اٍن الباحثين العرب المعاصرين الذين يربطون بين شعر العامية والازدواج اللغوى المزعوم, وعدم اٍمكانية خروج الشعر العامى من حدود القطر الذى يعيش فيه الشاعر, لأن عامية كل قطر لا يمكن فهمها فى قطر آخر, وكأن العرب يعيشون فى جزر منفصلة عن بعضها البعض منذ القدم, ولا يفهم هذا عامية ذاك ؟!, والملفت ان هولاء الباحثين أنفسهم على اختلاف البلاد التى يعيشون فيها يستمعون لأغانى أم كلثوم المصرية وفيروز اللبنانية !, ويشاهدون المسلسلات الدرامية المصرية والسورية !, ومسألة انتشار الشعر العامى خارج حدود البلد الذى يعيش فيه الشاعر لم يعانِ منها الشعر العامى القديم, فقد انتقلت أشكال النظم الشعرى العامى قديما من الأندلس والعراق اٍلى باقى البلاد العربية كما يقول ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة عن الزجل الأندلسى : ( ولمّا شاع التوشيح فى أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، و نظموا فى طريقته بلغتهم الحضرية بغير أن يلتزموا فيه اٍعرابا واستحدثوا فتّا سموه بالزجل )3, وكذلك خرجت فنون المواليا والدوبيت والقوما و"الكان وكان" من العراق وانتشرت فى البلاد العربية وعن ذلك قال ابن خلدون فى مقدمته : ( كان لعامة بغداد فن من الشعر يسمونه مَواليا وتحته فنون كثيره يسمون منها القُوما والكان وكان، منه مفرد ومنه فى بيتين، ويسمونه الدوبيت، على الاختلافات المعتبرة عندهم فى كل واحد منها، وغالبها مزدوجة من أربعة أغصان، وتبعهم فى ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب، وتجاوزوا فيها من أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية و جاؤا بالعجائب )4, وأورد ابن خلدون فى مقدمته نماذج من أشكال النظم العامى فى الأندلس والمغرب ومصر والعراق والشام .
والجدير بالذكر أن فنون النظم الشعرى العامى فى العصور الوسطى بفعل حركة التدوين قد انتشرت بين الأقطار العربية, وخاصة فى مصر والشام والعراق فقد كانت أزجال أبى بكر بن قزمان القرطبى تُقرأ فى القاهرة وبغداد وحواضر الشام والمغرب العربى, ومما يدل على أن ديوان ابن قزمان كان متدوالا فى الحواضر العربية قديما, هو العثور على نسختين مخطوطتين من الديوان اٍحداهما محفوظة بدار الكتب المصرية, والثانية كانت فى مدينة صَفْد بفلسطين وقد عثر عليها رحّالة فرنسى فى بدايات القرن العشرين وهى الآن محفوظة بمتحف "بطرس بِرْج" فى روسيا, وقد وصل اٍلى عصرنا العديد من مجاميع ودواوين النظم الشعرى العامى التى دُوِّنت فى العصور الوسطى, مثل ديوان اٍبراهيم المعمار وديوان على بن سودون اليشغباوى وديوان عبد الوهاب بن يوسف البنوانى, وكان الشاعر والزجَّال والناقد العراقى صفى الدين الحِلِّى يستشهد فى كتابه النقدى"العاطل الحالى والمُرَخَّص الغالى" بنصوص كاملة من الزجل والمواليا لزجالين من مصر والعراق والشام والمغرب العربى .
لم ينشغل العرب قديما بصناعة صراع مفتعل بين الفصحى والعامية واتفقوا على أن يكون لهم لغة رسمية واحدة هى العربية, وأن يكون لها عاميات قُطْرية تتفق معها فى معظم المفردات والاشتقاق اللغوى وتختلف معها فى نطق بعض الحروف والتجريد من الاٍعراب, وهذا الاتفاق بين أبناء المجتمع اللغوى كان حائط صَدّ مُضاد للدعوات الفردية التى كانت تنادى باٍحلال العامية محل الفصحى, وقد فشلت هذه الدعوات لأنها بالأساس لم تنبع من رغبة واٍرادة أبناء المجتمع اللغوى العربى, ومنذ القرن السادس الهجرى ظهر فى الأدب العربى مصطلح "الفنون السبع الأدبية" الذى كان يُطلَق على فنون النظم الشعرى عند العرب, ومنها اثنان ينظمان دائما بالفصحى وهما الشعر العمودى والموشح مع اٍمكانية دخول العامية فى خرجة الموشح أحيانا, وثلاثة فنون تنظم بالعامية فقط وهى والزجل والقوما والكان وكان, واثنان ينظمان ينظمان بالفصحى أو بالعامية المواليا والدوبيت, وهكذا حسم العرب قضية عروبة الشعر العامى منذ أكثر من عشرة قرون, ولم يروا فى انتشار الشعر العامى خطورة على العربية الفصحى كما يرى بعض المعاصرين, مثل أستاذ جامعى عربى معاصر يحذر من خطورة ذلك ويلفت انتباه الشعراء الذين ( ينشرون باللغة العامية إلى خطورة ما يُقدِمون عليه عندما يكتبون الشعر العامي )5, ومما يؤكد على تهافت هذا الادعاء هو أن فنون الشعر العامى موجودة منذ اثنى عشر قرنا فى أدبنا العربى جنبا اٍلى جنب مع شعر الفصيح, ولم تؤثر بالسلب على العربية الفصحى ولا على الشعر الفصيح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3ـ مقدمة ابن خلدون ـ ط المطبعة الشرقية ـ القاهرة 1327هجرية ص 697
4ـ المصدر السابق ص 677
5 ـ أنظر : اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين في المؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية ـ 2005م د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك
والجدير بالذكر أن فنون النظم الشعرى العامى فى العصور الوسطى بفعل حركة التدوين قد انتشرت بين الأقطار العربية, وخاصة فى مصر والشام والعراق فقد كانت أزجال أبى بكر بن قزمان القرطبى تُقرأ فى القاهرة وبغداد وحواضر الشام والمغرب العربى, ومما يدل على أن ديوان ابن قزمان كان متدوالا فى الحواضر العربية قديما, هو العثور على نسختين مخطوطتين من الديوان اٍحداهما محفوظة بدار الكتب المصرية, والثانية كانت فى مدينة صَفْد بفلسطين وقد عثر عليها رحّالة فرنسى فى بدايات القرن العشرين وهى الآن محفوظة بمتحف "بطرس بِرْج" فى روسيا, وقد وصل اٍلى عصرنا العديد من مجاميع ودواوين النظم الشعرى العامى التى دُوِّنت فى العصور الوسطى, مثل ديوان اٍبراهيم المعمار وديوان على بن سودون اليشغباوى وديوان عبد الوهاب بن يوسف البنوانى, وكان الشاعر والزجَّال والناقد العراقى صفى الدين الحِلِّى يستشهد فى كتابه النقدى"العاطل الحالى والمُرَخَّص الغالى" بنصوص كاملة من الزجل والمواليا لزجالين من مصر والعراق والشام والمغرب العربى .
لم ينشغل العرب قديما بصناعة صراع مفتعل بين الفصحى والعامية واتفقوا على أن يكون لهم لغة رسمية واحدة هى العربية, وأن يكون لها عاميات قُطْرية تتفق معها فى معظم المفردات والاشتقاق اللغوى وتختلف معها فى نطق بعض الحروف والتجريد من الاٍعراب, وهذا الاتفاق بين أبناء المجتمع اللغوى كان حائط صَدّ مُضاد للدعوات الفردية التى كانت تنادى باٍحلال العامية محل الفصحى, وقد فشلت هذه الدعوات لأنها بالأساس لم تنبع من رغبة واٍرادة أبناء المجتمع اللغوى العربى, ومنذ القرن السادس الهجرى ظهر فى الأدب العربى مصطلح "الفنون السبع الأدبية" الذى كان يُطلَق على فنون النظم الشعرى عند العرب, ومنها اثنان ينظمان دائما بالفصحى وهما الشعر العمودى والموشح مع اٍمكانية دخول العامية فى خرجة الموشح أحيانا, وثلاثة فنون تنظم بالعامية فقط وهى والزجل والقوما والكان وكان, واثنان ينظمان ينظمان بالفصحى أو بالعامية المواليا والدوبيت, وهكذا حسم العرب قضية عروبة الشعر العامى منذ أكثر من عشرة قرون, ولم يروا فى انتشار الشعر العامى خطورة على العربية الفصحى كما يرى بعض المعاصرين, مثل أستاذ جامعى عربى معاصر يحذر من خطورة ذلك ويلفت انتباه الشعراء الذين ( ينشرون باللغة العامية إلى خطورة ما يُقدِمون عليه عندما يكتبون الشعر العامي )5, ومما يؤكد على تهافت هذا الادعاء هو أن فنون الشعر العامى موجودة منذ اثنى عشر قرنا فى أدبنا العربى جنبا اٍلى جنب مع شعر الفصيح, ولم تؤثر بالسلب على العربية الفصحى ولا على الشعر الفصيح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3ـ مقدمة ابن خلدون ـ ط المطبعة الشرقية ـ القاهرة 1327هجرية ص 697
4ـ المصدر السابق ص 677
5 ـ أنظر : اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين في المؤسسات التعليمية في المملكة العربية السعودية ـ 2005م د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com