الملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على قصائد الشاعر القبائلي الجزائري القبائلي سي محند أومحند الذي خلّف تراثا غنيا يمسّ كل جوانب الحياة اليومية الشائكة. وتسعى، في الوقت نفسه، إلى تحليل المواضيع الإنسانية التي تضمنتها قصائد سي محند التي ترجمت روح الإنسان التوّاقة إلى البحث عن حياة أفضل.
ولا يزال سي محند الشاعر الثائر في وجه المستعمر، والداعي إلى التحرر، مجهولا لدى الجيل الجديد الذي لا يعرف عنه الكثير. وهذا راجع، حسب اعتقادنا، إلى انعقاد ندوات وملتقيات حول شعر سي محند وحياته المتشردة، دون تبادل المداخلات المنشورة بين مختلف المدارس والجامعات الجزائرية والأجنبية.
الكلمات المفتاحية: سي محند أومحند - فرعون - معمري - شعر - قبائلي.
مقدمة
يعود الشعر الشعبي الجزائري أو ما يسمى بالشعر العامي (عكس الشعر الفصيح) إلى ما قبل القرن التاسع عشر. ويمتاز بالبلاغة والإبداع بحيث يعبّر الشاعر عن كل ما يخص حياة الإنسان المتقلبة، والصفات الحسنة والذميمة لعامة الناس على اختلاف تربيتهم وآرائهم. ضف إلى ذلك، التعبير عن كل ما له علاقة وطيدة بمحيط الإنسان. كما يتضمن الشعر الشعبي، في الغالب، أمثالا وحكما صالحة لكل زمان ومكان، والكثير من الصور البيانية والمحسنات البديعية. وقد ساهم الاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر، في انبثاق لغة الشعر لدى العديد ممن نوّهوا بخصال الجزائريين الذين سعوا إلى التحرر من أغلال الاستعمار وعيش حياة رغيدة في بلد أجدادهم.
ويترجم الشعر الشعبي الجزائري نفسية سكان منطقة معينة من مناطق الجزائر، ويفسر سلوكاتهم حسب البيئة التي ينتمون إليها. ويعتبر هذا الشعر صادقا لأنه يتطرق إلى مشاكل الناس اليومية الناتجة عن التعايش بين مختلف شرائح المجتمع، ولأنه يتصل اتصالا وثيقا بالإنسان على مر العصور. ولا يشترط أن يكون الشاعر متحصلا على شهادات عليا لأن الشعر الشعبي نابع من تجارب الحياة والأحاسيس المختلفة والمتفاوتة التي تطبع الإنسان وتدفعه للتعبير عما يختلج في نفسه من حب، وكره، ووحدة، وفرح، وحزن.
إنّ الشعر القبائلي، باعتباره نوعا من أنواع الشعر الشعبي الجزائري، له أهميته في التراث الوطني. وتأتي كلمة Asefru بالقبائلية مرادفة لكلمة (شعر) باللغة العربية، وهي مشتقة من الفعل yesefra أي: "أوضح وبيّن ما كان غامضا". ويقول جون عمروش Jean Amrouche عن الشاعر القبائلي في مقدمة كتابه ما يأتي: "إن الشاعر القبائلي هو صاحب موهبة الشعر، بمعنى أنه جعل ما ليس واضحا، بيّنا ومعقولا...سواء كان أمداح أو أفراح...فهو يلعب دورا اجتماعيا معتبرا، وله رسالة مهمة للإيصال. فهو من بين ذلك بعيد الشدو، وصاحب بصيرة". (1)
ويعدّ الشاعر سي محند أومحند أحد رموز الشعر الشعبي القبائلي، إذ ترجم البؤس والتشرد الذي طبع حياته في جميع أشعاره.
(1) Voir Jean Amrouche, Chants berbères de Kabylie, 1988 : PP. 48-50
وعاش سي محند فترة المقاومة الشعبية سنة 1871 م في منطقة القبائل، والتي أدت إلى تشريد أفراد عائلته، وإعدام أبيه، ونفي عمه وآخرين من عائلته إلى كاليدونيا الجديدة. أضف إلى هذه العوامل حجز أملاك عائلة سي محند، مما جعل هذا الشاعر الثائر يعكس في أشعاره الألم الذي عانه وما نتج عنه من تشرد، وضياع، ومغامرة بين منطقة القبائل، وعنابة، والبليدة، وتونس وغيرها.
تعريف وجيز للشاعر سي محند أومحند
سي محند أومحند، واسمه الحقيقي محند حمادوش، شاعر وفيلسوف قبائلي، ولد حوالي سنة 1845 م في قرية أشرعيوين بمنطقة تيزي راشد (التابعة إداريا للأربعاء ناث إيراثن) بولاية تيزي وزو (2). حارب الاستعمار الفرنسي بشتى الوسائل بحيث حرّض سكان منطقته على الوقوف في وجهه والكفاح من أجل التحرر. ونتيجة لذلك، قامت السلطات الفرنسية باعتقاله وتعذيبه، ثم قامت بنفي أفراد من عائلته وأقربائه إلى كاليدونيا الجديدة. غير أن الشاعر سي محند ظل يدعو إلى التحرر من خلال أشعاره، والقضاء على الاستعمار الغاشم. وتوفي سي محند حوالي سنة1906 م بمنطقة عين الحمام بولاية تيزي وزو.
جمع بوليفة أشعار سي محند وترجمها في كتاب بعنوان Recueil de poésie kabyle (ديوان الشعر القبائلي) صدر سنة 1904 م. وقام الكاتب الجزائري مولود فرعون بانتقاء بعض منها وترجمها شخصيا في كتاب بعنوان Les Poèmes de Si Mohand (أشعار سي محند) صدر سنة 1960م. وبعد وفاة فرعون، قام الكاتب الجزائري مولود معمري بإتمام جمع هذه الأشعار في ديوان شعري صدر سنة 1969م بعنوان Les Isefra de Si Mohand (إسفرا سي محند)، ثم طبعة ثانية سنة 1982 م. ويذكر أن سي محند أو محند كان يلقي أشعاره عفويا، أي أنها لم تكن مقيّدة كتابيا في البداية. وهناك من يقول أن بعض هذه الأشعار تبقى مجهولة إلى غاية اليوم، وأن ما حظينا بمعرفته، يتمثل فقط في الأشعار التي قيّدها الأدباء والمختصون الذين تعرضوا للحياة الشعرية لسي محند.
(2) إن تاريخ ميلاد سي محند ورد بالتقريب وذلك بسبب عدم اعتماد قانون الحالة المدنية في منطقة القبائل في ذلك الوقت. ومع أن السلطات الفرنسية منحت السكان فيما بعد بطاقات هوية وقيّدتهم في سجل الحالة المدنية بتواريخ ميلاد تقريبية، لم يستفد سي محند من هذا القرار لأنه حتما كان قد بدأ حياة التشرد.
كما يقول آخرون أن سي محند عاهد نفسه أن لا يلقي القصيدة نفسها مرتين، وأن من يهتم بأشعاره عليه تدوينها. حتى أنه ألقى أشعارا بالعربية ولكن لا يوجد لها أثر اليوم. وفي هذا الصدد، يقول مولود معمري: "إن الأدب الشفوي هو الذي يخلق شاعرا عالميا كـ:سي محند أومحند" (3)
ويتناول سي محند في أشعاره موضوعات عديدة كالمرأة، والوحدة، والتشرد، والألم، والحب، والتاريخ الأمازيغي، والقيم الاجتماعية، والكفاح ضد المستعمر الفرنسي.
الموضوعات الإنسانية في أشعار سي محند أومحند
يقول أحمد جاب الله عن القصيدة الشعبية الجزائرية ما يأتي: " يقترب شكل القصيدة
الشعبية الجزائرية في بنائها الفني من الخطبة أو الرسالة ولا سيما في افتتاحيتها فهي مزيج بين الشعر والنثر ، أخذت من الشعر إيقاعه وحافظت على القافية فكل القصائد الشعبية الجزائرية مقفاة، وأخذت من النثر خطابيته ومقدماته" .(4)
وينطبق هذا القول على أشعار سي محند التي راعت النظام الشعري من وزن وقافية، من جهة، وحافظت على خطابية النثر ومحتوى الرسالة المراد إيصالها، من جهة أخرى.
وتقول تاسعديت ياسين ما يأتي: "ينبثق الإلهام الشعري أو الإبداع الفني لدى الشاعر أو الأديب أو الرسام من المصادر الآتية، وأهمها: الطبيعة، والفضاء، والزمن، والرحلات، والحلم، والخيال، والتجارب الإنسانية". (5)
ونجد كل هذه العوامل مجتمعة في أشعار سي محند أومحند الذي خلّف إبداعا غنيا لا يزال محل دراسة وتحليل وترجمة من المختصين المحليين والأجانب، في ميدان الشعر والترجمة وغيرها من الميادين المتصلة بها.
3 - (B)SI AMMAR BEN SAID BOULIFA, 1990, p45.
(4) انظر أحمد جاب الله، مجلة الآداب واللغات، ص 6
(5) انظر منشورات مخبر الممارسات اللغوية، جامعة تيزي وزو، 2010، ص 37
ويطبع التشاؤم والبكاء على الأطلال أشعار سي محند أومحند بالرغم من ميزتها العاطفية التي تحوي أمثالا وحكما صالحة لكل زمان. ونقصد بعنوان (الموضوعات الإنسانية في أشعار سي محند أومحند) كل تلك المرتبطة بالإنسان من قريب كالعائلة، والأصدقاء، والأحاسيس، أو من بعيد كالمحيط الواسع الذي يعيش فيه، والظواهر المتدخلة في تكوين شخصيته. وقبل التطرق إلى هذه الموضوعات، تجدر الإشارة إلى أن قصائد سي محند هي قصائد تساعية (أي تسعة أبيات) تتشكل من قافيتين: قافية للبيت الأخير في كل مقطع شعري، وقافية للأبيات المتبقية. (6)
وأما أهمّ الموضوعات الإنسانية التي تناولها سي محند أو محند في أشعاره، نذكر ما يأتي:
- المرأة والحب: تغنى الشاعر القبائلي سي محند أومحند بالمرأة والحب، الأولى باعتبارها أساس الأسرة في المجتمع القبائلي، والثاني باعتباره شيئا افتقده نصف حياته. وتجدر الإشارة إلى أن سي محند تزوج شابا عندما كان أبوه حيا. ولكنّه طلّق زوجته لأن حماته حاولت تسميمه. وكان سي محند يحب امراة تدعى "فاضمة"، وكان يقتفي أثرها إلى "العين" حيث تجلب المياه. وعندما توفيت رثاها في قوله 7:
Temmut taazizt ur nemzir
Lmut a tettextir
Rebbi iteddu deg nneqma
Ay akkal ur t tγeyyir
M laayun n ttir
Ta٤foumt as a lmuluka
Dazawali ur tehqir
D yellis n lxir
Mahrumet si leğehennama
(6) لمزيد من التوضيحات، راجع كتاب مولود فرعون بعنوان Les poèmes de Si Mohand، 1960، صفحة 37
(7) Y. Nacib, 1993 : 97
- الغربة والحنين إلى الوطن: عاش سي محند نصف حياته منعزلا وبعيدا عن مسقط رأسه. ويقول في إحدى الأبيات ما يأتي 8 :
Aqlaγ kullas net qellib
Di tmura d aγrib
Mennaγ aw'isaan axxam
إننا نبحث كل يوم
في الأوطان غريب
أتمنى لو عندنا بيت
- انهيار المبادئ الأخلاقية وتكسر البنية الاجتماعية في المجتمع القبائلي: تعرضت القرى القبائلية في القرن الرابع عشر للهجرة إلى التفكك، وتقهقرت المبادئ الأخلاقية ليحل محلها الفساد والرذيلة. وفي هذا الصدد، يقول الشاعر سي محند ما يأتي9:
Ahya lqern asufaji
Widak nettehwiji
Win qesdeγ ibeddel lkelma-s
Dlγaci la ten-isgagi
Di lâid urten iğği
Гadent iğğulent tullas
Wamma at sukarği
Nzant lemraği
Bu tyuga hat d axemmas
آهٍ من القرن المتوحِّش...
أولئك الذين نحتاج...
ومن قصدت غيّر كلمته
يهجِّر الّناس (القرن)
وفي العيد لم يتركهم
أُشفِق على الفتيات اليتيمات
بالنسبة للسكارى بِيعت الأراضي
وأصبح الفلاح خمّاسًا 10
8. M. Mammeri, 1982 : 234. 9. M. Mammeri, 1982 136 : 36.
10. ترجمة الأبيات بالعربية : تصقح الموقع الآتي: lمدخل تاريخي للشعر القبائل
- استبداد الحكام : عانى سي محند على غرار مواطنيه، جور المستعمر الفرنسي واستبداده، وفكّر في أن الحل يكمن في الهرب بعيدا، أي الاغتراب. وقد قال في هذا الشأن ما يأتي 11:
أقسمت أنه من تيزي وزو
Gulleγ seg Tizi-Wezzu
Armi d Akeffadu
Ur hkimen dg’ akken llan
A nerrez wal’ a neknu
Axir dda٤٤wessu
Anda ttqewwiden ccifan
D elγurba tura degg’ qerru
Gulleγ ar nenfu
Wala le٤quba γer yilfan
إلى أكفادو
لا أحد سيجبرني على الانقياد لحكمه
الانكسار خير من الذل
اللعنة أفضل من
البقاء في بلد حكامه مستبدون
إن الغربة مكتوبة على الجبين
أقسمت على الذهاب بعيدا (المنفى)
خير من البقاء وسط المستبدين
وقمنا شخصيا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية على النحو الذي وردت فيه أعلاه.
- عدم الرضى والبحث عن السعادة: إن حياة التشرد والتنقل من مكان إلى آخر، أدت بسي محند إلى البحث الدائم عن الاستقرار والسعادة لعدم رضاه عن الواقع المرير. ويقول في هذا الشأن ما يأتي12:
Ziγen la٤ceq yemxallaf
Ifreq d lesnaf
Kulwa dakken itmehhen
11. M. Feraoun, 1960: 51.
12. Y. Nacib, 1993: 103.
Abaad izehhu s lektaf
Zzehr-is yullaf
Iqqim netta d waazizen
Abaad meskin hat yenhaf
Dayen yebγa ur t ittaf
S lehlak is d Rebbi g elmen
وقام محمد عاطف بريكي بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية في قوله 13:
لا يمكن لأي كان أن يتكهن بما في القلوب
من حب يملئها
وكم من العذاب تقاسيه
يحب الواحد منا بكل ما أوتي من كمال
يصير ذلك المحبوب
الذي لا يفترق عن محبوبه مهما صار
بالنسبة للبعض هي معاناة
و توق إلى المستحيل
و حده الله يعلم كم يتعذب - التشرد: لعل أهم لقب منح للشاعر سي محند هو "الشاعر المتشرد". وقد أشار في شعره إلى بعض رحلاته كتلك التي قام بها سيرا على الأقدام (يقال أنه كان دائما يتنقل سيرا على الأقدام) من الحراش في الجزائر العاصمة إلى ميشلي في ولاية تيزي وزو إذ يقول ما يأتي14:
Si Lharach armi d budwaw من الحراش إلى بودواو
Ixerrav ettaviaw نفسيتي تدهورت كثيرا
Bwiγ abrid si timci تنقلت راجلا
13. http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=27788
14. M. Feraoun, 1960 : 88
Recdeγk al fahem amusnaw إني أرشدك أيها الحكيم
Tcev lmahnaw محنتي طبعها الشيب (أعاني لسنوات)
Tzed γef meddan irkuli والناس كلهم يعانون
Tennat I lkif d aselaw أصبح الحشيش مؤنسي
Iveddal suraw وغيّر صورتي
Ma d achiv dugi attwali لكن الشيب لم يفارقني
وهكذا يواصل سي محند وصف رحلته التي زار فيها مناطق أخرى من الجزائر على غرار الثنية، وبرج امنايل، ولعزيب، وتادمايت، وبوخالفة، وغيرها وصولا إلى ميشلي حيث التقى أصدقائه بعد مرور زمن طويل. ويذكر في كل الأبيات حالته النفسية التي تتغير من منطقة إلى أخرى، والتي يطبعها التشاؤم غالبا.
- المرض: تحدث سي محند عن موضوع المرض في شعره. ومن خلال قراءتنا لقصيدة تناولت هذا الموضوع، استنتجنا أن سي محند كان يتحدث عن المرض النفسي الذي يلازم الإنسان ما دام يحيا حياة شقاء وعزلة. وهذه الأبيات مثال عن ذلك15:
Thebbin meddan isflan
Kulwa dayen i-t-yerhan
Nek attan i wudam xalef
G ergel u cevian
Bexlaf wi ifehman s lherf
Kulci γur-ek a Rebbi muvan
15. M. Feraoun, 1960: 75
Tezrid wi drouran
G l ğihak nerğa asulef
وقمنا شخصيا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية كما يأتي:
كل واحد منا يحب ذبح أضحية
بغية التخفيف من مرضه
غير أن المرض الذي أصابني خاص جدا
ولم يسمع به أحد
لا الرجال (الكبار) ولا الأطفال (الصغار)
إلا من لديه فكر ثاقب
أنت يا إلهي ترى كل شيء
وتعرف من يعاني الشقاء
إنني أنتظر العون منك
- التحسر على الأصدقاء الذين اختفوا وقت الحاجة: تحدث سي محند أومحند عن الناس الذين عرفهم في فترة من فترات حياته، ثم أداروا له ظهرهم عندما كان في أمس الحاجة إليهم، فقال16:
Tekka felli leγwlaba
Si tmurt n baba
Rewlen laibad i-γ-issnen
Nfiγ d γer tmurt l-lγerba
M'atrum a ttelba,
Laaqul isenteqqiden
16. M. Mammeri, 1982 : 180
الترجمة إلى العربية17:
لقد غلبت من بلد أبي
هرب من كان يعرفني
نفيت إلى بلاد الغربة هلاّ بكيتم أيها الطلبة
ذوو العقول المستوعبة
ويقول سي محند في أبيات أخرى ضمن السياق نفسه ما يأتي18:
Ata wuli-w isnehtit
Igul ur ihnit
Ur izdiγ Icher٤iwen
Asmi yella zmen di tlelit
Mkul aznik nuγit
Lehdur-iw t٤adayen
Ma tura tetfiyi dunit
Lemhayen-iw ugetit
I٤erkaγ zhu d ayen
وقمنا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية كما يأتي:
تحسّر قلبي وأقسم أن لا ينكث العهد لن أعيش في إشرعيوين بعد اليوم
عندما كنت شابا مرحا كان الكل يعرفني و يقصدني
وكانت كلمتي هي العليا أما الآن وقد جارت الدنيا عليا
17. lمدخل تاريخي للشعر القبائل
18. M. Feraoun, 1960: 58
وكثرت المحن لا تعرف الفرحة إلي طريقا
- اليهود: نجد في أشعار سي محند إشارة إلى غدر اليهود الذين عمّروا في منطقة القبائل قبل الاحتلال الفرنسي وبعده. وعندما حصل اليهود الذين كانوا عملاء لفرنسا في الجزائر، على الجنسية الفرنسية بموجب قرار كريميو (Crémieux) سنة 1870 م، عمّ الإحباط في أوساط سكان منطقة القبائل بحيث صاروا أسيادا عليهم، هم الذين يعيشون الذّل والحرمان في بلدهم بينما كان اليهود يتمتعون بالخيرات والعيش الهنيء. وفي هذا السياق، قال سي محند في إحدى قصائده ما يأتي19:
Uffiγ uydday di lhama
Issem-is Mardaxa
Yettawi anza di sfas
Asmi yeznuzu atellu
Dnek iggufa
Am- netta am itma-s
Tura mi yes3a sraya
Yedda d-nsara
Yettu ayen i3eddan fellas
وقام الباحث الجزائري الأستاذ محند أرزقي فراد بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية في قوله 20:
وجدت يهوديا في الحامة اسمه مردخه
عليه بادية أمارات الثراء عندما كان يقتات ببيع الرديء
19. صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية، أ. محمد أرزقي فراد - منتديات الشروق أونلاين
20. نفس المرجع
كنت له معينا ولأخواته مساعدا
أما وقد شيّد قصرا ففي ركب النصارى سائر
ناسيا ماضيه البئيس
- توحيد الخالق وتعظيمه: تعلم سي محند أومحند القرآن في زاوية سيدي عبد الرحمان في صغره، ولكن قد يستغرب الواحد منا بأن هذا الشاعر الذي نقلت عنه مختلف الروايات بأنه كان يتعاطى الحشيش والخمر، قد تناول في أشعاره عظمة الخالق ودعاه إلى تخليصه من الأزمات التي توالت في حياته المتشردة. وهذه الأبيات مثال عن ذلك في قوله21:
Sabhan k a Wahed el Ahed
Dlewjab ak nehmed
Tefkid lqudra nsbr as
Zik mi d zzher iseggmed
Llhaγ d-ujewwed
Kul lherf s l ibara s
Tura imi nettaxed
Γef lehram ne٤med
Ssneγ abrid xdiγ as
وتعطينا ترجمة أولية لهذا الأبيات ما يأتي:
سبحانك إلهي يا واحد يا أحد
من واجبنا أن نحمدك ونتقبل إرادتك
21. Y. Nacib, 1993: 295
في الماضي، عندما كنت محظوظا
كنت أرتل القرآن ولكل حرف أعطي معناه
الآن وأنا في الحضيض
لجأت إلى الحرام برغبتي
وأعلم علم اليقين أنني مائل عن الطريق المستقيم
هذه إذن بعض الموضوعات الإنسانية التي تناولها سي محند أومحند في أشعاره. ونشير إلى أن معظم الأشعار ، سواء تلك التي تناولناها في هذه الدراسة أو غيرها، تحتوي على مفردات باللغة العربية أو باللغة الفرنسية، وهذا راجع إلى تأثر اللغة الأمازيغية بهاتين اللغتين. كما نستشف من هذه الأشعار استعمال مختلف الصور البيانية كتشبيه عيون محبوبته بعيون الطير، واستعمال الإستعارة عندما تحدث عن محنته فقال أنها "شابت" أي كبرت. ولا يسعنا المقام للحديث عن كل هذه الصور، إلا أننا نوصي بقراءة أشعار سي محند أومحند لأنها مدرسة تحمل في طياتها صورا بيانية ومحسنات بديعية، إضافة إلى أمثال وحكم يستخلص منها الإنسان العبر والتجارب.
خاتمة:
يبقى سي محند أومحند شعلة تضيء الأجيال. ورغم مرور أكثر من مائة عام على رحيله، لا يزال "الشاعر الجوّال" محل دراسات وندوات وأبحاث تعنى بإبراز التراث الشفوي الذي تركه لنا لنستقي منه تجارب الحياة، وغدر الزمان، ودروس المحن والاستفادة منها. وكما يقول المثل الشعبي: "سل المجرب لا تسل طبيب" (أي: اسأل المجرب لمحن الدهر ولا تسأل الطبيب)، إذن سي محند الذي جرّب الحياة بحلوها ومرّها، كان مرآة عكست السعادة والشقاء، والنجاح والفشل، والإيمان والقنوط. ليس فيما يخصه فقط، بل فيما يخص كل أفراد المجتمع مهما كانت توجهاتهم. ونختم هذه المداخلة بأبيات للشاعر والمغني القبائلي المغترب المرحوم سليمان عازم الذي تمنى رجوع سي محند أو محند ليعيش معه مرحلة جديدة من الهوية الأمازيغية التي كان يطالب بها شعراء سنوات السبعينات. وقد قال22:
Si Muh u Mhend a wi k id yerran
Aț walid zzman
M' ak γaden widen yețrun
Aγ d cnud f ayen iεeddan
Akw d wayen illan
D wayen ar ad iteeddun
Ayen iγ d ğğan imawlan
S y iseγ akw d lehsan
Tura kkren-d widen it-yettun
ووردت ترجمة هذه الأبيات كما يأتي 23 :
ليتك تعود يا سي محند أومحند لترى الزمان
لتشفق على كلّ من يبكي لُتغنِّي لنا على الذي فات
22. Y. Nacib, 2001 : 263.
23. lمدخل تاريخي للشعر القبائل.
والذي هو حاضر وما هو آتٍ
وكلّ ما تركه لنا الأولياء بالفضيلة والإحسان...
الآن، قد وعى من نسيها
المراجع باللغتين العربية والفرنسية:
I. المراجع باللغة العربية :
1. الأثر: مجلة الآداب واللغات، جامعة ورقلة، الجزائر، العدد الثالث، مقال أحمد جاب الله، قراءة في القصيدة الشعبية الجزائرية، ماي 2004.
2. مخبر الممارسات اللغوية، جامعة تيزي وزو، ترجمة الشعر الأمازيغي نظما، نماذج من إبداعات آيت منقلات، 2010.
II. المراجع باللغة الفرنسية :
1. AMROUCHE, jean : Chants berbères de Kabylie, Préface de M. Mammeri, Ed L’Harmattan, 1988.
2. BOULIFA (B) Si Ammar Ben Said : Recueil de poésie kabyle, présentation par tassadit YACINE. Paris, Alger : 1990, Ed. AWAL.
3. MAMMERI, Mouloud : Les Isefra, poèmes de Si Mohand-ou-Mhand, Paris, Maspero, 1982.
4. NACIB, Youcef : Anthologie de la poésie kabyle, Ed. Andalouses, Alger, 1993.
5. NACIB, Youcef : Slimane Azem, Le poète, Ed. Zyriab, 2001.
III. المواقع الإلكترونية :
1. lمدخل تاريخي للشعر القبائل
2. صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية، أ. محمد أرزقي فراد - منتديات الشروق أونلاين
3. http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=27788
رشيدة سعدوني
أستاذة مساعدة قسم أ، معهد الترجمة، جامعة الجزائر 2
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على قصائد الشاعر القبائلي الجزائري القبائلي سي محند أومحند الذي خلّف تراثا غنيا يمسّ كل جوانب الحياة اليومية الشائكة. وتسعى، في الوقت نفسه، إلى تحليل المواضيع الإنسانية التي تضمنتها قصائد سي محند التي ترجمت روح الإنسان التوّاقة إلى البحث عن حياة أفضل.
ولا يزال سي محند الشاعر الثائر في وجه المستعمر، والداعي إلى التحرر، مجهولا لدى الجيل الجديد الذي لا يعرف عنه الكثير. وهذا راجع، حسب اعتقادنا، إلى انعقاد ندوات وملتقيات حول شعر سي محند وحياته المتشردة، دون تبادل المداخلات المنشورة بين مختلف المدارس والجامعات الجزائرية والأجنبية.
الكلمات المفتاحية: سي محند أومحند - فرعون - معمري - شعر - قبائلي.
مقدمة
يعود الشعر الشعبي الجزائري أو ما يسمى بالشعر العامي (عكس الشعر الفصيح) إلى ما قبل القرن التاسع عشر. ويمتاز بالبلاغة والإبداع بحيث يعبّر الشاعر عن كل ما يخص حياة الإنسان المتقلبة، والصفات الحسنة والذميمة لعامة الناس على اختلاف تربيتهم وآرائهم. ضف إلى ذلك، التعبير عن كل ما له علاقة وطيدة بمحيط الإنسان. كما يتضمن الشعر الشعبي، في الغالب، أمثالا وحكما صالحة لكل زمان ومكان، والكثير من الصور البيانية والمحسنات البديعية. وقد ساهم الاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر، في انبثاق لغة الشعر لدى العديد ممن نوّهوا بخصال الجزائريين الذين سعوا إلى التحرر من أغلال الاستعمار وعيش حياة رغيدة في بلد أجدادهم.
ويترجم الشعر الشعبي الجزائري نفسية سكان منطقة معينة من مناطق الجزائر، ويفسر سلوكاتهم حسب البيئة التي ينتمون إليها. ويعتبر هذا الشعر صادقا لأنه يتطرق إلى مشاكل الناس اليومية الناتجة عن التعايش بين مختلف شرائح المجتمع، ولأنه يتصل اتصالا وثيقا بالإنسان على مر العصور. ولا يشترط أن يكون الشاعر متحصلا على شهادات عليا لأن الشعر الشعبي نابع من تجارب الحياة والأحاسيس المختلفة والمتفاوتة التي تطبع الإنسان وتدفعه للتعبير عما يختلج في نفسه من حب، وكره، ووحدة، وفرح، وحزن.
إنّ الشعر القبائلي، باعتباره نوعا من أنواع الشعر الشعبي الجزائري، له أهميته في التراث الوطني. وتأتي كلمة Asefru بالقبائلية مرادفة لكلمة (شعر) باللغة العربية، وهي مشتقة من الفعل yesefra أي: "أوضح وبيّن ما كان غامضا". ويقول جون عمروش Jean Amrouche عن الشاعر القبائلي في مقدمة كتابه ما يأتي: "إن الشاعر القبائلي هو صاحب موهبة الشعر، بمعنى أنه جعل ما ليس واضحا، بيّنا ومعقولا...سواء كان أمداح أو أفراح...فهو يلعب دورا اجتماعيا معتبرا، وله رسالة مهمة للإيصال. فهو من بين ذلك بعيد الشدو، وصاحب بصيرة". (1)
ويعدّ الشاعر سي محند أومحند أحد رموز الشعر الشعبي القبائلي، إذ ترجم البؤس والتشرد الذي طبع حياته في جميع أشعاره.
(1) Voir Jean Amrouche, Chants berbères de Kabylie, 1988 : PP. 48-50
وعاش سي محند فترة المقاومة الشعبية سنة 1871 م في منطقة القبائل، والتي أدت إلى تشريد أفراد عائلته، وإعدام أبيه، ونفي عمه وآخرين من عائلته إلى كاليدونيا الجديدة. أضف إلى هذه العوامل حجز أملاك عائلة سي محند، مما جعل هذا الشاعر الثائر يعكس في أشعاره الألم الذي عانه وما نتج عنه من تشرد، وضياع، ومغامرة بين منطقة القبائل، وعنابة، والبليدة، وتونس وغيرها.
تعريف وجيز للشاعر سي محند أومحند
سي محند أومحند، واسمه الحقيقي محند حمادوش، شاعر وفيلسوف قبائلي، ولد حوالي سنة 1845 م في قرية أشرعيوين بمنطقة تيزي راشد (التابعة إداريا للأربعاء ناث إيراثن) بولاية تيزي وزو (2). حارب الاستعمار الفرنسي بشتى الوسائل بحيث حرّض سكان منطقته على الوقوف في وجهه والكفاح من أجل التحرر. ونتيجة لذلك، قامت السلطات الفرنسية باعتقاله وتعذيبه، ثم قامت بنفي أفراد من عائلته وأقربائه إلى كاليدونيا الجديدة. غير أن الشاعر سي محند ظل يدعو إلى التحرر من خلال أشعاره، والقضاء على الاستعمار الغاشم. وتوفي سي محند حوالي سنة1906 م بمنطقة عين الحمام بولاية تيزي وزو.
جمع بوليفة أشعار سي محند وترجمها في كتاب بعنوان Recueil de poésie kabyle (ديوان الشعر القبائلي) صدر سنة 1904 م. وقام الكاتب الجزائري مولود فرعون بانتقاء بعض منها وترجمها شخصيا في كتاب بعنوان Les Poèmes de Si Mohand (أشعار سي محند) صدر سنة 1960م. وبعد وفاة فرعون، قام الكاتب الجزائري مولود معمري بإتمام جمع هذه الأشعار في ديوان شعري صدر سنة 1969م بعنوان Les Isefra de Si Mohand (إسفرا سي محند)، ثم طبعة ثانية سنة 1982 م. ويذكر أن سي محند أو محند كان يلقي أشعاره عفويا، أي أنها لم تكن مقيّدة كتابيا في البداية. وهناك من يقول أن بعض هذه الأشعار تبقى مجهولة إلى غاية اليوم، وأن ما حظينا بمعرفته، يتمثل فقط في الأشعار التي قيّدها الأدباء والمختصون الذين تعرضوا للحياة الشعرية لسي محند.
(2) إن تاريخ ميلاد سي محند ورد بالتقريب وذلك بسبب عدم اعتماد قانون الحالة المدنية في منطقة القبائل في ذلك الوقت. ومع أن السلطات الفرنسية منحت السكان فيما بعد بطاقات هوية وقيّدتهم في سجل الحالة المدنية بتواريخ ميلاد تقريبية، لم يستفد سي محند من هذا القرار لأنه حتما كان قد بدأ حياة التشرد.
كما يقول آخرون أن سي محند عاهد نفسه أن لا يلقي القصيدة نفسها مرتين، وأن من يهتم بأشعاره عليه تدوينها. حتى أنه ألقى أشعارا بالعربية ولكن لا يوجد لها أثر اليوم. وفي هذا الصدد، يقول مولود معمري: "إن الأدب الشفوي هو الذي يخلق شاعرا عالميا كـ:سي محند أومحند" (3)
ويتناول سي محند في أشعاره موضوعات عديدة كالمرأة، والوحدة، والتشرد، والألم، والحب، والتاريخ الأمازيغي، والقيم الاجتماعية، والكفاح ضد المستعمر الفرنسي.
الموضوعات الإنسانية في أشعار سي محند أومحند
يقول أحمد جاب الله عن القصيدة الشعبية الجزائرية ما يأتي: " يقترب شكل القصيدة
الشعبية الجزائرية في بنائها الفني من الخطبة أو الرسالة ولا سيما في افتتاحيتها فهي مزيج بين الشعر والنثر ، أخذت من الشعر إيقاعه وحافظت على القافية فكل القصائد الشعبية الجزائرية مقفاة، وأخذت من النثر خطابيته ومقدماته" .(4)
وينطبق هذا القول على أشعار سي محند التي راعت النظام الشعري من وزن وقافية، من جهة، وحافظت على خطابية النثر ومحتوى الرسالة المراد إيصالها، من جهة أخرى.
وتقول تاسعديت ياسين ما يأتي: "ينبثق الإلهام الشعري أو الإبداع الفني لدى الشاعر أو الأديب أو الرسام من المصادر الآتية، وأهمها: الطبيعة، والفضاء، والزمن، والرحلات، والحلم، والخيال، والتجارب الإنسانية". (5)
ونجد كل هذه العوامل مجتمعة في أشعار سي محند أومحند الذي خلّف إبداعا غنيا لا يزال محل دراسة وتحليل وترجمة من المختصين المحليين والأجانب، في ميدان الشعر والترجمة وغيرها من الميادين المتصلة بها.
3 - (B)SI AMMAR BEN SAID BOULIFA, 1990, p45.
(4) انظر أحمد جاب الله، مجلة الآداب واللغات، ص 6
(5) انظر منشورات مخبر الممارسات اللغوية، جامعة تيزي وزو، 2010، ص 37
ويطبع التشاؤم والبكاء على الأطلال أشعار سي محند أومحند بالرغم من ميزتها العاطفية التي تحوي أمثالا وحكما صالحة لكل زمان. ونقصد بعنوان (الموضوعات الإنسانية في أشعار سي محند أومحند) كل تلك المرتبطة بالإنسان من قريب كالعائلة، والأصدقاء، والأحاسيس، أو من بعيد كالمحيط الواسع الذي يعيش فيه، والظواهر المتدخلة في تكوين شخصيته. وقبل التطرق إلى هذه الموضوعات، تجدر الإشارة إلى أن قصائد سي محند هي قصائد تساعية (أي تسعة أبيات) تتشكل من قافيتين: قافية للبيت الأخير في كل مقطع شعري، وقافية للأبيات المتبقية. (6)
وأما أهمّ الموضوعات الإنسانية التي تناولها سي محند أو محند في أشعاره، نذكر ما يأتي:
- المرأة والحب: تغنى الشاعر القبائلي سي محند أومحند بالمرأة والحب، الأولى باعتبارها أساس الأسرة في المجتمع القبائلي، والثاني باعتباره شيئا افتقده نصف حياته. وتجدر الإشارة إلى أن سي محند تزوج شابا عندما كان أبوه حيا. ولكنّه طلّق زوجته لأن حماته حاولت تسميمه. وكان سي محند يحب امراة تدعى "فاضمة"، وكان يقتفي أثرها إلى "العين" حيث تجلب المياه. وعندما توفيت رثاها في قوله 7:
Temmut taazizt ur nemzir
Lmut a tettextir
Rebbi iteddu deg nneqma
Ay akkal ur t tγeyyir
M laayun n ttir
Ta٤foumt as a lmuluka
Dazawali ur tehqir
D yellis n lxir
Mahrumet si leğehennama
(6) لمزيد من التوضيحات، راجع كتاب مولود فرعون بعنوان Les poèmes de Si Mohand، 1960، صفحة 37
(7) Y. Nacib, 1993 : 97
- الغربة والحنين إلى الوطن: عاش سي محند نصف حياته منعزلا وبعيدا عن مسقط رأسه. ويقول في إحدى الأبيات ما يأتي 8 :
Aqlaγ kullas net qellib
Di tmura d aγrib
Mennaγ aw'isaan axxam
إننا نبحث كل يوم
في الأوطان غريب
أتمنى لو عندنا بيت
- انهيار المبادئ الأخلاقية وتكسر البنية الاجتماعية في المجتمع القبائلي: تعرضت القرى القبائلية في القرن الرابع عشر للهجرة إلى التفكك، وتقهقرت المبادئ الأخلاقية ليحل محلها الفساد والرذيلة. وفي هذا الصدد، يقول الشاعر سي محند ما يأتي9:
Ahya lqern asufaji
Widak nettehwiji
Win qesdeγ ibeddel lkelma-s
Dlγaci la ten-isgagi
Di lâid urten iğği
Гadent iğğulent tullas
Wamma at sukarği
Nzant lemraği
Bu tyuga hat d axemmas
آهٍ من القرن المتوحِّش...
أولئك الذين نحتاج...
ومن قصدت غيّر كلمته
يهجِّر الّناس (القرن)
وفي العيد لم يتركهم
أُشفِق على الفتيات اليتيمات
بالنسبة للسكارى بِيعت الأراضي
وأصبح الفلاح خمّاسًا 10
8. M. Mammeri, 1982 : 234. 9. M. Mammeri, 1982 136 : 36.
10. ترجمة الأبيات بالعربية : تصقح الموقع الآتي: lمدخل تاريخي للشعر القبائل
- استبداد الحكام : عانى سي محند على غرار مواطنيه، جور المستعمر الفرنسي واستبداده، وفكّر في أن الحل يكمن في الهرب بعيدا، أي الاغتراب. وقد قال في هذا الشأن ما يأتي 11:
أقسمت أنه من تيزي وزو
Gulleγ seg Tizi-Wezzu
Armi d Akeffadu
Ur hkimen dg’ akken llan
A nerrez wal’ a neknu
Axir dda٤٤wessu
Anda ttqewwiden ccifan
D elγurba tura degg’ qerru
Gulleγ ar nenfu
Wala le٤quba γer yilfan
إلى أكفادو
لا أحد سيجبرني على الانقياد لحكمه
الانكسار خير من الذل
اللعنة أفضل من
البقاء في بلد حكامه مستبدون
إن الغربة مكتوبة على الجبين
أقسمت على الذهاب بعيدا (المنفى)
خير من البقاء وسط المستبدين
وقمنا شخصيا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية على النحو الذي وردت فيه أعلاه.
- عدم الرضى والبحث عن السعادة: إن حياة التشرد والتنقل من مكان إلى آخر، أدت بسي محند إلى البحث الدائم عن الاستقرار والسعادة لعدم رضاه عن الواقع المرير. ويقول في هذا الشأن ما يأتي12:
Ziγen la٤ceq yemxallaf
Ifreq d lesnaf
Kulwa dakken itmehhen
11. M. Feraoun, 1960: 51.
12. Y. Nacib, 1993: 103.
Abaad izehhu s lektaf
Zzehr-is yullaf
Iqqim netta d waazizen
Abaad meskin hat yenhaf
Dayen yebγa ur t ittaf
S lehlak is d Rebbi g elmen
وقام محمد عاطف بريكي بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية في قوله 13:
لا يمكن لأي كان أن يتكهن بما في القلوب
من حب يملئها
وكم من العذاب تقاسيه
يحب الواحد منا بكل ما أوتي من كمال
يصير ذلك المحبوب
الذي لا يفترق عن محبوبه مهما صار
بالنسبة للبعض هي معاناة
و توق إلى المستحيل
و حده الله يعلم كم يتعذب - التشرد: لعل أهم لقب منح للشاعر سي محند هو "الشاعر المتشرد". وقد أشار في شعره إلى بعض رحلاته كتلك التي قام بها سيرا على الأقدام (يقال أنه كان دائما يتنقل سيرا على الأقدام) من الحراش في الجزائر العاصمة إلى ميشلي في ولاية تيزي وزو إذ يقول ما يأتي14:
Si Lharach armi d budwaw من الحراش إلى بودواو
Ixerrav ettaviaw نفسيتي تدهورت كثيرا
Bwiγ abrid si timci تنقلت راجلا
13. http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=27788
14. M. Feraoun, 1960 : 88
Recdeγk al fahem amusnaw إني أرشدك أيها الحكيم
Tcev lmahnaw محنتي طبعها الشيب (أعاني لسنوات)
Tzed γef meddan irkuli والناس كلهم يعانون
Tennat I lkif d aselaw أصبح الحشيش مؤنسي
Iveddal suraw وغيّر صورتي
Ma d achiv dugi attwali لكن الشيب لم يفارقني
وهكذا يواصل سي محند وصف رحلته التي زار فيها مناطق أخرى من الجزائر على غرار الثنية، وبرج امنايل، ولعزيب، وتادمايت، وبوخالفة، وغيرها وصولا إلى ميشلي حيث التقى أصدقائه بعد مرور زمن طويل. ويذكر في كل الأبيات حالته النفسية التي تتغير من منطقة إلى أخرى، والتي يطبعها التشاؤم غالبا.
- المرض: تحدث سي محند عن موضوع المرض في شعره. ومن خلال قراءتنا لقصيدة تناولت هذا الموضوع، استنتجنا أن سي محند كان يتحدث عن المرض النفسي الذي يلازم الإنسان ما دام يحيا حياة شقاء وعزلة. وهذه الأبيات مثال عن ذلك15:
Thebbin meddan isflan
Kulwa dayen i-t-yerhan
Nek attan i wudam xalef
G ergel u cevian
Bexlaf wi ifehman s lherf
Kulci γur-ek a Rebbi muvan
15. M. Feraoun, 1960: 75
Tezrid wi drouran
G l ğihak nerğa asulef
وقمنا شخصيا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية كما يأتي:
كل واحد منا يحب ذبح أضحية
بغية التخفيف من مرضه
غير أن المرض الذي أصابني خاص جدا
ولم يسمع به أحد
لا الرجال (الكبار) ولا الأطفال (الصغار)
إلا من لديه فكر ثاقب
أنت يا إلهي ترى كل شيء
وتعرف من يعاني الشقاء
إنني أنتظر العون منك
- التحسر على الأصدقاء الذين اختفوا وقت الحاجة: تحدث سي محند أومحند عن الناس الذين عرفهم في فترة من فترات حياته، ثم أداروا له ظهرهم عندما كان في أمس الحاجة إليهم، فقال16:
Tekka felli leγwlaba
Si tmurt n baba
Rewlen laibad i-γ-issnen
Nfiγ d γer tmurt l-lγerba
M'atrum a ttelba,
Laaqul isenteqqiden
16. M. Mammeri, 1982 : 180
الترجمة إلى العربية17:
لقد غلبت من بلد أبي
هرب من كان يعرفني
نفيت إلى بلاد الغربة هلاّ بكيتم أيها الطلبة
ذوو العقول المستوعبة
ويقول سي محند في أبيات أخرى ضمن السياق نفسه ما يأتي18:
Ata wuli-w isnehtit
Igul ur ihnit
Ur izdiγ Icher٤iwen
Asmi yella zmen di tlelit
Mkul aznik nuγit
Lehdur-iw t٤adayen
Ma tura tetfiyi dunit
Lemhayen-iw ugetit
I٤erkaγ zhu d ayen
وقمنا بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية كما يأتي:
تحسّر قلبي وأقسم أن لا ينكث العهد لن أعيش في إشرعيوين بعد اليوم
عندما كنت شابا مرحا كان الكل يعرفني و يقصدني
وكانت كلمتي هي العليا أما الآن وقد جارت الدنيا عليا
17. lمدخل تاريخي للشعر القبائل
18. M. Feraoun, 1960: 58
وكثرت المحن لا تعرف الفرحة إلي طريقا
- اليهود: نجد في أشعار سي محند إشارة إلى غدر اليهود الذين عمّروا في منطقة القبائل قبل الاحتلال الفرنسي وبعده. وعندما حصل اليهود الذين كانوا عملاء لفرنسا في الجزائر، على الجنسية الفرنسية بموجب قرار كريميو (Crémieux) سنة 1870 م، عمّ الإحباط في أوساط سكان منطقة القبائل بحيث صاروا أسيادا عليهم، هم الذين يعيشون الذّل والحرمان في بلدهم بينما كان اليهود يتمتعون بالخيرات والعيش الهنيء. وفي هذا السياق، قال سي محند في إحدى قصائده ما يأتي19:
Uffiγ uydday di lhama
Issem-is Mardaxa
Yettawi anza di sfas
Asmi yeznuzu atellu
Dnek iggufa
Am- netta am itma-s
Tura mi yes3a sraya
Yedda d-nsara
Yettu ayen i3eddan fellas
وقام الباحث الجزائري الأستاذ محند أرزقي فراد بترجمة هذه الأبيات إلى اللغة العربية في قوله 20:
وجدت يهوديا في الحامة اسمه مردخه
عليه بادية أمارات الثراء عندما كان يقتات ببيع الرديء
19. صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية، أ. محمد أرزقي فراد - منتديات الشروق أونلاين
20. نفس المرجع
كنت له معينا ولأخواته مساعدا
أما وقد شيّد قصرا ففي ركب النصارى سائر
ناسيا ماضيه البئيس
- توحيد الخالق وتعظيمه: تعلم سي محند أومحند القرآن في زاوية سيدي عبد الرحمان في صغره، ولكن قد يستغرب الواحد منا بأن هذا الشاعر الذي نقلت عنه مختلف الروايات بأنه كان يتعاطى الحشيش والخمر، قد تناول في أشعاره عظمة الخالق ودعاه إلى تخليصه من الأزمات التي توالت في حياته المتشردة. وهذه الأبيات مثال عن ذلك في قوله21:
Sabhan k a Wahed el Ahed
Dlewjab ak nehmed
Tefkid lqudra nsbr as
Zik mi d zzher iseggmed
Llhaγ d-ujewwed
Kul lherf s l ibara s
Tura imi nettaxed
Γef lehram ne٤med
Ssneγ abrid xdiγ as
وتعطينا ترجمة أولية لهذا الأبيات ما يأتي:
سبحانك إلهي يا واحد يا أحد
من واجبنا أن نحمدك ونتقبل إرادتك
21. Y. Nacib, 1993: 295
في الماضي، عندما كنت محظوظا
كنت أرتل القرآن ولكل حرف أعطي معناه
الآن وأنا في الحضيض
لجأت إلى الحرام برغبتي
وأعلم علم اليقين أنني مائل عن الطريق المستقيم
هذه إذن بعض الموضوعات الإنسانية التي تناولها سي محند أومحند في أشعاره. ونشير إلى أن معظم الأشعار ، سواء تلك التي تناولناها في هذه الدراسة أو غيرها، تحتوي على مفردات باللغة العربية أو باللغة الفرنسية، وهذا راجع إلى تأثر اللغة الأمازيغية بهاتين اللغتين. كما نستشف من هذه الأشعار استعمال مختلف الصور البيانية كتشبيه عيون محبوبته بعيون الطير، واستعمال الإستعارة عندما تحدث عن محنته فقال أنها "شابت" أي كبرت. ولا يسعنا المقام للحديث عن كل هذه الصور، إلا أننا نوصي بقراءة أشعار سي محند أومحند لأنها مدرسة تحمل في طياتها صورا بيانية ومحسنات بديعية، إضافة إلى أمثال وحكم يستخلص منها الإنسان العبر والتجارب.
خاتمة:
يبقى سي محند أومحند شعلة تضيء الأجيال. ورغم مرور أكثر من مائة عام على رحيله، لا يزال "الشاعر الجوّال" محل دراسات وندوات وأبحاث تعنى بإبراز التراث الشفوي الذي تركه لنا لنستقي منه تجارب الحياة، وغدر الزمان، ودروس المحن والاستفادة منها. وكما يقول المثل الشعبي: "سل المجرب لا تسل طبيب" (أي: اسأل المجرب لمحن الدهر ولا تسأل الطبيب)، إذن سي محند الذي جرّب الحياة بحلوها ومرّها، كان مرآة عكست السعادة والشقاء، والنجاح والفشل، والإيمان والقنوط. ليس فيما يخصه فقط، بل فيما يخص كل أفراد المجتمع مهما كانت توجهاتهم. ونختم هذه المداخلة بأبيات للشاعر والمغني القبائلي المغترب المرحوم سليمان عازم الذي تمنى رجوع سي محند أو محند ليعيش معه مرحلة جديدة من الهوية الأمازيغية التي كان يطالب بها شعراء سنوات السبعينات. وقد قال22:
Si Muh u Mhend a wi k id yerran
Aț walid zzman
M' ak γaden widen yețrun
Aγ d cnud f ayen iεeddan
Akw d wayen illan
D wayen ar ad iteeddun
Ayen iγ d ğğan imawlan
S y iseγ akw d lehsan
Tura kkren-d widen it-yettun
ووردت ترجمة هذه الأبيات كما يأتي 23 :
ليتك تعود يا سي محند أومحند لترى الزمان
لتشفق على كلّ من يبكي لُتغنِّي لنا على الذي فات
22. Y. Nacib, 2001 : 263.
23. lمدخل تاريخي للشعر القبائل.
والذي هو حاضر وما هو آتٍ
وكلّ ما تركه لنا الأولياء بالفضيلة والإحسان...
الآن، قد وعى من نسيها
المراجع باللغتين العربية والفرنسية:
I. المراجع باللغة العربية :
1. الأثر: مجلة الآداب واللغات، جامعة ورقلة، الجزائر، العدد الثالث، مقال أحمد جاب الله، قراءة في القصيدة الشعبية الجزائرية، ماي 2004.
2. مخبر الممارسات اللغوية، جامعة تيزي وزو، ترجمة الشعر الأمازيغي نظما، نماذج من إبداعات آيت منقلات، 2010.
II. المراجع باللغة الفرنسية :
1. AMROUCHE, jean : Chants berbères de Kabylie, Préface de M. Mammeri, Ed L’Harmattan, 1988.
2. BOULIFA (B) Si Ammar Ben Said : Recueil de poésie kabyle, présentation par tassadit YACINE. Paris, Alger : 1990, Ed. AWAL.
3. MAMMERI, Mouloud : Les Isefra, poèmes de Si Mohand-ou-Mhand, Paris, Maspero, 1982.
4. NACIB, Youcef : Anthologie de la poésie kabyle, Ed. Andalouses, Alger, 1993.
5. NACIB, Youcef : Slimane Azem, Le poète, Ed. Zyriab, 2001.
III. المواقع الإلكترونية :
1. lمدخل تاريخي للشعر القبائل
2. صورة اليهود في الثقافة الشعبية القبائلية، أ. محمد أرزقي فراد - منتديات الشروق أونلاين
3. http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=27788
رشيدة سعدوني
أستاذة مساعدة قسم أ، معهد الترجمة، جامعة الجزائر 2