أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٨٢ : حول مقاطعة البضائع الإسرائيلية

أدرجت السيدة Ibtesam Nawajha Jhaish في التعليقات أمس على " ذاكرة أمس ٨١ " صورة لجانب من الدمار الذي ألم بغزة في الحرب الأخيرة ، وقد استنتجت منها - أي الصورة - مدى وحشية الإسرائيليين التي تعبر عن رعبهم من الصواريخ وخوفهم الأبدي من الهزيمة التي تعني انتهاء حلمهم .
خوف الإسرائيليين وانعكاسه في الأدب الفلسطيني سأعود لأكتب عنه غدا ، فقد وعدت عصرا أن أكتب عن المظاهرة التي جرت في نابلس من أجل مقاطعة البضائع الإسرائيلية .
أمس في الحادية عشرة والنصف صباحا مررت بشارع حطين فأصغيت إلى هتيف المظاهرات المشهور يهتف من أجل مقاطعة البضائع الإسرائيلية ، ووجدتني أحشر نفسي وأخاطبه والسائرين معه بالعبارة الآتية :
- اطلبوا من السلطة الفلسطينية أن تمنع وجود البضائع الإسرائيلية في أسواقنا .
لم يرق كلامي للهتيف ولم يرق للسائرين معه ، فسألني إن كنت مع السلطة أو ضدها .
الشعارات التي كان السائرون في المظاهرة يرددونها تمحورت حول الآتي :
كيف نشتري بضائع من يصادر أراضينا ؟
كل شيكل ندفعه ثمنا للبضائع الإسرائيلية يدعم رصاصة توجه إلى صدور أبنائنا ، فأول أمس جرح الجنود الاسرائيليون عشرة شبان فلسطينيين تظاهروا ضد الاستيطان .
الجدل العابر الذي جرى حول شراء البضائع الإسرائيلية يتمحور حول قضية كبيرة لها حضورها منذ ١٩٦٧ ، وبإمكان السلطة الفلسطينية منذ ١٩٩٣ أن تتخذ قرارا بشأنها ، على الرغم من ارتباطها بمعاهدة صلح مع دولة إسرائيل تجيز التبادل الاقتصادي .
الذي لفت انتباهي أن بعض من ساروا في المظاهرة هم ممن يأخذون رواتب من السلطة ، والسلطة تتسلم من إسرائيل أموال المقاصة ، والحكاية تطول .
هل نستطيع ، نحن المحاصرين من البحر إلى النهر ، حقا أن نقاطع البضائع الإسرائيلية ؟ وإن قاطعناها فهل يفشل الجيش الإسرائيلي في توفير ثمن الرصاص الذي يقتل به أبناءنا ؟ وهل ستنهار الدولة الإسرائيلية إن نجحنا في مقاطعتها ؟
إن كانت المقاطعة تنجز ذلك فأنا لست ضد إصدار فتوى وطنية تخون كل من يشتري البضائع الإسرائيلية ؟ - شخصيا لا أشتري إلا القليل جدا منها .
طيب وماذا في المقابل إذا منعت الدولة المصونة عمالنا من العمل في مصانعها ؟
إن جل شبابنا ينشدون الحصول على تصريح عمل ، لكي يتخلصوا من البطالة ويتمكنوا من العيش ؟ هل البرجوازية الفلسطينية مستعدة لأن توفر للعمال كلهم فرص عمل تمكنهم من العيش المقبول ، ولا أقول الكريم ؟
تفضلوا أيها البرجوازيون الفلسطينيون وحلوا المشكلة .
الكتابة في الموضوع طويلة ، وهي قديمة وموجعة .
في بداية سبعينيات القرن العشرين استاءت الشاعرة فدوى طوقان من يوم السبت لأن نابلس كانت فيه تكتظ بالعمال الذين يتبضعون ، وسخرت منهم ، فرد عليها الشاعر فوزي البكري بقسوة ، لأنها لم تعان مما يعاني العمال منه ، فلم تجد لهم عذرا ، وكلما حدثت حرب ندق الكوز بالجرة ونطالب بوقف العمل في المصانع الإسرائيلية ومقاطعة بضائعها - أي والله ، كلما حدثت حرب ندق الكوز في الجرة ، دون أن يكون لدينا بدائل .
الأدبيات التي تناولت الموضوع كثيرة والندوات كثيرة ، " وما أجمل أن ينصحنا الأغنياء بالفقر " يقول العمال الغلابا .
إزالة الاحتلال - الثاني والأول معا - لن يتم إلا بقوة ما أو بنضال طويل ضد عنصرية الدولة العبرية ، ولا أظن أن مقاطعة البضائع هي العامل المقرر . هل غاب عن ذهن المتظاهرين أن سلاح الدولة الإسرائيلية كله يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية بالمجان ؟
حكايتنا مع إسرائيل طويلة وطويلة جدا .
ربما أنا مخطيء وغير موفق في اجتهادي ، ومنذ العام ١٩٦٧ وقسم منا يدعو إلى محاربة العمال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل الفلسطيني ويدعو أيضا إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية ، والطريف أن الباحثين عن فرص عمل هناك يزداد عددهم !!
دبرها يا حكيم الثورة .
هل نسيتم ما كتبته سحر خليفة في روايتيها " الصبار " ١٩٧٦ و " عباد الشمس " ١٩٧٩ / ١٩٨٠ حول الموضوع ؟ وهل نسيتم قصة " الجوع " لغريب عسقلاني ؟ الفدائي ابن الجبهة الشعبية الذي كان يقف ضد من يذهب إلى العمل في الداخل الفلسطيني وجد نفسه ذات صباح يصعد الحافلة ويذهب معهم - أي والله .
لا تذهبوا بعيدا في تفسير كتابتي ، فأنا والله أتمنى للدولة ما تمناه ( اسحق رابين ) لقطاع غزة . هل تذكرون ؟
صباح الخير
خربشات
٦ حزيران ٢٠٢١ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى