رسائل الأدباء رسالة من فخري البارودي إلى شكري القوتلي

سيدي صاحب الفخامة، رئيس الجمهورية المعظم
تحية من الله طيبة زكية مباركة، وبعد:
فهذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها لفخامتكم عن قضية شخصية، وما كنت أريد، ولا كان يجول في بخاطري يوماً، أن أشغل بالكم الكريم، ولاسيما في مثل هذه الظروف الدقيقة الحرجة بمثل هذه القضية الشخصية، ولكن الزمن وغيوبه في علم العليم الخبير، قد اضطرني وأحوجني لأكتب لفخامتكم في موضوع يخصني ولايتعداني. ولو لم تصلنا تلك الحقوق الوطنية الراسخة ولو لم تربطنا هاتيك الأواصر القومية الوثقى، لما تجرأت على مفاتحتكم بمثل هذا الأمر الذاتي.
تعلمون يا سيدي أني قد فرزت حصتي في قرية الجرباء بعد تقسيمها بيني وبين ورثتها، منذ سنوات. ولقد وقفت غاية جهودي على إدارتها إدارة صحيحة، آملاً أن تدر علي ما يسد حاجتي. فحفرت بها أربع آبار، وجهزتها بمضخات ومحركات ألمانية حديثة. وقد كلفني ذلك مبلغاً كان فوق طاقتي، مما اضطرني لاستدانة بعض المال من بنك سورية ولبنان، والبعض من المرابين الدائنين، أو أصدقائنا من التجار الأكرمين.
ولقد مضت هذه السنون الثلاث، وأنا انتظر فرج الله، والفوائد تتراكم، ولكن ياللأسف كانت سنين عجافاً أجدبت أيامها وأمحلت مواسمها، فخرجت منها جميعاً بخفي حنين، مما زادني خسارة على خسارة، وأوقعني تحت عبء من الديون كانت وطأته فوق طاقتي... وما في إلا طاقة الإنسان. كما أنها اضطرتني لصرف قسم كبير من وارداتي من شركة الأسمنت على هذا المشروع الفاشل، لعجزي عن إدارته بنفسي وأخلاق العمال.
ولما لم يعد بإمكاني الدوام على العمل عزمت على بيع حصتي من قرية الجرباء لسد الديون وشراء بناية أحصل من إيجارها على مصروف داري اللازم الضروري. ولكن لسوء الحظ أوقفت الظروف الحاضرة البيع والشراء كما تعملون. وقد وقفت موقفاً يعجزني عن إيجاد ما يسدد الدين، وأزيد على ذلك أنه يكاد يعجزني عن إيجاد مصروفي الخاص الذي أعيش به من داري عيشة الكفاف، وهذا المآل العصيب الذي آلت إليه حالتي، والموقف الحرج الذي لبكني وأوقفني حائراً وأنا على مفترق طرق الحياة هو الذي ألجأني مرغماً إلى تكليف فخامتكم بمساعدتي في قضية تنقذني من الحاجة وتقيني من أن أريق ماء وجهي وأنا أمد طلب العون والمساعدة إلى غير الله عز وهلا، وإلى غير فخامتكم.
وطلبي هو أن تسعوا فخامتكم لدى الحكومة المصرية لتسمح لي باستيراد كمية من الرز المصري يدفع ثمنها في القاهرة جنيهات مصرية من حساب تاجر مقيم أو صاحب أملاك ممن أتمكن من إقناعه من أصدقائي السوريين الذين لهم أموال في القاهرة مقابل رهن جميع ما أملكه في الجرباء مع داري التي أسكنها، والمبلغ المطلوب شراء الأرز هو خمسين ألف جنيه، أعيدها لأصحابها في مدة ثلاث سنوات.
وإذا أخذ الله بيدكم وساعدتموني بهذا الأمر تنقذوني من هذه الهوة وتسترون وجهي وتسدون إلي يداً جليلة أحفظ بها الذكرى الحسنة مدى حياتي.
وحاشا أن يلقى شيخ مثلي تقدمت به السنون عسر عيش في عهدكم الميمون. أدامكم الله ذخراً للوطن وعماداً للأمة وسنداً لإخوانكم في الجهادين: جهاد في مسالك الحياة، وجهاد في سبيل الله والوطن.
دمشق في 7 كانون الأول 1956م.
فخري البارودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
رسائل الأدباء (ملف)
المشاهدات
468
آخر تحديث
أعلى