... بمجرد ما ظهر على الخشبة، انفجر زملائي وزميلاتي ضاحكين، لم يكن نبس بكلمة، أو قام بحركة، ضحكوا على وجهه وملبسه... على أنفه الكروي الكبير، وأحمر الشفاه الممتد إلى ما لا نهاية، ضحكوا على رأسه الأصلع بنتوءات شعر ملونة من كل جانب، على قبعته التي لا تتناسب وحجم رأسه، على ملابسه العشوائية المخططة والمرقطة، ومعطفه الواسع، وسرواله القصير، وحذائه الضخم...
وحدها الفتاة التي كنْتُها، لم تندفع لمشاهدته، انزوت في آخر القاعة. كانت تخافه... تراه في كوابيسها...
لاحقا، أُعجبْتُ بالسيرك، فاتخذ المهرج سمات أخرى في عيني، صار يبدو لي أبله ساذجا لا مباليا... قبل أن أتأكد أنه مضطهد، يحمل قناع الداهية الماكر، يزعم بطولة ليست له، خصوصا لما رأيت، ما لم يره زملائي، رأيت دموعه!
ضبطته، مرة، خارجا لتوه من الخشبة، يسير نحو غرفته، حزينا هضيم الجناح... وقف، قبالتي، عند الطرف الآخر من المرآة... ينظر إلي، إلى وجهه، بفم ملون، وأنف كروي أحمر، وأذنين كبيرتين، وعينين مرسومتين بظلال سوداء...
حين مسح وجهه من الأصباغ، اكتشفت سمات بؤس عميق... كان هناك، في المرآة، تقابل عيناه عينيَّ، تسألهما عن الخيبة والفشل...
قال: كان حلمي دائما أن أمتعك، أن أصل بك إلى الذروة... إلى الضحك المنفلت من السيطرة... لأخفف عنك بعض ما تعيشينه من توتر...
مددت يدي أربت على كتفه، مسح دموعه بطرف كمه، قفز من المرآة، يدندن صامتا، يقوم بحركات خرقاء، يحاول إضحاكي!
حين لم يفلح، ارتسمت على وجهه ضحكة لم أعرف هل هي من مهام وظيفته أم نابعة منه...
همس: أكره الوداع، أكرهه ولو كان مؤقتا، هو، دائما، مقترن عندي بالحزن، بالشك، بالخوف، نعم بالخوف من المجهول... ومع ذلك، دأبت على ارتياد المحطة كل مساء... أقف على الرصيف، أنتظرك، أشيع المغادرين... أناس كُثُر يكونون واقفين... بعضهم يودع، وآخرون يستقبلون، وأنا أنتظر...
اللحظة تكون مشحونة بالمشاعر المتداخلة: بالحب واللهفة والشوق والخوف... الخوف من المجهول! من المسافات! من ألا نرى بعضنا مرة أخرى!
*** *** ***
والكتيبة عائدة، آخر مرة، كنت أتساءل:
_ هل سأجدها في انتظاري، كما في الأيام الخوالي؟
_ كيف سيكون رد فعلها؟
_ كيف سيكون المشهد الختامي لقصتنا؟
لم يطل انتظاري، كانت سعادتي غامرة... وجدْتُنِي هناك، على الرصيف، في انتظاري...
جثوتُ، عانقْتُني، قبَّلْتُنِي...
دفعت الكرسي المتحرك وغادرنا...
وحدها الفتاة التي كنْتُها، لم تندفع لمشاهدته، انزوت في آخر القاعة. كانت تخافه... تراه في كوابيسها...
لاحقا، أُعجبْتُ بالسيرك، فاتخذ المهرج سمات أخرى في عيني، صار يبدو لي أبله ساذجا لا مباليا... قبل أن أتأكد أنه مضطهد، يحمل قناع الداهية الماكر، يزعم بطولة ليست له، خصوصا لما رأيت، ما لم يره زملائي، رأيت دموعه!
ضبطته، مرة، خارجا لتوه من الخشبة، يسير نحو غرفته، حزينا هضيم الجناح... وقف، قبالتي، عند الطرف الآخر من المرآة... ينظر إلي، إلى وجهه، بفم ملون، وأنف كروي أحمر، وأذنين كبيرتين، وعينين مرسومتين بظلال سوداء...
حين مسح وجهه من الأصباغ، اكتشفت سمات بؤس عميق... كان هناك، في المرآة، تقابل عيناه عينيَّ، تسألهما عن الخيبة والفشل...
قال: كان حلمي دائما أن أمتعك، أن أصل بك إلى الذروة... إلى الضحك المنفلت من السيطرة... لأخفف عنك بعض ما تعيشينه من توتر...
مددت يدي أربت على كتفه، مسح دموعه بطرف كمه، قفز من المرآة، يدندن صامتا، يقوم بحركات خرقاء، يحاول إضحاكي!
حين لم يفلح، ارتسمت على وجهه ضحكة لم أعرف هل هي من مهام وظيفته أم نابعة منه...
همس: أكره الوداع، أكرهه ولو كان مؤقتا، هو، دائما، مقترن عندي بالحزن، بالشك، بالخوف، نعم بالخوف من المجهول... ومع ذلك، دأبت على ارتياد المحطة كل مساء... أقف على الرصيف، أنتظرك، أشيع المغادرين... أناس كُثُر يكونون واقفين... بعضهم يودع، وآخرون يستقبلون، وأنا أنتظر...
اللحظة تكون مشحونة بالمشاعر المتداخلة: بالحب واللهفة والشوق والخوف... الخوف من المجهول! من المسافات! من ألا نرى بعضنا مرة أخرى!
*** *** ***
والكتيبة عائدة، آخر مرة، كنت أتساءل:
_ هل سأجدها في انتظاري، كما في الأيام الخوالي؟
_ كيف سيكون رد فعلها؟
_ كيف سيكون المشهد الختامي لقصتنا؟
لم يطل انتظاري، كانت سعادتي غامرة... وجدْتُنِي هناك، على الرصيف، في انتظاري...
جثوتُ، عانقْتُني، قبَّلْتُنِي...
دفعت الكرسي المتحرك وغادرنا...