الاستاذ فاروق شوشه.
اكتب اليك هذه السطور عقب انتهائي من قراءه مقالاتك القيمه عن ادونيس في القاهره ومشاهدتي حلقه الامسيه الثقافيه التي اجريتها معه وقدمتها القناه الثانيه بالتليفزيون, لاطرح رايا ربما وجدته جيدرا بان يذاع ويناقش.
ادونيس عندي اهم شاعر عربي في هذا القرن, وقائمه شعريه تقف جنبا الي جنب مع المتنبي والمعري وابي تمام. ولكنه منظرا اعظم منه شاعرا, فهو اول اختراق حقيقي للبويطيقا العربيه التقليديه, واول موجه الي اركان من الشعريه العربيه ابي تمام وابي نواس والنفري كانت غائبه عن الاذهان من قبله, وهو في هذا يواصل الجهد النقدي الذي بداه العقاد والمازني وشكري وعلي ادهم حين وجهوا النظر الي عنصر الفكر عند ابن الرومي والمتنبي والمعري وقارنوهم بنتشه وشوينهاور, كما يواصل رويه مصطفي ناصف الاصيله الطازجه للذائقه الشعريه العربيه( انظر كتابه الذي صدر منذ ايام: النقد العربي: نحو نظريه ثانيه), ولكنه يحمل هذه الجهود كلها الي اماد بعيده ويسلك بها دروبا لم تطاها قدم عربيه من قبل. وهو في هذا وصيف ادوار الخراط القاص العظيم والناقد الاعظم.
عندما بدا عام2000 راح الصحفيون, كالعاده, يطرحون علي الادباء والنقاد اسئلتهم المكروره ومنها: ما اهم حدث شعري في هذا القرن؟ وقد اجمع كثيرون علي ان ديوان الشوقيات هو اهم ديوان شعري عربي خلال السنوات المائه الاخيره. ولكني لا اتردد في القول مع ادونيس, ومع العقاد من قبله بان شوقي ليس الا شاعر البيان الاول, لكنك لا تجد تحت سطحه البراق تجربه وجدانيه عميقه, ولا فكرا نافذا. عندي ان اهم ديوان عربي في هذا القرن هو كتاب التحولات والهجره في اقاليم الليل والنهار تسبقه اغاني مهيار الدمشقي ويلحقه المسرح والمرايا. هذه هي الثلاثيه التي يورخ بها مبدا الحداثه الشعريه العربيه, وما سبقها من رومانطيقيات السياب الفجه ومنظومات نازك الملائكه الاكثر من فجه ليس الا دمدمات واهنه, بالمقارنه.
تحضرني هنا مقاله لجبرا ابراهيم جبرا( وهو الي جانب ادونيس وتوفيق صايغ ولويس عوض وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا ويوسف الخال وخليل حاوي وعبد الصبور وحجازي من محققي هذا الاختراق التاريخي), نشرها في مجله شعر البيروتيه( ربيع1962) وفيها يقول( لا اعتذر عن طول المقتطف, فهو عميق الدلاله لا يقبل اختصارا):
قبل ان يكتب رياض[ نجيب الريس] اولي قصائده هذه في كمبردج بسته عشر عاما او يزيد, كتب مثله شعرا كثيرا في كمبردج نفسها. ولكنني كتبته بالانجليزيه. لانني حين اردت القول حينئذ لم اجد الاشكال التي تفي بما اريد ان اقول... بتنا نريد في الشعر الحركه والمفاجاه وتقويض قلاع الوهم فوق الرووس. هذا ما قلته حينئذ, ومازالت اقوله.ولذا كتبت شعري بالانجليزيه لاني وجدت في اشكاله المتجدده ابدا متسعا لبناء الرموز الفواره في اسطر قلائل, حيث تغدو الالفاظ قذائف ناريه تنفجر فيتناثر لالاوها ووميضها في معان تتساقط علي الذهن بعد ذلك كالمطر.
هذه هي الحقيقه بلا زياده ولا نقصان, دون ترقيق من حواشي القول ولا مراء. لقد انجز البارودي وشوقي وحافظ والعقاد وشكري والمازني وشعراء ابولو جهودا غير منكوره من اجل استنقاذ الشعر العربي من وهده سقوطه الفادح في العصر المملوكي, ولكنهم لم يمضوا بعيدا بما فيه الكفايه. كانت نبرات ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن اسماعيل بمثابه نسيم منعش يحمل انفاس الحياه والتجدد, ولكنها ظلت تدور في فلك روما نطيقي ضيق المدي. وادونيس( الي جانب شعراء مجله شعر وكتاب مجلتي حوار و ادب) هو الذي احدث الانعطافه الحقيقيه.
عندي ايضا ان دلاله ادونيس الناقد هي اننا بحاجه الي رسم خريطه جديده لمسار الشعر العربي تتسلل الي العقول والقلوب والضمائر قبل ان تتسلل الي مناهج الدراسه وكتب المقررات والمختارات في المدارس والجامعات. لقد اوما ادونيس ب ديوان الشعر العربي, وكتاباته النقديه, وشعره هو ذاته الي موروث بديل ربما كان هو اقيم ما في التراث الشعري العربي: هذا الموروث يمتد من شعراء الجاهليه ذوي التجربه الوجوديه الحيه امرئ القيس وطرفه وتميم بن مقبل الي المد الحداثي العظيم في العصر العباسي علي ايدي المتنبي والمعري وابي تمام وابن الرومي والشريف الرضي وابي نواس, مرورا ببضع قصائد قيمه( وان تكن بالغه القله) من العصر الاسلامي والعصر الاموي, ونصوص نثريه للتوحيدي والنفري وابن عربي. تلي ذلك فتره موات الي ان تبدا حركه الاحياء الكلاسيكي والاحياء الرومانسي وبدايات الحداثه ثم يبلغ الموروث ذروته في شعر اربعه هم عندي اعظم المحدثين: ادونيس, والسياب, وصلاح عبد الصبور, واحمد عبد المعطي حجازي( لا موضع لنزار قباني هنا فنحن نتحدث عن شعر النضج لا شعر المراهقه). هذا هو الموروث الجديد الذي ينبغي ان يكتب علي اساسه تاريخ الشعريه العربيه منذ مبتدئها الي هذه اللحظه.
ماهر شفيق فريد
استاذ مساعد الادب الانجليزي باداب القاهره
اكتب اليك هذه السطور عقب انتهائي من قراءه مقالاتك القيمه عن ادونيس في القاهره ومشاهدتي حلقه الامسيه الثقافيه التي اجريتها معه وقدمتها القناه الثانيه بالتليفزيون, لاطرح رايا ربما وجدته جيدرا بان يذاع ويناقش.
ادونيس عندي اهم شاعر عربي في هذا القرن, وقائمه شعريه تقف جنبا الي جنب مع المتنبي والمعري وابي تمام. ولكنه منظرا اعظم منه شاعرا, فهو اول اختراق حقيقي للبويطيقا العربيه التقليديه, واول موجه الي اركان من الشعريه العربيه ابي تمام وابي نواس والنفري كانت غائبه عن الاذهان من قبله, وهو في هذا يواصل الجهد النقدي الذي بداه العقاد والمازني وشكري وعلي ادهم حين وجهوا النظر الي عنصر الفكر عند ابن الرومي والمتنبي والمعري وقارنوهم بنتشه وشوينهاور, كما يواصل رويه مصطفي ناصف الاصيله الطازجه للذائقه الشعريه العربيه( انظر كتابه الذي صدر منذ ايام: النقد العربي: نحو نظريه ثانيه), ولكنه يحمل هذه الجهود كلها الي اماد بعيده ويسلك بها دروبا لم تطاها قدم عربيه من قبل. وهو في هذا وصيف ادوار الخراط القاص العظيم والناقد الاعظم.
عندما بدا عام2000 راح الصحفيون, كالعاده, يطرحون علي الادباء والنقاد اسئلتهم المكروره ومنها: ما اهم حدث شعري في هذا القرن؟ وقد اجمع كثيرون علي ان ديوان الشوقيات هو اهم ديوان شعري عربي خلال السنوات المائه الاخيره. ولكني لا اتردد في القول مع ادونيس, ومع العقاد من قبله بان شوقي ليس الا شاعر البيان الاول, لكنك لا تجد تحت سطحه البراق تجربه وجدانيه عميقه, ولا فكرا نافذا. عندي ان اهم ديوان عربي في هذا القرن هو كتاب التحولات والهجره في اقاليم الليل والنهار تسبقه اغاني مهيار الدمشقي ويلحقه المسرح والمرايا. هذه هي الثلاثيه التي يورخ بها مبدا الحداثه الشعريه العربيه, وما سبقها من رومانطيقيات السياب الفجه ومنظومات نازك الملائكه الاكثر من فجه ليس الا دمدمات واهنه, بالمقارنه.
تحضرني هنا مقاله لجبرا ابراهيم جبرا( وهو الي جانب ادونيس وتوفيق صايغ ولويس عوض وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا ويوسف الخال وخليل حاوي وعبد الصبور وحجازي من محققي هذا الاختراق التاريخي), نشرها في مجله شعر البيروتيه( ربيع1962) وفيها يقول( لا اعتذر عن طول المقتطف, فهو عميق الدلاله لا يقبل اختصارا):
قبل ان يكتب رياض[ نجيب الريس] اولي قصائده هذه في كمبردج بسته عشر عاما او يزيد, كتب مثله شعرا كثيرا في كمبردج نفسها. ولكنني كتبته بالانجليزيه. لانني حين اردت القول حينئذ لم اجد الاشكال التي تفي بما اريد ان اقول... بتنا نريد في الشعر الحركه والمفاجاه وتقويض قلاع الوهم فوق الرووس. هذا ما قلته حينئذ, ومازالت اقوله.ولذا كتبت شعري بالانجليزيه لاني وجدت في اشكاله المتجدده ابدا متسعا لبناء الرموز الفواره في اسطر قلائل, حيث تغدو الالفاظ قذائف ناريه تنفجر فيتناثر لالاوها ووميضها في معان تتساقط علي الذهن بعد ذلك كالمطر.
هذه هي الحقيقه بلا زياده ولا نقصان, دون ترقيق من حواشي القول ولا مراء. لقد انجز البارودي وشوقي وحافظ والعقاد وشكري والمازني وشعراء ابولو جهودا غير منكوره من اجل استنقاذ الشعر العربي من وهده سقوطه الفادح في العصر المملوكي, ولكنهم لم يمضوا بعيدا بما فيه الكفايه. كانت نبرات ناجي وعلي محمود طه ومحمود حسن اسماعيل بمثابه نسيم منعش يحمل انفاس الحياه والتجدد, ولكنها ظلت تدور في فلك روما نطيقي ضيق المدي. وادونيس( الي جانب شعراء مجله شعر وكتاب مجلتي حوار و ادب) هو الذي احدث الانعطافه الحقيقيه.
عندي ايضا ان دلاله ادونيس الناقد هي اننا بحاجه الي رسم خريطه جديده لمسار الشعر العربي تتسلل الي العقول والقلوب والضمائر قبل ان تتسلل الي مناهج الدراسه وكتب المقررات والمختارات في المدارس والجامعات. لقد اوما ادونيس ب ديوان الشعر العربي, وكتاباته النقديه, وشعره هو ذاته الي موروث بديل ربما كان هو اقيم ما في التراث الشعري العربي: هذا الموروث يمتد من شعراء الجاهليه ذوي التجربه الوجوديه الحيه امرئ القيس وطرفه وتميم بن مقبل الي المد الحداثي العظيم في العصر العباسي علي ايدي المتنبي والمعري وابي تمام وابن الرومي والشريف الرضي وابي نواس, مرورا ببضع قصائد قيمه( وان تكن بالغه القله) من العصر الاسلامي والعصر الاموي, ونصوص نثريه للتوحيدي والنفري وابن عربي. تلي ذلك فتره موات الي ان تبدا حركه الاحياء الكلاسيكي والاحياء الرومانسي وبدايات الحداثه ثم يبلغ الموروث ذروته في شعر اربعه هم عندي اعظم المحدثين: ادونيس, والسياب, وصلاح عبد الصبور, واحمد عبد المعطي حجازي( لا موضع لنزار قباني هنا فنحن نتحدث عن شعر النضج لا شعر المراهقه). هذا هو الموروث الجديد الذي ينبغي ان يكتب علي اساسه تاريخ الشعريه العربيه منذ مبتدئها الي هذه اللحظه.
ماهر شفيق فريد
استاذ مساعد الادب الانجليزي باداب القاهره