أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٦٩ : ذاكرتنا العذراء وذاكرة الإسرائيليين العذراء أيضا

توقف إطلاق الصواريخ من غزة وتوقفت الطائرات الإسرائيلية عن تدمير المدينة المبرمج الممنهج ، ولم تتوقف اقتحامات المستوطنين باحة المسجد الأقصى تحت حراسة الجيش الإسرائيلي ، كما أن الشيخ جراح ما زال محاصرا ، بل وروي أن حصاره صار أمر وأقسى . لقد عادت ريما إلى عادتها القديمة ، فهل سينفذ أبو عبيدة ما هدد به " إن عدتم عدنا " ؟
من أطرف الصور التي كثر تبادلها صورة ل ( غولدا مائير ) رئيسة الوزراء الاسرائيلي في حرب تشرين ١٩٧٣ - وانهارت يومها - ول ( بنيامين نتنياهو ) ، كتب أسفل صورة غولدا عبارتها المشهورة بعد نكبة ١٩٤٨ :
" الكبار يموتون والصغار ينسون "
وكتب أسفل صورة بنيامين العابس الحزين كسير النظرات :
" كلي خرا . الكبار ماتوا والصغار لم ينسوا " .
كان الكاتب إميل حبيبي في مسرحيته " لكع بن لكع / لئيم بن لئيم " سخر من العرب بأن ذاكرتهم عذراء - أي أنهم لا يتعلمون من تجاربهم إطلاقا فيعودون بذلك ، كل مرة ، إلى ارتكاب الأخطاء نفسها .
يبدو أن ذاكرة الإسرائيليين أيضا ذاكرة عذراء ، فقبل أيام أقر بعض قادتهم بأنهم أخطأوا حين اقتحموا الأقصى ، ولم يمر أكثر من يوم ، بعد توقف الحرب ، حتى عاد بعض اليهود المستوطنين ، من جديد ، إلى اقتحامه . هل قرأوا قصيدة محمود درويش " إذا كان لي أن أعيد البداية اختار ما اخترت : ورد السياج " واختاروا ورد السياج ؟
في معركة النفق في العام ١٩٩٦ أدرجت الإذاعة الإسرائيلية أغنية مارسيل خليفة " أنا يوسف يا أبي " ، والكلمات فيها لمحمود درويش أيضا ، وأنا المتكلم فيها هي أنا الفلسطيني المظلوم المضطهد ، فهل شعر الاسرائيليون بأن الفلسطينيين يضطهدونهم ، وأنهم يوسف الذي ألقى به إخوته في الجب ؟
مفارقات عجيبة تحدث في أرض فلسطين ، فثمة ضحية تحولت إلى جلاد ، وثمة ضحية صارت ، حين تطالب بحقها ، تنعت بأنها ترتكب أعمالا إرهابية .
ثمة حفنة تزعم أن أرض الشيخ جراح تعود إليها وتأتي بأوراق تزعم أنها وثائق ، وهناك مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين ممن هجروا في ١٩٤٨ ، وما زالوا يملكون كواشين بيوتهم ، لا يسمح لهم بالعودة إليها .
مات الكبار والصغار لم ينسوا وأجزم أنهم لن ينسوا ، وهناك أسباب عديدة لعدم النسيان ؛ هناك البعد الديني مجسدا في الأقصى ، وهناك البعد اللغوي مجسدا في وجود ستة ملايين فلسطيني يتكلمون العربية مقابل ستة ملايين يهودي يتكلمون العبرية ، وهناك البعد الاقتصادي مجسدا في سوء أوضاع الفلسطينيين ، وهناك قسوة حياة اللاجئين الفلسطينيين في المنافي ، وهذه تجعل من فلسطين جنتهم المنشودة للخلاص من البؤس والشقاء والشعور بأنهم غير مرغوب فيهم ، لأنهم غرباء ، وهناك .. وهناك .. .
" إن عدتم عدنا " قال أبو عبيدة ، فهل نحن أمام حرب قادمة ؟ هل نحيا الآن هدنة أخرى قد يقصر أمدها وقد يطول ؟
لم تشف غزة من جراح الحروب السابقة ، وما زال جرح الحرب الأخيرة طريا نازفا لم يبرد ويغطي عليه الشعور بنشوة انتصار ما ؛ انتصار يبدو في نظر أغلبية الفلسطينيين يقينا .
ربما السؤال الآن هو :
- وماذا بعد ؟ ماذا بعد أن هدأت المعارك ؟
ثمة اقتحامات جديدة للأقصى ، وثمة حصار لحي الشيخ جراح ، وثمة لاجئون يعانون ، وثمة أرض ما زالت محتلة ، وثمة أشياء كثيرة لم يحسمها قرار مجلس الأمن الأخير ، مثله مثل القرارات السابقة !!
أردت أن أكتب عن الفصيلية والفتنة ثم وجدتني أخضع لعبارة غولدا ورد بنيامين عليها :
" كلي خرا ، الكبار ماتوا والصغار لم ينسوا " .
وكلنا ، نحن واليهود ، منذ العام ١٩٤٨ ، نأكل ، في أرض السمن والعسل ، الخراء وليس سوى الخراء .
صباح الخير
خربشات
٢٤ / ٥ / ٢٠٢١



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى