رياض محسن المحمداوي - الموسيقار العراقي الراحل ..محمد عبد المحسن.. أغنيات وألحان لا تغادر الذاكرة.

مثلما ولدت فسائل نخيلنا من رحم برحية عراقية.
ولد الابداع من رحم ارض الرافدين منذ القدم فاصبح لكل زمان نخيله . فنخيل زماننا مثمر بشتى انواع تمره الذهب الذي يذوب حلاوة وجمالا.
ومن نخيلنا الشامخ نخلة عراقية ولدت مبدعة وماتت واقفة حيث تموت النخيل. لتكون شاهد على اغتيال الجمال من قبل الارهاب الذي لادين له.
فسيرة نخلتنا اليوم تختلف كثيرا عن نخيلنا الباسقات. لكونه فناناً عاش حياة عصامية مليئة بالجد والاجتهاد والعمل الفني الدؤوب .حياة وهبها لفنه ووطنه .فترك لنا ارثآ بهياً اضاف للاغنية العراقية الكثير. وبزمن عاصر فيه عملاقة جيله من الفنانيين العراقيين من ملحنين ومطربين وموسيقيين.
كانت حياته مليئة بالابداع والعمل المستمر من اجل ان يكون للفن الملتزم مكانة سامية في نفوس الناس ويعكس رقيه على المجتمع المتحضر لكونه حاجة انسانية ولغة مشتركة لجميع البشرية ليس لها حدود ولا تحجبها الحجب ان تدخل القلوب.
انها الموسيقى التي تكاد تكون سراً من اسرار الحياة.
انه الفنان العراقي الموسيقار محمد عبد المحســن .
ولد الفنان الكبير محمدعبدالمحسن في بغداد عام 1928 وعاش وترعرع في محلتي الكرخ الشريعة ومحلة الشيخ عبدالقادر الكيلاني. مارس الغناء بعمر الثماني سنوات وكان محطاً للانظار حينما غنى انشودة من ألحان الرائد الفنان سعيد شابو عنوانها للمسير أيها الجيش الصغير .
وفي مقابلة للفنان يروي فيها
{ كيف تولعت في الموسيقى والغناء.. يقول.؟
– بينما كنت أسير، وصلت إلى مقهى حسن عجمي في شارع الرشيد، وكنت بعمر صغير، عبرت الشارع، ودخلت المقهى رأسا دون سلام ولا كلام، وكان المقهى يعج بكبار القوم من الشعراء والأدباء وكبار السن، ورحت استمع لصوت المطربة سليمة مراد، غير مبال لنظرات جلاس المقهى وأعجبهم من هذا الطفل الذي اقتحم عليهم خلوتهم وانسجامهم مع صوت سليمة مراد جرأته وجلوسه بينهم. رأيت رجلا يجلس بمهابة على منصة عالية وأمامه جهاز الكرامفون مع عدد كبير من الاسطوانات السوداء .فاقتربت من الرجل وسألته بحرارة .
كيف تغني هذه المطربة داخل هذا الصندوق الصغير؟!
– فضحك مني وقال: روح ابني. . ممكن أمك أدور عليك.
وخرجت من المقهى وانا حزين وقد صممت على شراء هذا الجهاز من ادخاري لمصروفي اليومي وبعد مدة تمكنت من شرائه. وكان جهاز الكرامفون كنزي الذي اطلعني على كبار المطربين والمطربات. حتى تمكنت من تقليدهم وفي نفس الوقت كان التقليد مفيداً لي كونه يشكل أهم تمارين الصوت والإلقاء السليمين.
وعندها تولع عبد المحسن بالغناء والموسيقى قرر دخول معهد الفنون الجميلة وتتلمذ على يد الموسيقار الكبير الشريف محي الدين حيدر و الشيخ علي الدرويش و بعدها الاستاذ روحي الخماش و درس العود و الصولفيج و تعلم قراءة النوتة الموسيقية وكان يعشق فن الموشحات .
وفي سنة 1948 انضم إلى رفاق الفن في فلسطين للإسهام في الترفيه عن الجيش العراقي الذي كان يشارك في معارك التحرير .مع بقية زملائه منهم الفنان يحيى حمدي واحمد خليل ومحمد كريم وحمدان الساحر وسعيد العجلاوي وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وداخل حسن وخزعل مهدي ومجموعة كبيرة أخرى من الفنانين العراقيين. وهناك غنى عبد المحسن أولى ألحانه وكان بعنوان (فلسطين فداك كلنا) .
وبعد رجوعه دخول الاذاعة محترفاً مع زملائه خزعل مهدي وعدنان محمد صالح وحمدان الساحر وجميل جرجيس وجميل قشطة ومحمود عبد الحميد ومحمد نوشي وجمال جلال وكنعان محمد صالح وداود العاني ومحمد رمزي واحمد الخليل وصلاح وجدي ومحمد كريم.. عام 1968 حيث تشكل ولأول مرة (كورس خاص بالاذاعة). وفيما بعد اصبح جميع هؤلاء من الاسماء الكبيرة في عالم الفن والابداع ومنهم عبدالمحسن . الذي تركت هذه المدرسة تاثيرها الكبير على اغنياته والحانه الخالده.
فمن اشهر اغانيه – يا بو المشحوف تانيني نار الشوك تجويني وسلم بعيونك الحلوة. واحاوا انسه حبك . اشكان الدلال. الليله ليلتنه. گمره وتوال?ى الل?يل. . سلميلي يانسمه. كلي وين مسافرين. ويه يمه للهوى دك بابي. حامل الهوا تعبوه . امل الحبايب. خايف لتروح وتنسانى. وكثير من الاغاني يطول عددها.
اما عن الحانه فقد لحن اجمل الاغاني العراقية التي ستبقى في الذاكرة ومن اروع الالحان في الاغنية العراقية الحديثة. واذكر منها. اغنية. دوريتك. ياحسافه. ضيعوني. خصلت صدگ وياك للفنان ياس خضر. وحن يادليلي ومسافات السفر لداخل حسن وقد غنى له الكثيرون من المطربين والمطربات ومنهم .سعدي الحلي .ومائده نزهت. هناء الضريرة. وامل خضير. ونرجس شوقي. واديبه. وعفيفة اسكندر .وعبدالجبار الدراجي. ونسيم عوده. وعبادي العماري. وفرج وهاب. واخرون. وقد قدم اعمال وطنية عديدة اشهرها. اغنية انا امك گالت? الگاع وانا ول?دي. وقد غنى له فنانيون عرب منهم .مها صبري. وطروب. هيام يونس. وموفق بهجت. وسميرة توفيق. ورندة .وسحر .ومن المطربين مصطفى كريدية ونصري شمس الدين وغيرهما .وصفه الفنان الكبير فاروق هلال ان محمد عبدالمحسن من اهم الملحنين الذين اضافوا التجديد للاغنية الريفية لكون الحانه كانت تصف بالحداثة والسهل الممتنع.
عشق عبدالمحسن المقام منذ صغرة وتاثر بطريقة الرائد المقامي الكبير رشيد أفندي القندرجي وطريقة الراحل عبد الأمير الطويرجاوي في الغناء الريقي .
ظهر الفنان محمد عبد المحسن في العديد من المسلسلات التلفزيونية بادوار غنائية تراثية وحديثة وكذلك في الحلقات التي رافقت اول تشكيل لفرقة الموشحات العراقية في فترة الستينيات من القرن الماضي، والتي اسسها الفنان الراحل روحي الخماش، وضمت الفرقة كبار المطربين والملحنين والموسيقيين أمثال احمد الخليل ومحمد عبد المحسن ورضا علي واحمد سلمان وبقية المطربين المعروفين كما ظهر في العديد من البرامج التلفزيونية مثل برنامج سيرة فنان.
وبرنامج أصوات وانغام وبرنامج من طرفنا من اعداد الفنان الكبير خليل الرفاعي وبرنامج ألوان من اعداد روحي الخماش وفؤاد فتحي وبرنامج بطاقات ملونة من اخراج عماد بهجت ومن تقديم الفنان عباس جميل.
ومن اسهاماته اشتراكه بتلحين (اوبريت) بغداد سنة 1977 بالاشتراك مع زملائه من الفنانين منهم الدكتور خالد ابراهيم وحميد البصري ورضا علي وياسين الراوي وروحي الخماش، ومجاميع من الراقصين والممثلين العراقيين.
سافر لعديد من الدول العربية لتمثيل العراق في مهرجانات ومحافل دولية نال فيها العديد من الجوائز وشهادات التقدير.
اماعن وفاته رحمه الله.
ففي صبيحة الثالث والعشرين من شهر نيسان 1983 انطفأت شمعة هذا الفنان المعطاء اذ كان يتناول فطوره في شقة صديقه الفنان الراحل كنعان وصفي، وكان يستعجل وصفي الذهاب إلى دار الاذاعة، وكان كنعان يستمهله لحين ينتهي من حلاقة وجهه، لكن (محمد عبد المحسن) ترك بيت وصفي على عجل شديد وكأنه على موعد مع الموت، فما ان دخل الاذاعة حتى انفجرت سيارة مفخخة نتيجة عمل ارهابي وأصيب فناننا اصابة بليغة، نقل على أثرها إلى المستشفى وكان في غيبوبة عميقة لاكثر من يوم حتى وافته المنية.
عبدالمحسن. الفنان الوديع ذهب ظحية الارهاب الذي لادين له ولامبداء سوى القتل والدمار .رحل هذا الفنان الانيق والمحب الخلوق وترك عائلة واحبابه واصحابه وجمهوره الواسع تحت اثر صدمة كبيرة. رحم الله فنان الشعب الاستاذ محمد عبدالمحسن. الذي عاش كنخلة عراقية شامخة ومات كما تموت النخيل واقفآ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى