استلمت يوم 15/4/2020 اشعارا لنهاية خدمة (35) سنة في مؤسسات صحية مختلفة، وهو ذاته يوم ولادتي في 15/4/1960.
انها لحظة نهاية لحياة وظيفية ممتدة لسنين طوال، قضيت منها خمس سنوات في حروب عبثية لا ناقة لي فيها ولا جمل من(1986-1991)، و (11) سنة خارج البلاد منذ (1993-2004). هي لحظة تستبطن الخضوع ذاته للقوانين البلهاء، عسى ان تكون لحظة الخضوع الاخيرة لكائن.
لحظة احساس بغياب العدالة المستمر لقرار غريب وغير معتاد، لانه انتهك التوقع والحضور الامن كقاعدة اساسية في الوجود. فتم اختزال عشر سنوات عمل متوقعة. في لحظة المفارقة هذه بين التوقع وغرابة الحادث الواقع يكمن الظلم، فتفاقم الشعور بالخيبة نتيجة لاخفاق رهيب في منظومة العدالة، مصحوبا بتأويلات ساذجة ومضللة لدوافع وسلوكيات لا اخلاقية، لادارة منظومة العدالة.
انه تغييب قسري، لن نكون موجودين ليرانا الاخر ، ولن يكونوا حاضرين ليشعروا بغيابنا. مع ذلك يشرق نور يغمر شغفي الاساسي بتجنب الالم والتحرر من آثامه، بدل البحث عن السعادة والتمتع بمباهج الحياة الوظيفية. ويبهجني الانغماس في الاجتماعي والانخراط في فاعلياته الى اقصى مدى ممكن. فقد كنت دائما وفيا ولكن مستقلا، فلم احظ برضا الادارات، الباحثة دوما عن (الوفي التابع).
حماستي الشديدة رغبة ملحة مشوبة بمودة للاخر، امسكتني عن التشكيك جهرا باراء المخالفين او تعنيفهم. وفي ذات الوقت احاول خلخة اسس الفهم السائد، من اجل المساعدة في تجاوز اخفاقاتنا. كانت اولويتي إظهار المودة للاصدقاء اولى بالجهر بما اظنه حقا (فالنصح سرا زينٌ لهم، والجهر بالنصح شينٌ لهم)
لم اخضع لغواية الانجاز والفاعلية، بقدر افتناني بالاداء الحقيقي، بل احيانا ابغض الفاعلية لانها تزدري الحق والصدق، بابتغائها التشغيل باقل كلفة للوصول الى اكبر قدر من المدخلات وغالبا على حساب الانسان، لتحوله الى تابع، وذاتوي، فما اكثر الباحثين عن الفاعلية والانجاز لا العمل (الذين يرمون الحصول على كل شيء دون بذل اي شيء)، فالفهم السائد، ان تحصل على اكبر من الانجازات ببذل ادنى جهد.
مع كل ذلك كنت أرى ان امكانية التغيير في متناول اليد لمن يريد، فالعالم من حولنا اكثر تقبلا ومرونة مما يبدو للوهلة الأولى، فحقيقة الاخرين والعالم ليست كما نفهم او نكتشف أثناء انهمامنا بالتغيير، حيث (توجد الحقيقة، حين نكتشف اننا لا نتملك الحقيقة، وان فهمنا الوشيك لها مشكوك فيه) بل كما تظهر في مواقفها المختلفة والمخالفة لما نعتقد:
- لاننا لا نستمع إلا لصوتنا فقط كأنه هو الحقيقة والواقع. فنقع في فخ التصلب.
- ولاننا نفتقد قدرة الانصات لاصوات الآخرين، فنقع في فخ فقدان التواصل.
- او ان نتجاهل الضغط الهائل للرأي السائد، والمسلط على الفهم العام.
معانتي هي عاداتي وممارساتي التي تبدو غريبة احيانا من وجهة نظر البعض، وسعيي الدائم في البحث عن الكيفية التي بها يمكن لنا ان ننقذ انفسنا من الصور الخادعة للسعادة المزيفة التي نرسمها في مخيلتنا ونسعى جاهدين لتحقيقها.
ان اكبر مصائبنا تكمن في الاستخفاف المفجع بكينونتنا، فتصوراتنا التي نتعامل بها تتجاهل قدرا كبيرا من ماهيتنا، فنطوع التزاماتنا ضمن توجهات تعاند كينونتنا وتزدريها. فترانا نتباهى ونتبجح بقدرتنا على الحكم والمعرفة ونحاجج بعقلنا المنطقي، ولكننا في ذات الوقت دائمي التردد والتطير والعناد. يعترينا الفضول والشك يستشري، والحسد والغيرة والجشع تغذي شهواتنا الجامحة، وتشحذ اسلحتها لحروبنا البينية العبثية، تغذيها منظومة اخلاقية تستند على الكفاءة العالية، وسيطرة حب الذات في اقبح صورها.
في خضم كل هذا يحظر امام ناظري قول لاحد العارفين (ما فائدة المعرفة اذا لم تمنحنا الهدوء والسكينة). فالمعرفة تنبأني ان العالم لا يتشكل كيفما نريد، وانه قد يستعصيعلينا، فمصادر الرضا من حولي ليست في نطاق سيطرتي، فسعيت لأُوطِن النفس بتجنب الاحباطات المتتالية، بتقليل سقف التوقعات الى ادنى حدٍ ممكن.
سنين ممتدة ، خبرت فيها ان الحياة متوالية من المسرات والمعاناة، فتعلمت ان هوس البحث عن السعادة، غرور مخادع وامل زائف، وان طلب لاستمتاع بما هو بهيج دافع لا ينتهي ويحث على المزيد فتُصيّرني اكثر هوسا بها حد العبودية.
فالخبرة والمحن تجعلنا اكثر حكمة، فنفهم العالم من حولنا بشكل اوسع، وفهمنا لذواتنا بشكل اعمق، ومجالات التغيير ممكنة دائما.
د. سليم جوهر
انها لحظة نهاية لحياة وظيفية ممتدة لسنين طوال، قضيت منها خمس سنوات في حروب عبثية لا ناقة لي فيها ولا جمل من(1986-1991)، و (11) سنة خارج البلاد منذ (1993-2004). هي لحظة تستبطن الخضوع ذاته للقوانين البلهاء، عسى ان تكون لحظة الخضوع الاخيرة لكائن.
لحظة احساس بغياب العدالة المستمر لقرار غريب وغير معتاد، لانه انتهك التوقع والحضور الامن كقاعدة اساسية في الوجود. فتم اختزال عشر سنوات عمل متوقعة. في لحظة المفارقة هذه بين التوقع وغرابة الحادث الواقع يكمن الظلم، فتفاقم الشعور بالخيبة نتيجة لاخفاق رهيب في منظومة العدالة، مصحوبا بتأويلات ساذجة ومضللة لدوافع وسلوكيات لا اخلاقية، لادارة منظومة العدالة.
انه تغييب قسري، لن نكون موجودين ليرانا الاخر ، ولن يكونوا حاضرين ليشعروا بغيابنا. مع ذلك يشرق نور يغمر شغفي الاساسي بتجنب الالم والتحرر من آثامه، بدل البحث عن السعادة والتمتع بمباهج الحياة الوظيفية. ويبهجني الانغماس في الاجتماعي والانخراط في فاعلياته الى اقصى مدى ممكن. فقد كنت دائما وفيا ولكن مستقلا، فلم احظ برضا الادارات، الباحثة دوما عن (الوفي التابع).
حماستي الشديدة رغبة ملحة مشوبة بمودة للاخر، امسكتني عن التشكيك جهرا باراء المخالفين او تعنيفهم. وفي ذات الوقت احاول خلخة اسس الفهم السائد، من اجل المساعدة في تجاوز اخفاقاتنا. كانت اولويتي إظهار المودة للاصدقاء اولى بالجهر بما اظنه حقا (فالنصح سرا زينٌ لهم، والجهر بالنصح شينٌ لهم)
لم اخضع لغواية الانجاز والفاعلية، بقدر افتناني بالاداء الحقيقي، بل احيانا ابغض الفاعلية لانها تزدري الحق والصدق، بابتغائها التشغيل باقل كلفة للوصول الى اكبر قدر من المدخلات وغالبا على حساب الانسان، لتحوله الى تابع، وذاتوي، فما اكثر الباحثين عن الفاعلية والانجاز لا العمل (الذين يرمون الحصول على كل شيء دون بذل اي شيء)، فالفهم السائد، ان تحصل على اكبر من الانجازات ببذل ادنى جهد.
مع كل ذلك كنت أرى ان امكانية التغيير في متناول اليد لمن يريد، فالعالم من حولنا اكثر تقبلا ومرونة مما يبدو للوهلة الأولى، فحقيقة الاخرين والعالم ليست كما نفهم او نكتشف أثناء انهمامنا بالتغيير، حيث (توجد الحقيقة، حين نكتشف اننا لا نتملك الحقيقة، وان فهمنا الوشيك لها مشكوك فيه) بل كما تظهر في مواقفها المختلفة والمخالفة لما نعتقد:
- لاننا لا نستمع إلا لصوتنا فقط كأنه هو الحقيقة والواقع. فنقع في فخ التصلب.
- ولاننا نفتقد قدرة الانصات لاصوات الآخرين، فنقع في فخ فقدان التواصل.
- او ان نتجاهل الضغط الهائل للرأي السائد، والمسلط على الفهم العام.
معانتي هي عاداتي وممارساتي التي تبدو غريبة احيانا من وجهة نظر البعض، وسعيي الدائم في البحث عن الكيفية التي بها يمكن لنا ان ننقذ انفسنا من الصور الخادعة للسعادة المزيفة التي نرسمها في مخيلتنا ونسعى جاهدين لتحقيقها.
ان اكبر مصائبنا تكمن في الاستخفاف المفجع بكينونتنا، فتصوراتنا التي نتعامل بها تتجاهل قدرا كبيرا من ماهيتنا، فنطوع التزاماتنا ضمن توجهات تعاند كينونتنا وتزدريها. فترانا نتباهى ونتبجح بقدرتنا على الحكم والمعرفة ونحاجج بعقلنا المنطقي، ولكننا في ذات الوقت دائمي التردد والتطير والعناد. يعترينا الفضول والشك يستشري، والحسد والغيرة والجشع تغذي شهواتنا الجامحة، وتشحذ اسلحتها لحروبنا البينية العبثية، تغذيها منظومة اخلاقية تستند على الكفاءة العالية، وسيطرة حب الذات في اقبح صورها.
في خضم كل هذا يحظر امام ناظري قول لاحد العارفين (ما فائدة المعرفة اذا لم تمنحنا الهدوء والسكينة). فالمعرفة تنبأني ان العالم لا يتشكل كيفما نريد، وانه قد يستعصيعلينا، فمصادر الرضا من حولي ليست في نطاق سيطرتي، فسعيت لأُوطِن النفس بتجنب الاحباطات المتتالية، بتقليل سقف التوقعات الى ادنى حدٍ ممكن.
سنين ممتدة ، خبرت فيها ان الحياة متوالية من المسرات والمعاناة، فتعلمت ان هوس البحث عن السعادة، غرور مخادع وامل زائف، وان طلب لاستمتاع بما هو بهيج دافع لا ينتهي ويحث على المزيد فتُصيّرني اكثر هوسا بها حد العبودية.
فالخبرة والمحن تجعلنا اكثر حكمة، فنفهم العالم من حولنا بشكل اوسع، وفهمنا لذواتنا بشكل اعمق، ومجالات التغيير ممكنة دائما.
د. سليم جوهر
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com