سعد عبد الرحمن - نشأة الأزبكية

كان ابتداء نشأة الأزبكية في عام 880 ھ/ 1475م على يد المقر "الجناب" الأتابكي (الأتابك منصب عسكري رفيع في العصر المملوكي) أزبك من ططخ الظاهري (لأنه مملوك لا يعرف في الغالب اسم أبيه فإنه ينسب إلى الشخص الذي اشتراه، وتعبير "من ططخ" يعني أن من اشتراه اسمه ططخ) ولذلك سميت المنطقة الأزبكية على اسمه، كانت المنطقة قبل أن يهتم بها أزبك أرضا خرابا وغير مستوية بسبب كثرة ما بها من الكيمان (أكوام التراب)، وكانت تربتها سبخة ليس بها من زرع سوى بعض أشجار السنط و الأثل، كما لم يكن بها من المباني سوى جامع مهدم مهجور ومزارات بضعة أولياء، وكانت أرض الأزبكية قديما عامرة بالبساتين والمناظر التي كانت تسمى "مناظر اللوق" (اللوق يعني تسوية الأرض بعد انحسار مياه الفيضان عنها) حين كان مجرى النيل قريبا منها، وكان يصل إليها في ذلك الزمان خليج يسمى "خليج الذكر" بنيت فوقه قنطرة جعل في بنائها دكة "مطل أو شرفة" يقف فيها الناس للتنزه والفرجة، ثم خربت المنطقة وظلت خرابا حتى فكر الأتابكي أزبك في جعلها مناخا "مبركا" لإبله فقد كان يسكن قريبا منها، ولما فعل ذلك أعجبه جوها فبنى بها في البداية دوارا ومقعدا وقاعات وحواصل (جمع حاصل وهي مخازن الغلال)، ثم إنه أحضر أبقارا ومحاريث فجرف ما بها من الكيمان وسوى ارضها ومهدها، وبعد أن أنجز ذلك حفر بها بركة كبيرة وأجرى المياه إليها من "الخليج الناصري" الذي أمر بشقه الناصر محمد بن قلاوون سنة 724 هجرية، وبنى أزبك حول البركة رصيفا "سورا قصير الارتفاع" يحيط بها، عندئذ شرعت الناس في تعمير ما حول البركة فبنوا القصور الفاخرة والعمائر الجليلة وزخرت المنطقة بالسكان المتنزهين، وواصل الأتابك أزبك مشاريعه العمرانية بالمنطقة فأنشأ مسجدا فخما كبيرا بمئذنة عظيمة "جامع أزبك"، وبنى حول المسجد العديد من الربوع والحمامات والمقاصير والقناطر والطواحين والأفران، وكان يوم فتح سد البركة كل عام عند زيادة النيل يوما مشهودا "مهرجانا"، ففيه تدخل المراكب إلى البركة وقد اكتظت بالمحتفلين رجالا ونساء وأطفالا من شتى طبقات الشعب والمماليك، وتنصب حول البركة السرادقات والخيام حيث يظل العزف والقصف (اللهو) والرقص والغناء والألعاب والمساخر حتى صباح اليوم التالي، ولما كملت عمارة الأزبكية وأصبحت حيا راقيا يسكنه الصفوة من الأثرياء وذوي النفوذ وأرباب السلطة، ومتنزها عاما ترتاده طوائف العامة من الشعب للتنزه والفرجة، تفضل السلطان قايتباي فأنعم بأرضها علي الأتابك أزبك وكتب له بها مربعة شريفة "صك سلطاني".


ج 1من "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس بتصرف

# من كتاب المخطوط "100 حكاية وحكاية من التاريخ"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى