د. خالد محمد عبدالغني - الأصول الفكرية للرواية عند نجيب محفوظ - مدخل الدراسة -

أعد نجيب محفوظ (1911- 2006) نفسه ليكون أكاديميا في تخصص الفلسفة وبدأ في إجراء رسالته لنيل درجة الماجستير ولكنه عدل عن تلك الفكرة، إذ كان نجيب محفوظ من دارسي الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، حيث إن طالبي التخصص في الفلسفة في الفترة التي التحق فيها نجيب محفوظ بالجامعة المصرية ( 1930 – 1934) كانوا يدرسون إلى جانبها علم النفس والاجتماع والمنطق، وكثير من تلك الأجيال قد جرى لهم ما جرى لنجيب محفوظ فيما بعد، وأثر ذلك في تكوينه المعرفي والفكري وصبغ رواياته بصبغة خاصة، ولهذا لم يغب نجيب محفوظ على مجال الدراسات النفسية والفلسفية والاجتماعية التي عنيت برواياته عناية خاصة ربما لم يلقها أديب مثله واتسعت دائرة الاهتمام بدراسته نفسيا فأعد كثير من الباحثين أطروحاتهم الجامعية وبحوثهم الممتدة عن أعماله.
ولقد كتب نجيب محفوظ مبكرا عددا ضخما من المقالات الفلسفية والنفسية والنقدية خلال الفترة من بداية الثلاثينيات من القرن العشرين إلى ما بعد منتصفها، وهي تسعة عشرة دراسة بالمجلة الجديدة ودراسة واحدة بالمجلة الجديدة الأسبوعية وخمس دراسات بالسياسة الأسبوعية وأربع دراسات بالجهاد وثلاث دراسات بالرسالة ودراسة واحدة بالحديث أي حوالي سبعة وأربعين دراسة وفق إحصاء عبد المحسن طه بدر ،وكانت المقالات الفلسفية والسيكولوجية منها حول احتضار معتقدات وتوالد معتقدات والمرأة والوظائف العامة والمجتمع الراقي وتطور الفلسفة إلى ما قبل سقراط والفلسفة عند الفلاسفة وماذا تعني الفلسفة وفلسفة الحب والبراجمتزم والفلسفة العملية وفكرة النقد في فلسفة كانط والله وفكرة الله في الفلسفة والحواس والإدراك الحسي ونظريات العقل واللغة وفلسفة برجسون والضحك عند برجسون وطبيعة الضحك عند برجسون وانتشار الصور المضحكة ( ). وثلاثة من أدبائنا والحب والغريزة الجنسية والسيكولوجية واتجاهاتها وطرقها القديمة والحديثة والحياة الحيوانية والسيكولوجية والشعور والفن والثقافة ويشير رءوف سلامة موسي إلى أن نجيب محفوظ تحول عن الكتابة في الجديدة في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين وقد نشر سلامة موسى لمحفوظ مقالاته الفلسفية وكتابه التاريخي المترجم "مصر القديمة" وأول قصصه "ثمن الضعف" وأول رواياته "عبث الأقدار" ربما بتأثير من عمله سكرتيرا لوزير الأوقاف مصطفى عبد الرازق الذي كان أستاذا له لمادة الفلسفة الإسلامية بالجامعة ( ) ، فهو بهذا لم يكن غريبا على علم النفس والاجتماع والتحليل النفسي لا دراسة ولا اهتماما ولا إبداعا، وكانت حياة نجيب محفوظ الفكرية في شبابه الغض مرتبطة أيضا بتأثير اثنين من كبار المفكرين هما سلامة موسى ومصطفى عبدالرازق حيث امتزاج الثقافة العربية والإسلامية والتنوير الإنساني واحترام قيم العلم ومنجزاته وحضارة مصر وتاريخها الفرعوني ولقد ناقش نجيب محفوظ ذلك المزج بين الدين والعلم في روايته الأشهر "أولاد حارتنا"، ولعل هذا ما يفسر لنا نص الخطاب الذي كتبه نجيب محفوظ لجائزة نوبل الذي قال فيه :"أنا ابن حضارتين. الحضارة الفرعونية و العربية الإسلامية "، كما طالب فيه بحل القضية الفلسطينية كونها قضية حق وعدالة إنسانية".

د. خالد محمد عبدالغني



- نشر في عدد مارس 2021 مجلة أدب ونقد - والشكر الموصول للشاعر الكبير عيدعبدالحيم رئيس التحرير الموقر




1621628211219.png




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى