رسائل الأدباء رسالة من محمد كرد علي إلى فخري البارودي

أخي العزيز:

أخذت أمس كتابك، وكنت كثيراً في هذه الأيام وأذكر حوادثك، وما وقع لنا من النكات التي كنا نروح بها عن أنفسنا في الأزمات. وحمدت الله على صحتك ونشطتك، وأرجو قرب أيام اللقاء، فقدت اشتاقت الأرواح بعضهم للآخر. أردتني أن أزورك لنعيش حياة "الدروشة" وتقشف، وهل كانت حياتنا غير هذا؟ وهل نتعلم جديداً إذا عشنا هذا العيش الذي يتمنى خمسة وتسعون بالمائة من البشر أن يعيشوه.
كنت كما تعلم أريد أن أخف للتشرف بزيارة سمو الأمير، أيده الله، لولا أني تصعب علي الحركة في أيام السلم، فما بالك بها أيام الحرب؟ وقد اعتدت في الحروب أن أقبع في داري وأشتغل بنفسي، وكذلك أفعل الآن. على أن صحتي ليست على ما يرام، وقد التزمت البيت هذا الشهر أكثر من عشرين يوماً. وأنا الآن لا أتناول لحماً ولا ملحاً، وأكتفي في تغذيتي بالبقول والفاكهة واللبن لأن معي زلالاً.
والحاصل فإن المرء جاوز الستين لا تراه إلا عند الرفاء أو السكاف أو المجبر. ومن عمره الله ستين عاماً فقد أعذر إليه. اتفقت كلمة الأطباء على أن أخفف العمل، وذلك سأخلق لي في القرية أعمالاً تصرف ذهني عن الكتاب والكتابة ساعات من النهار. ولعلي أوافق إلى ما أريد حتى أقضي الأيام الباقية لي في الحياة بدون أسقام ولا آلام.
سأبلغ أصهاري سلامك، وصديقنا أبو صالح أديب أفندي شبيب هو الآن في الحج. أعاده الله إلينا سالماً. وابنك طريف عقدنا له على ابنة عمه محمود السيدة اعتماد وابنة عنك. وهو الآن في بيروت مستخدم في شركة أمريكانية، وقد طلق الطيران طلاقاً ثلاثاً. وقد سر جميع الناس من هذا القران. أرجو أن يكون سعيداً.
الأخ الأستاذ خليل مردم بك يذكرك معي دائماً، وهو مشتاق إليك، وكذلك كثير من إخوانك وعشاقك يعتبروني هنا سفيرك لأبلغك سلامهم وأشواقهم. وغاية رجائي ألا تقطع كتبك عني فهي سلوتي.
وأسأل الله أن يعجل برفع بنود السلام على الأنام.
أرسلت كتاباً خاصاً لسمو سيدي الأمير المعظم.
دمشق غرة المحرم 1359هـ.
محمد كرد علي

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
رسائل الأدباء (ملف)
المشاهدات
504
آخر تحديث
أعلى