حمه الهمامي - اللّتَانِ أُحِبْ..

اللّتَانِ أُحِبْ
مُتْعَبَتَانْ،
مَا أَقْسَى َالتَّارِيخَ
والجُغْرَافِيَا،
ومَا أَقْسَى مَا يَرْسُمَانِ
مِنْ تَضَارِيسَ
في جَسَدَيَّ اللَّتَيْنِ
أُحِبّ…
وفِي جَسَدِي…
فِي هَذهِ الأَيّامِ العَصِيبَة
مِنَ العَشْرِيَّةِ الثّالِثَةِ مِنَ القَرْنِ
الوَاحِدِ وَالعِشْرِين…
———-
تُونِسُ جمِيلَتِي،
“تُونِسْ البَيَّة”،
تَنْهَشُهَا الغِربَانُ الهَاجِمَة
مِنَ الشَّرْقْ،
وَالجَوارِحُ الزَّاحِفَةُ مِنَ الغَرْبْ،
والحَشَرَاتُ الطُّفَيْلِيّةُ مَحَلِّيّةُ الصُّنْعْ…
رَاضِية حَبِيبَتِي،
رَاضِيَة الأبِيَّة،
الشّهيدَةُ الحَيَّة،
تَنْهَشُهَا الأَتْعابُ الخَارِجَة
منَ تَحْتِ طَيّاتِ لَيْلِ
الدِكْتَاتُورِيَّة،
وعَذَابَاتِ سِنِيِّ المُقَاوَمَة
العَنِيدَة…
——
كُلَّمَا اشْتَدَّ بِيَ الوَجَعْ
لَا أَفْهَمُ مَأْتَاهْ…
أحتارْ…
هَلْ هِيَ تُونِسُ المَطْعُونَةُ
بِأَلفِ سِكِّينْ،
فِي زَمَنِ الأَوْغَادِ والسَّمَاسِرَةِ
وَأَزْلَامِ النِّظَامِ القَدِيم،
وتُجَّارِ الدِّينْ،
أمِ رَاضِيَة التِي أَنْهَكتْ جِسْمَهَا
إضْرَابَاتُ الجُوعْ
وَآلَافُ المَعَارِكِ منْ أَجْلِ
الحُرِّيَّة…
أَمْ هُمَا مَعًا…
————–
آهٍ…
حِينَ تَخْتَلِطُ الأَوْجَاعُ
بِالأَوْجَاعِ
وتَقْتَحِمُ كِيَانِي
مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصوْبْ،
وَأَعْجِزُ عَنِ التَّمْيِيزْ
وَيَهْتِفُ هَاتِفْ:
أَلَا خَفِّفْ عَنِ النَّفْسِ
أَيُّهَا الرَّجُلْ
وَاخْتَرْ وَجَعًا
وَاحِدْ…
يَخْرُجُ صَوْتٌ
منْ عُمْقِ الأَعْمَاقْ:
لَنْ أَتَخَلّى عَنْكُمَا
يَا وَطَنِي وَيَا حَبِيبَتي
مَهْمَا اشْتَدَّتِ الأَوْجَاعْ…
“فَبِقَلْبِيَ مَسْكَنٌ” لَكُمَا
لَا تَطُولُهُ الرِّياحُ وَالعَوَاصِفْ…
——–
الحُبُّ وَاحِدْ،
وَالوَجَعُ وَاحدْ،
وَإِنِ انْقَسَمَا إِلَى اِثْنَيْنْ
فَهُمَا فِي قَلْبٍ وَاحِدْ…
وَلَا قَدَرَ لِي،
تُونِسَ جَمِيلَتِي
وَراضية حَبِيبَتي،
غَيْرَ حُبِّكِمَا،
عَسَى أَنْ يَبْلُغَ الوَجَعُ مُنْتَهَاهْ
وَيَنْقَلِبَ إِلَى ضِدِّهْ،
وَأَرْتَاحْ…
—————–
لاَ أُرِيدُ وَطَنِي مُحَطّمًا،
ولا مَنْهُوشًا من ألفِ ذئْبٍ
وَذِئْبْ،
وَلَا حَبِيبَتِي
تَعْصِفُ بِهَا النّوائبُ
وَالبَلَايَا…
الأَمْرُ مَحْسُومٌ، أَيُّهَا
الحَمْقَى،
أَنْ نَكُونَ أَوْ لاَ نَكُونْ…
فِي زَمَنِ الأَوْغَادْ،
لَا مِنْطَقَةَ وُسْطَى بَيْنَ الوُجُودِ
وَالعَدَم…
——-
يَلْبَسُنِي الوَجَعْ
وأَلْبَسُ الوَجَعْ…
لِأَتَّحِدَ مَعْكُمَا وَنُصْبِحَ
وَجعًا وَاحِدْ
وَنَمْضِي،
رَعْدًا قَاصِفْ،
بُرْكَانًا جَارٍفْ،
نُطْرِدُ الغِرْبَانَ،
وَالجَوَارِحْ،
نَكْنَسُ الحَشَراتِ الطُّفَيْلِيّة…
نَنْتَصِرُ عَلى جِراحِ المَاضِي
وَعَذَابَاتِهْ
وَنَبْنِي مُسْتَقْبَلَنَا
وَنُجازِفْ…
———
سَآخُذُ الطّرِيقْ
أَيُّهَا المَلَاعِين،
وَأَمْضِي مُنْشِدًا،
فِي العَيْنِ بَسْمَة،
وَفِي القَلْبِ شُعْلَة:
اللَّتَانِ أُحِبّ
تَنْهَضَانِ مِنْ عُمْقِ التَّارِيخِ
وَالجُغْرَافِيا…
وَأَنَا…
مِنْ أَجْلِهِمَا أَحْيَا
مِنْ أَجْلِهِمَا أُطْلِقُ غَضَبِي،
عَوَاصِفَ،
فِي كُلِّ الاِتِّجَاهَاتْ…
وَأَصْرَخْ:
وَطَنِي لَا يَمُوتْ…
حَبِيبَتِي لَا تَمُوتْ…

حمه الهمامي
أعلى