبرى التي تصيب العالم بأثره.
روى البخاري في«الصحيح » حديث(2193), من حديث خارجة بن ريد بن ثابت:«أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ». ففي هذا الحديث تصريح بذكر طلوع الثُّرَيَّا, وأن بيع الثمار مرتبط به باعتباره علامة على نضج الثمار وظهور صلاحها.
وفي صحيح مسلم الأحاديث(2922-2926), ورد النهي عن بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها. لكن بدون ذكر لفظ الثُّرَيَّا. كما في حديثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ، وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ ، قَالَ : يَبْدُوَ صَلَاحُهُ : حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ».
وفي رواية : «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا صَلَاحُهُ؟ قَالَ : تَذْهَبُ عَاهَتُهُ».
وفي رواية عن جَابِر قال:«نَهَى أَوْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ».
كما صَرَّح ابن عمر أن ذهاب الآفة عن الثمار مرتبط بطلوع الثُّرَيَّا, فيما رواه عنه الإمام أحمد في«المسند» بإسناد ثابت صحيح من حديث عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ قَالَ : َسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَار؟ِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ, مَا الْعَاهَةُ؟ قَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا».
فعلى الرغم من أن حديث طلوع الثريا ثابت صحيح لكن حدث خلط في الأمور, وهذا الخلط ناتج عن سوء الفهم من غير المتخصصين للأحاديث النبوية أو بعضها.
وأما الفهم الصحيح لهذه الأحاديث فهو أمر متعلق بعدم الغش التجاري, وخلاصته هو أنه لا يجوز شرعاً بيع الثمار قبل أن تنضج وقبل أن يظهر صلاحها.
وعلة النهي في الحديث ترجع إلى أن بيع الثمار قبل أن تنضج وقبل أن يظهر صلاحها يدخل في بيع الغرر المنهي عنه شرعاً بإجماع الفقهاء.
والغرر هنا متعلق بفساد السلعة نفسها وهي الثمار التي لم يكتمل نضجها بعد ولم يظهر صلاحها, هذا بالإضافة إلى الضرر الواقع على المشتري في ضياع ماله من جهة, وفي عدم انتفاعه بالسلعة وهي الثمار من جهة أخرى.
أما إذا تُرِكَت الثمار حتى يكتمل نضجها ويظهر صلاحها ففي ذلك فوائد كثيرة أهمها ارتفاع القيمة الغذائية في الثمرة نفسها فهي بذلك تكون أكثر جودة وأكثر نفعاً بالنسبة للمشترى الذي ينتفع بها, وكلما كانت الثمار أكثر جودة وأكثر نفعا كلما زاد ثمنها فكان في ذلك فائدة تعود على البائع هو الآخر.
وفي ذلك تحقيق لمبدأ الرضا في نفس البائع والمشترى على حد سواء, وعدم الحرج مما يزيل الضغائن والأحقاد من النفوس البشرية.
توضيح المعنى المراد بطلوع الثُرَيَّا وبيان العلاقة بينه وبين نضج الثمار وظهور صلاحها
الثُرَيَّا في لغة العرب لها أكثر من معني
فهي اسم للنجم المعروف, وهي اسم لامرأة عربية , وكذلك اسم لموضع ماء معروف عند العرب.
قال ابن منظور: و«الثُرَيَّا»: من الكواكب، سميت لغزارة نوئها، وقيل: سميت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل، لا يتكلم به إلا مصغرا، وهو تصغير على جهة التكبير.
والإمام ابنُ القيِّمِ أوضح العلاقة بين طلوع نجم الثريا وبين نضج الثمار وظهور صلاحها بأوضح بيان.
فقال: وفُسِّر بطلوعِ الثُّرَيَّا، وفُسِّرَ بطلوعِ النَّباتِ زمنَ الرَّبيعِ، ومنه:{والنَّجمُ والشَّجرُ يَسجُدانِ}[الرَّحمن(6)]، فإنَّ كمالَ طلوعِه وتمامَه يكونُ في فصلِ الرَّبيعِ؛ وهو الفصلُ الَّذي ترتفعُ فيه الآفاتُ.
وأمَّا الثُّرَيَّا فالأمراضُ تَكثُرُ وقتَ طلوعِها معَ الفجرِ وسقوطِها.
ففي فترةِ الانتقالِ من الرَّبيعِ إلى الصَّيفِ تنتشرُ الأوبئةُ والأمراضُ، فإذا دخل الصَّيفُ وعلامتُه ظهورُ الثُّرَيَّا؛ رفع اللهُ الآفاتِ والأوبئةَ عن الزُّروعِ والثِّمارِ؛ لأنَّه بدأ صلاحُها، فالظَّاهرُ أنَّ الاعتبارَ بأنْ يَبدُوَ الصَّلاحُ لا بالزَّمانِ، وإنَّما ذُكِرَ طلوعُ الثُّرَيَّا لأنَّ الصَّلاحَ يبدو في الغالبِ إذا طلَعتْ وتَنقطِعُ العاهاتُ.
نتائج البيان الشافي حول حديث طلوع نجم الثُرَيَّا وعلاقته بزوال الآفات والأمراض
أولاً : لا صحة مطلقاً لوجود علاقة بين حديث طلوع الثُرَيَّا وبين زوال جائحة كورونا قولا واحداً, ومما يؤكد ذلك , هو أن هذا الوباء مر عليه أكثر من عام, فقد أتى عليه الصيف الماضي الذي وافق طلوع نجم الثريا, وكان ذلك في رمضان العام الماضي تحديداً في يوم19رمضان1441هـ الموافق 12مايو2020م, ومع ذلك ولى رمضان ومضي كما ولى الصيف ومضى وبقيت جائحة كورونا لا يعلم متى تزول إلا الله, فزوال الكورونا ليس مرتبطاً بزمان معين, لأنه أمر غيبي متعلق بقدر الله يرفعه متى شاء.
ثانياً: ضرورة الرجوع إلى المتخصصين في معرفة صحيح الدين, والتحذير من الانسياق وراء الخرافات والشائعات التي يروجها المغرضين بهدف صد الناس عن دينهم الحنيف والتشكيك في ثوابته.
ثالثاً : أن المراد بالعاهة أو الآفة المذكورة في الأحاديث هي آفة خاصة وليست آفة عامة, وهذه الآفة قاصرة على المرض الذي يصيب الزروع والثمار فيفسدها.
رابعاً : أما الثُرَيَّا فهي اسم لنجم يطلع صباحاً في أول فصل الصيف عند اشتداد الحر ببلاد الحجاز, وطلوع الثُّرَيَّا علامة على نضج الثمار عندهم. وهذا معناه أن المعتبر في مسألة بيع الثمار هي النضج والصلاح وليس زمن طلوع نجم الثُّرَيَّا نفسه, والحكمة من ذكر طلوع الثُّرَيَّا في الحديث فعلى سبيل التغليب لأن الصلاح يبدوا في الغالب إذا طلعت الثُّرَيَّا.
خامسا: معرفة الغرض الحقيقي من طلوع الثُّرَيَّا, والذي لأجله وردت هذه الأحاديث, وهي أن هذه العاهاتُ المذكورة في الأحاديث النبوية خاصَّةً بالزُّروعِ والثِّمارِ, فهذه الأحاديث إنما تناولت واقعة بعينها ألا وهي طلوع الثمار وبدو صلاحها.
وليس في الأحاديث ما يدعو إلى إدعاء معرفة الغيب وترك الأخذ بالأسباب, لأن الغيب بيد الله وحده لم يطلع عليه نبي مُرْسَل ولا مَلَك مُقَرَّب. ولا مانع شرعاً أن نعتبر هذه الأحاديث بشارة على رفع الوباء العام ولكن بشرط أن نأخذ بالأسباب ونحسن الظن بالله ونتوكل عليه.
والجدير بالذكر أن أبا الفتح الأزدي كنت مكلفا بجمع أقواله من خلال أطروحتى في رسالة التخصص«الماجستير» والتي أجيزت عام 2016م بتقدير ممتاز فلله الحمد والفضل والمنة, والتي قمت من خلالها بدراسة قرابة 1100 قولاً لأبي الفتح الأزدي في الجرح والتعديل كان من بينها هذا الراوي الضعيف صاحب هذا الحديث الضعيف موضوع الساعة, فالحمد لله الذي قيدني لبيان حقيقة الأمر للناس في الوقت المناسب حتى لا يفتن الناس بكل كلام يقال لهم.
د/ عمرو حلمي - الحاصل على ماجستير الحديث وعلومه جامعة الأزهر
أما الحديث الذي استشهدوا به فقد أورده بهذا اللفظ الإمام البوصيري في كتاب«إتحاف السادة المهرة بزائد المسانيد العشرة»,حديث(3383)4/436, وقال: رواه مسدد بسند ضعيف لضعف عسل بن سفيان.
وأما أصل هذا الحديث فرواه الطحاوي في كتاب«مشكل الآثار»حديث رقم(2427) من حديث عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ وَبقُومُ عَاهَةٌ إِلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفَّتْ».
قال أبو جعفر- الطحاوي: فعقلْنَا بذلكَ أَنَّهُ على طلوعها صباحًا طلوعًا يكونُ الْفجر بِه، وطلبنا في أَيِّ شهرٍ يكون فيه ذلك من شهور السَّنَةِ على حساب الْمصرِيِّينَ؟ فَوجدناه«بَشَنْسَ»، وطلبنا الْيوم الَّذي يكون فيه ذَلك في طلوعِ فجرِه من أَيَّامهِ فَوجدناه الْيَوْمَ التَّاسِعَ عَشَرَ من أَيَّامهِ، وطلبنا ما يقَابل ذَلك من«الشُّهُورِ السُّرْيَانِيَّةِ»الَّتي يعتبر أَهل الْعِراقِ بِهَا ذَلك فَوجدناه«أَيَارَ», وطلبنا الْيوم الَّذي يكون ذَلك في فَجرِهِ فَإِذَا هو الْيَوْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ من أَيَّامهِ, وهذَانِ الشَّهران اللَّذَانِ يكون فيهِما حَمْلُ النَّخْلِ- أَعْنِي بِحَمْلِهَا إِيَّاهُ ظُهورهُ فيها لَا غير ذَلك - وتُؤْمَنُ بِالْوَقْتِ الَّذي ذَكرْناه منْهمَا عليهَا الْعاهةُ الْمَخُوفَةُ عَلَيْهَا كانت قَبْل ذَلك.
ولنا وقفه مع هذا الحديث لمعرفة حكمه من حيث الصحة والضعف, ومعرفة الفوائد التي تضمنها.
هذا بالإضافة إلى معرفة الغرض المقصود من كلام الطحاوي في تعقيبه على الحديث.
أولا: تخريج الحديث لمعرفة المصادر التي روته.
الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة, وأحمد بن حنبل, والبزار, والطبراني في«الصغير», والطحاوي في«مشكل الأثار» واللفظ له, كما أورده الإمام البوصيري في«إتحاف السادة المهرة بزائد المسانيد العشرة»حديث(3383)4/436.
وقال : رواه مسدد بسند ضعيف لضعف عسل بن سفيان.
كما ذكره الهيثمي في كتاب«مجمع الزائد»(4/103), وغزاه لأحمد, والبزار, والطبراني في«الصغير»,ثم قال الهيثمي: وفيه عسل بن سفيان وثقه ابن حبان. وقال: يخطئ ويخالف وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
ثانيا : الحكم على إسناد الحديث من خلال أقوال أئمة الجرح والتعديل لمعرفة درجة صحته من عدمها
الحديث إسناده ضعيف لأن فيه عسل بن سفيان اليربوعي التميمي أبو قرة.
وهذه أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في«العلل»(2626):سمعت أبى يقول: عسل بن سفيان ليس هو عندي قوى في الحديث. وقال ابن هانئ في«مسائله»(2281)عن الإمام أحمد: حديثه ليس بالقوي.
وقال المروذي في «العلل»(149(: سألته - يعنى أحمد بن حنبل عن عسل بن سفيان، فلين أمره.
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: عسل بن سفيان ضعيف.
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث.[«الجرح والتعديل»لابن أبي حاتم]
وقال البخاري في«التاريخ الكبير»: فيه نظر.
وقال ابن عدي«الكامل في ضعفاء الرجال»: وَهو قليل الحديث ومع ضعفه يكتب حديثه.
وذكره ابن حبان في كتاب«الثقات» فقال: يخطىء وَيُخَالف على قلَّة رِوَايَته.
كما ذكره ابن حبان كذلك في كتاب«المجروحين» فقال: كَانَ قَلِيل الحَدِيث كثير التفرد عَن الثِّقَات مَالا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات على قلَّة رِوَايَته وَلَا يتهيأ الِاحْتِجَاج بانفراد من لم يسْلك سنَن الْعُدُول فِي الرِّوَايَات على قلَّة رِوَايَته ودخوله فِي جملَة الثِّقَات إِن أَدخل فيهم وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ.
كما ذكره الدارقطني في كتاب«تعليقات على كتاب المجروحين» ونقل عن أَحْمد بْن حَنْبَل تضعيفه له.
كما ذكره أبو الفتح الأزدي في كتاب«ذكر اسم كل صحابي ممن لا أخ له يوافق اسمه»(353), وقال: فيه شيء.
وخلاصة القول في الراوي عسل بن سفيان: هو ضعيف. تبين ضعفه من خلال أقوال العلماء فيه.
ثالثا: معرفة الغرض المقصود من كلام الطحاوي في تعقيبه على الحديث.
الإمام الطحاوي سار على نهج العلماء في الاستدلال على عدم جواز بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها.
وهذا ظاهر في كلامه عن حمل النخل. واستدل بهذا الحديث الذي ثبت ضعفه, كما استدل بغيره من الأحاديث الصحيحة التي تفي بالغرض المقصود.
وإذا ما تأملنا في كلام الإمام الطحاوي من خلال تعقيبه على الحديث المذكور علمنا أنه من المفترض أن ظهور«نجم الثُرَيَّا» في كل عام يكون في اليوم التاسع عشر من شهر«بَشَنْسَ», وهو من الشهور القبطية, والذي يوافق اليوم الثاني عشر من شهر«أَيَارَ»السرياني, وهو المعروف بشهر مايو في الشهور الميلادية.
لكن هذا الاستنتاج الذي توصل إليه الإمام الطحاوي غير دقيق من خلال الحسابات الفلكية الحديثة.
بدليل أن يوم 19«بَشَنْسَ»هذا العام 1737قبطي يوافق يوم27«أَيَارَ» مايو وهو كذلك كل عام.
والجدير بالذكر أن طلوع نجم الثريا ورد ذكره كذلك في الأحاديث الثابتة الصحيحة والتي رواها البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم, لكن ذكره متعلق بمسألة النهي عن بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها, وليس له أي علاقة مطلقا بزوال الجوائح الكبرى التي تصيب العالم بأثره.
روى البخاري في«الصحيح » حديث(2193), من حديث خارجة بن ريد بن ثابت:«أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ». ففي هذا الحديث تصريح بذكر طلوع الثُّرَيَّا, وأن بيع الثمار مرتبط به باعتباره علامة على نضج الثمار وظهور صلاحها.
وفي صحيح مسلم الأحاديث(2922-2926), ورد النهي عن بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها. لكن بدون ذكر لفظ الثُّرَيَّا. كما في حديثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ ، وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ ، قَالَ : يَبْدُوَ صَلَاحُهُ : حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ».
وفي رواية : «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا صَلَاحُهُ؟ قَالَ : تَذْهَبُ عَاهَتُهُ».
وفي رواية عن جَابِر قال:«نَهَى أَوْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ».
كما صَرَّح ابن عمر أن ذهاب الآفة عن الثمار مرتبط بطلوع الثُّرَيَّا, فيما رواه عنه الإمام أحمد في«المسند» بإسناد ثابت صحيح من حديث عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ قَالَ : َسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَار؟ِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ, مَا الْعَاهَةُ؟ قَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا».
فعلى الرغم من أن حديث طلوع الثريا ثابت صحيح لكن حدث خلط في الأمور, وهذا الخلط ناتج عن سوء الفهم من غير المتخصصين للأحاديث النبوية أو بعضها.
وأما الفهم الصحيح لهذه الأحاديث فهو أمر متعلق بعدم الغش التجاري, وخلاصته هو أنه لا يجوز شرعاً بيع الثمار قبل أن تنضج وقبل أن يظهر صلاحها.
وعلة النهي في الحديث ترجع إلى أن بيع الثمار قبل أن تنضج وقبل أن يظهر صلاحها يدخل في بيع الغرر المنهي عنه شرعاً بإجماع الفقهاء.
والغرر هنا متعلق بفساد السلعة نفسها وهي الثمار التي لم يكتمل نضجها بعد ولم يظهر صلاحها, هذا بالإضافة إلى الضرر الواقع على المشتري في ضياع ماله من جهة, وفي عدم انتفاعه بالسلعة وهي الثمار من جهة أخرى.
أما إذا تُرِكَت الثمار حتى يكتمل نضجها ويظهر صلاحها ففي ذلك فوائد كثيرة أهمها ارتفاع القيمة الغذائية في الثمرة نفسها فهي بذلك تكون أكثر جودة وأكثر نفعاً بالنسبة للمشترى الذي ينتفع بها, وكلما كانت الثمار أكثر جودة وأكثر نفعا كلما زاد ثمنها فكان في ذلك فائدة تعود على البائع هو الآخر.
وفي ذلك تحقيق لمبدأ الرضا في نفس البائع والمشترى على حد سواء, وعدم الحرج مما يزيل الضغائن والأحقاد من النفوس البشرية.
توضيح المعنى المراد بطلوع الثُرَيَّا وبيان العلاقة بينه وبين نضج الثمار وظهور صلاحها
الثُرَيَّا في لغة العرب لها أكثر من معني
فهي اسم للنجم المعروف, وهي اسم لامرأة عربية , وكذلك اسم لموضع ماء معروف عند العرب.
قال ابن منظور: و«الثُرَيَّا»: من الكواكب، سميت لغزارة نوئها، وقيل: سميت بذلك لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل، لا يتكلم به إلا مصغرا، وهو تصغير على جهة التكبير.
والإمام ابنُ القيِّمِ أوضح العلاقة بين طلوع نجم الثريا وبين نضج الثمار وظهور صلاحها بأوضح بيان.
فقال: وفُسِّر بطلوعِ الثُّرَيَّا، وفُسِّرَ بطلوعِ النَّباتِ زمنَ الرَّبيعِ، ومنه:{والنَّجمُ والشَّجرُ يَسجُدانِ}[الرَّحمن(6)]، فإنَّ كمالَ طلوعِه وتمامَه يكونُ في فصلِ الرَّبيعِ؛ وهو الفصلُ الَّذي ترتفعُ فيه الآفاتُ.
وأمَّا الثُّرَيَّا فالأمراضُ تَكثُرُ وقتَ طلوعِها معَ الفجرِ وسقوطِها.
ففي فترةِ الانتقالِ من الرَّبيعِ إلى الصَّيفِ تنتشرُ الأوبئةُ والأمراضُ، فإذا دخل الصَّيفُ وعلامتُه ظهورُ الثُّرَيَّا؛ رفع اللهُ الآفاتِ والأوبئةَ عن الزُّروعِ والثِّمارِ؛ لأنَّه بدأ صلاحُها، فالظَّاهرُ أنَّ الاعتبارَ بأنْ يَبدُوَ الصَّلاحُ لا بالزَّمانِ، وإنَّما ذُكِرَ طلوعُ الثُّرَيَّا لأنَّ الصَّلاحَ يبدو في الغالبِ إذا طلَعتْ وتَنقطِعُ العاهاتُ.
نتائج البيان الشافي حول حديث طلوع نجم الثُرَيَّا وعلاقته بزوال الآفات والأمراض
أولاً : لا صحة مطلقاً لوجود علاقة بين حديث طلوع الثُرَيَّا وبين زوال جائحة كورونا قولا واحداً, ومما يؤكد ذلك , هو أن هذا الوباء مر عليه أكثر من عام, فقد أتى عليه الصيف الماضي الذي وافق طلوع نجم الثريا, وكان ذلك في رمضان العام الماضي تحديداً في يوم19رمضان1441هـ الموافق 12مايو2020م, ومع ذلك ولى رمضان ومضي كما ولى الصيف ومضى وبقيت جائحة كورونا لا يعلم متى تزول إلا الله, فزوال الكورونا ليس مرتبطاً بزمان معين, لأنه أمر غيبي متعلق بقدر الله يرفعه متى شاء.
ثانياً: ضرورة الرجوع إلى المتخصصين في معرفة صحيح الدين, والتحذير من الانسياق وراء الخرافات والشائعات التي يروجها المغرضين بهدف صد الناس عن دينهم الحنيف والتشكيك في ثوابته.
ثالثاً : أن المراد بالعاهة أو الآفة المذكورة في الأحاديث هي آفة خاصة وليست آفة عامة, وهذه الآفة قاصرة على المرض الذي يصيب الزروع والثمار فيفسدها.
رابعاً : أما الثُرَيَّا فهي اسم لنجم يطلع صباحاً في أول فصل الصيف عند اشتداد الحر ببلاد الحجاز, وطلوع الثُّرَيَّا علامة على نضج الثمار عندهم. وهذا معناه أن المعتبر في مسألة بيع الثمار هي النضج والصلاح وليس زمن طلوع نجم الثُّرَيَّا نفسه, والحكمة من ذكر طلوع الثُّرَيَّا في الحديث فعلى سبيل التغليب لأن الصلاح يبدوا في الغالب إذا طلعت الثُّرَيَّا.
خامسا: معرفة الغرض الحقيقي من طلوع الثُّرَيَّا, والذي لأجله وردت هذه الأحاديث, وهي أن هذه العاهاتُ المذكورة في الأحاديث النبوية خاصَّةً بالزُّروعِ والثِّمارِ, فهذه الأحاديث إنما تناولت واقعة بعينها ألا وهي طلوع الثمار وبدو صلاحها.
وليس في الأحاديث ما يدعو إلى إدعاء معرفة الغيب وترك الأخذ بالأسباب, لأن الغيب بيد الله وحده لم يطلع عليه نبي مُرْسَل ولا مَلَك مُقَرَّب. ولا مانع شرعاً أن نعتبر هذه الأحاديث بشارة على رفع الوباء العام ولكن بشرط أن نأخذ بالأسباب ونحسن الظن بالله ونتوكل عليه.
والجدير بالذكر أن أبا الفتح الأزدي كنت مكلفا بجمع أقواله من خلال أطروحتى في رسالة التخصص«الماجستير» والتي أجيزت عام 2016م بتقدير ممتاز فلله الحمد والفضل والمنة, والتي قمت من خلالها بدراسة قرابة 1100 قولاً لأبي الفتح الأزدي في الجرح والتعديل كان من بينها هذا الراوي الضعيف صاحب هذا الحديث الضعيف موضوع الساعة, فالحمد لله الذي قيدني لبيان حقيقة الأمر للناس في الوقت المناسب حتى لا يفتن الناس بكل كلام يقال لهم.
د/ عمرو حلمي - الحاصل على ماجستير الحديث وعلومه جامعة الأزهر