كاظم حسن سعيد - مختارات من بحوث حول المجاز والاستعارة ج2

ج2

المجاز المفرد المرسل: هو الكلمة المستعملة قصدًا في غير معناها الأصلي لملاحظة علاقة غير «المشابهة» مع قرينة دالة على عدم إرادة المعنى الوضعي.
وله علاقات كثيرة، أهمها:(١)السَّببيَّة: وهي كون الشيء المنقول عنه سببًا، ومؤثرًا في غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ السبب، وأريد منه المُسَبَّب، نحو: «رعت الماشية الغيث»؛ أي: النبات؛ لأن الغيث؛ أي «المطر»، سبب فيه.٥
وقرينته «لفظية» وهي «رعَتْ»؛ لأن العلاقة تعتبر من جهة المعنى المنقول عنه.
ونحو: «لفلان عليَّ يدٌ» تريد باليد النِّعمة؛ لأنها سبب فيها.
(٢)والمسببة: هي أن يكون المنقول عنه مسببًا وأثرًا لشيء آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكِرَ لفظ المسبب، وأريد منه السَّبب، نحو: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا؛ أي: مطرًا يسبِّب الرزق.
(٣)والكلِّيَّة: هي كون الشيء متضمنًا للمقصود ولغيره؛ وذلك فيما إذا ذُكر لفظ الكل وأريد منه الجزء، نحو: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ؛ أي أناملهم والقرينة «حالية» وهي استحالة إدخال الأصبع كلِّه في الأذن.
ونحو: «شربت ماء النيل» والمراد بعضه، بقرينة شربت.
(٤)والجزئية: هي كون المذكور ضمن شيء آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكر لفظ الجزء، وأريد منه الكل، مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
ونحو: «نشر الحاكم عيونه في المدينة»؛ أي الجواسيس، فالعيون مجاز مرسل، علاقته «الجزئية»؛ لأن كل عين جزء من جاسوسها، والقرينة الاستمالة.
(٥)واللازميَّة: هي كون الشيء يجب وجوده، عند وجود شيء آخر، نحو: «طلع الضوء»؛ أي الشمس، فالضوء مجاز مرسل، علاقته «اللازميَّة»؛ لأنه يوجد عند وجود الشمس، والمعتبر هنا اللزوم الخاص، وهو عدم الانفكاك.
(٦)والملزومية: هي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر، نحو: «ملأت الشمس المكان»؛ أي الضوء، فالشمس مجاز مرسل، علاقته «الملزومية»؛ لأنها متى وُجدت وُجد الضوء، والقرينة «ملأت».
(٧)والآليَّة: هي كون الشيء واسطة لإيصال أثر شيء إلى آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكر اسم الآلة، وأريد الأثر الذي ينتج عنه، نحو: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ؛ أي ذكرًا حسنًا «فلسان» بمعنى «ذكر حسن» مجاز مرسل، علاقته «الآليَّة»؛ لأن اللِّسان آلة في الذكر الحسن.
(٨)والتقييد ثم الإطلاق: هو كون الشيء مقيدًا بقيد أو أكثر، نحو: «مِشْفر زيد مجروح» فإن المِشْفَر لغة: شفة البعير، ثم أُريد هنا مطلق شفة، فكان في هذا منقولًا عن المقيد إلى المطلق، وكان مجازًا مرسلًا علاقته التقييد، ثم نُقِل من مطلق شفة إلى شفة الإنسان، فكان مجازًا مرسلًا بمرتبتين، وكانت علاقته «التقييد والإطلاق».
(٩)والعموم: هو كون الشيء شاملًا لكثير، نحو قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ؛ أي «النبي» ﷺ، فالناس مجاز مرسل، علاقته العموم، ومثله قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ فإن المراد من الناس واحد، وهو «نعيم بن مسعود الأشجعي».
(١٠)والخصوص: هو كون اللفظ خاصًّا بشيء واحد، كإطلاق اسم الشخص على القبيلة، نحو: ربيعة وقريش.
(١١)واعتبار ما كان: هو النظر إلى الماضي؛ أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه، نحو: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ؛ أي الذين كانوا يتامى، ثم بلغوا، فاليتامى: مجاز مرسل علاقته «اعتبار ما كان»، وهذا إذا جرينا على أن دلالة الصفة على الحاضر حقيقته، وعلى ما عداه مجاز.
(١٢)واعتبار ما يكون: هو النظر إلى المستقبل؛ وذلك فيما إذا أُطلق اسم الشيء على ما يئول إليه، كقوله تعالى: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا؛ أي عصيرًا يئول أمره إلى خمر؛ لأنه حال عصره لا يكون خمرًا، فالعلاقة هنا: «اعتبار ما يئول إليه».
ونحو: وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا والمولود حين يُولد لا يكون فاجرًا ولا كافرًا، ولكنه قد يكون كذلك بعد الطفولة، فأطلق المولود الفاجر، وأريد به الرجل الفاجر، والعلاقة «اعتبار ما يكون».
(١٣)والحالية: هي كون الشيء حالًا في غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ الحال وأريد المحل لما بينهما من الملازمة، نحو: فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فالمراد من «الرحمة» الجنة التي تحل فيها رحمة الله، ففيه مجاز مرسل، علاقته «الحالية».
وكقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ؛ أي لباسكم؛ لحلول الزينة فيه، فالزينة حال واللباس محلها، ونحو: وأرى بياضًا يظهر ويختفي، وأرى حركة تعلو وتسفل.
(١٤)والمحلية: هي كون الشيء يحمل فيه غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ المحل وأريد به الحال فيه، كقوله تعالى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ والمراد من يحل في النادي.
وكقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ؛ أي ألسنتهم؛ لأن القول لا يكون عادة إلا بها.
(١٥)والبدلية: هي كون الشيء بدلًا عن شيء آخر، كقوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ والمراد: الأداء.
(١٦)والمبدلية: هي كون الشيء مبدلًا منه شيء آخر، نحو: «أكلت دم زيد»؛ أي ديته، فالدم «مجاز مرسل» علاقته «المبدلية»؛ لأن الدم مبدل عنه «الدية».
(١٧)والمجاورة: هي كون الشيء بدلًا عن شيء آخر، نحو: «كلمت الجدار والعامود»؛ أي الجالس بجوارهما، فالجدار والعامود مجازان مرسلان علاقتهما «المجاورة».
(١٨)والتعلق الاشتقاقي: هو إقامة صيغة مقام أخرى؛ وذلك:(أ)كإطلاق المصدر على اسم المفعول في قوله تعالى: صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ؛ أي: مصنوعه.
(ب)وكإطلاق اسم الفاعل على المصدر في قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ؛ أي: تكذيب.
(جـ)وكإطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول في قوله: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ؛ أي: لا معصوم.
(د)وكإطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل في قوله تعالى: حِجَابًا مَسْتُورًا؛ أي: ساترًا.
والقرينة على مجازية ما تقدم هي ذكر ما يمنع إرادة المعنى الأصلي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى