أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٨٥ : الحرب التي وحدت فلسطين والسلام الذي قسمها

بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ كتب إميل حبيبي ست قصص قصيرة تحت عنوان " سداسية الأيام الستة " وأتى في إحداها على لقاء أبناء العائلة الفلسطينية بعد تسعة عشر عاما من الفراق .
كان مسعود الذي أقام أهله في الناصرة بعد النكبة يشعر بأنه مقطوع من شجرة ، فلما حلت الهزيمة وزاره عمه الذي لجأ في ١٩٤٨ إلى جنين شعر بالزهو ، فله ، مثل أبناء الناصرة ، أبناء عم يسندونه ، ولم يعد لسان حاله :
" لماذا نحن يا أبت ؟
لماذا نحن أغراب ؟
أليس لنا بهذا الكون
أحباب وأصحاب ؟ "
واستمر لقاء العائلة الفلسطينية الكبيرة في فلسطين كلها حتى نهاية الانتفاضة الأولى وتوقيع اتفاق أوسلو ، ومع مرور الأيام منعنا من زيارة مدننا التاريخية إلا بتصاريح أو بالتحايل أو من خلال فتحات ومعابر أو في أيام الأعياد حيث يشفق أبناء العمومة علينا فيسمحون لنا بزيارة البحر ويافا وحيفا وعكا والتبضع من " مولاتهم " و ...
ولم يعودوا يسمحون لنا بالسفر عبر مطار اللد الذي عدته بعض الأنظمة العربية مطار عدو يحاكم من يسافر عبره .
ما علينا !
بعد توقيع اتفاق السلام صار التنقل في فلسطين التاريخية صعبا جدا ، ولا أعرف ماذا سيكون عنوان قصة إميل حبيبي لو كتبها في هذه الأيام . هل سيغدو عنوان قصته " حين سعد مسعود بابن عمه " العنوان الآتي " حين تعس متعوس بفقدان الاتصال بابن عمه " ؟
شيء واحد لم يتوقف عن ارتكابه الإسرائيليون منذ حزيران ١٩٦٧ ، بل ومنذ عام النكبة ١٩٤٨ ، وهو تسوية مباني الفلسطينيين بالأرض .
في العام ١٩٤٨ سووا بضع مئات من القرى بالأرض ، وفي العام ١٩٦٦ هدموا قرية السموع ، وفور احتلال القدس في ١٩٦٧ جرفوا بوابة مندلباوم وحارة الشرف وسووا قرى يالو وعمواس وبيت نوبا بالأرض وهدموا آلاف المباني بحجة عدم الترخيص ، وفي العام ١٩٨٢ قصفوا مئات المنازل في بيروت ، وهدموا في العام ٢٠٠٦ ضاحيتها الجنوبية ، وأما عن غزة منذ نهاية ٢٠٠٨ فحدث ولا حرج ، والآن يريدون حي الشيخ جراح .
معه حق ( ثيودور هرتسل ) في تصوراته . لقد أراد بناء أحياء كالريفيرا وإنشاء سكك حديد كهربائية تصل إلى بيروت وبلاد الشام وأبعد .
عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في ١٩٦٧ طلبت من أهلها أن يرفعوا الأعلام البيض فوق سطوح منازلهم تفاديا لقصف الطائرات الإسرائيلية لها ، فرفع سعيد المتشائل فوق بيته في حيفا علم الاستسلام / الشرشف على عصا مكنسة ، ما دفع بالسلطات الإسرائيلية إلى سجنه ، معتبرة صنيعه فأل سوء وتعبيرا عن رغبة دفينة لديه بسقوط حيفا بأيدي العرب .
كم فلسطيني ، ممن تظاهروا في حيفا إبان الحرب الأخيرة ، سجنت السلطات الإسرائيلية ، معتبرة صنيعهم فألا سيئا يبشر بزوال دولة إسرائيل ؟
مرة أخرى توحد الحرب الفلسطينيين ولو معنويا ، فلأول مرة تقريبا منذ ١٩٦٧ يتظاهر الفلسطينيون معا ويسندون بعضهم بعضا و ... و ...
صار الفلسطينيون فلسطينيين وتلاشت ، في أيام الحرب ، عبارة " عرب إسرائيل " .
في غزة يقف الغزيون أمام بيوتهم المدمرة يبكون الأطلال ، وفي الشيخ جراح يصمد أهلها تتصدرهم منى الكرد وأبوها وأخوها ، وما عاد البعض يتندر " بكمامتك تحمي حمامتك " . لقد أوشكت مهنة بيع الكمامات تتلاشى ، ومثلها توشك الكورونا تتلاشى إلا على الجسور ، فما زالت الفحوص تجرى . خزينة الدولتين فارغة ولا بد من دعمها ، وصار الجسر مثل المنشار " طالع ماكل نازل ماكل " ، وإذا أردتم التأكد مما كتبت فما عليكم إلا متابعة صفحة الجسر ! الجسر هو الثابت الوحيد في زمني السلم والحرب . لقد ظل جسر الأحزان ولم تنجح فيروز في جعله جسر العودة .
صباح الخير
خربشات
٩ حزيران ٢٠٢١ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى