كانت الأجواء في نابلس أمس عادية تماما . الناس يتبضعون ويثرثرون على المقاهي ويؤرجلون ، وفي المكاتب يجلسون يتابعون شؤونهم ، وفي ساعات المساء يتمشون في شارع النصر ويجلس قسم منهم على المقاعد في باب الساحة يشربون الشاي والقهوة ويأكلون الرز بالحليب وينتظرون الكنافة المصنوعة على الفحم .
عادت الحياة إلى طبيعتها واقتصرت أخبار الحرب وحصار حي الشيخ جراح واقتحام الأقصى على التداول في وسائل التواصل الاجتماعي وثرثرات المقاهي . هل تذكرت شخصيا رواية غسان كنفاني " أم سعد " ورأي أم سعد في حرب حزيران ١٩٦٧ :
" بدأت الحرب في الراديو وانتهت بالراديو ، وحين انتهت قمت لأكسره ، ولكن أبا سعد سحبه من تحت يدي "
وتحسرت أم سعد على حياتها في المخيم بعد النكبة ، فقالت تخاطب الراوي :
"- آه يا ابن العم ! آه !" .
وأم سعد امرأة حقيقية من لحم ودم وقد عاشت حرب بيروت في العام ١٩٨٢ ، وظلت تتشبث بالأمل حتى وقع عرفات وأبو مازن على اتفاقية أوسلو . لحظتها قالت أم سعد عبارة واحدة :
- الآن شعرت أن فلسطين ضاعت .
وماتت أم سعد في المنفى ولم تعد .
هل بدأت حرب غزة بالراديو ووسائل التواصل الاجتماعي وانتهت بها ؟
ربما استحضر هنا مقولة نقدية ماركسية عن الموقع والموقف ، فالحرب لكل من هو بعيد عن غزة لم تعد تشغله كثيرا . لقد عاد هؤلاء إلى حياتهم الأولى يفكرون في شؤونهم الحياتية الشخصية من أجرة المنزل وقسط السيارة وتخرج أبنائهم من الجامعة وطبخة العكوب باللبن وسدر الكنافة و ... وصارت الكورونا أيضا مثل الحرب ؛ مجرد أمر ثانوي لولا تكاليف السفر المرتفعة عبر الجسور .
ولكن الحرب لأهل غزة ما زالت في بداياتها ، لا لأنها قد تشتعل من جديد ، فالجولة الخامسة قد تكون قريبة ، وإنما لأن إزالة ركام الأنقاض ستستغرق على الأقل ثلاثة أشهر ، ولأن إعادة الترميم والبناء قد تستغرق ثلاث سنوات إن لم يكن أكثر .
ماذا لو استضافت الجهات في غزة مجموعة من الكتاب والصحافيين العرب ليكتبوا يوميات إعادة البناء ؟ أم أن القطاع يضيق بسكانه أصلا ، فكيف هو الآن وقد تشرد عشرات الآلاف من سكان البنايات والبيوت المهدمة ؟
مثل مساء اليوم قبل ٥٤ عاما وضعت حرب حزيران أوزارها وعادت الحياة في الضفة الغربية المحتلة إلى طبيعتها مع بعض توجس وحذر ، ولم يكن لها من آثار إلا على بعض المباني ، ففي شارع فيصل احترقت مخازن مواد تموينية كانت شاهدا على حرب ما ، أما في بقية أحياء المدينة وفي مدن أخرى من الضفة ، فقد " بدأت الحرب بالراديو وانتهت بالراديو " .
قبل ٥٤ عاما ألقى الرئيس المصري جمال عبد الناصر خطاب الهزيمة وكان صوته كسيرا حزينا ، وخرجت الجماهير تطالبه بالعدول عن الاستقالة ومواصلة القيادة ، وفي الحادي والعشرين من أيار الماضي وما تلاه يتحدث السيد يحيى السنوار حديث الواثق ، وأتمنى أن تكون الأيام القادمة لأهلنا في غزة أفضل ، وألا يكون الانتصار شرا من هزيمة .
في حرب ١٩٦٧ انتصرت إسرائيل عسكريا ، وفي انتصارها كتب توفيق زياد :
" لا تقولوا لي : انتصرنا
إن هذا النصر
شر من هزيمة
نحن لا ننظر للسطح
ولكنا
نرى عمق الجريمة "
ومن المؤكد أن أهل غزة يرون عمق جريمة الإسرائيليين بحقهم ، على الرغم من شعورهم بانتصار ما ؛ انتصار جزئي ولو لبضع ساعات أو بضعة أيام .
صارت الحروب مثل أيامنا ، صارت روتينية ومملة تبعث على الضجر وتعمق جراح الضحايا وتزيد من مآسيهم وأحزانهم و ... و ... ومتى تضع الحرب أوزارها ويعود اللاجئون إلى حيفا ويافا واللد والرملة وعكا ومجدل عسقلان ؟ هل سيقول شاعر ذات يوم قصيدة تشبه القصيدة التي كتبها أحد شعراء فترة الحروب الصليبة بعد أن استرد المسلمون بيت المقدس ؟ :
" أترى مناما ما بعيني أبصر ؟
القدس تفتح والفرنجة تكسر "
وسبق أن استشهدت ببيت الشعر هذا .
صباح الخير
خربشات
١٠ حزيران ٢٠٢١
عادت الحياة إلى طبيعتها واقتصرت أخبار الحرب وحصار حي الشيخ جراح واقتحام الأقصى على التداول في وسائل التواصل الاجتماعي وثرثرات المقاهي . هل تذكرت شخصيا رواية غسان كنفاني " أم سعد " ورأي أم سعد في حرب حزيران ١٩٦٧ :
" بدأت الحرب في الراديو وانتهت بالراديو ، وحين انتهت قمت لأكسره ، ولكن أبا سعد سحبه من تحت يدي "
وتحسرت أم سعد على حياتها في المخيم بعد النكبة ، فقالت تخاطب الراوي :
"- آه يا ابن العم ! آه !" .
وأم سعد امرأة حقيقية من لحم ودم وقد عاشت حرب بيروت في العام ١٩٨٢ ، وظلت تتشبث بالأمل حتى وقع عرفات وأبو مازن على اتفاقية أوسلو . لحظتها قالت أم سعد عبارة واحدة :
- الآن شعرت أن فلسطين ضاعت .
وماتت أم سعد في المنفى ولم تعد .
هل بدأت حرب غزة بالراديو ووسائل التواصل الاجتماعي وانتهت بها ؟
ربما استحضر هنا مقولة نقدية ماركسية عن الموقع والموقف ، فالحرب لكل من هو بعيد عن غزة لم تعد تشغله كثيرا . لقد عاد هؤلاء إلى حياتهم الأولى يفكرون في شؤونهم الحياتية الشخصية من أجرة المنزل وقسط السيارة وتخرج أبنائهم من الجامعة وطبخة العكوب باللبن وسدر الكنافة و ... وصارت الكورونا أيضا مثل الحرب ؛ مجرد أمر ثانوي لولا تكاليف السفر المرتفعة عبر الجسور .
ولكن الحرب لأهل غزة ما زالت في بداياتها ، لا لأنها قد تشتعل من جديد ، فالجولة الخامسة قد تكون قريبة ، وإنما لأن إزالة ركام الأنقاض ستستغرق على الأقل ثلاثة أشهر ، ولأن إعادة الترميم والبناء قد تستغرق ثلاث سنوات إن لم يكن أكثر .
ماذا لو استضافت الجهات في غزة مجموعة من الكتاب والصحافيين العرب ليكتبوا يوميات إعادة البناء ؟ أم أن القطاع يضيق بسكانه أصلا ، فكيف هو الآن وقد تشرد عشرات الآلاف من سكان البنايات والبيوت المهدمة ؟
مثل مساء اليوم قبل ٥٤ عاما وضعت حرب حزيران أوزارها وعادت الحياة في الضفة الغربية المحتلة إلى طبيعتها مع بعض توجس وحذر ، ولم يكن لها من آثار إلا على بعض المباني ، ففي شارع فيصل احترقت مخازن مواد تموينية كانت شاهدا على حرب ما ، أما في بقية أحياء المدينة وفي مدن أخرى من الضفة ، فقد " بدأت الحرب بالراديو وانتهت بالراديو " .
قبل ٥٤ عاما ألقى الرئيس المصري جمال عبد الناصر خطاب الهزيمة وكان صوته كسيرا حزينا ، وخرجت الجماهير تطالبه بالعدول عن الاستقالة ومواصلة القيادة ، وفي الحادي والعشرين من أيار الماضي وما تلاه يتحدث السيد يحيى السنوار حديث الواثق ، وأتمنى أن تكون الأيام القادمة لأهلنا في غزة أفضل ، وألا يكون الانتصار شرا من هزيمة .
في حرب ١٩٦٧ انتصرت إسرائيل عسكريا ، وفي انتصارها كتب توفيق زياد :
" لا تقولوا لي : انتصرنا
إن هذا النصر
شر من هزيمة
نحن لا ننظر للسطح
ولكنا
نرى عمق الجريمة "
ومن المؤكد أن أهل غزة يرون عمق جريمة الإسرائيليين بحقهم ، على الرغم من شعورهم بانتصار ما ؛ انتصار جزئي ولو لبضع ساعات أو بضعة أيام .
صارت الحروب مثل أيامنا ، صارت روتينية ومملة تبعث على الضجر وتعمق جراح الضحايا وتزيد من مآسيهم وأحزانهم و ... و ... ومتى تضع الحرب أوزارها ويعود اللاجئون إلى حيفا ويافا واللد والرملة وعكا ومجدل عسقلان ؟ هل سيقول شاعر ذات يوم قصيدة تشبه القصيدة التي كتبها أحد شعراء فترة الحروب الصليبة بعد أن استرد المسلمون بيت المقدس ؟ :
" أترى مناما ما بعيني أبصر ؟
القدس تفتح والفرنجة تكسر "
وسبق أن استشهدت ببيت الشعر هذا .
صباح الخير
خربشات
١٠ حزيران ٢٠٢١